الدكتور حسن حنفي مفكر مصري، أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة، أحد رواد التنوير وتيار علم الاستغراب، وأحد المفكرين العرب المعاصرين من أصحاب المشروعات الفكرية العربية. تركز انشغاله العلمي طوال حياته على قضية تجديد التراث الديني، وله عدد من المؤلفات والمنجزات الفكرية في مجال الحضارة العربية الإسلامية، منها: “تأويل الظاهريات” و”التراث والتجديد” و”الهوية” و”اليمين واليسار في الفكر الديني”. ومن أبرز أقواله: “العلمانية روح الإسلام” و”التراث ابن عصره.
عن عمر ناهز 86 عاما رحل يوم الخميس 21 أكتوبر 2021 هذا الفيلسوف والمفكر المصري الذي يعتبر أحد أهم رموز تيار “اليسار الإسلامي”. رحل بعد مسيرة طويلة، سواء في التأليف أو التدريس. فالرجل لم يكتف بأن يكون نشاطه مقتصراً على المجال الأكاديمي، بل تخطى اشتغاله بالفلسفة إلى العديد من القضايا التي تشغل المجتمع العربي.
دون إصدار أحكام انتقادية جاهزة على المشروع الفكري للدكتور حسن حنفي، ومن دون أيضا الدفاع عن مواقف الرجل وأفكاره المختلفة خاصة المتعلقة بالدين والتراث والحضارة الإسلامية. فإننا في هذه النبذة البسيطة، نسعى فقط لإطلاع القارئ الكريم، عن بعض جوانب حياة هذا المفكر الذي انتقل إلى دار البقاء، وطرح جزء ضئيل جدا من مسيرة عامرة بالأفكار والمؤلفات.
“التراث والتجديد” كمشروع فكري
ولعل من أبرز المشاريع الفكرية للمفكر حسن حنفي قضية “التراث والتجديد” الذى ينقسم إلى ثلاثة مستويات يخاطب الأول منها المتخصصين، والثانى موجه للفلاسفة والمثقفين، بغرض نشر الوعى الفَلسفى وبيان أثر المشروعِ فى الثقافة، فيما تم تخصيص المستوى الأخير للعامة، بغرض تحويل المشروع إلى ثقافة شعبية سياسية.
وفي هذا الشأن، يرى الدكتور حسن حنفي أن الفكر الديني قابل للتوظيف اليميني واليساري: “نجد هنا موقفين: الأول يجعل النقل أساسًا للعقل، والعقل تابعا للسلطة، والثاني يجعل النقل أساسا للعقل، والعقل تابعا للنقل. ويترتب على ذلك إهدار للعقل، وهو القاسم المشترك بين الناس وإنكار بداهته وحدسه وأوليّاته، وهي أساس العلم وبداية المعرفة، والإرتكان إلى بداية أخرى أقل يقينًا وذلك لأنها نصوص مكتوبة باللغة وخاضعة في فهمها لقواعد اللغة ومناهج التفسير.
وبهذه الأفكار عاش حسن حنفي واحدا موحدا في فكره وسلوكه، متناقضا مع خصومه، متوافقا مع نفسه ومتناقضا معها أيضا في بعض الفترات.
مسيرة طويلة
قالت النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر برئاسة الشاعر الدكتور علاء عبد الهادى عبد أن “المفكر الكبير حسن حنفى صاحب مسيرة عطاء علمية وثقافية طويلة، أثرى خلالها المكتبة العربية والعالمية بالعديد من المؤلفات فى العديد من المجالات الفكرية، ويعد الراحل أبرز المفكرين العرب المعاصرين، الذى كان يمتلك مشروعات فكرية متميزة، ليرحل عن عالمنا اليوم بجسده ولكنه يبقى بيننا وبين الأجيال المتعاقبة بأعماله وعلمه”.
كما نعت جامعة القاهرة المفكر الراحل، قائلة “إنه كان يقتطع جزءاً كبيراً من وقته وراحته، وهو خارج مصر، لكي يحضر شخصياً المراجع التي تطلبها منه الجامعة”، بينما قال رئيس الجامعة، محمد عثمان الخشت: “لم يكن الراحل يحمل أي شيء في نفسه منّي، عندما كنت أختلف معه في الرأي اختلافاً كبيراً وأنا لا أزال معيداً في الجامعة، وهو كان رئيساً للقسم في ثمانينيات القرن الماضي. وكان يمدّني بالمراجع الأجنبية من مكتبته العامرة وأنا في مرحلة الطلب العلمي”.
من هو الدكتور حسن حنفي؟
ولد المفكر الكبير حسن حنفى فى 23 فبراير 1935 م بالقاهرة، وحصل على ليسانس الآداب بقسمِ الفلسفةِ عام 1956، حاز على درجة الدكتوراه فى الفلسفة من جامعة السوربون وذلك برسالتين للدكتوراه، كانت بداية حياته العلمية فى التدريس فى عدد من الجامعات العربية، حيث عمل مدرس فلسفة – كلية الآداب – جامعة القاهرة فى الفترة من 1967 – 1973، وأستاذ زائر بجامعة تمبل بفيلادلفيا فى الفترة من 1971 – 1975، وأستاذ زائر بجامعة طوكيو، اليابان فى الفترة من 1984 – 1985م، وعمل مستشارا علميا فى جامعة الأمم المتحدة بطوكيو خلال الفترة من (1985-1987)، وكان نائب رئيس الجمعية الفلسفية العربية، والسكرتير العام للجمعية الفلسفية المصرية، إلى جانب رئاسة قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة القاهرة فى الفترة من 1988-1994، وأستاذ متفرغ كلية الآداب – جامعة القاهرة، 1995 وحتى رحيله.
عمل حسن حنفي في جامعات عربية وأجنبية كثيرة، ويعد أحد أهم مؤسسي الجمعية الفلسفية المصرية منذ نهاية حقبة الثمانينيات.
كما حصل على عدةِ جوائزَ في مِصرَ وخارِجَها، مثل: جائزة الدولة التقديرية في العلومِ الاجتماعية 2009، وجائزة النيل فرعِ العلومِ الاجتماعيةِ 2015، وجائزة المفكر الحر من بولندا.
ومن أشهر تلامذته المفكر الراحل د. نصر حامد أبو زيد (1943-2010)، وعلي مبروك الأستاذ المساعد بقسم الفلسفة، بكلية الآداب، جامعة القاهرة(1960- 2016). وكريم الصياد الأستاذ المساعد بقسم الفلسفة، بكلية الآداب، جامعة القاهرة(1981-؟)
مؤلفاته ومشروعه الفكري
بدأ حسن حنفي بترجمة مؤلفات مهمة وفارقة في الفكر الإنساني، منها: رسالة في اللاهوت والسياسة” لباروخ سبينوزا و”تربية الجنس البشري” لإفرايم ليسينغ. مؤسساً بذلك محاولة التمهيد العلمي لمراجعة ونقد التراث، بهدف تجاوزه لمرحلة عقلانية من التفكير، لكن هذه البداية المُبشرة أصبحت تأتي ضمن أفكار ومقولات أصولية، حاول صاحبها أن تتسم بالوطنية والتحرر، فيذكر مثلاً في إحدى مقالاته “ولا يزال أمام المسلمين مجال للفتوح والانتشار في الأرض، وإن تاريخ الأمة منذ الفتح العثماني حتى اليوم هو تاريخ فتوح وانتصارات”.
يتكوّن مشروع حسن حنفي الفكري، الذي حمل عنوان “التراث والتجديد” – وهو عنوان كتابه الأوّل الصادر عام 1980- من ثلاثة مباحث أساسية هي:
- إعادة بناء التراث القديم
- الموقف من التراث الغربي
- الموقف من الواقع (نظرية التفسير)
ضمن المبحث الأوّل، صدر له:
- “من العقيدة إلى الثورة” (1988) في خمسة أجزاء
- “من النقل إلى الإبداع” في تسعة أجزاء (200 – 2002)
- “من النص إلى الواقع” في جزأين (2003 – 2004)
- “من الفناء إلى البقاء” (2008)
- “من النقل إلى العقل” في ثلاثة أجزاء” (2009 – 2010).
وصدر له ضمن المبحث الثاني:
- “ظاهريات التأويل: محاولة لتفسير وجودي للعهد الجديد” وهو موضوع رسالته للدكتوراه عام 1965، وقد ترجمه إلى العربية وصدر عام 2006.
- “تأويل الظاهريات: الحالة الراهنة للمنهج الظاهرياتي وتطبيقه في الظاهرة الدينية”، وهو موضوع رسالته الثانية عام 1966، وقد صدر عام 2006 بترجمته أيضاً، إضافةً إلى: “مقدّمة في علم الاستغراب” (1991)، و”فيشتة فيلسوف المقاومة” (2003)، و”برغسون فيلسوف الحياة” 2008.
ومن كتبه ضمن المبحث الثالث:
- من مانهاتن إلى بغداد” (2004)
- “جذور التسلُّط وآفاق الحرية” (2005)
- “وطن بلا صاحب” (2008)
- “نظرية الدوائر الثلاث، مصر والعرب والعالم” (2008)
- “الواقع العربي الراهن” (2011).
كما أصدر الراحل العشرات من الكتب الأُخرى في فكر النهضة، والنقد والتحقيق، وحوار المشرق والمغرب، والترجمة، إضافةً إلى كُتب ألّفها باللغتين الفرنسية والإنكليزية. وفي 2018، صدر له كتاب سيرة بعنوان “ذكرياتي (1935 – 2018)”.
وللدكتور حسن حنفي أقوال بارزة تعبر عن فكره مثل “العلمانية روح الإسلام”، و”التراث ابن عصره”، و”التجديد ينشأ من الثقافة الشعبية للناس”، وفي مقابلات صحافية له أكد على أن مشروع التراث والتجديد يقاوم آفات العرب الثلاث: التقليد للقدماء والتبعية للغرب والعزلة عن الواقع.
“الهوية” بين الفلسفة والدين
في كتابه “الهوية”، الذي صدر عام 2012، عالج حسن حنفي مدى التوافق بين الفلاسفة والمفكرين وعلماء الدين حول مفهوم الهوية وأبعادها وعلاقتها بالاغتراب الديني والسياسي.
يقول حسن حنفي أن الهوية مشكلة نفسية وتجربة شعورية، على الرغم من أنها موضوع ميتافيزيقي، وهي خاصة بالإنسان والمجتمع، فالإنسان قد يتطابق مع نفسه أو ينحرف عنها، والهوية أن يكون الإنسان متطابقا مع ذاته، في حين أن الاغتراب هو أن يكون غير نفسه، بعد أن ينقسم إلى قسمين؛ هوية باقية، وغيرية تجذبها.
وعلى الرغم من أن الموضوع يبدو ذا طابع فلسفي، فإنه يرتبط بالفكر العربي المعاصر في القرنين الأخيرين منذ فجر النهضة العربية حتى الآن، فهو يكشف صراع الهويات، ويتعلق بوجود العرب في التاريخ.
ويقول حسن حنفي إن الهوية ليست موضوعا ثابتا أو حقيقة واقعة، بل هي إمكانية حركية تتفاعل مع الحرية، وهي قائمة على الحرية، لأنها إحساس بالذات والذات حرة، والحرية قائمة على الهوية، لأنها تعبير عنها.
الإسلام لم يكن توسعياً
يرى حسن حنفي أن الإسلام لم يكن توسعياً، ويقول أن الإسلام خرج بفكرة التوحيد، أي أن هذا العالم كله متساو أمام إله واحد ومبدأ واحد، وأمام قيم إنسانية واحدة، بغض النظر عن العرق أو الجنس. فالإسلام لم يقتل أطفالاً، لم يقتل شيوخاً، ولم يدمر بيوتاً مثلما تفعل بعض الدول في الحروب وفي غير الحروب. فالإسلام لم يكن غازياً ولكنه كان فاتحا أي محرراً للشعوب. لذلك حافظ الإسلام على ثقافات الشعوب وعلى لغاتها ودياناتها. ومن يدخل في أمان مع المسلمين يبقى على دينه.
تفكيك علم أصول الدين
لكن الجزء “الأنضج” من المشروع الفكري لحسن حنفي، هو الجزء المثير للجدل، وهو خماسيته “من العقيدة إلى الثورة” التي فكَّكَ فيها، بانحياز واضح للتنوير والعقلانية، علم أصول الدين، بانتقاد منهاجه وأغراضه، التي – من وجهة نظره – غير المتلائمين مع روح العصر الحديث . فهو لا يعتبر الحضارة العربية الإسلامية حدثاً منتهيا ، بل حدثا إبداعيا ينشأ في كل فترة يتفاعل فيها الفرد معَ كل متغير سياسي وثقافي.
إذ يقول بوضوح جر عليه عداء المؤسسة الأزهرية والتيار المحافظ في الجامعة المصرية: “لسْنا أمامَ علم مقدس، بل أمام نتاج تاريخي خالص، صب كل عصر ثقافته وتصوره فيه. وتصور القدماء تصور تاريخي خالص يعبر عن عصرهم ومستواهم الثقافي، كما أن تصورنا المعاصر يعبر عن روح عصرنا ومستوانا الثقافي [..] نشأَ علم أصول الدين بناء على معطيات عصره، فاستخدم أدوات العصر ولغته واصطلاحاته، متبعا منهجا يحقق غاياته، لذا عبر خلال تلك المرحلة (حتى القرن السابع الهجري) عن واقع الأمة، واستوعب ماضيها وصراعاتها وأزماتها وقرأَ واقعَها.
وقد تمثل هذا في ظهور الفرق المختلفة. هكذا عبَّر علم أصول الدين عن الواقع الاجتماعي من خلال مكنوناته ومتطلباته، غيْر أن هذا الواقع تحول إلى تراكمات تاريخية وأصبح ماضيا، ولا يعدو الآن سوى تراكمات نقلية لا تقدم شيئا للواقع المعاش، لذا أصبح لزاما علينا أن نقرأ العقيدة من واقع مجتمعنا، فيتحول علم أصول الدين من الحجة النقلية إلى التحليل العقلي، ثم يصب في التحليل الاجتماعي للأمة”.