جاء في الحديث الصحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: مر بي ‌عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري قال: قلت له كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: قال ‌أبي : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله، أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال” هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا ” لِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ، قال: فقلت: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره.

أما راوي الحديث وهو أبو سلمة بن عبدالرحمن فهو ابن عوف الزهري المدني ، قيل اسمه : عبد الله ، وقيل : إسماعيل ، تابعيٌ ثقة مكثر ، مات سنة 94 أو 104 هـ ، روى له أصحاب الكتب الستة في الأحاديث النبوية.

وقد سأل عن الأمر من عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، تابعي أيضا ثقة ، مات سنة اثنتي عشرة ، روى له مسلم والأربعة .

 قال : ” إن أبا سلمة بن عبد الرحمن سأله ، قلت : كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى ؟ ” يعني الآية من سورة التوبة ، حيث يقول الله تبارك وتعالى ﴿ لمسجدٌ أُسّسَ على التَّقوى منْ أول يومٍ أحقُّ أنْ تقوم فيه فيه رجالٌ يُحبون أنْ يُتطهروا والله يحبُ المطّهرين ﴾ التوبة : 108 .

فالمسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ، اختلف فيه أهل العلم ، فقالت طائفة : هو مسجد قباء . وقال آخرون : هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما اختاره أبو سعيد الخدري ، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث أن ابنه عبد الرحمن سأله : أيُّ المسجدين الذي أُسس على التقوى ؟ فقال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه ، فقلت : يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى ؟ قال : فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض ” الحصباء هي الحصى الصغار ، وكان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضه من الحصباء ، ولم يكن مفروشا بالسجاد ، ولا بالحصر ولا غيره ، وإنما كان من تراب عليه حصباء .

 فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي المسجدين الذي أسس على التقوى ؟ هل هو مسجد قباء أو المسجد النبوي؟ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كفا من الحصباء ، ثم ضرب به الأرض ، ثم قال : ” هو مسجدكم هذا ” يعني مسجد المدينة . أي : هو مسجده الشريف ، وذلك أنه إذا كان مسجد قباء هو المقصود بالآية ، وأنه المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ، وبُنيت قواعده على البر والتقوى ، والصلاح والإخلاص ، فمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بهذا الفضل والشرف ، وهو داخل في الآية من باب أولى ، لأنه أفضل عند الله عز وجل من جميع المساجد ، إلا المسجد الحرام الذي بأم القرى .

وفي رواية أخرى : عن أبي سعيد رضي الله عنه أيضا : أنه اختلف رجلان من بني خدره في المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال أبو سعيد الخدري : هو مسجد رسول الله ، وقال العمري : هو مسجد قباء ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك ؟ فقال : ” هو هذا المسجد ” لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : ” في ذلك خيرٌ كثير ”  الحديث عند الإمام أحمد ومسلم والترمذي والنسائي .

وقوله : ” في ذلك خيرٌ كثير ” يعني : مسجد قباء فيه خير كثير  .

فثبت أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد الرسول أولا ، وما سواه من المساجد في الإسلام تبعٌ له ، لأنه أشرفها وإن كان المسجد الحرام أعظم منه لكن هو بني قبل الإسلام ، فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل مسجد أسس في الإسلام ، وقد أثنى الله تعالى على أهله ، فقال ﴿ فيه رجالٌ يحبون أن يتطّهروا ﴾ التوبة : 108 . وقوله ( فيه رجال ) هذا وصف لهم بالرجولة ، وصفات الرجولة هي الشجاعة ونصرة الحق والكرم والسماحة والحلم وغير ذلك ، ووصفهم بأنهم يحبون أن يتطهروا من النجاسات ، ومن الذنوب والخطايا والسيئات ، ويطهروا قلوبهم مما لا يحب الله تعالى من الكفر والشك والنفاق ، والحقد والغل والشقاق ﴿ والله يحب المطهرين ﴾ الطهارة المعنوية والحسية .