اتصلت بي إحدى الأمهات تود استشارتي في وضع طفلتها ذات الثلاث سنوات العنيدة التي ترفض الانصياع لأوامرها وفي الآونة الأخيرة أصبح يظهر عليها بعض السلوكيات العدائية تجاه أمها وتجاه نفسها.. كان صوت الأم مليئاً بالألم والإرهاق، وبعد أن أنهت شكواها تنهدت وقالت بصوتٍ باكٍ: والله إني لا أقصر معها أبدًا، وكل شيء تطلبه مني يُلبى لها، حتى لو كُنت متعبة أتحامل على نفسي لألبي رغبتها.. لا أدري لماذا أصبحت معي هكذا، وكأنها تكرهني ودائما تقول لي أنا لا أحبك وانهارت بالبكاء.
من هنا توقفت على السبب الذي جعل الطفلة بهذا السلوك الأناني الذي يسمونه بعض المربيين، وهو الحماية الزائدة للطفل، حيث إن المربي يعتبر هذا الطفل غير قادر على أن يتحمل مسؤولية أي أمر مهما كان صغيراً، بالإضافة لرغبة الكثير من المربين في توفير الرفاهية للأبناء من منطلق أنه يخشى على الطفل أن يشعر بالحرمان أو الدونية فتبدأ عملية الابتزاز من قبل الطفل.
فسألتها ما هي الأمور التي تكلفين طفلتك بها؟ هل توكلين لها بعض المهام أو المسؤوليات؟
كان رد الأم في آنٍ واحد.. ضاحكةً وفيه من التعجب الكثير وهي تقول لي: صغيرة!! للآن أي مهام أو مسؤوليات تتحدثين عنها وكررت لي بصوتٍ مؤكد عمرها ثلاث سنوات فقط.
اطردت عليها بالرد: أعلم أعلم أنها بعمر ثلاث سنوات.. هنا تعجبت أكثر من تأكدي من المعلومة وإصراري على السؤال، أجابتني وهي متعجبة: هي للآن لا تستطيع أن تعتمد على نفسها حتى في أبسط الأمور.
سألتها: هل أنت متأكدة؟!
فأجابت بكل تأكيد: إي، طبعا، فهي لا تعرف أن تعتمد على نفسها حتى في ارتداء ملابسها أو في أكلها.
فأجبت: لهذا هي هكذا الآن عنيدة وعصبية.
وقعت إجابتي على الأم بشكل قاسٍ جداً، وسألت باستنكار: يعني أنا من جعلها بهذا السلوك؟!
هدأت من روعها وطمنتها بقولي كل شيء ممكن أن يتصلح لا تقلقي.. إن جهل المربي في خصائص النمو للطفل توقعه في فخ تربوي يقع فيه أغلب المربيين، وهو أنه يتعامل مع الطفل بعدم وعي وإدراك للدوافع وراء السلوك، ولماذا طفله يتصرف بهذه الطريقة، وخاصة في هذا العمر من سنتين وحتى ثلاث سنوات.
خصائص النمو في عمر السنتين
دعونا نقف معاً وقفة على خصائص النمو في عمر السنتين وحتى الثلاث سنوات، وما هي أبرز السلوكيات التي تظهر على الطفل في هذا العمر.
تعتبر هذه المرحلة هي مرحلة اثبات الذات عند الطفل وبدء الاعتماد على نفسه والاستقلالية والرغبة في التجربة والتعلم من كل شيء حوله، ولهذا السبب يظن المربي أن طفله أصبح عنيداً يرفض الالتزام بالأوامر التي يوجهها له، ولكن هو لا يعي أن طفله بدأ يحاول أن يحقق ذاته من خلال الرغبة بالأكل لوحده، ومن الطبيعي جداً حدوث بعض الفوضى خلال التجربة، وأن الطفل سيطور هذه المهارات خلال مرحلة التعلم بالاعتماد على الذات، وأيضاً سيرفض أن يكون عبارة عن دمية يحركها المربي كيف ما يشاء، بل سيحاول أن يستكشف ويعبث من باب الفضول والتعرف على العالم من حوله، لأنه في هذه المرحلة تتطور مهارات الطفل المعرفية وتتطور مهاراته اللغوية. ومن الجدير بالذكر أنه سيحاكي سلوك الوالدين معه وسيدرس انفعالاتهم وسينتهز الفرص ليكون هو الفائز في قطعة الحلوى الكبيرة، وهي أن تلبى رغباته هو وتزداد هذه المشكلات السلوكية -إن صحت تسميتها- تحت اسم المشكلات في حال كان الطفل يعيش ضمن أسرة لا تسن قوانين وليس لديها روتين يومي يتعلم به الطفل الانضباط والالتزام واتباع أسلوب الحزم مع اللين في آن واحد.
مظاهر مرحلة النمو في عمر السنتين
من أهم مظاهر مرحلة النمو في عمر السنتين:
- اكتشاف العالم من حوله والرغبة في عمل كل شيء بنفسه مثل (الأكل لوحده، الشرب، اللبس، اللعب).
- يفضل أن يكون مع الأطفال، ولكن يلعب بلعبته لوحده.
- يصاب الطفل بنوبات غضب وخاصة في حال واجه صعوبة بالتعبير عن رغباته، أو لم يُفهم من قبل الآخرين من حوله.
- توسع المفردات: لتصل إلى حوالي 50 مفردة.
- تكوين جملة من كلمتين: مثل بابا سيارة، عصفور فوق، ماما حبيبي، أشرب ماء.
- فهم الضمائر: مثل أنا وأنت وهي وهو، لكن ليس من الضروري أن يستخدمها بطريقة صحيحة.
- التعرف على الأشياء وأجزاء الجسم والإشارة عليها وممكن تسميتها أيضاً.
والسؤال هنا: كيف أحمّل طفلي المسؤلية؟ وما أثرها على سلوك طفلي؟
- يعتبر تدريب الطفل على تحمّل مسؤوليته هو جزء مهم جداً في تحقيق الطفل لذاته، وهي حاجة أساسية وملحة تظهر في هذه الفترة، فمساعدة الطفل على الاستقلال في الاعتماد على نفسه بالأكل والشرب وغيرها مهم جدا. يجب على المربي أن يعطي الطفل المساحة اللازمة لتأدية هذا الدور وبدوره يعزز الطفل ويثني عليه بعد القيام بأي عمل إيجابي حتى يكرر الطفل السلوك ويحاول تطوير هذه المهارة.
- اتباع أسلوب الحوار مع الطفل ومساعدته على التعبير عن مشاعره، كأن يحاور الوالدان الطفل ضمن أحد المواقف (أنت الآن سعيد أو فرحان لأن…..)، (أنت غضبان لأن ….)، (أنت حزين لأن ….).
- تحديد بعض القوانين الأسرية مثل، وقت اللعب، وقت النوم وقت الطعام وغيرها، والاتفاق مع الطفل عليها يقلل كثيراً من حدوث تصادم بين المربي والطفل في اختيار الأوقات المناسبة لهم كأطفال بشكل عشوائي أو غير مناسب لوضع الأسرة.
تهيئة الطفل في هذه الفترة مهمة جدا في تحميله المسؤولية عن طريق الانضباط والالتزام ضمن قوانين بسيطة تتناسب مع مستوى إدراكه ووعيه البسيطين ليصبح شخصاً واعياً ومسؤولاً ولديه قدرة للتعبير عن مشاعره وتحديدها بشكل واضح.
وأخيرا ..
وليس آخراً، تعتبر التربية مرحلة مهمة جداً يجب على الوالدين الاستعداد لها لخوضها بوعي بأن يتعلموا أكثر عن خصائص النمو وطرق حل المشكلات التربوية مع الأبناء، فبعض الحلول السريعة المتعبة من المربي تزيد من المشكلة وتظهر النتائج بعد بلوغ الطفل، وليس في نفس الوقت لدى الطفل.
تنزيل PDF