في يوم الخامس عشر من مارس الماضي، أفاق العالم على مجزرة مروعة، ارتكبها يميني متطرف ضد المسلمين في مسجدَين بمدينة “كرايس تشيرش” النيوزيلندية، واستشهد على إثرها 50 مصليًّا وجُرح عدد كبير. الكارثة استدعت إلى الأذهان أسئلة كثيرة تتعلق بالعداء المتصاعد للمسلمين في الغرب، وبحقيقة الاتهامات الموجَّهة للإسلام بالحضِّ على العنف والكراهية والإرهاب.. كما استدعت أسئلة أخرى تتعلق باختلاف معالجة الإعلام والسياسيين لهذه الحوادث، حين يكون مرتكبها غير مسلم!

في هذا الحوار الشامل والصريح، نقرأ أبعاد فاجعة نيوزيلندا ودلالاتها، مع المفكر والداعية الدكتور إبراهيم أبو محمد مفتي أستراليا؛ صاحب العديد من الكتابات والمواقف فيما يتصل بالوجود الإسلامي في الغرب، والذي حرص على زيارة نيوزيلندا، للوقوف على حقيقة المأساة، ولتوصيل رسالة للمسلمين وللمجتمع النيوزيلندي.. فإلى الحوار:

 

– كيف استقبلتم نبأ مجزرة كرايس تشيرش؟

في البداية عندما علمنا بالحدث حاولنا الاتصال بالزملاء والإخوة هناك في كرايس تشيرش، لكن الهواتف لم تجب؛ فأدركنا أن الناس في شغل وذهول. وبشيء من التحليل البسيط واستحضار الإحداثيات- ومنها: أن الحدث تم في مسجد، وتم يوم الجمعة، وفي وقت الصلاة- أدركنا أن من المستحيل أن يكون ضحايا الحدث بعض الجرحى كما صور الإعلام بداية، عند صياغة الجرعة الأولى للخبر في بعض وكالات الأنباء وبعض الأجهزة الإعلامية خارج نيوزيلندا؛ ومن ثم، فقد تم تقديم الخبر بشكل فيه التواء وتعمية، يدركها أهل الخبرة والدراية بأساليب الإعلام الغربي وإشكالية التحيز لديه عند صياغة خبر مفجع من الوزن الثقيل، فقالوا: “رجل يحمل مسدسًا”. وظلت العبارة تتردد فترة في كل البيانات والتحليلات الإخبارية.

“جاسيندا” تصرفت كأيقونة إنسانية .. والشعب قدم نموذجاً يدرس

ولأنه رجل أبيض وليست ملامحه شرق أوسطية، ومن ثم، فليس ممن حُجز لهم وصف الإرهاب؛ فيبدو في البداية أنهم ظنوا أن لهم قدرة على التحايل واللعب في الوصف الحقيقي للحدث، وهو “الإرهاب المنظم”؛ فأرادوا أن يذهبوا به بعيدًا عن الإرهاب ليبقى هذا المصطلح البغيض “الإرهاب” خاصًّا بالمسلمين وحدهم.

لذلك كانت ردود فعل كثير من السياسيين وأصحاب القرار خارج نيوزيلندا مائعة، وجاءت في صورة “تغريدات” لا تحمل إدانة صريحة بالوصف الحقيقي للكارثة، وقد انتبهنا لهذه المحاولة وأدنتها فورًا وبصراحة، في لقاء لي مع تلفزيون SBS صرحت فيه بأن هناك محاولات “طرمخة”- بلغة المصريين- وتمييع للحدث، وقلت بأن الحدث ليس مجرد حدث إجرامي، ولكنه جريمة “إرهابية” تتكامل فيها كل بشاعة الإرهاب.

وبعد اللقاء تم الاتصال بزملائنا وأصدقائنا في نيوزيلندا لمعرفة الوضع على الأرض، وكان هذا في البداية وعندما كانت الحصيلة الأولى للضحايا “٩”. ومن ثم، فقد كان الخبر صادمًا ثم مفجعًا وكارثيًّا.

– رد فعل المجتمع النيوزيلندي تجاه الأزمة، رسميًّا وشعبيًّا.. كيف تقيّمونه؟

زرت نيوزيلندا كثيرًا، لكن لم أكن أتوقع- مثل كثيرين غيرى- أن الشعب النيوزيلندي وحكومته ورئيسة وزرائه بهذا الاقتدار على إدارة أزمة كارثية بهذا الحجم.

وقد ظهر لي، خلال زيارتي نيوزيلندا بعد الحادث، مع وفد من مجلس الأئمة الوطني الأسترالي، أن بشاعة الجريمة وحجم الكارثة فيها أحدثت رد فعل على المجتمع النيوزيلندي؛ على المستوى الرسمي والشعبي، فأخرجت من داخلهم مستوىً أخلاقيًّا كان مستكنًا، فمثلاً: في إدارة هذه الأزمة ظهرت رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن وقد رأتها كل عيون العالم ورصدتها كاميراته كيف تتصرف كـ”إنسانة” لا كرئيسة وزراء فقط، وإنما “كأيقونة الإنسانية في نيوزيلندا”.. أما بالنسبة للشعب فقد لا حظت أمرين: الجانب الإنساني، والجانب اللوجستي.

من حيث الجانب الإنساني، أظهروا جميعًا قدرة فائقة على التعاطف وامتصاص الآلام، وبداية من لحظة نزولك من سلم الطائرة النيوزيلندية كل من تلتقي به – يعرفك أو لا يعرفك- يحتضنك وأكثرهم يبكي ويعتذر، ويقول “أنتم قطعة من قلبي”، “نحن لا نفعل ذلك أبدًا”، “المجرم غريب عنا وليس منا”.

الفندق الذى نزلنا فيه رفض أن يتقاضى أجرًا طوال مدة وجودنا التي تجاوزت أسبوعًا.. الباص والسيارات التي استأجرناها رفض أصحاب الشركة أن يتقاضوا أجرًا، والسائق النيوزيلندى “جايسون”- وقد أضحى صديقي وأوجه له شكري وتقديري- كان يتفانى في خدمتنا طوال الليل والنهار ورفض أن يتقاضى أجره.

وظهر الشعب النيوزيلندي لا كشعب منكوب، وإنما كنموذج يجب أن يدرَّس وأن تتعلم منه كل الأنظمة والحكومات والشعوب في إدارة الأزمات.

– الخطوات التي اتخذتها رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن، ومنها تعديلات على قوانين حيازة السلاح.. هل هي كافية لمنع تكرار هذه المأساة؟

رئيسة وزراء نيوزيلندا “جاسيندا” ومعها شعبها لا زالت في مرحلة النقاهة من أثر الصدمة، وكل ما يحدث الآن هو إسعافات أولية لتجفيف الدم وتضميد للجراح وهي تعلم ذلك، ونحن نعلم ذلك أيضًا، ومن ثم فالإجراءات الأولية هي بالطبع ليست كافية، وسنكشف عما قريب عن اتصالات ورسائل خاصة تتضمن ما يحقق المطلوب ويطمئن الناس ويرضيهم.

– ما تفسيركم لوقوع هذه المذبحة في نيوزيلندا، بالرغم من أنها تبدو هادئة بعيدة عن الصخب الأوروبي والأمريكي تجاه الإسلام؟

وسائل التواصل الاجتماعي شكّلت فضاءً جديدًا لا يخضع للسيطرة، وتولَّد عنه قنوات ومنصات اجتماعية للتخاطب ونشر المعلومات والأخبار ليست بريئة في أغلب الأحوال، وقد غابت سيطرة الأنظمة والحكومات بشكل ما؛ حيث لم تعد تلك الوسائل أو الوسائط ملكًا لها، فقد انفكت عنها وانساحت قبضة الرقابة الحديدية للحكومات، وبالتالي فقد تلاشت المسافات، واتسعت المساحات ولم يعد هناك فرق في التواصل بين شرق وغرب، وشمال وجنوب.

في ظل هذه المتغيرات السريعة وجدت الكراهية والعنصرية بيئة حاضنة ومناخًا مناسبًا؛ والكراهية والعنصرية كلاهما يتغذى على حماس يشتعل، وقد وجد ضالته ووقوده في حشد إعلامي وسياسي يبث الكراهية والعنصرية، ثم أضيف إليه مؤخرًا حشد سياسي آخر دخل على الخط وتبنى خطاب الكراهية والتعصب، واستغله بعض كبار الرموز السياسية ممن هم في مواقع القرار كوسيلة رخيصة لتبرير ما يرتكبون من جرائم تحت شعارات مختلفة، في مقدمتها طبعًا دعوى “محاربة الإرهاب”.

ولعل القارئ الكريم يلحظ أن دولاً سقطت ودُمرت تحت هذه الدعوى، ومن ثم كان البعد السياسي برموزه في مراكز القرار داعمًا قويًّا للكراهية والعنصرية في أعلى المواقع تأثيرًا، ثم دخل على الخط أيضًا من يبحثون لوجودهم عن مشروعية، وصدرت تصريحات- وليست تلميحات– تحرض المسؤولين في دول الغرب على مواطنيهم من المسلمين، وتدعو الغرب لمراقبتهم، كما استغلها آخرون تحت ضغط الخوف أو التخويف لكسب أصوات الناخبين. وشكل الفريقان الإعلامي والسياسي كتيبة للشر تحرض على كل ما هو إسلامي، وتحض الآخرين على كبح أنشطتهم الدعوية.

ومن ثم نمت العنصرية وتغذت بشدة على الكراهية المصنعة إعلاميًّا وسياسيًّا؛ الأمر الذى تراكم عبر سنوات، وحوَّل العنصرية من المحلي إلى العالمي؛ فأضحت ميكروبًا عابرًا للقارات، وكونت بؤرًا ميكروبية تنتشر بسرعة وتعبر القارات ليتبناها عدد من الأفراد والأحزاب. وبعيد، انحسار المسافات تلاقى كل عنصري وقرناءه، وأضحى- في ظل هذا الذوبان في المسافات والأفكار والعلل- بوسع أي معتوه أن ينشر وباءه للدنيا كلها؛ لكن الخوف كله أن تتحول الكراهية والعنصرية من ظاهرة إلى أيديولوجية.. حينئذ ستدخل الدنيا في فوضى لا يعلم شرها وشررها إلا الله، وستحرق الجميع؛ وأول من ستحترق أيديهم هم من صنعوها وغذوها وأشاعوها وشجعوا عليها من إعلاميين وسياسيين.

– تعاطي الإعلام الغربي مع الأزمة.. كيف ترونه؟

نحن ملتزمون بمنهج العدالة في التعامل مع الآخرين، ومن وصايا هذا المنهج: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ}. ولأن المنهج أعلى وأغلى من ذواتنا وأهوائنا، فنحن لا نميل مع الهوى ولا نحيف مع الشنآن. وأستطيع أن أقول بعدالة في الإجابة عن هذا السؤال: إن نصف الكوب مملوء، ونصفه فارغ أيضًا.. وأبدأ بالنصف المملوء تفاؤلاً بالخير فأقول:

بشاعة الجريمة وفجور فاعلها أخرست كل الألسنة والأقلام المغرضة، ثم كان حجم الكراهية التي نضحت من هذه الجريمة أكبر من كل محاولات الإخفاء والتمويه مهما بلغت درجة الخبث والمكر السيئ؛ ولذلك انقسمت تلك الأجهزة في تعاطيها مع الجريمة إلى قسمين:

الأول: طفح به الكيل في السكوت على العنصرية والكراهية، فسيطرت إنسانيته وسادت العدالة في خطابه، فأعلن حربًا- ولو مؤقتًا- على العنصرية والكراهية، وباشر في التحذير من خطرها وخطورتها، ووجه نقدًا يشبه السهام لمروجي الكراهية والعنصرية والساكتين عليها من إعلاميين وسياسيين كبار، وذكّرهم بمواقفهم السابقة المشينة والمخزية.

الخطر الكبير: ترك ظاهرة “الإسلاموفوبيا” تنمو وتحولها إلى “أيدولوجيا”

الثاني: لم يكن قادرًا على الوقوف صراحة مع الجناة؛ لأن حجم المأساة يشكل عارًا على جبين الإنسانية، فانضم مضطرًا ومكرهًا- لا بطلاً كما يقولون- لصفوف المدينين للحادث، لكنه أيضًا لم يستطع أن يخفي ملامح القبح في الوجه القبيح والقلب المريض أصلاً، {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}؛ وبدلاً من مواساة الضحايا راح يبحث من طرف خفي عما يخفف الوقع على الجناة؛ فلجأ إلى مخازن الشر لديه واستخرج منها بعض الصور القديمة لأحداث إرهابية نُسبت إلى شباب مسلم تائه وضائع، تبرأت منها كل المجتمعات الإسلامية والإنسانية في وقتها، لكنه استحياها اليوم وأيقظها من ثُباتها ليعرضها أمام المشاهدين وكأن لسان حاله يريد أن ينطق ظلمًا وزورًا ليقول للناس بأن ما حدث رد فعل، وأن البادئ أظلم.. وهذا القسم كما هو لم يتغير، ولن يتغير في القريب العاجل.

– واضح من الرسالة المطولة التي تركها الإرهابي مرتكب الحادثة، أنه متأثر باليمين الأوروبي المتطرف.

في الشرق متطرفون دواعش، وفي الغرب متطرفون دواعش أيضًا، والفرق بين الاثنين كالفرق بين الكولا والبيبسي كولا؛ فكلاهما مصنَّع ومنتج في مصنع واحد.

غير أن المتطرفين عندنا بينهم وبين القانون علاقة تناقض وتضاد؛ فهم إما في قبضة القانون، وإما مطاردون بنصوصه وقوته.. أما المتطرفون في الغرب، فهم مَنْ يطبقون القانون ويشرّعون ويسنون القوانين. ولعل الدنيا كلها قرأت أن الإرهابي الذى فعل “مجزرة كرايس تشيرش” متأثر ومعجب للغاية برئيس دولة كبرى تمسك بقيادة العالم الآن.

– زرتم مسجد النور بنيوزيلندا، مع وفد من مجلس الأئمة الوطني الأسترالي.. ما الرسالة التي أردتم إيصالها من الزيارة؟

لم نذهب هناك وحدنا، وإنما ذهب معنا كثير من الشرفاء والأحرار، ومنهم غير مسلمين، وكنا ولا زلنا نقول بأننا جميعًا إخوة وأننا هناك معهم، وأن جذورنا ممتدة عبر الجغرافيا والتاريخ؛ فكلنا لآدم، وتلك علاقة لن تقطعها كراهية أو تعصب، وأن الدماء التي أريقت كسرت قلوبنا وجرحت مشاعرنا، وأبكت عيوننا، لكنها لم تكسر إرادتنا، ولم تجفف ينابيع الحب لدينا.

– هل التقيتم بالمسئولين هناك؟

نعم التقينا بأغلب المسئولين هناك، وكان معنا إلى ما بعد منتصف الليل مستشار رئيسة الوزراء، وتولى معنا ترتيب كل الأمور ليلة الجمعة التي عرضت على العالم كله، ونقلت عبر كل القنوات الفضائية كلمات التوحيد والمساواة ممثلة في الآذان، وكيف يسمو المسلم فوق الأحقاد والضغائن، وكيف تكون إرادته صلبة رغم الفقد والآلام.

– كيف كان رد فعل المسؤولين في أستراليا تجاه الأزمة؟

في الصباح وعلى الفور التقى بنا أكبر المسؤولين عن الأمن، ميك فولر مفوض شرطة “نيو ساوث ويلز”، وبرفقته كل مساعديه في المناطق المختلفة، ودارت بيننا حوارات صريحة استمرت ثلاث ساعات.. وبعدها طلب رئيس الوزراء ومعه وزيرة الخارجية، ووزير الهجرة، والنائب كريج لاندى، وبرفقتهم وفد من المسؤولين، زيارتنا لتقديم العزاء؛ فاستقبلناه، ودارت أيضًا بيننا حوارات صريحة ومباشرة نقلت عبر القنوات الإعلامية ونشرت في الصحف ولعلكم رأيتم بعضها.

ما دور العلماء في ترشيد الخطاب الإسلامي في مثل هذه الفاجعة؟

نيوزيلندا هي البلد الشقيق والجار القريب لبلدنا استراليا، وبينهما توأمة في كثير من الأمور، ونحن نعيش في مجتمعات لها ثقافتها الخاصة، وتعرف جيدًا كيف تُصنع الأزمات، وكيف تديرها أيضًا، وإذا كنت في موقع القيادة فعليك أن تستحضر هذا جيدًا، وطبيعي أن يرتفع منسوب الغضب، ويسيطر في مثل هذه الفاجعة الانفعال على النفس، وقد يدفعها الحماس والشعور بالظلم- خصوصًا لدي بعض الشباب- إلى حماقات غير محسوبة، لا تدرك المآلات، ويكون من نتائجها تحويل الأنظار ولفت الانتباه إلى مكان آخر غير مسرح الجريمة الأصلية، أعني الجريمة “الإرهابية والإرهابي”.

وقد يكون من مخاطر تلك الحماقات غير المحسوبة وغير الواعية، أن يتحول المجنى عليه الضحية إلى مجرم، بينما المجرم الحقيقي تُلتمس له الأعذار عندئذ.

وفي مثل هذه الظروف كان علينا أن نمارس دورنا؛ لا كمفتي يرعى الشأن الديني فقط، بل كرجل دولة مسؤول؛ فالوطن والمواطن في خطر، ومجرد إشعال الفتيل في موقع أو منطقة ما قد تؤدى إلى حريق يستعصي إطفاؤه، حيث الخطب جلل والأعصاب متوترة وشحنات الغضب داخل النفس من السهل أن تتحول إلى إعصار ونار.

لذلك ففي كلمتي للسادة الزملاء العلماء الأجلاء وخلال اللقاءين- الأول مع قمة الهرم في قيادات الأمن، والثاني مع رئيس الوزراء والوفد المرافق له- طلبت من السادة العلماء والأئمة أن يتصرفوا لا كعلماء فقط، وإنما كقادة وكرجال دولة كبار؛ مهمتهم الأساسية تضميد الجراح “بتلطف” لدى شبابنا الغاضب، ونزع فتيل الغضب، وإطفاء الحرائق. وضبط إيقاع الوجدان.

– ما الخطوات التي ترونها ضرورية لتحصين المجتمعات الأسترالي وتمتين وحدته الداخلية.. سواء على مستوى الخطاب الثقافي والإعلامي، أو الإجراءات والقوانين؟

من المعروف لكل باحث في شؤون الناس والمجتمعات البشرية أن قوة أي مجتمع لا تكمن فقط في موارده “الاقتصادية المالية والصناعية وغيرها”, إنما تكمن في وحدة نسيجه وتماسك فئاته الاجتماعية بوشائجها المعروفة، والتي تشكل منظومة اجتماعية قوية البنيان عميقة الجذور, لها قدرة على امتصاص الصدمات والهزات التي تواجهها؛ ومن ثم فهي حائط الصد عند المخاطر، تقي المجتمع شر كل عوامل الوهن التي تتخلل إليه لأي سبب.

وأكبر الأخطار التي تواجه أي مجتمع هي اللعب بوحدة هذا المجتمع أو اللعب فيها.. اللعب بوحدة المجتمع يمكن أن يكون عن طريق التوظيف السياسي للصراعات الحزبية أو الطائفية أو المذهبية كما يحدث اليوم؛ وبعض بلاد العرب نماذج صارخة لذلك التوظيف الذي يفتت وحدة المجتمع ويسقطه. . وفي باب المخاطر يصنف هذا العبث بأنه “مغامرة متهورة ” أو “مقامرة خاسرة تصل إلى مستوى المؤامرة “.

وعندما يتجاوز اللعب بوحدة المجتمع ولا يقف عند حدود الخطر، وإنما يتعداها إلى مستوى اللعب فيها بمحاولة تفتيت هذا النسيج وفك تركيبته وحل عقدته وتمزيق خيوطه؛ فذلك يعني الدفع بالمجتمع إلى حالة من الاحتراب الداخلي، ومن ثم الدخول إلى الانتحار والفوضى. وغالبًا ما يستخدم الإعلام هنا كوسيلة لاستمرار الحريق: بالحض على الكراهية والعنصرية والطائفية والمذهبية، وحشد الرأي العام ليكون ضد حزب أو مجموعة معينة يقوم إعلام مَنْ نطلق عليه “تأبط شرا ” بشيطنتها، ويُرجع إليها كل أسباب الشر في العالم.. وهذا ما يحدث في بعض وسائل الإعلام في الغرب حيث يتم شيطنة الإسلام أولاً، ثم المسلم ثانيًا.

“تأبط شرا” كان شاعرًا صعلوكًا من شعراء الجاهلية، واسمه ثابت بن جابر بن سفيان بن عدي، أطلق عليه الناس هذا اللقب لكثرة حماقاته التي ارتبطت دائمًا بتصرفات غبية لا تجلب لصاحبها أو من كان قريبًا منه إلا كل شر؛ غير أن الشاعر التعيس بُعث من جديد ولكن في شكل مجموعة من برامج “توك شو” تسلطت على وعي الشعوب وعمت بها البلوى وبخاصة في تلك المرحلة الحساسة؛ حيث تمارس دور المحرض على اللعب في النسيج الاجتماعي، وتكثف من التركيز على ما يُعرف بـ”الإسلاموفوبيا”، وتعمل على تخويف الناس، وتخوين المسلمين وتقسيمهم وفق ولاءين كلاهما ينكر الآخر ويرفض وجوده، ويعمل لا على إقصائه فقط وإنما على سحقه وإلغاء وجوده.. وكان من أمهات الكبائر أن يسهم الإعلام وبعض الكتابات المسمومة في ترسيخ هذا التقسيم باستعلاء جنس على بقية الأجناس.

الوقاية : سن تشريعات حازمة تحمي الأديان وتجرم الحض على الكراهية

وإذا جاز لنا أن نستعير مصطلح ما عمَّت به البلوى من عالم الفقه والفقهاء لنترخص به أو لنستفيد منه في عالم السياسية، فعلينا أن نعيد صياغة بعض مفرداته حتى نلخص المعنى العام، ومن ثم يكون ما عمت به البلوى في عالم السياسة هو كل أمر فاسد يحرمه الشرع ويستقبحه العقل ويزدريه عرف الناس، ورغم ذلك فقد انتشر بين الناس وتعارفوا عليه وعرفوه “مجازًا” بأنه “مما عمَّت به البلوى”.

عموم البلوى في المجتمعات الغربية يأتيها من التحريض على الكراهية، واستهداف المهاجرين والمسلمين النشطاء، والسكوت على العنصرية، وقبول استعلاء جنس على جنس، أو فئة على فئة.. هذه الفوضى التي لا تخضع للمساءلة والحساب تُحْدِثُ تحولات سلبية كبرى في المجتمع، وتؤثر على ثوابته في حماية التعددية وضبط مفهوم الحريات.

وهذه الأحداث قد تخرج عن حدود السيطرة، فتدفع القائمين على الأمر أحيانًا إلى التراخي في مواجهة حصار وتحجيم الآثار المترتبة على تلك الوقائع- لكثرتها وتوسعها وانتشارها- فإذا كان التقصير في مواجهة الظاهرة عمدًا اعتُبر ذلك تواطؤًا قد يصل في بعض الأحيان إلى حد “الخيانة الوطنية العظمى”؛ لأن الضحايا سيكون وطنًا ومواطنين.

طبعًا تلك الضوابط والمعايير نطرحها هنا من باب المنهجية العلمية، والخطر الكبير الآن في مجتمعات الغرب- ببساطة- هو ترك هذه الظاهرة تنمو وتتحول من مجرد “ظاهرة” تنذر بالخطر، إلى “أيديولوجية” يعتنقها البعض ولو كانوا قلة.. والوقاية هي سن تشريعات جادة وحازمة تحمي الأديان، وتجرِّم الحض على الكراهية.. وهذا ما طلبناه ولا زلنا نطالب به ونصرّ عليه.

– لا شك أن هذه الأزمات تحمل في طياتها مِنَحًا كثيرة، ربما تظهر خلال وقت طويل.. ما أبرز ما تلمحونه في هذا الصدد؟

عندما نتأمل الأحداث والوقائع بالعقل المجرد بعيدًا عن أنوار “العلم الأعلى” كما يسميه الإمام ابن عبد البر- يقصد الوحي طبعًا قرآنًا وسنة- فسيكون تصنيف القضية “كارثة إرهابية” حلَّت بالمسلمين في نيوزيلندا؛ وهي كذلك في الوصف القانوني والعرف الاجتماعي طبعًا، وذلك هو البعد المنظور لإدراك العقل المجرد.

غير أننا قد تعلمنا من ديننا أن أقدار الله التي يجريها علينا كلها خير لنا؛ وقد شرح ذلك سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية أوردها الإمام مسلم عَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ.

وتعلمنا من أهل الوجدان والذوق والأدب الرفيع أن له سبحانه في كل محنة منحة، وفي كل ابتلاء عطاء؛ ومن ثم، فعطاء الله عطاء، ومنعه أيضًا عطاء.

وهذا التحليل المبدع- في نظري- وإن كان مقصده التربوي الأول هو الأدب مع الله فيما يجريه على الناس من أقدار، إلا أن مردوده الأول في الذات المقدور عليها- أي العبد- يتسع في النظر إلى ما يحسبه الإنسان شرًّا ليكتشف فيه فيضانًا من الخير المكنون؛ ومن ثم، يتعلم المرء أن البعد المرئي في الناس والأشياء- وحتى في الأفكار والأقدار- ليس هو كل شيء، وأن وراء هذا البعد أبعادًا وآمادًا.. فهل نَرْضَى ونَسْتَرْضِي؟

ولقد علَّمنا ديننا الحنيف أن دماء الشهداء هي بذور التوحيد والوحدة، وأنها تنبت أشجار الخير وثمار النصر، ولو بعد حين من الدهر.. و”الحين” كما تعلمون في اللغة، قد يبدأ من يوم أو بعض يوم، وقد يمتد لسنوات وفق التقدير الأعلى؛ غير أنه لن يذهب هدرًا ولن يضيع سدى.

هؤلاء الشهداء قد استدعاهم الله للقائه؛ أولاً.. واختار لهم الزمن، فكان خير يوم طلعت عليه الشمس وهو يوم الجمعة؛ ثانيًا.. كما اختار لهم المكان، فكان المسجد خير البيوت في الأرض؛ ثالثًا.. واختار الحالة التي يلتقون بالله عليها وهي الطهارة الكاملة؛ رابعًا.. ثم توَّج ذلك كله بمنحهم أعلى درجات الفضل وهي الشهادة في بيته؛ خامسًا.. هنا تظهر الفلسفة والعمق في النص الكريم بين {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا} وأخرى {وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا}؛ فقد يكون الخير كله مكنونًا فيما تكره، وقد يكون الشر كله مختبئًا ومستترًا فيما تحب؛ يتكشّف ذلك كله ويظهر أمام تجليات الحكمة والعلم الأعلى؛ ليزداد يقين العباد والعبيد معًا بأن مولاهم {يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

لاحظ أن المحنة هناك كانت خماسية الأبعاد، وكذلك ستكون الآثار والمنح أيضًا. خمسين شهيدًا ومثلهم جرحى في عدوان إرهابي مجرم شكَّل مذبحة في مسجدين، جرت فيهما الدماء أنهارًا.

المحنة طالت عائلات فقدت عائلها، وتبدلت البسمة في أبنائها، لتتحول عبرات حزينة تخرج من قلوب مجروحة سكنتها أحزان الفقد والغياب لمن كانوا ملئ الفؤاد والسمع والبصر.

المحنة كسرت قلوبًا طرية وغضة لأطفال فقدوا آباءهم وأمهاتهم.

المحنة أيضًا شحنت قلوب المسلمين بالأحزان والآلام والشعور بالانكسار، وولَّدت محيطًا من الغضب كان يمكن أن ينفجر فيفجِّر حربًا.

المحنة أيضًا كانت يمكن- تحت ضغط الحماس العاطفي، والشعور الممتلئ بالثأر والانتقام من شباب المسلمين- أن تحوّل الجاني إلى ضحية، وتحوّل الضحايا المجنى عليهم إلى جناة (هم ودينهم سبب للقلق والشر في كل العالم)؛ ومن ثم، تميع القضية وتفقد التعاطف ويضيع الزخم الذي التفّ حول المسلمين ودينهم.

تلك هي الصورة والسور بالعقل المجرد، فلنحفظها في الذاكرة ونذهب إلى السر وراء أسوار المحنة بما فيها من كآبة وأحزان ونتساءل: كم مليارًا من الدولارات أو اليورو تدفع ليرتفع الآذان وتنقل شعائر وصلاة الجمعة بخطبتها العصماء؛ التي شرحت في عز وبينت في تمكين فضائل دين الله ودعوته، وعبرت في غير انكسار بل في اقتدار وجسارة أننا هنا بإسلامنا ولن نتخلى عنه أبدًا، ولن تخيفنا كل دعوات العنصرية والكراهية، وأننا دعاة السلام والمحبة رغم الآلام والأحزان والفقد؟

وبرغم بحار الغضب فنحن متحضرون، ننتمي إلى أمة علَّمت الناس الأخلاق والعلم؛ ومن ثم، نملك السيطرة على نوازع الشر، ونكبح جماح النفس حين تشرد، ونعلي من قدر الأخلاق والعقل.

كم تدفع لتأخذ من إعلام العالم كله بكل قنواته ووكالاته الإعلامية ساعتين، يتودد فيها إليك آخرون من مراكز القرار، وهم أهل العقل والإنسانية؛ فيعبرون عن تعاطفهم معك، ويستدلون على صدق عواطفهم بحديث نبيك محمد، ويصلون عليه ويسلمون؟

كم تدفع لتنفي عن دينك، وعن نبيك، وعن نفسك كمسلم، تهمة الشراسة والعدوان، يضاف إليها وصف “الإرهاب” وقد حجزوه لك ورسخوا في الأذهان أنه لك وحدك على مدى عشرات السنين؟

وأضف إلى ذلك سؤالاً: كيف تحول نهر الدماء المراقة في المسجدين إلى عصارة للمحبة والتلاحم؟

فانظر معي إلى الآثار والمنح ونتساءل، والسؤال يطول: كيف أزالت دموع الأحزان حواجز الوهم بين البشر وجمعت بين القلوب؟ وكيف توحد في الوجدان الجمعي لأهل نيوزيلندا معنى الإنسانية؟ وكيف رصدت عيون العالم وكاميراته صورةَ الخطيب وهو يخطب الجمعة، وصوتَه وأداءَه- وهو من عاش الحدث ورأى الموت رأي العين، ويفترض فيه أنه ميت يتحرك- ثم تكون المفاجأة أنه هو: من يؤدي هذا الأداء بتماسك ومهابة، ويوجه للدنيا رسالة الإسلام الراقية؛ فيُظهر صلابة الإرادة في الانتصار على الكراهية والتعصب، رغم الآلام والأحزان

تلك كلها بعض بركات بشائر المنحة، قد بدأت بالفعل وإن لم تتألق في ظهورها بعد؛ وأحسب أنها “كالقمر” يظهر في البداية هلالاً، ثم يتجلَّى يومًا بعد يوم ليكتمل بدرًا.

– ما الرسالة التي توجهونها للغرب فيما يخص شروط وأسس الحوار الحضاري المأمول؟

سأجيبك دون تكلف، وأرجو أن تعذرني إن جاءت الإجابة بـ(تلقائية الفلاح وابن القرية).. حين تصف الحوار بوصف “الحضاري”، فأنت تحدد إطاره بأنه حوار، وليس مواجهة أو تفاوض، وتحدد أيضًا منطلقه في إزالة سوء الفهم أو سوء الظن أو الاثنين معًا، ثم تدفع به في البحث عن أفضل صيغة للتعايش المشترك أو للمواطنة.

و”الحوار” في نظرنا كمسلمين هو أولى مراحل الفهم.. وأخطر ما يصاب به الفرد أو الجماعة هو الاكتفاء الذاتي فكريًّا، والزهد في الرغبة على التعرف على ما لدى الآخرين من أفكار وقيم.

ومعروف في عالم العلاقات الإنسانية أنه كلما اقترب الإنسان من أخيه الإنسان، اكتشف أبعاد الوحدة البيولوجية بينه وبين الآخرين، وعرف أنها غاية في الدقة ولا تفرق بين إنسان وإنسان، لا في الشمال ولا في الجنوب؛ هذا على مستوى الأجساد، رغم فروق اللون والعرق والأفكار والرؤى.. ولعل سمات التميز هذه تدفع عقولنا إلى قبول فكرة الاختلاف، وأنها ميزة تحسب للإنسانية وليست عيبًا أو عبئًا عليها، هذا أولاً. ثانيًا: حين نتحدث عن “الحوار الحضاري” فنحن نتحدث عن طرفين متقابلين- متفقين أو مختلفين لا يهم.

وفيما يتصل بنا كمسلمين داخل المجتمع الغربي، فنحن بداية نرفض أن نكون طرفًا مقابلاً، ونرفض أيضًا أن نكون في موضع الآخر؛ لأن البعض هنا يعتبر “الآخر” هو الجحيم.. ونُصرّ على أننا مكوّن أساس من مكونات هذا المجتمع، وجزء هام من لحمته الحضارية ونسيجه الاجتماعي.

وأذكر بهذه المناسبة أنني- وفي لقاءين مختلفين مع اثنين من رؤساء وزرائنا- رفضت ثنائية الخطاب “نحن” و”أنتم”؛ لأنها تشى بطرف وكأنه غريب. وحدث ذات مرة وأمام 19 شخصية عربية مسلمة بالإضافة إلى مساعديه وفريق مكتبه رفضت في اللقاءين أن يستعمل لفظ “نحن”، “وأنتم”؛ وقلت له بأدبِ من يعتز بدينه وأمته: حضرتك بطريقة هذا التخاطب ترسخ التقسيم وتعمّق الفروق، وتصرّ على أننا غرباء، وهذا خطير بالإضافة إلى أنه غير صحيح، ولاحظْ هنا أنك تتحدث عن الجيل الرابع الذى وُلد هنا ولم يعرف وطنًا غير استراليا، وإن كان مسلم الديانة، وأيًّا كانت جذوره.

ولأننا نشاهد الجيل الرابع من أبناء المسلمين وهم يتفوقون في الجامعات ويحققون البطولات في ميدان الرياضة، والنجاحات في مختلف مجالات العمل؛ فقد أثبتنا أننا لسنا عالة على أحد، وأن وجودنا إضافة علمية وأخلاقية وحضارية. فاعتذر الرجل ووعد بأنه سيعدل خطابه ولن يكررها.

أرفض الحديث بصيغة ” نحن وأنتم ” لأننا جزء من نسيج هذه المجتمعات

وإذا عدنا إلى “الحوار الحضاري” نتذكر أنه ثمرة طرح عقول العقلاء، في مقابل صرعة صموئيل هنتنتجتون حين طرح نظرية (صدام الحضارات)؛ داعيًا أولاً لسحق الحضارية الإسلامية، ثم الاستدارة إلى الحضارة الكونفشيوسية بعدها.

نظرية هنتنتجتون، ومعها نظرية (نهاية التاريخ) لفرنسيس فوكوياما؛ كلاهما ذهب ولم يعد.. وبقايا هذا الفكر في مجتمع الغرب قوبل برفض كثير من المفكرين الذين رأوا أن الحضارات تتلاقح وتتكامل. وقد طرحت في كتابي (الشرق والغرب.. حوار لا مواجهة) نظرية بديلة هي (تكامل الحضارات)، وبيَّنت أن كل حضارة تؤثر فيما قبلها، ويتأثر بها من جاء بعدها.

لغة الحوار هي الأبقى- حتى وإن علت وتسيّدت لغة القوة عند مجانين العصر الحديث.. والمعطَى الإنساني للحوار أفضل بكثير وأنفع للناس من رصيد البنوك لدى لصوص الحضارة، وتجار الموت، وسرّاق الأحلام؛ أصحاب شركات السلاح، ومن يعلمون معهم كسماسرة للقتل المنظم.

“الحوار الحضاري” المأمول يجب أن يضع في الاعتبار الأول استعادة معنى الإنسانية التي غابت عن مجتمعات العصر الحديث.. وأن الحداثة وما بعد الحداثة لا تعني تقسيم الناس إلى سادة وعبيد.. وأن العولمة يجب أن تتخلى في معناها الأول عن مدلول “الفوعلة” الذى يعني التغيير القسري بالقوة والقهر.. دعوا الناس يختارون يا سادة.

حين نتحدث عن “الحوار”، فذلك يعني أن العقل يتحدث، وليست المطامع والأجندات وشهوات السيطرة.. نَحُّوا هذه الآفات والسموم عن طاولة أي حوار وسيثمر حبًّا وتعاونًا. تلك هي الرسالة في بساطة فطرة الفلاح، وعقل المفكر، والأديب السوى، مهما كان دينه وجنسه ومولده.