هل يمكن أن نتصور عالمًا خاليًا من التمييز العنصري، حيث يُعامل الجميع بالمساواة والاحترام بغض النظر عن لونهم أو أصلهم؟ لطالما كانت العنصرية عقبة أمام العدالة الاجتماعية والتقدم البشري، متجذرة في التاريخ ومستمرة حتى يومنا هذا بأشكال مختلفة. ومع ذلك، فإن الجهود العالمية لمكافحة هذه الظاهرة لم تتوقف، بل تبلورت في مبادرات واتفاقيات دولية، أبرزها اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري.
تُعدُّ العنصرية والتمييز العنصري من الظواهر الاجتماعية التي أثرت سلبًا على مجتمعات العالم عبر التاريخ. فقد أدت هذه الظواهر إلى تفشي عدم المساواة والظلم والتوتر بين الأفراد والمجتمعات.
يأتي اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري كتذكير سنوي بضرورة مواجهة هذه الآفة وتعزيز ثقافة التسامح والمساواة. فما هي جذور التمييز العنصري؟ وكيف أثر عبر العصور؟ وما السبل الفعالة لمكافحته؟ في هذا المقال، نستعرض أبعاد هذه القضية الجوهرية وسبل القضاء عليها لضمان مستقبل أكثر عدلًا وإنصافًا للجميع.
1965..اتفاقية دولية للتمييز العنصري
في ديسمبر 1965، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري بموجب القرار 2106 (د-20)، مما شكل خطوة مهمة نحو القضاء على العنصرية على مستوى العالم. وباعتبارها أول معاهدة دولية أساسية في مجال حقوق الإنسان، مهدت الاتفاقية الطريق نحو تقدم مستقبلي في مجال حقوق الإنسان.
وتؤكد الاتفاقية على التزامها الراسخ بالقضاء على التمييز العنصري وتعزيز المساواة، مما يدعم الجهود المستمرة لمكافحة الأفكار والممارسات العنصرية ويهدف إلى تعزيز التفاهم والوحدة العالمية الخالية من التفرقة العنصرية.
وعلى مر السنين، تحتفل اليونسكو باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري من خلال تنظيم فعاليات في مقرها ومكاتبها الميدانية، وكذلك بالتعاون مع المدن المنضمة لعضوية التحالف الدولي للمدن المستدامة الشاملة للجميع ـ وقبل أن نتحدث عن اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري، كأحد الأيام الدولية التي تضعها الأمم المتحدة، وجب معرفة ماهية التمييز العنصري أولا، وكيف ظهر ومن هو أول من نادى بضرورة القضاء على التمييز العنصري؟ وماهي أسبابه وأشكاله وآثاره وسبل مكافحته.

ماهي العنصرية؟
الحديث عن اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري يقودنا للحديث عن العنصرية، فالعنصرية هي مجموعة من الأفكار والمعتقدات التي تقوم على اعتبار أن بعض الأجناس أو الأعراق تتفوق على أخرى، مما يبرر التمييز ضد أفراد جماعات معينة بناءً على خصائصهم الفسيولوجية أو العرقية. وتُستند هذه الأفكار عادةً إلى مفاهيم غير علمية ومتحيزة، تُسهم في تعزيز الانقسامات الاجتماعية وتشجيع الشعور بالتفوق أو الدونية.
وتعرف الموسوعة البريطانية العنصرية على أنها الاعتقاد بتقسيم البشر إلى كيانات بيولوجية منفصلة تسمى “الأعراق” وأن هناك علاقة بين السمات الجسدية الموروثة وسمات الشخصية والفكر والأخلاق. وفي هذا السياق، تتفوق بعض الأعراق بالفطرة على غيرها.
ماهو التمييز العنصري؟
التمييز العنصري هو التطبيق العملي للمعتقدات العنصرية في التعامل مع الأفراد، حيث يُعامل البعض بشكل مختلف أو يُحرم من حقوق معينة بسبب انتمائهم العرقي أو لون بشرتهم أو خصائصهم الفيزيائية. يظهر التمييز العنصري في ميادين عدة منها العمل، التعليم، السكن، والعدالة الاجتماعية.
أشكال التمييز العنصري
هناك عدة أشكال يتخذها التمييز العنصري منها:
التمييز المباشر:
يحدث عندما يُمارس التمييز بشكل صريح وواضح تجاه أفراد أو مجموعات معينة، مثل رفض توظيف شخص لمجرد انتمائه لعرق معيّن.
التمييز غير المباشر:
يظهر من خلال سياسات أو ممارسات تبدو محايدة في ظاهرها، لكنها تؤدي إلى نتائج سلبية وغير عادلة تجاه مجموعات معينة.
التمييز المؤسسي:
يتجلى في الأنظمة والهياكل الاجتماعية التي تضمن استمرار الفوارق وعدم المساواة، مثل القوانين والسياسات التي تُفضل مجموعة دون أخرى دون قصد ظاهر.
التمييز الثقافي:
يتمثل في التقليل من قيمة ثقافة أو لغة جماعة معينة مقارنة بثقافات ولغات أخرى، مما يؤثر على هوية الأفراد ويحد من مشاركتهم في الحياة العامة.
أسباب التمييز العنصري
للتمييز العنصري أسباب كثيرة، وهي تختلف من منطقة لأخرى، ومن شعب لآخر، ويمكن إجمالها في الأمور التالية:
جهل وتحيز معرفي:
ينتج عن نقص المعرفة والثقافة حول التنوع البشري، مما يؤدي إلى تكوين أفكار نمطية وصور نمطية سلبية عن الآخرين.
الخوف من الآخر:
يؤدي الشعور بالتهديد من الثقافات والمعتقدات المختلفة إلى خلق جدار من الحذر والعداء تجاه الآخرين.
أسباب سياسية واقتصادية:
تستخدم بعض النظم السياسية والاقتصادية العنصرية كوسيلة للسيطرة على الشعوب أو كأداة لتبرير التهميش والاستغلال.
التنشئة الاجتماعية والإعلام:
تسهم البيئة التي ينشأ فيها الفرد والإعلام في تشكيل صورة مشوهة عن الآخرين، مما يغذي مواقف التمييز والعنصرية.
4 آثار للعنصرية والتمييز العنصري
لداء العنصرية والتمييز العنصري آثار كثيرة ومتعددة فهو يخلف آثارا اجتماعية ونفسية واقتصادية وثقافية:
- تؤدي العنصرية إلى تقسيم المجتمع وزيادة التوترات والصراعات بين المجموعات المختلفة، مما يعرقل عملية التعايش السلمي والتكامل.
- تتسبب التجارب العنصرية في إيذاء الذات والثقة بالنفس لدى الأفراد المتعرضين لها، وقد تؤدي إلى مشاكل نفسية مثل الاكتئاب والقلق.
- يحد التمييز العنصري من فرص العمل والتعليم للفئات المتضررة، مما يؤدي إلى تفاوت اقتصادي واسع ومستدام بين المجتمعات.
- قد يؤدي إلى فقدان الهوية الثقافية وقمع التنوع، إذ يتم تجاهل أو التقليل من قيمة ثقافات ولغات جماعات معينة.
60 عامًا على اتفاقية مناهضة العنصرية
شعار احتفالية اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري لهذا العام، وموضوعها هو “الذكرى السنوية الستون للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري”.
تُتيح الذكرى الستون للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري فرصة للتأمل في ما تم تحقيقه من تقدم في محاربة التمييز العنصري، مع تسليط الضوء على التحديات التي لا تزال قائمة. كما تمثل مناسبة لإعادة التأكيد على التزامنا بالمساواة والاستمرار في السعي نحو القضاء على العنصرية، وضمان المساواة لجميع الأفراد.
يحتفل باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري سنويًا في اليوم الذي أطلقت فيه الشرطة في شاربفيل بجنوب إفريقيا النار وقتلت 69 شخصًا كانوا مشاركين في مظاهرة سلمية ضد “قوانين المرور” المفروضة من قبل نظام الفصل العنصري في عام 1960.
في عام 1979، اعتمدت الجمعية العامة برنامج الأنشطة التي يتعين الاضطلاع بها خلال النصف الثاني من عقد العمل لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري. وفي تلك المناسبة، قررت الجمعية العامة أن أسبوع التضامن مع الشعوب التي تكافح ضد العنصرية والتمييز العنصري، يبدأ في 21 آذار/مارس، ويحتفل به سنويا في جميع الدول.
ومنذ ذلك الحين تم تفكيك نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وإلغاء القوانين والممارسات العنصرية في العديد من البلدان، وقمنا ببناء إطار دولي لمكافحة العنصرية، مسترشدة بالاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري. ومع اقتراب الاتفاقية من التصديق العالمي، ما زال يعاني الكثير من الأفراد والمجتمعات في جميع المناطق من الظلم والوصم الذي تجلبه العنصرية.
التمييز العنصري ومبدأ المساواة
تكرر الجمعية العامة للأمم المتحدة التأكيد على أن جميع البشر يولدون أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق ولديهم القدرة على المساهمة البناءة في تنمية مجتمعاتهم. وشددت الجمعية العامة كذلك في قرارها الأخير على أن أي مبدأ للتفوق العنصري هو زائف علميا ومدان أخلاقيا وظالم اجتماعي وخطير ويجب رفضه، إلى جانب النظريات التي تحاول تحديد وجود أجناس بشرية منفصلة.
ومنذ تأسيسها، أبدت الأمم المتحدة القلق من هذه المسألة، وقامت بحظر التمييز العنصري ليتضمن جميع الصكوك الدولية الأساسية لحقوق الإنسان. وفرضت هذه الصكوك التزامات على الدول للقضاء على التمييز في المجالين العام والخاص. ويتطلب مبدأ المساواة الدول اتخاذ تدابير خاصة للقضاء على الظروف التي تسبب أو تساعد في إدامة التمييز العنصري.
فعاليات أممية في طريق القضاء على التمييز العنصري
في سبتمبر 2021، اجتمع في الجمعية العامة للأمم المتحدة قادة العالم في فعالية من يوم واحد في نيويورك للاحتفال بالذكرى السنوية العشرين لاعتماد إعلان وبرنامج عمل ديربان تحت شعار “التعويضات والعدالة العرقية والمساواة للمنحدرين من أصل أفريقي”.
وفي عام 2001، وضع المؤتمر العالمي لمكافحة التمييز العنصري أشمل برنامج وأكثرها حجية لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل به من تعصب، ألا وهو: إعلان وبرنامج عمل ديربان. وفي أبريل 2009، نظر مؤتمر ديربان الاستعراضي في التقدم المحرز عالمياً في مجال التغلب على العنصرية واستنتج أنه لا يزال ثمة الكثير مما ينبغي إحرازه. ومما لا شك فيه أن أعظم إنجاز للمؤتمر هو تجديد الالتزام الدولي بخطة مناهضة العنصرية.

وفي سبتمبر 2011، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعا رفيع المستوى ليوم واحد في نيويورك احتفالا بحلول الذكرى السنوية العاشرة لإعلان وبرنامج عمل ديربان. ويومها اعتمد قادة العالم إعلانا سياسيا مؤكدين فيه على عزمهم جعلها — مناهضة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب وحماية ضحايا تلك الممارسات — من أهم أولويات بلدانهم.
وكما فعلت خلال السنة الدولية للمنحدرين من أصل أفريقي 2011، كانت الذكرى السنوية العاشرة فرصة لتعزيز الالتزام السياسي لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري.
وفي 23 ديسمبر 2013، أعلنت الجمعية العامة، بموجب قرارها بدء العقد الدولي للمنحدرين من أصل أفريقي في 1 يناير 2015 لينتهي في 31 ديسمبر 2024 تحت شعار “المنحدرون من أصل أفريقي: الاعتراف والعدالة والتنمية”.
النبي محمد أول مناهض للتمييز العنصري
ظاهرة التمييز العنصري لم تبدأ قبل 60 عاما، بل ظلت موجودة عبر التاريخ وتشكلت بتداخل عوامل اجتماعية وسياسية وثقافية كثيرة. ومع ذلك، يمكن القول أن النبي محمد ﷺ كان من أوّل من دعا إلى المساواة بين البشر. ففي خطبته الوداعية أكد على أن التفاضل بين الناس يكون بالتقوى وليس بناءً على العرق أو اللون، مما شكل خطوة ثورية في تجاوز الفوارق القبلية والعرفية في ذلك الوقت.
يُعتبر النبي محمد ﷺ من الشخصيات الثورية في التاريخ البشري، إذ أحدثت دعوته تغييراً جذرياً في المفاهيم الاجتماعية والإنسانية، وخاصة فيما يتعلق بمبدأ المساواة وعدم التمييز بين الناس. جاءت رسالته الإنسانية لتصحح مفاهيم المجتمع الذي كان يعاني من الانقسامات القبلية والعنصرية، مؤكدةً أن قيمة الإنسان تكمن في تقواه وأعماله وليس في نسبه أو لونه.
في الجاهلية، كانت المجتمعات العربية تتميز بنظام قبلي صارم، حيث كان الانتماء إلى قبيلة معينة يُحدد مكانة الفرد ومصيره الاجتماعي. هذا النظام أدى إلى انتشار الممارسات العنصرية والتفاضل بين الناس بناءً على النسب والعرق والجنس، مما خلق فجوات اجتماعية كبيرة وظلمًا مستمرًا.
إعلان وحدة البشرية:
أتى النبي محمد ﷺ بدعوة شاملة للجميع، تدعو إلى توحيد البشر على أسس من الأخوة والمساواة، بعيدًا عن الفوارق القبلية والعرقية. في تعاليمه الإسلامية، لم يكن هناك مجال للتفاضل بين العرب وغير العرب، أو بين الأبيض والأسود، بل كان المعيار الوحيد للتفاضل هو التقوى والعمل الصالح.
خطبة الوداع كمثال بارز:
في خطبته الوداعية، جمع النبي ﷺ المسلمين مؤكدًا على عدم وجود فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى، حيث قال:”يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد. ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى.”
هذه الكلمات كانت بمثابة إعلانٍ عن بداية جديدة تُبعد عن المجتمع مفاهيم التمييز وتضع الإنسان على قدم المساواة مع غيره.
تحطيم الحواجز الاجتماعية:
لم تقتصر دعوة النبي على الكلمات فقط، بل تجسدت في معاملة المسلمين لبعضهم البعض. فقد اعتنى النبي بأضعف شرائح المجتمع، بما في ذلك العبيد والفقراء والنساء، معتبرًا أن العدالة والمساواة أساس التعامل بين البشر.
التمييز العنصري وأثر الدعوة المحمدية على مر العصور
ساهمت دعوة النبي محمد ﷺ في بدء عملية إصلاح اجتماعي شاملة. فقد أدت المبادئ التي أسس عليها الإسلام إلى:
تحطيم الفوارق القبلية: حيث تم التركيز على الأخوة الإنسانية بدلاً من الانقسام على أساس النسب والعِرق.
ترسيخ قيم العدالة والمساواة: والتي أصبحت لاحقاً ركيزة أساسية في بناء نظم اجتماعية تحترم حقوق الإنسان.
توحيد صفوف المسلمين: مما ساعد على تكوين مجتمع موحد يرفض التمييز والعنصرية بأي شكل من الأشكال.
تأثير دائم عبر العصور: لقد شكل الإسلام ودعوة النبي محمد حجر الزاوية في الفكر الإسلامي بل في الفكر الإنساني الذي انتشر فيما بعد في حضارات واسعة. كما ألهمت هذه المبادئ حركات حقوق الإنسان في العصور اللاحقة، حيث بُنى الكثير من النظم القانونية والاجتماعية على أساس العدالة والمساواة بين جميع البشر.
ولم تقتصر رسالة النبي محمد صلى الله عليه على الدعوة إلى التوحيد والعبادة فحسب، بل شملت أيضاً دعوة للإصلاح الاجتماعي الشامل وتأكيد على كرامة الإنسان ومساواته مع الآخرين. فقد كانت بداية الثورة ضد التمييز العنصري، حيث أرسى أسس المساواة والعدالة التي تعتبر من أهم قيم الحضارة الإنسانية. واليوم، تستمر هذه المبادئ في إلهام الأجيال لبناء مجتمعات أكثر عدلاً وتسامحاً، خالية من قيود العنصرية والتمييز.
الإسلام ووحدة الإنسانية
يُعدّ الإسلام من الديانات التي أرست مبادئ أساسية تقوم على العدالة والمساواة بين البشر، مما يجعلها مرجعاً مهماً في نقد وإبطال ممارسات التمييز العنصري. ورغم أن التمييز على أساس العرق أو اللون ظلّ موجوداً في مختلف الحضارات عبر التاريخ، فإن الإسلام نبذ العنصرية وجاءت تعاليمه لتؤكد أن قيمة الإنسان لا تُحدد بصفاته الظاهرية، بل بتقواه وأفعاله.
يؤكد القرآن الكريم على أن جميع البشر خلقوا من نفس أصل، حيث ورد في سورة الحجرات الآية 13: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
تشير هذه الآية إلى أن التنوع في الشعوب والقبائل ليس مبدأ للتفاضل، بل وسيلة للتعارف والتعاون بين البشر، مما ينفي بأي شكل من الأشكال فكرة التفاضل على أساس العرق أو النسب.
يمكن القول إن الإسلام، بدعوته الشاملة التي ترتكز على وحدة الإنسانية ومبدأ التقوى، وضع أسساً راسخة لمواجهة ممارسات التمييز العنصري. فمن خلال القرآن الكريم وتعاليم النبي محمد ﷺ، تم التأكيد على أن الفروق الظاهرية لا تعني تفوقاً أو دونية، وأن العدالة والمساواة يجب أن تكونا منارة يُهتدى بها في بناء المجتمعات.
وفي الوقت الذي تستمر فيه بعض التجليات السلبية للتمييز العنصري في مختلف أنحاء العالم، يبقى الإسلام دعوة دائمة للتأكيد على أن الإنسان يُقدَّر بما يحمله من قيم إنسانية وروحية، وليس بما يحدده لون بشرته أو نسبه.
سبل مواجهة العنصرية والتمييز العنصري
يعتقد خبراء بصعوبة استئصال العنصرية، وقدرة القوانين على تغيير العقول.. ويدعون إلى زيادة الوعي بين الناس باحترام الاختلافات.
تقول منظمة “يونيسيف” إنه يمكن مواجهة العنصرية بإظهار الدعم للمجموعات العرقية المختلفة في المجتمعات، من خلال عقد اجتماعات ومؤتمرات داعمة لهم، سواء في المنظمات المحلية ودور العبادة التي تجمع الناس معا.
وتؤكد أهمية تعليم الأطفال أنها ممارسات خائطة، وأن التحيز والكراهية ليست فطرية بل سلوكيات مكتسبة وتقبل فكرة الاختلاف وأننا جميعا بشر ولنا جميعا الحق في الشعور بالأمان والتقدير.
ويقول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش: “حيثما نرى العنصرية، فيجب أن ندينها دون تحفظ، ودون تردد، ودون شروط”.
وينصح الكثيرون بتغليط العقوبة على كل من يمارس العنصرية في المجتمعات. وإلى ضرورة عدم قصر التوظيف في الشركات والمؤسسات على سلالة معينة، ومراعاة الدمج المجتمعي والعمل التنموي لجميع أبناء المجتمع وعدم التخندق وراء السلالة أو العرق أو الدين.

التعليم والتوعية: يُعتبر التعليم أداة رئيسية في تغيير الأفكار النمطية وتعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل، إذ يساعد على فهم التنوع وقبول الاختلاف.
الإصلاح القانوني: يجب سنّ قوانين صارمة تجرّم كافة أشكال التمييز والعنصرية، وتطبيقها بشكل عادل لضمان حقوق جميع الأفراد دون استثناء.
تعزيز الحوار بين الثقافات: يساهم الحوار والتواصل بين مختلف الثقافات والمجتمعات في بناء جسور من الثقة والتفاهم، مما يقلل من حدة التوترات والاختلافات.
دور الإعلام ووسائل التواصل: يجب على وسائل الإعلام تقديم تغطية موضوعية تعكس التنوع وتُبرز إيجابيات التعايش السلمي، مع تجنب تعزيز الصور النمطية السلبية.
دور المؤسسات المجتمعية:تلعب المؤسسات الدينية والثقافية والاجتماعية دورًا مهمًا في نشر قيم العدالة والمساواة، والعمل على إزالة الفوارق العنصرية من خلال برامج ومبادرات مجتمعية.
خاتمة
إن مكافحة العنصرية والتمييز العنصري تتطلب جهدًا مشتركًا من كافة فئات المجتمع، بدءًا من التعليم والتوعية وصولاً إلى الإصلاحات القانونية والاجتماعية. ويأتي اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري في هذا الإطار. فبتعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل، يمكن بناء مجتمع يسوده العدل والمساواة، حيث يُقدَّر كل فرد بناءً على إنسانيته ومساهماته وليس بناءً على لون بشرته أو عرقه. تعتبر هذه الجهود استثمارًا في مستقبل يسوده السلام والتعايش السلمي بين جميع الشعوب.