بركة المال الصالح على الزوجين – قال تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } (آل عمران: 14).
المال من الشهوات التي ترغب فيها النفوس، وتحرص عليها، وهو عصب الحياة ولا تقوم مصالح الدنيا إلا به؛ قال ﷺ: “إن هذا المال حلوة خضرة، من أخذه بحقه ووضعه في حقه، فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه، كان كالذي يأكل ولا يشبَع”، وهنا شبه الرسول ﷺ أن من أخذ المال بطريق الحلال واستعان به على أمر نفسه وأهله، وصرفه في وجوه الخير بنية حفظ نفسه، وعلى زوجته وأولاده ووالديه، وعلى أقربائه والفقراء، فهو نعمة عظيمة من الله على عبده المسلم، قال ﷺ: “نعم المال الصالح للمرء الصالح” (رواه أحمد وغيره وصححه الألباني).
أيها الأزواج الكرام، مَن رزَقه الله مالًا، سواء كان بوظيفة أو ورِثه من والديه – أن يتقي الله فيه وينفقه على نفسه بالمعروف، وعلى من تجب عليه النفقة، وأن يكون كريم النفس مع غيره مع استحضار الأجر من الله في ذلك، قال ﷺ: “وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا أُجرت بها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك” (متفق عليه)، وقال ﷺ: “إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة” (متفق عليه).
والسؤال هنا للرجال هل كل واحد منا استحضر النية الصالحة حينما يعطي أسرته نفقتهم، أو حين يدفع قيمة مشتريات الأسرة أو أجرة المنزل، أو فاتورة الكهرباء والجوال وغيرها، هل استحضرنا النية الصالحة عند الخروج للنزهة وشراء حاجات المدرسة والبيت.
وهل استحضرت الزوجة النية الصالحة عندما ساعدت زوجها، وأعطت أولادها واشترت للبيت وللعيد ولنفسها دون منٍّ ولا أذًى.
امرأة تقول: زوجي يملك أموالًا طائلة يحسدنا عليها الناس، إلا أن حالنا مليء بالأسى، فأولادنا يعانون من الجوع والبخل الفظيع، فهو يحسب علينا كل شيء من طعام ولباس وكهرباء، حتى أنه أزال معظم الأنوار من البيت حفاظًا على فاتورة الكهرباء.
وآخر يقول: أعمل ليل نهار من أجل زوجتي وأولادي، وتحملت ديون كثيرة من أجلهم، وزوجتي تملك من المال الكثير، لكنها تبخل عليَّ وعلى أولادي، دائمًا تكرِّر: أجمعها من أجل المستقبل ولا أدري متى يأتي المستقبل؟
فإلى كل رجل من أب وأخ وزوج، لتعلم أن رأي العلماء في النفقة أنها واجبة على الزوج على زوجته وأولاده وبالمعروف، وليس ذلك مقدرًا، لكنه معتبر بحال الزوجين، قال ﷺ: “اتقوا الله في النساء فإنهنَّ عوان عندكم، أخذتموهنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله، ولهنَّ عليكم رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف” (رواه مسلم).
فعلى كل زوج يَملِك المال:
- احتساب الأجر عند الله عند نفقته على زوجته وأولاده، فهو مأجورٌ على كل ريال ينفقه عليهم.
- النفقة واجبة عليه فإذا ترك أو فرط فيها، فإنه يأثم وقد ضيَّع الأمانة.
- النفقة على الزوجة والأولاد من أفضل النفقات وأحسنها وهي مقدمة على الصدقات؛ قال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة: 215)، وهنا قدَّم الأقرباء على الفقراء والمساكين.
- ليعلم أن هذا المال إن لم ينفقه في طاعة الله ومرضاته على نفسه وعلى أهله، وعلى وجوه الخير والصدقات، وإلا سيكون عليه حسرة في الدنيا والآخرة، وبعدها سينتقل إلى الورثة بعد أن حرم نفسه وأهله من نعيم الدنيا فيما أحله الله.
وعلى الزوجة الموظفة أو من تملك مالًا:
- أن تعلم أنها ليست مجبورة على الإنفاق سواء على نفسها أو أولادها، لكن عليها ألا تخلق لنفسها مشاكل مع زوجها هي في غنى عن ذلك من حرمان وقهر وحبس وضرب، أو هجر أو منع؛ من نزهة أو سفر أو زيارة لوالد أو صديق.
- عليها أن تتفاهم مع زوجها في إدارة شؤون المنزل والأولاد حتى تنجح في حياتها الزوجية.
- ولتعلم أنها مطالبة بخدمة زوجها وأولادها وبيتها، فإذا سمح لها بالوظيفة وتنازل عن حقه في الخدمة أن تراعي ذلك، وأن ما تقوم به من مساعدة بمالها، سواء كان بخادمة لتقوم مقامها في المنزل، أو بشراء ما تحتاجه من أدوات وملابس لعملها هو نظير لسماحه، وتنازله عن خدمتها له.
- اجعلي المال طريق لسعادتك ولتحقيق طموحاتك ورغباتك، وليس عذاب وقهر ومذلة، وحرمان من نعيم الدنيا، فيما أحلَّه الله، ثم يذهب للورثة بعد أن حرَّمت نفسها منه.
أسأل الله العظيم أن يصلح لنا ولكم الذرية هذا، وصلى الله على سيدنا محمد.