يعتبر المختار ولد بونا الجكني، من أعظم علماء موريتانيا أثرا في حياتها الثقافية في القرن(12 هـ 18م)، إذ نشر علم النحو، والمنطق، والبلاغة، وأصول الفقه، وإليه المرجع في أغلب أسانيدها. اشتهر بكراماته وقوة شخصيته وعمق رؤيته، ولم يكن له مماثل في عصره في العلم، وله الفضل على الكثير ممن جاء بعده من أعلام موريتانيا، وتخرجت على يده كوكبة من أعلام بلاد شنقيط.
هو المختار بن محمد سعيد المعروف لدى العام والخاص بـ “ابن بونا”، وغلب عليه هذا اللقب حتى لا يكاد يسمع الاسم الحقيقي له إلا نادرا.
يقول المدون عبد الله محمدو أن ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ ﻭﻟﺪ ﺑﻮﻧا ﺍﻟﺠﻜﻨﻲ هو ﺗﺎﺝ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻃﻮﻕ ﺑﻌﻠﻤﻪ ﻛﻞ ﻋﺎﻃﻞ ﻭﻭﺭﺩﺕ ﻫﻴﻢ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺯﻻﻟﻪ، ﻓﺼﺪﺭﻭﺍ ﻋﻨﻪ ﻛﻠﻬﻢ ﻭﻫﻮ ﻧﺎﻫﻞ . ﻭﻻﻳﻮﺟﺪ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﻌﺪﻩ ﺇﻻﻭﻟﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﺍﻟﺠﺰﻳﻞ، ﺑﻤﺎ ﺇﺳﺘﻔﺎﺩ ﻣﻦ ﻣﺼﻨﻔﺎﺗﻪ، ﻭﺗﻠﻘﻲ ﻣﻦ ﻣﺴﻨﺪﺍﺗﻪ، ﻭﻳﻜﻔﻴﻪ ﺃﻧﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺸﺮ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﺑﻌﺪ ﺩﻓﻨﻪ، ﻭﻛﻔﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺸﺘﻘﺎﺕ ﻣﺆﻧﻪ .ﻭﻛﺎﻧﻮ ﻗﺒﻠﻪ ﻻ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯﻭﻥ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﻟﻔﻴﺔ ﻭﺷﺮﻭﺣﻪ ، ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺨﻄﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻄﺎﻟﺐ ﺃﻥ ﻳﺨﺰﻥ ﻓﻲ ﺫﻫﻨﻪ ﺑﻪ، ﻣﺎﻳﻜﻮﻥ ﻗﺮﻳﺐ ﺍﻟﺘﻨﺎﻭﻝ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻲ ﺫﺍﻟﻚ، ﺣﺘﻲ ﻧﻈﻢ ﻟﻬﻢ ﻣﺎﺗﺨﻠﻒ ﻋﻦ ﺍﻷﻟﻔﻴﺔ، ﻣﻤﺎ ﺗﻀﻤﻨﻪ ﺍﻟﺘﺴﻬﻴﻞ، ﻭﺃﻟﺼﻖ ﻛﻞ ﺷﺬﺭﺓ ﺑﻤﺎ ﻳﻨﺎﺳﺒﻪ، ﻭﺿﻢ ﺇﻟﻲ ﺫﻟﻚ ﻃﺮﺗﻪ ﺍﻟﻤﻔﻴﺪﺓ، ﻭﺃﺗﻲ ﻋﻠﻲ ﻛﻞ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺑﺎﻟﺸﻮﺍﻫﺪ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻌﺮﺏ .
مولده ونشأته وحياته العلمية
هو المختار بن محمد سعيد ابن المستحي من الله بن سيد اعل بن زلماط الجكني. والدته ميْرم بنت بخيري من أولاد موساني الجكنيين.
ولد ببلدة “اكفليت”، وتوفي في “تباريت”، لكن ليس من السهل تحديد تاريخ ولادته، لا لكونه ولد في بيئة بدوية لا تحفل بكتابة التاريخ وتقادم عهدها فحسب، ولكن أيضا لاختلاف الروايات وتباين آراء الباحثين حول فترة عمره بعد التسليم أنه توفي سنة عام 1220 للهجرة وهو ما يمثل السند التاريخي الذي يمكن الارتكاز عليه لتحديد زمن ميلاده.
وعليه، فعلى الأرجح أن مولد الرجل كان عام 1080 للهجرة، أما تاريخ وفاته فكان سنة 1220هـ، أي أنه عاش 140 سنة.
وقد نشأ ولد بونا في بيت جذوره ممتدة في العلم والصلاح، وبعد صبر ومثابرة فتح الله عليه، عندما كان يدرس على المختار بن حبيب الجكني، فصار لا يقرأ شيئا إلا حفظه وفهمه.
درس على مجموعة من شيوخ عصره، منهم محمد العاقل الديماني، ومن هنالك انطلقت معه مجموعة من الطلبة الذين شكلوا النواة الأولى لمحضرته، والتي كانت من أعظم المدارس في عهدها، تتدفق بمعين علمي سلسبيل، يعطي للعقل حقه ويستخدم مختلف الأدوات، من منطق، ودراسة موسوعية للنحو وأصول الفقه وغير ذلك.
ﻭﻟﻤﺎ ﺷﺎﻉ ﻧﺒﻮغ المختار ولد بونا ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺟﻌﻠﺖ ﺍﻟﻄﻠﺒﺔ ﺗﺮﺣﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺍﻟﺸﺎﺳﻌﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺼﺤﺒﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﻟﻄﻠﺒﺘﻪ، ﺟﻮﺍﺩﺍ ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻠﻚ، ﺇﻻﺃﻧﻪ ﻗﻠﻴﻞ ﺍﻹﻗﺎﻣﺔ، ﻓﺸﻖ ﺫﻟﻚ على ﺗﻼﻣﺬﺗﻪ ﻟﺘﻌﻄﻞ ﺍﻷﻭﻗﺎﺕ ﻭﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﻡ ﻣﻘﺎﻣﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﻭﺱ، ﻷﻥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺇﺧﺘﺮﻉ ﻟﻠﻄﻠﺒﺔ ﻻﻳﻘﺪﺭﻋﻠﻴﻬﺎ ﻏﻴﺮﻩ.
اشتغل العلامة المختار ولد بونا الجكني بالتدريس والإفتاء، وأسس محضرته الخاصة باسمه (محضرة ولد بونا)، وقد كان نشيطًا دينيا وسياسيا، حتى اعتبر الزعيم الروحي لمنطقة تكانت، وقد جمع بين التدريس والتأليف فكانت صفاته العلمية تمثل النموذج الأمثل لشيخ المحظرة المعلم المؤلف، وتلقى علومه الدينية والعربية عن أجلة من علماء عصره، حتى صار أحد مؤسسي المنهج العلمي في بلاد شنقيط، وقد ترجم الزركلي في كتابه الأعلام لأغلب شيوخه وطلابه.
وهؤلاء هم أشهر شيوخه الذين تتلمذ عنهم، وأشهر طلابه الآخذين عنه:
شيوخه
- المختار بن حبيب الجكني.
- انجبنان الحيبلي.
- محمد بن بوحمد المجلسي.
- خديجة بنت العاقل الديمانية.
- محمد بن بوأحمد المجلسي.
- وابنه البدوي والمختار بن باب حسونن الحسني.
تلامذته
- المجيدري بن حبيب الله اليعقوبي، تـ 1204هـ.
- سيدي عبد الله بن الفاضل اليعقوبي، تـ 1209هـ.
- أحمد المأمون بن محمذن الصوفي اليعقوبي، تـ 1232هـ.
- غالي بن المختار فال البوصادي، تـ 1200هـ.
- حرمة بن عبد الجليل العلوي، تـ 1243هـ.
- مولود بن أحمد الجواد اليعقوبي، تـ 1243هـ.
- بلا بن الفاضل الشقروي، تـ 1274هـ.
- دييجه الكمليلي، تـ 1274 هـ.
- سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي، تـ 1233هـ.
- سيدي عبد الله بن أحمد دام الحسني، تـ 1286هـ.
مؤلفاتهوعطاءه العلمي
ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻜﺒﺎ على ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻭﻣﻦ ﺃﻧﻔﻊ ﻣﺎ ﺃﻟﻒ ﻧﻈﻤﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻤﺎﻩ ﺍﻹﺣﻤﺮﺍﺭ، ﻋﻘﺪ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺗﺴﻬﻴﻞ ﺍﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ، ﻣﺎﻳﺬﻛﺮﻩ ﻓﻲ ﺍﻷﻟﻔﻴﺔ ، ﻭﻣﺰﺟﻪ ﺑﻬﺎ ﻣﺰﺟﺎ ﺟﻴﺪﺍ ﻳﺪﻝ على ﻣﻬﺎﺭﺓ ﺗﺎﻣﺔ.
ظهرت أولى مؤلفات المختار بن بونا سنة 1123هـ وهو كتاب: “مبلغ المأمول إلى قواعد الأصول”، ثم كتاب: “تحفة المحقق في حل مشكلات المنطق” عام 1151هـ.
ومن أهم مؤلفاته: “الجامع بين التسهيل والخلاصة المانع من الحشو والخصاصة” وهو نظم في النحو، يربو على ألف بيت عقد فيه من تسهيل بن مالك ما لم يذكر في الألفية، ومزجه بها مزجا دقيقا. يعرف لدى الطلاب بالاحمرار وله عليه تعاليق تعرف بالطرة. وكتاب تبصرة الأذهان في نكت المعاني والبيان، ووسيلة السعادة في العقيدة الأشعرية.
وقد ترك العلامة المختار ولد بونا مكتبة غنية تناولت جميع حقول المعرفة نذكر منها ما يلي:
- “الجامع بين التسهيل والخلاصة المانع من الحشو والخصاصة”، وهو نظم في النحو يربو على ألف بيت عقد فيه من تسهيل بن مالك ما لم يذكر في الألفية ومزجه بها مزجا دقيقا. ويعرف هذا الكتاب لدى الطلاب بالكتاب باحمرار ابن بونا لكتابته بذلك اللون، كما يعرف بالطرة، وقد شرحه أكثر من ثلاثين عالما.
- – “المقدمة” وهي كتاب نثري في النحو وضعه على غرار كتاب ابن هشام: “قطر الندى وبل الصدى”، وقد نظمه بعض العلماء.
- “سلم الطالبين إلى قواعد النحويين” ، وضعه للمبتدئين في أقل من 200 بيت.
- “نظم الجمل” وقد خصصه للمباحث المتعلقة بإعراب الجمل، شرحه تلميذه سيدي محمد بن سيدي عبدالله ابن الحاج ابراهيم.
- “إرشاد الصغار” وهو مؤلف نثري في النحو لا يتجاوز بضع صفحات وضعه للمبتدئين.
- “تبصرة الأذهان في نكت المعاني والبديع والبيان” وهو نظم حاوٍ لعصارة البلاغة كما هي في: “التلخيص للخطيب القزويني.
- – “تحفة المحقق في حل مشكلات المنطق” وهو نظم في حوالي 300 بيت ضمنه مختصر السنوسي وزيادة.
- – “مبلغ المأمول إلى قواعد الأصول” وهو نظم حوالي: 1600 بيت عقد به جمع الجوامع لابن السبكي، ويعتبر أقدم مؤلف موريتاني في هذا الفن.
- – “درر الأصول في علم الأصول” وهو نظم يقع في حوالي 300 بيت
- – “وسيلة السعادة في التوحيد” وهو نظم يزيد على 1000 بيت وقد ضمنه تآليف السنوسي الخمسة: (العقيدة الكبرى- العقيدة الصغرى – أم البراهين- العقيدة الوسطى – شرح لامية الجزائري).ولهذا النظم شروح كثيرة.
- فتاوى متنوعة منها ما يسمى “عنديات المختار بن بونا” وأنظام متفرقة في الفقه وفي الأنساب، ومن ذلك نظم النسب المغفري.
- قصائد شعرية ذات أغراض متنوعة
يضرب الصبيان ﻭيستقي ﻋﺰﻣﻪ ﻣﻦ ﻧﻤﻠﺔ
نشأ المختار بن بونا في بيت جذوره ممتدة في العلم والصلاح، ﻭﻟﻢ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻛﺒﺮ، وكان أخوه الأكبر أحمد مزيد يصحبه معه إلى الدرس، لكنه كان بليدا في أول طلبه للعلم حتى عيره البعض بالجهل…وبعد صبر ومثابرة فتح الله عليه بعد نومة طويلة عندما كان يدرس على المختار بن حبيب الجكني.
ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺃﻣﺮﻩ ﻳﻀﺮﺏ ﺍﻟﺼﺒﻴﺎﻥ ﻭﻳﻨﺰﻉ ﻣﺎﺑﺄﻳﺪ ﻳﻬﻢ .ﻓﺄﺗﻔﻖ ﺃﻧﻪ ﺳﻄﺎ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﺻﺒﻲ ﻓﻀﺮﺑﻪ ، ﻓﺎﻧﺘﺼﺮﺕ ﻟﻪ ﺃﻣﻪ ، ﻭﺳﺒﺖ ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ ولد بونا ﺳﺒﺎ قبيحا ، ﻭﻋﻴﺮﺗﻪ ﺑﺎﻟﺠﻬﻞ ، ﻓﺄﻧﻒ ﻟﺬﺍﻟﻚ ، ﻭﺳﺎﺭ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻋﻠﻢ ﺃﺑﻮﻳﻪ ، ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ ﺍﺑﻦ ﺣﺒﻴﺐ ، ﻓﻮﺻﻞ ﺇﻟﻴﻪ ، ﻭﺷﺮﻉ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻻﺟﺮﻭﻣﻴﺔ ﻓﻠﻢ ﻳﻔﻬﻤﻬﺎ ﺛﻢ ﻓﺘﺢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ . ﻭﻟﻪ ﻗﺼﺔ ﻓﻲ ﺫﺍﻟﻚ ﻣﺸﻬﻮﺭﺓ ﻭﻗﺪ ﺇﺳﺘﻘﻲ ﻋﺰﻣﻪ ﻣﻦ ﻧﻤﻠﺔ ﺷﺎﻫﺪﻫﺎ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﺛﻢ ﺗﻜﺮﺭ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﻟﺔ ﻣﺮﺍﺕ ﺣﺘﻲ ﺇﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺫﺍﻟﻚ ﻓﻌﺰﻡ ﻋﻠﻲ ﺃﻥ ﻻﻳﻜﻮﻥ ﺃﺿﻌﻒ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﻤﺔ .
ﻭﻟﻤﺎ ﻇﻬﺮ ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ ولد بونا ﻭﺃﻧﺘﺸﺮ ﺫﻛﺮﻩ ﻓﻲ ﺍﻹﻗﻠﻴﻢ ، ﺻﺎﺭﺕ ﺍﻟﻨﺎﺱ تنهال ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻭﺟﻬﺔ، ﻭﺃﺭﻱ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺍﻟﺰﻭﺍﻳﺎ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺇﺩﻳﻘﺐ ، ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ، ﻓﺄﺳﺘﺠﻠﺒﻮﻩ ﺇﻟﻴﻬﻢ ، ﻟﻴﺄﺧﺬﻭﺍ ﻋﻨﻪ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ ، ﻭﻛﺎﻥ ﻻﻳﺠﺎﺭﻱ ﻓﻴﻬﻤﺎ .ﻓﺄﻗﺎﻡ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺑﺮﻫﺔ ﻓﻮﻗﻌﺖ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻨﺎﻇﺮﺍﺕ ﺃﺩﺕ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﺸﻘﺎﻕ ﻭﺃﻃﺎﻟﻮﺍ ﺍﻟﺸﻘﺎﻕ ﺛﻢ ﺇﺳﺘﺴﻤﺤﻮﻩ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ “ﺗﺎﻟﻠﻪ ﻟﻘﺪ ﺍﺛﺮﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺎ ﻟﺨﺎﻃﺌﻴﻦ “ﻓﻘﺎﻝ “ﻻﺗﺜﺮﻳﺐ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻳﻐﻔﺮﺍﻟﻠﻪ ﻟﻜﻢ ﻭﻫﻮ ﺃﺭﺣﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ “.
مدرسة موسوعية متنقلة
تألق عطاء مدرسة المختار بن بونا ابتداء من الربع الأخير من القرن 12 الهجري فقد كانت محضرته من أعظم المدارس في عهدها إذا كانت تجمع أبناء البلاد السائبة فلم تكن مدرسة لقبيلة بعينها ولا لجهة معينة وإنما كانت مدرسة ظاعنة تعمل على كشف غياهب الجهل وتوفر زلال المعين الفكري لكل ظامئ، ولذا شاع في القبائل ذكره حتى تنافست في استضافته وكسب وده بل ما من قبيلة إلا وتتلمذ عليه أفراد منها.
ولقد كانت مدرسة المختار بن بونا مدرسة تعطي للعقل حقه وتستخدم مختلف الأدوات من منطق ودراسة موسوعية للنحو وأصول الفقه وغير ذلك ولذا وصفها البعض بأنها كانت مدرسة موسوعية في منهجيتها وفي محتواها.
وقد كانت مدرسة المختار بن بونا مدرسة متنقلة حتى شق ذلك الترحال على أحد طلبته فقال:
لك اللهُ من شيخ إذا ما تبوأتْ *** تلاميذه مأوًى لنصب المدارس
تيمَّمَ ميمون الخصاصة فاترا *** على ظهر مفتول الذراعين عانس
يفزِّعُ نون البحرِطورا وتارةً *** يُهَدِّمُ جحْرَ الضب في رأس مادس
وقد كانت تدرس في هذه المدرسة شتى أنواع العلوم الشرعية واللغوية، وقال العلامة حرمة بن عبد الجليل يصف محظرة المختار:
فيها تجمع سيبويه ويوسف *** والكاتبي والأشعري وأشهب
بل أن المختار بن بونا نفسه وصف مدرسته في إحدى قصائده فقال:
ونحن ركب من الأشراف منتظم *** أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة *** بها نبين دين الله تبيانا
نتلو كتاب إلهِ العرش كل مسا *** وكل يوم فمن نلقى توقّانا
وكانت للمختار بن بونا رحمه الله أخلاقا من الجود والحلم والصبر على التدريس ما جعل طلابه يحرصون كل الحرص على مصاحبته مهما كانت التحديات.
طرائف ونوادر المختار ولد بونا
لابن بونا طرائف و نوادر كثيرة بعضها وقعت بحضرته، منها أن رجلا قال ذات يوم لزوجه وقد سألته شيئا: “لك ما أحببتِ”، فأخذت ثلاث تطليقات، ثم بكت. فقام يطلب فتوى من علماء زمنه في هذا فكلهم أفتى بالتحريم، حتى أتى المختار بن بونا فقص عليه القَصَصَ، فقال له: لم تطلَّق واحدة أحرى ثلاثا، إنما أعطيتها ما رضيت، والثلاث لا ترضَى بها، وهي محبة لك والدليل على ذلك بكاؤها.
ولما بلغ ذلك تلميذَه سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي قال: إن ابن بونا يأخذ من مآخذ لا يُؤخذ منها لجودة فهمه.
ومنه أن تجكانت عشيرته وقع بينهم وبين قبيلة من زوايا الگبلة نزاع في ديات فظهرت الحجة على تجكانت فجاؤوا مدرسة المختار فأخبروه. فقال: بما ظهروا عليكم؟ قالوا: بشهادة فلان، وهو عدل واسمه في نهاية القبح والفظاعة. فقال لهم: أيجيب من دعاه بهذا الاسم؟ فقالوا: نعم. فقال: إنه لا يشهد، ولا أعلم هذا نصا ولكن من هذا اسمه لا يشهد؛ لأنه رضي لنفسه الدناءة بإجابته من دعاه بهذا، وذلك أيُّ قادح. فرفعوا ما قال للمحكم، فبحث عن ذلك فوجد ما قاله المختار في المدونة.
ومنها أنه ركب إلى قوم قريب منه يريد ما يأخذه الشيخ من تلامذته، وقد كان كثيرا ما يأتيهم قبلُ، وقد كان فيهم رجل طبيب، فقال الطبيب لقومه: يا قومُ ما لكم في كل عام تعطون أموالكم في غير شيء؟ فبلغَه واشٍ ما قال الطبيب لقومه، فلما صلى الظهر قال المختار: أفلانٌ –يعني الطبيب- هنا؟ فقالوا: نعم. وكان مشهورا في الطب. فقال المختار: اشهدوا وليشهد من حضر أني أدين الله بأنه ضامن ما أتلف من نفس ومال لأنه طبيبٌ جهِلَ. ففرحَ وُشاةُ الطبيبِ فأخبِرَ فجاء وقد أحضر حوائج للشيخ، فقال له ما أخبِرتَ به كذبٌ. فضحك ابن بونَا. ولما صلى العصر كتب له إن له الدية في كل من أحيا لأنه يحيي الموتى بإذن الله، فضحك وضحك تلامذته كلهم..
وكان كثير الممازحة لمن رافقه. وله من الكرامات ما لا يحصى. وكان كثير الكشف قلما يهمه أمر إلا وكوشف له به ولقي كثيرا من الأولياء ممن ليس بأرضه كشفا. وكان كثير التواضع؛ أخبرني غير واحد كالوالد عن بعض تلامذته أنه سئل المُقامَ بأرض تگانت فقال: إنه لا يسكن إلا موضعا فيه دواوين هجاء الأقران له. وأنه مات يوم مات وهو أحدُّ ذهنا وأجود فهما من ابن ثلاثين .