نص القرآن الكريم على أن مصارف الزكاة ثمانية، وأول مصرفين نص عليهما هما: مصرف الفقراء والمساكين، كما قال سبحانه: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ). على أنه تبقى إشكالات في تحديد مدلول الفقراء والمساكين، وكذلك ضابط الفقر والمسكنة مع اختلاف الأزمان وحاجات الناس، مع تغير طبيعة الحياة الاجتماعية وما يعيشه الناس اليوم من أحوال اختلفت – ربما- اختلافا جذريا عن واقع المسلمين في العصر الأول.

من هم الفقراء والمساكين؟

اختلف الفقهاء في تحديد معنى الفقراء والمساكين وأيهما أشد حاجة على مذهبين:

المذهب الأول: أن الفقراء أشد حاجة، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، مستندين في ذلك بما يلي:

 1- الفقير من أصيب فقاره، أي عموده الفقري، بحيث لم يعد قادرا على الحركة ولا الكسب من باب أولى، فالفقير لغة : فعيل بمعنى مفعول ، وهو من نزعت بعض فقار صلبه ، فانقطع ظهره

2-  أن القرآن نص على أن المساكين لهم كسب وقدرة على السعي، كما قال تعالى: ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ)، والمسكين مفعيل من السكون ، ومن كسر صلبه أشد حالا من الساكن .

3-  كما أن الآية قدمت الفقراء على المساكين، وذلك دليل الأهمية وأنهم أكثر حاجة.

المذهب الثاني: أن المساكين أشد حاجة، وهو مذهب الحنفية والمالكية، واستدلوا على ذلك بأن المسكين مشتق من السكون، وهو غير القادر على الحركة والكسب، واستشهدوا بقوله سبحانه: ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ).

المذهب الثالث: الفقراء والمساكين صنف واحد:

فقد نقل الدسوقي من المالكية أن الفقير والمسكين صنف واحد ، وهو من لا يملك قوت عامه ، سواء كان لا يملك شيئا أو يملك أقل من قوت العام.

ضابط  الفقر والمسكنة في حياتنا:

بين الله تعالى حق الفقراء والمساكين في الزكاة، لكن لم يأت تفصيل بيانات وصف الفقر والمسكنة، وعلى الاختلاف الوارد بين الفقهاء، فالمذهب الأول يرى أن الفقير هو من لا يملك شيئا مطلقا، أو تغلب عليه الحاجة، وأن المسكين من عنده ما لا يكفي حاجته.

ويحدد الفقهاء قديما أن الحاجة تعود إلى الطعام والشراب والكساء والمسكن ونحوها، على أن الحاجة الاقتصادية اليوم أصبحت مختلفة كما كان عليه المسلمون في العصور المتقدمة، وحتى هذه تختلف من بيئة لأخرى، على أن من الحاجات الأساسية اليوم: الكهرباء والماء والهواتف والمواصلات والتعليم وغيرها. بل يعد الزواج أحد الحاجات الأساسية، وقد نص عليه المالكية قديما.

ويعطى الفقير والمسكين على قدر الحاجة والضرورة، والضرورة: ما لا بدَّ منه في قيام مصالحِ الدِّين والدنيا. وهي مشقة غير محتملة، بخلاف الحاجة، فهي مشقة محتملة.

الحد الفاصل بين الفقر والغنى:

واختلف الفقهاء في الحد الفاصل بين الفقر والغنى، ويترتب عليه حق إعطاء الإنسان الزكاة من عدمه، وذلك على النحو التالي:

المذهب الأول: ذهب جمهور الفقهاء على أن الحد الفاصل بين الفقر والغنى هو الكفاية، فمن كان عنده ما يكفيه؛ فلا يستحق الزكاة، وإن كان الإنسان لا يملك ما يكفيه ولو بلغ نصاب الزكاة؛ فهو مستحق للزكاة، فالعبرة عندهم بتحقق الكفاية.

المذهب الثاني: وهو مذهب الأحناف، أن الحد الفاصل بين الفقر والغنى هو ملك نصاب الزكاة، أي ما يعادل 85 جراما من الذهب، حتى وإن لم يكن يكفيه. واستدلوا بحديث ابن عباس – رضي الله عنهما- عند البخاري:” فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم”.

توقيفية التعريف

لابد من التفريق بين ما هو منصوص عليه ومجمع عليه أيضا، وبين ما هو محل اجتهاد في المسألة نفسها، فالنص على أن الفقراء والمساكين من مصارف الزكاة، وهذه محل إجماع بين الفقهاء بنص القرآن، لكن تحديد من هو الفقير ومن هو المسكين، وتحديد الضرورات والحاجات التي من خلالها يمكن صرف الزكاة له بناء على ذلك هي محل اجتهاد، وهو ما يعرف عند الفقهاء بـ( تحقيق المناط)، ولا شك أن استخراج تحقيق المناط من مسائل الاجتهاد وليس من المسائل التوقيفية.

من يستحق الزكاة

1- من لم يكن له مال أو له مال لا يكفيه فإنه يستحق من الزكاة عند الجمهور ، باستثناء الأبناء والزوجة

2-  من له مرتب يكفيه لم يجز إعطاؤه من الزكاة .

من كان له صنعة تكفيه وإن كان لا يملك في الحال مالا .

من كان قادرا على الكسب من الفقراء والمساكين؛ لم تحل له الزكاة، لحديث:” لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ” (أخرجه أبو داود)، وخالفهم الأحناف، وأوجبوا لهم الزكاة ما لم يملكوا نصابا.

مقدار الزكاة

اختلف الفقهاء في القدر الذي يعطى للفقراء والمساكين من  الزكاة على أقوال، هي:

المذهب الأول:أن يعطى كفاية عام هو ومن يعول من الزوجة والأولاد، وعللوا ذلك أن الزكاة عبادة سنوية، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم ادخر لأهله قوت سنة ” كما في البخاري. وهو مذهب المالكية.

المذهب الثاني:أن يعطى ما يحقق له الكفاية على الدوام، ويخرجه من الفقر إلى الغنى، وذلك لما خرجه مسلم في صحيحه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة : رجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ، أو قال : سدادا من عيش”. فيعطى كل صاحب صنعة ما تقوم به صنعته، ويعطى التاجر ما تقوم به تجارته، ويعطى الزارع ما تقوم به زراعته. وهذا مذهب الشافعية والحنابلة

المذهب الثالث:أن يعطى أقل من مائتي درهم إن كان وحده، أو يعطى أقل من مائتي درهم كل فرد من أفراد أسرته، وهو مذهب الحنفية. وتحديد القدر بأقل من مائتي درهم لأنه النصاب، فيعطى أقل من النصاب.