تواجه المجتمعات العالمية عامةً والمجتمعات الإسلامية خاصةً حرباً تعد من أشد الحروب وأقساها التي يشنها الأعداء ضد خصومهم، تتمثل في بث الإشاعات الهادفة إلى النيل من تماسكهم وتشتيت صفوفهم، وبث الفتنة والفرقة بينهم، وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وصار يقال ما يقال ولا رقيب. فكيف هي حالة الإسلام والشائعات؟ وماهو المنهج الذي تعامل به الإسلام مع الشائعات؟
لقد وضع القرآن والسنة النبوية منهجًا علميًا ذا قواعد وأسس واضحة لمواجهة الإسلام للشائعات ومنع خطرها عن الأفراد والمجتمعات على النحو الذي تعجز أمامه كل الأطروحات الفكرية والاجتهادات العقلية النظرية ، بل والقوانين الوضعية والمواثيق الأخلاقية والحقوقية لمحاولة حصار الشائعة أو وأدها قبل أن تشيع بين المجتمع ، وتنقسم هذه القواعد إلى قسمين :
الأول : يتمثل في التشريعات والإجراءات التي تعمل على عدم خلق بيئة مواتية لظهور الشائعات.
والثاني : يتمثل في اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي يمكنها خنق الشائعات في بداية ظهورها إذا استطاعت الظهور واخترقت التدبيرات الأولى ، وفي النهاية فإن كل هذه التشريعات مكملة لبعضها ومدعمة لها.
وتتمثل هذه الإجراءات فيما يلي :
– تحريم الكذب : إذ أن كل محتويات الشائعة أو بعضها على الأقل افتراء واختلاق ، والله تعالى يقول:{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}(الزمر:3) ، وقال رسول الله ﷺ :”كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ وَأَنْتَ لَهُ بِهِ كَاذِبٌ”(سنن أبي داود :4971).
– تحريم الغيبة ، حيث تنطوي الشائعة – ولا شك – على الغيبة التي هي ذكر المرء أخاه بما يكرهه لو بلغه يقول تعالى:{وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}(الحجرات:12).
– عدم التحدث بالخبر إلا بعد علم ويقين : لأن قوام الشائعة الظن والتخمين ، ولابد للمسلم من التثبت والتأكد من المعلومات والأخبار التي يتناقلها . يقول تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}(الحجرات:6).
– تحريم نقل وتداول الأخبار الكاذبة بين الجماهير ، وليس مجرد الكذب ، بل نشر ونقل الأخبار والمعلومات التي يعرف الشخص أنها مكذوبة.
– كتمان الشائعات والتزام الصمت أمامها بدلا من تناقلها ، لأن الكتمان لها يميتها ، ويدل على الاستخفاف بشأنها قال تعالى:{وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}(النور:16).
– الكف عن نشر الفضائح بأي صورة من الصور ، بل إن الستر على المسلم من شيم الإسلام ،يقول رسول الله ﷺ: ” وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ “(رواه ابن أبي شيبه في المصنف:3672).
– رد الأمور إلى مصادرها الأصيلة ، فحين تسري الشائعة بين الناس ، وتتضارب المعلومات ، وتتوه الحقائق ، ينبغي على المسلم أن يرجع للمصادر الأصيلة للحصول على المعلومات الصادقة دون الانسياق وراء هذه الإشاعات .
– مواجهة الشائعات بالمعلومات الصحيحة والحقائق الثابتة ، بدلا من ترك الفرصة أمام مروجي الشائعات لاختلاق الأحداث وتلفيقها ، ولي عنق الحقائق .
– ضرورة أن يتحلى المسلم بالحس النقدي لما قد يسمعه، فليس كل ما يسمع يصدق، والله تعالى أمرنا أن نتبين ونتثبت عند سماعنا للأخبار والمعلومات فقال في آية واضحة كل الوضوح على ذلك{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} وفي رواية صحيحة ، ” فتثبتوا بدلا من فتبينوا “، ولذلك لما وقعت حادثة الإفك واتهام السيدة عائشة رضي الله عنها بالفاحشة قال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه لامرأته :” يا أم أيوب لو أنك مكان عائشة أكنت فاعلة ؟ قالت : لا والله ما كنت فاعلة ، قال : فوالله عائشة خير منك “(رواه إسحاق بن رهوايه في المسند:3/ 978) ، فقد وضع أبو أيوب وزوجته ما سمعوه من شائعات في السياق الصحيح لاستنتاج الأمور ووضعها في ميزان النقد ، فلا سيرة وأخلاق عائشة تسوغ لهذه الشـائعة ، ولا سيرة وخلق صفوان بن المعطل تسمح له بالتجرؤ على عرض رسول الله ﷺ .
– غرس الروح المعنوية العالية : للتحصين ضد الشائعات المغرضة التي تفت في عضد الأمة وهي مسألة في غاية الأهمية ، فالحالة المعنوية هي القوة الذاتية الكامنة في داخل الإنسان والتي تدفعه لإنجاز أهدافه ، أو تهبط من همته ، أو هي العامل الذي يحفز الإنسان إلى إطلاق أقصى طاقاته وقدراته الإبداعية.
– تغليب حسن الظن بالمسلمين : حيث يقول الحق تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}(الحجرات:12). أي لا تظنوا بأهل الخير سوءا إن كنتم تعلمون من ظاهر أمرهم الخير ، وإذا سمعتم من الشائعات التي تنال من مسلم عرف عنه الخير فغلبوا حسن الظن ، ولا تظنوا به إلا الخير ، وقد عاتب الله الذين لاكوا بألسنتهم شائعة الإفك فقال{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}(النور:12)، وكان لأبي أيوب الأنصاري وزوجته موقفًا نبيلاً تبين فيه حسن الظن بالسيدة عائشة رضي الله عنها ، التي ما علم منها إلا خيرًا كما توصـلاً في استنتاجهما .