ثبت في كتب السنة النبوية الخاصة بأحاديث النبي ﷺ وسيره العطرة بيان أنواع الطعام الذي كان يفضله وتناوله في حياته، وكان من المعلوم أن المقصد من الطعام هو التغذي به والتقوي منه على إقامة العبادات، وكان هدي النبي ﷺ في طعامه أقوم الهدي وأفضله حيث كان يقتصد في طعامه ويتنوع فيه تنوعا لا إسراف فيه ولا توسع، بل كان دعاءه أنه يقول: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا)[1]، والقوت هنا أو الكفاف هو القدر من الطعام الذي يقيم حالهم، ويصلح أمرهم، ويكفيهم الجهد، وليس فيه فضول تخشى عليهم فتنته، ويخاف وباله.
ومن هنا وصف ابن القيم هدي النبي ﷺ في الطعام بعبارة جزلة فقال: وكان هَديُه ﷺ وسِيرته في الطَّعام لا يَرُدُّ مَوجودًا ولا يَتكلَّف مَفقودًا، فما قُرِّب إليه شيءٌ منَ الطَّيِّبات إلَّا أَكَله، إلَّا أن تَعافَه نفسُه فيَترُكه من غير تَحريم، وما عابَ طعامًا قطُّ، إنِ اشتَهاه أَكَلَهُ وإلَّا تَرَكَه. وكان هَديُه أَكْل ما تَيسَّر[2].
ولم يكن من عادته – ﷺ – حبسُ النَّفس على نوعٍ واحدٍ من الأغذية، لا يتعدَّاه إلى ما سواه، فإنَّ ذلك يضرُّ بالطَّبيعة جدًّا وقد»و يتعذَّر عليها أحيانًا. فإن لم يتناول غيره ضعُف أو هلك، وإن تناول غيره لم تقبله الطَّبيعة واستضرَّ به. فقصرُها على نوعٍ واحدٍ دائمًا، ولو أنَّه أفضلُ الأغذية، خطرٌ مُضِرٌّ.
بل كان يأكل ما جرت عادة أهل بلده بأكله، من اللَّحم والفاكهة والخبز والتَّمر وغيره ممَّا ذكرناه في هديه في المأكول، فعليك بمراجعته هاهنا.
وإذا كان في أحد الطَّعامين كيفيَّةٌ تحتاج إلى كسرٍ وتعديلٍ كسرَها وعدَّلها بضدِّها إن أمكن، كتعديله حرارةَ الرُّطَب بالبطِّيخ. وإن لم يجد ذلك تناوَلَه على حاجةٍ وداعيةٍ من النَّفس من غير إسرافٍ، فلا تتضرَّر به الطَّبيعة[3].
أنواع من الطعام كان يفضلها النبي
جاء في مجموعة من الأحاديث الصحيحة المسندة إلى النبي ﷺ تذكر أنواعا من الطعام كان يفضلها النبي ومن هذه الأحاديث ما يأتي:
1 – العسل:
عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ )[4].
2 – التمر:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ)[5].
وقال أيضا: (يَا عَائِشَةُ ! بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ ، يَا عَائِشَةُ ! بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ)[6].
بل كان التمر غالب قوت النبي ﷺ ، فقد روت عائشة رضي الله عنها قالت: (إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ ثُمَّ الْهِلاَلِ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَارٌ . فَقُلْتُ – أي عروة بن الزبير -: يَا خَالَةُ ! مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ ؟ قَالَتِ: الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَلْبَانِهِمْ، فَيَسْقِينَا) متفق عليه .
3 – الخل:
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال : (نِعْمَ الْأُدُمُ أَوْ الْإِدَامُ الْخَلُّ) رواه مسلم (2051)
4 – زيت الزيتون:
عَنْ أَبِي أَسِيدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ)[7].
5 – خبز الشعير:
عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ : (مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه مسلم (2970)
6 – اللبن:
وكان اللبن من أكثر طعامه ﷺ ، وهو من الفطرة التي اختارها يوم الإسراء والمعراج، حيث قال ﷺ : ( فَأَخَذْتُ الَّذِي فِيهِ اللَّبَنُ فَشَرِبْتُ فَقِيلَ لِي أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ ) متفق عليه .
7- الجبن:
عن ابن عمر قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبْنَةٍ فِي تَبُوكَ، فَدَعَا بِسِكِّينٍ، فَسَمَّى وَقَطَعَ»[8].
قال الخطابي: إنما جاء به أبو داود من أجل أن الجبن كان يعمله قوم الكفار لا تحل ذكاتهم وكانوا يعقدونها بالأنافج وكان من المسلمين من يشاركهم في صنعة الجبن فأباحه النبي ﷺ على ظاهر الحال ولم يمتنع من أكله من أجل مشاركة الكفار المسلمين فيه.
8- اللحوم:
وكان رسول الله ﷺ يحبُّ اللَّحمَ، وأحبُّه إليه الذِّراعُ ومقدَّمُ الشَّاة، ولذلك سُمَّ فيه. وفي «الصَّحيحين»: أُتي رسولُ الله – ﷺ – بلحمٍ، فرُفِعَ إليه الذِّراعُ، وكانت تُعجبه.[9]
وذكر أبو عبيد وغيره عن ضُبَاعة بنت الزبير أنَّها ذبحت في بيتها شاةً فأرسل إليها رسولُ الله – ﷺ – أن «أَطْعِمينا من شاتكم». فقالت للرَّسول: ما بقي عندنا إلا الرَّقبة، وإنِّي لأستحيي أن أُرسِل بها إلى رسول الله – ﷺ -. فرجع الرَّسول، فأخبره، فقال: «ارجع إليها، فقل لها: أرسلي بها، فإنَّها هادية الشَّاة وأقربُ الشاةِ إلى الخير، وأبعدُها من الأذى»[10].
عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ أمر أن يذبح شاة فيقسمها بين الجيران، قال: فذبحتها فقسمتها بين الجيران، ورفعت الذراع إلى النبي ﷺ، وكان أحب الشاة إليه الذراع، فلما جاء النبي ﷺ قالت عائشة: ما بقي عندنا منها إلا الذراع قال: ” كلها بقي إلا الذراع”[11].
وفي رواية عند الترمذي: عن أَبي ميسرة، عن عائشة، أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَقِيَ مِنْهَا»؟ قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا قَالَ: «بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا»: ” هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
ولم يكن من عادته ﷺ تناول أكثر من وجبتين في اليوم والليلة .عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: ( مَا أَكَلَ آلُ مُحَمَّدٍ ﷺ أَكْلَتَيْنِ فِي يَوْمٍ إِلاَّ إِحْدَاهُمَا تَمْرٌ )[12].
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله : ” فيه إشارة إلى أنهم ربما لم يجدوا في اليوم إلا أكلة واحدة، فإن وجدوا أكلتين فإحداهما تمر ” انتهى . “فتح الباري” (11/292).
9 – الثريد:
وكان أحبّ الطعام إلى رسول الله ﷺ الثّريد، فقد روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ” كان أحبّ الطعام إلى رسول الله الثّريد من الخبز، والثّريد من الحيس“. والثريد طعام يكون فيه لحم مطبوخ وخبز مكسور.
وجاء في فضل الثريد حديث أبي موسى الأشعري، عن النبي ﷺ قال:
(فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)[13].
الأطعمة التي تناولها الرسول ﷺ
ومن الأطعمة التي تناولها الرسول ﷺ ممّا ثبت في الأحاديث الصحيحة ما يأتي:
10 – الأرنب:
وذلك لما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنفجنا أرنباً بمر الظهران فسعى أصحاب النبي -ﷺ- خلفها، فأدركتها فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة فذبحها، وبعث بها إلى رسول الله ﷺ بوركها وفخذيها، قال: فخذيها لا شك فيه، فقبله. قلت: وأكل منه؟ قال: وأكل منه، ثم قال بعد: قبله[14].
11 – الدجاج:
فقد جاء في صحيح الحديث عن زهدم الجرمي -رضي الله عنه- قال: «كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه فَدَعَا بِمَائِدَتِهِ وَعَلَيْهَا لَحْمُ دَجَاجٍ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ شَبِيهٌ بِالمَوَالِي؛ فَقَالَ: هَلُمَّ! فَتَلَكَّأَ، فَقَالَ لَهُ: هَلُمَّ! فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَأْكُلُ مِنْهُ»[15].
12 – الدّبّاء وهو القرع:
فقد جاء عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: إنَّ خياطاً دعا رسول الله ﷺ لطعام صنعه، قال أنس بن مالك: فذهبت مع رسول الله ﷺ إلى ذلك الطعام، فقَرب إلى رسول الله -ﷺ- خبزاً من شعير ومرقاً فيه دبَّاء وقديد، قال أنس: فرأيت رسول الله -ﷺ- يتتبَّع الدُّباء من حوالي الصحفة، قال: فلم أزل أُحب الدُّباء منذ يومئذ.
والدباء من ألطف الأغذية، وأسرعها انفعالًا.
ويذكر أنس أن النبي ﷺ كان يعجبه، فعن أنس قال: «دعا رسولَ الله – ﷺ – رجلٌ، فانطلقتُ معه، فجيءَ بمرقةٍ فيها دبَّاء، فجعل رسولُ الله – ﷺ – يأكل من ذلك الدُّبَّاء ويُعجبه»، قال: «فلمَّا رأيتُ ذلك جعلتُ أُلقيه إِليه ولا أَطعمُه»[16].
وهذه الأحاديث تثبت أن أطعمة النبي ﷺ كانت متنوعة حسب ما يقدم بين يديه، فقد “شرب اللبن خالصًا ومَشُوبًا، والسَّويق، والعسل بالماء. وشرب نقيعَ التمر.
وأكل الخَزيرة، وهي حِساء يُتَّخَذ من اللبن والدقيق.
وأكل القِثَّاء بالرُّطَب. وأكل الأَقِط. وأكل التمر بالخبز، وأكل الخبز والخلَّ. وأكل الثريد، وهو الخبز باللحم. وأكل الخبز بالإهالة، وهي الودك، وهو الشحم المُذاب. وأكل من الكبد المشويَّة، وأكل القَدِيد. وأكل الدُّبَّاء المطبوخة، وكان يحبُّها، وأكل المسلوقة. وأكل الثَّريد بالسَّمن، وأكل الجبن، وأكل الخبز بالزيت، وأكل البطِّيخ بالرُّطَب. وأكل التمر بالزُّبْد، وكان يحبه[17].