تحتفل منظمة الصحة العالمية وشركاؤها في كل مكان في 31 مايو من كل عام باليوم العالمي للامتناع عن التدخين، مع إبراز المخاطر الصحية المرتبطة بتعاطي التبغ والدعوة إلى وضع سياسات فعالة للحد من استهلاكه. ويعد تعاطي التبغ أهم سبب منفرد للوفيات التي يمكن تفاديها على الصعيد العالمي علما بأنه يؤدي حاليا إلى إزهاق روح واحد من كل عشرة بالغين في شتى أنحاء العالم.
ويكمن الهدف النهائي لليوم العالمي للامتناع عن التدخين في المساهمة في حماية الأجيال الحالية والمقبلة من هذه العواقب الصحية المدمرة، بل وأيضا من المصائب الاجتماعية والبيئية والاقتصادية لتعاطي التبغ والتعرض لدخانه. فماهي هذه المادة القاتلة التي شكلت عادة عالمية سيئة منذ آلاف السنين، وهل يمكن التخلص منها؟ وما موقف ديننا الإسلامي الحنيف منها؟ ولماذا ينتفض العالم ضد وباء كورونا ولا ينتفض ضد وباء التدخين؟
ما التدخين وما التبغ؟
يعرف التدخين بأنه عمليةٌ يجري فيها إحراق مادة معينة، والمادة الأكثر استخداما في ذلك هي مادة التبغ، وبعد إحراقها يتذوقها الشخص ويستنشقها. ويلجأ بعض الأشخاص للتدخين لاعتبارهم أنه ممارسة تساعد في الترويح عن النفس، وتتمّ مُمارسته أحياناً في بعض الطقوس الدينية لإضفاء حالة التنوير الروحي، ومن أبرز وسائل التدخين شيوعا في هذا الوقت السجائر سواء أكانت بإنتاج صناعي أو تلك التي تُلفُّ باليد، كما أنّها توجد وسائل وأدوات أخرى للتّدخين كالغليون والشيشة.
أما التبغ فهو نوعٌ من أنواع النباتات في أمريكا، ويحتوي على مادّةٍ سامّة، ولفظه مأخوذٌ من كلمة “تاباغو” المُطلق على جزيرة في خليج المكسيك حيث وُجد لأول مرة فيها، ونُقل منها إلى مختلف أنحاء العالم.
وحسب نظريات علم النفس وعلم الاجتماع، يبدأ معظم المدخنين التدخين خلال مرحلة المراهقة أو البلوغ المبكر. حيث يروق التدخين للشباب لما يحمله من عناصر المخاطرة والتمرد. كما أن وجود نماذج مرموقة المكانة وأيضا أقرانهم الذين يدخنون يشجعهم على التدخين. ونظرا لتأثر المراهقين بأقرانهم أكثر من الكبار، فغالبا ما تبوء بالفشل محاولات الآباء والأمهات والمدارس والعاملين في المجال الصحي من الأطباء وغيرهم في منع المراهقين من تجربة تدخين السجائر. ويُترك المدخن الشاب لمصيره، إما أن يتوقف بمفرده أو يستمر بمفرده.
التدخين أوالمخدرات.. الخيار والاضطرار
الأخطر من هذا كله، وفي ظل انتشار أشكال وأنواع لا حصر لها من المخدرات والمسكرات بحسب تأثيرهاكالمسكرات (مثل الكحول والكلوروفورم والبنزين) ومسببات النشوة(مثل الأفيون ومشتقاته)، والمهلوسات( مثل الميسكالين وفطر الأمانيت والبلاذون والقنب الهندي)، والمنومات(مثل الكلورال والباريبورات والسلفونال وبرموميد البوتاسيوم). ومخدرات بحسب طريقة الإنتاج، كالمخدرات التنتج من نباتات طبيعية مباشرة (مثل الحشيش والقات والأفيون ونبات القنب). والمخدرات المصنعة والتي تستخرج من المخدر الطبيعي بعد أن تتعرض لعمليات كيمياوية تحولها إلى صورة أخرى(مثل المورفين والهيروين والكوكايين). والمخدرات المركبة والتي تصنع من عناصر كيماوية ومركبات أخرى ولها التأثير نفسه (مثل بقية المواد المخدرة المسكنة والمنومة والمهلوسة).
بالإضافة إلى المواد التي تسبب اعتمادا نفسيا وعضويا (مثل الأفيون ومشتقاته كالمورفين والكوكايين والهيروين). والمواد التي تسبب اعتمادا نفسيا فقط (مثل الحشيش والقات وعقاقير الهلوسة).
في ظل انتشار هذا الكم الهائل من المخدرات التي تفنن البشر في صناعتها، والتفريق بينها حتى من خلال اللون كالمخدرات البيضاء(مثل الكوكايين والهيروين) والمخدرات السوداء(مثل الأفيون ومشتقاته والحشيش).
في ظل هذا كله، أين “مكانة التدخين”؟ الذي يبدو متراجعا بدرجات مقارنة بغابة من المكونات المخدرة والمهلوسة، حتى أصبح الكثير من الآباء والأمهات لا يرون فيه خطرا على صحة أبنائهم، فيغضون الطرف عن مجرد عادة سيئة (في نظرهم)حتى لا يقع أبنائهم في مسيرة إدمان أخطر وأشد فتكا، ما دروا أن التدخين ربما يكون مقدمة لدخول باب الجحيم الذي يخشون على أبنائهم منه.
4700 مادة كيميائية و5 آلاف سنة من التدخين
يعود تاريخ التّدخين إلى سنة 5000 قبل الميلاد، حيث كان موجودا في مختلف الثّقافات في العالم، وقد ارتبطت الاحتفالات والمباهج الدينية قديما بالتدخين، حيث كان يُرافق تقديم القرابين للآلهة القديمة، كما كان ملازما لطقوس التّطهير.
وقد قامت الكثير من الحضارات مثل الحضارة البابلية والهندية والصينية بحرق البخور كجزء من الطقوس الدينية، وكذلك قام بنو إسرائيل ولاحقا الكنائس المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية بالفعل نفسه. ويرجع ظهور التدخين في الأمريكتين إلى الاحتفالات التي كان يقيمها كهنة الشامان ويحرقون فيها البخور، ولكن فيما بعد تمت ممارسة هذه العادة من أجل المتعة أو كوسيلة للتواصل الاجتماعي. كما كان يُستخدم تدخين التبغ وغيره من المخدرات المسببة للهلوسة من أجل إحداث حالة من الغيبوبة أو للتواصل مع عالم الأرواح.
وعندما غزت أوروبا استكشافيا القارتين الأمريكيتين ساهم ذلك في انتشار التبغ إلى كل أجزاء العالم بشكل سريع، وفي أوروبا ساهم التّدخين في تقديم نشاطات اجتماعيّة جديدة للسُكّان وصورةً من صور تعاطي المخدرات بشكل لم يُعرف سابقاً، أمّا في الدوّل العربية ففي فلسطين قد عُرف التبغ لأول مرة عام 1603م في زمن السلطان أحمد الأول، وبعد ذلك تمّ مَنع وحَظر التدخين على سكّان القدس عام 1633م في زمن السّلطان مراد الرابع.
ويضم دخان السجائر ما يفوق 4700 مادة كيميائية، حيث بينت الدراسات والأبحاث أن 60 مادة منها تشكل مواد من المحتمل أن تقود للإصابة بالسرطان، ولأجل ذلك فإنها تصنف ضمن المواد السرطانية، وعندما يدخن الشخص فإن التبغ وباقي المواد تخضع لمجموعة من التّفاعلات الكيميائية لتشكل الدخان الذي يحوي أكثر من 400 مادة، ومن هذه المواد: سيانيد الهيدروجين، أحادي أكسيد الكربون، النيكوتين، الزّرنيخ، كلوريد الفينيل، الأمونيا، ومن المواد المسرطنة: الكادميوم،الأمونيا، النتروزامين، الكينولين، الزرنيخ، كبريت الهيدروجين، ثاني أكسيد النيتروجين. الفورمالدهيد، وهي من المواد الضارة على مجرى الهواء، سيانيد الهيدروجين، البنزبيرين.
ومن الناحية الصحية يقود التدخين إلى أن يصاب الفرد المدخن بالكثير من المَشاكل الصحيّة والأمراض، ومنها: الجلطة الدماغية، السكتة القلبية، السرطان (خاصة سرطان الرئة)، الوفاة المبكّرة وعدة أمراض مُتعلِّقة بالجهاز التَّنفسي.
6 ملايين يموتون سنويا
يودي وباء التبغ العالمي بحياة ما يقرب من 6 ملايين شخص سنوياً، منهم أكثر من 600 ألف شخص من غير المدخنين الذين يموتون بسبب استنشاق الدخان بشكل غير مباشر. وإن لم يت اتخاذ التدابير اللازمة فسيزهق هذا الوباء أرواح أكثر من 8 ملايين شخص سنويا حتى عام 2030. وستسجل نسبة 80% من هذه الوفيات التي يمكن الوقاية منها في صفوف الأشخاص الذين يعيشون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
ويسعى اليوم العالمي للامتناع عن التدخين، كمناسبة دولية، للفت النظر العالمي نحو الآثار السلبية والضارة للتبغ والتدخين وآثاره السيئة على الصحة العامة وتذكير الشعوب بالمخاطر التي يسببها التدخين سواء على حياة الأفراد أو على النواحي الاقتصادية للأسر والمجتمعات معا أو حتى على الثروات والمحاصيل الزراعية التي تتعرض للحرائق بفعل لفافة تبغ يلقيها عابث ولتفعيل إجراءات المكافحة والسيطرة على هذا الوباء الخطير.
منذ 1988 قدمت منظمة الصحة العالمية أكثر من جائزة في اليوم العالمي للامتناع عن التدخين إلى منظمات وأشخاص قدموا اسهامات استثنائية وفعالة لغرض مكافحة التبغ. وفي 31 ماي 2008 دعت المنظمة الدولية لحظر تام ونهائي على إعلانات السجائر، حيث قالت المنظمة أن الدراسات أثبتت أن هناك علاقة قوية بين اعلانات منتجات التبغ والسجائر وبين بداية التدخين.
سذاجة في التعامل مع الظاهرة
بالنسبة للكثيرين، لا يعتبر اليوم العالمي للامتناع عن التدخين أكثر من كونه محاولة تافهة للجم التدخين، تأثيرها صغير أو يكاد يكون معدوما، خاصة في أماكن مثل الاتحاد السوفييتي والهند والصين. وبالنسبة للبعض، فإن هذا اليوم يرى بوصفه تحد لحرية الأفراد بالاختيار أو حتى أنه أسلوب مميز مقبول ثقافيا. فمن تجاهل اليوم العالمي للامتناع عن التدخين إلى المشاركة في الاحتجاجات أو تظاهرات التحدي، إلى إطلاق المزيد من الإعلانات والأحداث المروجة للتبغ في هذا اليوم، فقد وجد المدخنون ومزارعو التبغ وصناعة التبغ أيضا طرقا لإسماع آرائهم في ذلك اليوم.
من ناحية أخرى، فإن العديد من مزارعي التبغ يشعرون بأن الجهود المبذولة من قبل منظمات كمنظمة الصحة العالمية تعرض حقوقهم للخطر. على سبيل المثال، تجادل الرابطة العالمية لمزارعي التبغ (ITGA) بأن المزارعين الفقراء في أفريقيا ربما سيعانون من العواقب المترتبة من نجاح الحركات المعارضة للتدخين في حال نجحت تلك الحركات. كما أنهم يجادلون بأنه من الممكن لتلك الجهود أن تسبب مشاكل لمصنعي التبغ وبالتالي ستكون بمثابة هجوم على الصناعة لذا ستؤذي المزارعين.
موقف الإسلام من التدخين
تعد مشكلة التدخين من المشكلات المستفحلة في مختلف أرجاء العالم، وقد تبين بعد التحليل الكيمياوي للدخان أنه يحوي مئتي مادة كيماوية، منها مواد سامة، مثل: النيكوتين، السيانيد وحامضه، القطران، البيوتان، الأمونيا، الأيدروجين المكبرت، حامض الكبريتيك، الرصاص، أول أكسيد الكربوليك. ومن التحليل أيضا تبين أن اثنتي عشرة مادة من مركبات الدخان تسبب مرض السرطان بمختلف أنواعه .
ومع ذلك، فقد اختلف العلماء المسلمون تجاه موقف الدين من التدخين، فمنهم من ذهب إلى حرمته، ومنهم من أفتى بكراهته، ومنهم من قال بإباحته، ومنهم من توقف فيه وسكت عن البحث عنه.
وذهب رأي علماء الإسلام في البداية إلى اعتبار التدخين مكروها لأنه كان يستخدم بدون مادة الكوكاين والقطران أي أن ما عرفه الفقهاء القدماء كان التبغ نفسه وليس المعروف حاليًا ضرره مختلف عن الدخان الحديث، ثم بعد ظهور الدخان الحالي وتطور الأبحاث العلمية وثبوت تسبب التدخين بشكل مباشر في الإصابة بالعديد من أنواع السرطانات دفع بـ”مجمع الفقه الإسلامي الدولي” إلى تحريمه تحريما قاطعا.
وبعد دراسة التحاليل المخبرية الدقيقة للتدخين، والوقوف على الضرر الكبير الذي تسببه هذه المادة من زهق للأرواح على مستوى العالم، لجأ العلماء إلى ربط العديد من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة بالتدخين:
أولا: الآيات القرآنية
- ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً” (سورة النساء– الآية 29)، وهذه الآية الكريمة تنهى عن قتل النفس فقتل النفس، كما هو معلوم محرم شرعا، والمدخن الذي يعلم أن الدخان مركّب من مواد سامة ويستمر في تدخينه فكأنه يصر على قتل نفسه.
- وكلوا واشربوا ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين” (سورة الأعراف -الآية 31)، في هذه الآية الكريمة نهي عن الإسراف، وهو بذل المال في طرق غير مشروعة، فالمال الذي ينفق في سبيل الدخان يعد إسرافاً.
- “ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث” (سورة الأعراف- الآية 157)، والخبائث هي ما أضرت بالعقل أو بالجسم أو بالمال . وكما هو ملاحظ فإن الدخان مضر بالأمور الثلاثة جميعها فهو من أشد أنواع الخبائث، كما هو واضح لدى المدخنين، فيدخل الدخان في حكم التحريم .
- وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً” (سورة الإسراء– الآيتان 26 و27) . فإن التبذير منهي عنه، وإن المبذرين هم إخوان الشياطين لأن التبذير هو إنفاق في غير حق .
ثانيا: الأحاديث النبوية
- روت الصحابية الجليلة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت: نهى رسول الله ﷺ عن كل مسكر ومُفتر (أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه)، والمفتر هو ما أدى إلى تفتير في الأعصاب وضعف في الأعضاء، وهذا ما ينطبق على الحشيش والكوكايين والأفيون والدخان، مع تفاوت في التأثير المباشر. ويجمع الأطباء والمختصون على أن الدخان مفتر وبالتالي يقع في دائرة المنهي عنه .
- عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي ﷺ قال: من تردى من جبل وقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن يحّس سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحسّاه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً . . . (متفق عليه). وقد أوضح هذا الحديث النبوي الشريف أن من يشرب أو يتجرع مادة سامة قاتلة وأدى ذلك إلى هلاكه فإنه يعد منتحراً، وأن مصيره في الآخرة بالكيفية التي مات بها، ومن المعلوم أن الدخان يشمل مواد سامة، وأن الذي يدخن فإنه يقوم بعملية انتحارية بطيئة لاستنشاقه أو بلعه هذه المواد .
- عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله ﷺ: إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال (أخرجه مسلم وأحمد) . وإضاعة المال تشمل الإنفاق في الأمور المحرمة، كالقمار وشرب الخمر مهما بلغ مقدار المصاريف . وكذلك فإن شراء السم ليقتل الإنسان نفسه أو يقتل غيره فيه إضاعة للمال، وكراهة الله عز وجل للشيء يعني تحريمه .
الحرب على التدخين..هزيمة أبدية!!
الكثير من الحكومات والمنظمات على تحاول منع الناس من التدخين من خلال حملات مناهضة للتدخين تنشر في وسائل الإعلام المختلفة والتي تلقي الضوء على التأثيرات الضارة للتدخين على المدى البعيد. لكن وعلى مر الأزمان تبين أن هذه المحاولات منيت بهزيمة شنعاء، وفشلت فشلا ذريعا في وضع حد لهذه الآفة أو الحد من انتشارها. وكأن العالم، بمخابره وعلماءه ونظرياته، نجح في حروبه ضد كل الأوبئة والأمراض الفتاكة، لكنه فشل أمام التدخين.
بعد فترة وجيزة من تقديم التبغ إلى العالم القديم، تعرض للنقد المتكرر من قبل الدولة وكبار رجال الدين. حيث كان السلطان مراد الرابع (1623-1640) أحد سلاطين الإمبراطورية العثمانية، من أوائل الذين حاولوا منع التدخين بدعوى أنه يمثل تهديدا للصحة والأخلاقيات العامة.
كما قام الإمبراطور الصيني شونجزين بإصدار مرسوم يقضي بمنع التدخين قبل وفاته بسنتين، و اعتبر المانشووي المنحدرين من سلالة تشينج التدخين جريمة أكثر شناعةً من إهمال الرماية.
وخلال عهد إيدو في اليابان، تعرضت بعض مزارع التبغ الأولية إلى الازدراء الشديد من قبل قادة القوات المسلحة اليابانية التي رأت أن هذا الأمر يعد تهديدا للاقتصاد العسكري، حيث أن ذلك الأمر يمثل إهدارا للأرض الزراعية القيمة في زراعة المخدرات بدلا من استخدامها في زراعة محاصيل غذائية.
ولطالما كان رجال الدين من أبرز المعارضين للتدخين حيث رأوا أن التدخين عمل غير أخلاقي. ففي عام 1634، قام بطريرك موسكو بحظر بيع التبغ وحكم على الرجال والنساء الذين يخالفون القرار بأن تشق فتحات أنوفهم طوليا وأن تجلد ظهورهم حتى ينسلخ عنها الجلد.
وبالمثل قام بابا الكنيسة الغربية إربان السابع بإدانة التدخين في بيان رسمي باباوي في عام 1950. وعلى الرغم من تضافر الجهود، فقد تم تجاهل القيود وقرارات الحظر على مستوى العالم.
وعندما اعتلى العرش الملك الإنجليزي جيمس الأول، وكان معارضا شرسا للتدخين قام بتأليف كتاب ضد التدخين تحت عنوان “إدانة التبغ”، وقد حاول تحجيم وحظر هذا الاتجاه الجديد عن طريق فرض زيادة باهظة على ضريبة تجارة التبغ وقدرت ب4000 في المائة في عام 1604.
وعلى الرغم من ذلك، فإن تلك التجربة باءت بالفشل، حيث كان في لندن حوالي 7000 بائع للتبغ في مطلع القرن السابع عشر. وبعد ذلك، أدرك الحكام الذين يهتمون بدقة القرارات بعدم جدوى قرارات منع التدخين، وبدلا من ذلك، قاموا بتحويل تجارة وزراعة التبغ إلى مشاريع حكومية احتكارية مربحة.
لماذا ينتفض العالم ضد كورونا وليس ضد التدخين؟
تشير الإحصاءات أن حالات الوفاة المؤكدة بسبب وباء كورونا حول العالم تخطت 3 ملايين حالة.رفي الوقت الذي أعلن فيه مدير منظمة الصحة العالمية أن العالم “يقترب من الوصول إلى أعلى معدل إصابة بالفيروس على الإطلاق” تم تسجيله. وبلغ عدد حالات الإصابة بالفيروس على مستوى العالم منذ بداية الوباء ما يقرب من 140 مليون حالة إصابة.
بالمقابل، يعتبر التدخين مشكلة عالمية عامة تسبب آثارا سلبية في شتى المجالات: الصحية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية .. حيث يقضي هذا الوباء على أكثر من ستة ملايين إنسان سنويا، ومهما اختلفت أشكال التدخين أو أعمار المدخنين، فإنه يؤثر على أجهزة الجسم المختلفة ويؤدي إلى الإدمان ثم الوفاة.
ومع ذلك، انتفض العالم كله لمحاصرة وباء كورونا والحد من انتشاره والقضاء عليه، لكنه يقف مكتوف الأيدي أمام وباء التدخين الذي يتمدد ويتوسع ويقتل الملايين بمعدل سنوي معروف لدى الخاص والعام مرشح لزيادة رهيبة خلال السنوات القليلة المقبلة.