يعمد بعض التجار إلى إخراج زكاة تجارته من السلع التي يبيعها، وذلك لعدة دوافع، من أهمها: أنه لا يريد أن يخرج زكاة تجارته مالا، لأن في إخراجها من السلع التي عنده ويتاجر فيها تيسيرا عليه، ثم في دفعه المال ثقل على نفسه، وفي دفعه السلعة تيسير عليه وتسهيل، وهو في نظره أفضل بالنسبة له من دفع المال.

وهناك بعض الإشكالات التي لابد من بيانها قبل بيان الحكم الشرعي، ومن أهمها:

الإشكال الأول: أن التاجر يقوّم بسعر البيع، حتى لا يخرج سلعة أكبر، وهو خطأ شرعي، لأن من الواجب أن يقوّم التاجر السلعة بسعر الجملة وليس بسعر البيع، بل نص الحنفية وغيرهم أن الأولى تقييم السلعة بما هو أوفق لحال الفقراء.

جاء في الهداية في شرح بداية المبتدي (1/ 103): ” قال: ” يقومها بما هو أنفع للمساكين ” احتياطا لحق الفقراء قال رضي الله عنه وهذا رواية عن أبي حنيفة رحمه الله وفي الأصل خيره لأن الثمنين في تقدير قيم الأشياء بهما سواء وتفسير الأنفع أن يقومها بما يبلغ نصابا.

الإشكال الثاني: أن لجان وبيوت الزكاة تتلقى هذه السلع، وتبيعها في مزاد علني، وغالبا ما يبخس المشترون الثمن، فيكون ما يخرجه الغني من تجارته في حقيقته قليل بالنسبة إذا ما أخرج النقد.

الإشكال الثالث: أن كثيرا من السلع التي تخرج أعيانا في زكاة التجارة لا يحتاجها الفقراء، فإن كان التاجر مثلا يتاجر في ملابس نسائية غالية الثمن، فكيف يلبسها الفقراء وهي لا تتناسب معهم، خاصة أن مثل هذه الملابس تكون للمتبرجات، أو لا تتناسب مع قيم وعادات الفقراء، فيكون إخراجها لا قيمة لها من جهة الفقراء.

التأصيل الشرعي لإخراج زكاة التجارة سلعا

زكاة التجارة واجبة إذا بلغت نصابا ومر عليها عام هجري كامل، فتجب فيها ربع العشر، ودليله ما أخرجه أبو داود عن سمرة بن جندب: أن رسول الله ، كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع”. وفي مستدرك الحاكم قول النبي :” وفي البر صدقته.

وطريقته حساب زكاة التجارة ما ورد عن ميمون بن مهران – رحمه الله- قال:” إذا حلت عليك الزكاة؛ فانظر كل مال لك، ثم اطرح منه ما عليك من الدين، ثم زك ما بقي”.

وقد اتفق الفقهاء على صحة إخراج زكاة التجارة نقدا، من الذهب أو الفضة، أو النقود الورقية.

قال ابن قدامة ( المغني 3/ 59 ط مكتبة القاهرة ): ” ويخرج الزكاة من قيمة العروض دون عينها”.

وقال النووي في المجموع شرح المهذب (6/ 68): ” قال الشافعي والأصحاب زكاة عرض التجارة ربع العشر بلا خلاف ولا وقص فيه كالنقد وفيما يجب إخراجه طرق كما ذكره المصنف حاصلها ثلاثة أقوال (أصحها) عند الأصحاب وهو نصه في الأم والمختصر وهو الجديد وبه الفتوى وعليه العمل يجب ربع عشر القيمة مما قوم“.

وقال ابن رشد (بداية المجتهد 1 / 315 طبعة المكتبة الأزهرية للتراث): ” وقال الجمهور- الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري والأوزاعي وغيرهم-: المدير وغير المدير حكمه واحد، وأنه من اشترى عرضا للتجارة فحال عليه الحول قومه وزكاه. وقال قوم: بل يزكي ثمنه الذي ابتاعه  به لا قيمته”.

حكم إخراج زكاة التجارة عروضا ( من السلع)

اختلف الفقهاء في صحة إخراج زكاة التجارة من السلع، على النحو التالي:

الرأي الأول: لا يجوز إخراج زكاة التجارة من السلع، بل يجب أن تخرج نقدا، وهو مذهب جمهور الفقهاء.

واستدلوا بما يلي: 

1- قول عمر – رضي الله عنها-:” قومها ثم أد زكاتها”.

2-  أن نصاب زكاة التجارة يعتبر بالقيمة، فتكون الزكاة من القيمة، وليس من جنس السلع التي يتاجر بها، فالزكاة لا تجب في المال، وإنما تجب في القيمة.

3-  أن العين في عروض التجارة غير ثابتة، فالمعتبر المخرج منه، وهو القيمة.

4- أن العروض التي هي السلع ليست محل الوجوب، فإخراج الزكاة منها إخراج من غير الجنس.

5-  أن إخراج الزكاة من القيمة والنقد أنفع للفقير، لأنه قد لا يحتاج إلى السلعة، فيبيعها بثمن أقل من قيمتها، وربما كان في بيعها مشقة عليه.

الرأي الثاني: أن التاجر مخير بين إخراج القيمة وإخراج السلع ( العروض)، فأيهما أخرج؛ فقد صحت زكاة تجارته. وهو مذهب الحنفية ومذهب الشافعي في القديم. واستدل هؤلاء بحديث معاذ مع أهل اليمن، حيث قال لهم:” ايتوني بخميس أو لبيس آخذه مكان الصدقة، فإنه أهون عليكم، وخير للمهاجرين بالمدينة”. رواه البيهقي والبخاري تعليقا.

وقد قال الإمام ابن تيمية ( الاختيارات، ص: 101):” يجوز إخراج زكاة العروض عروضا”.

الرأي الثالث: أن زكاة التجارة تخرج من السلع لا من الثمن، فلو أخرجها من الثمن لا تجزئ، وذلك لأن الزكاة تجب لأجله. قال المزني: زكاة العروض تكون من أعيانها لا من أثمانها. وقال الشوكاني: الحق أن الزكاة واجبة من العين، ولا يعدل عنها إلى القيمة إلا لعذر”.

الرأي الرابع: إن كانت السلع مما ينتفع به المساكين، كالطعام ونحوه، جاز أن يخرج منه، وإن كان عقارا، أو حيوانا؛ أخرجت الزكاة من القيمة نقدا. وهو وجه عند الشافعية، حكاه الصيمري.

الراجح:

الأصل إخراج زكاة التجارة نقدا بعد تقييمها، ويجوز إخراج الزكاة من السلع، بشروط:

1- ألا يقصد بإخراجها سلعا التهرب من دفعها نقدا.

2-  ألا يكون في ذلك ضرر على الفقراء والمساكين.

3-  أن تكون هناك مصلحة راجحة في إخراجها عروضا، كأن تكون أنفع للفقير، أو تكون مما ينتفع به الفقير، أو أن ترفع حرجا عن التاجر، بحيث لا يجد ما يخرج به زكاة تجارته مالا.

4-  أن يلتزم الشروط الشرعية في تقويم تجارته، بأن تكون بسعر الجملة يوم إخراجها إن كان تاجر جملة، وبسعر التجزئة لتاجر التجزئة ، وبه صدر قرار ندواتِ قضايا الزَّكاة المعاصرة،  وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسَّساتِ الماليَّة ِالإسلاميَّة، أو يقومها بما هو أنفع للفقراء، كما نص عليه الأحناف.