بكل لغات الحب : يعتمد جزء من صحتنا النفسية على حياة زوجية هادئة وسعيدة، يكون الحب والتفاهم عنصرا حيويا لاستقرارها. حين نحب فنحن على استعداد لفعل أي شيء كي نظل بجوار من نحب. لذا ليس غريبا قولهم: إن الحب يصنع المعجزات.
لكن هذا الشعور الجميل يتطلب المحافظة عليه، خاصة بعد الزواج. فهو حالة استئناس دائم بين زوج وزوجة, هي رأت فيه فارس أحلام رسمه خيالها، وهو التمس فيها صفات شريك يحرك مشاعره.
دلت البحوث وعمليات المسح التي أجريت حول نشاط المخ لدى عينة من رجال ونساء يجمع بينهم رباط الحب، أنه غريزة أساسية كالطعام والشراب، واحتياج سيكولوجي يدفعنا إلى التودد والإلحاح العميق كي نفوز بشريك الحياة. أما الزواج فهو بمثابة سلسلة اختبارات لصدق المشاعر وثباتها.
حين نعبّر عن الحب فنحن بحاجة إلى لغة يفهمها الشريك ليعمّ التوافق. هل تكفي الكلمات الرومانسية والعشاء على ضوء الشموع؟
هل تكفي الرغبات أم أن الأمر بحاجة إلى عطاء واهتمام متواصل، وتضحية بالوقت والجهد؟
إن الوقوع في الحب مجرد بداية، أو لنقل إنه هوس عاطفي بحاجة لأن يتحول إلى حب حقيقي. في الدراسات التي أجرتها عالمة النفس دوروتي تينوف على عشرات الأزواج والزوجات، توصلت إلى أن متوسط عمر تجربة الوقوع في الحب لايتجاوز عامين، وبعدها نكفّ عن التحليق في السماءونبدأ بالهبوط إلى الأرض..تنفتح أعيننا على العيوب الصغيرة والملاحظات، والتصرفات التي تسبب الضيق. كنا نرى المحبوب مثاليا، ثم اكتشفنا فيما بعد أنه شخص عادي، فيتردد بين جوانحنا سؤال: لماذا تزوجنا، فليس بيننا تفاهم أو قواسم مشتركة؟
ما الذي يجب فعله لننتقل إلى حب متجدد وحقيقي؟ وكيف نستثمر الأمان العاطفي لوضع قواعد صلبة للحياة الزوجية؟
5 مفاتيح للحب
وضع غاري تشابمان خمسة مفاتيح أساسية تساعد على توصيل الحب باللغة التي يفهمها الشريك. وهو في ادعائه هذا ينطلق من حصيلة ثلاثين عاما كاستشاري علاقات زوجية، حيث يؤكد أن لغة الحب العاطفية قد تختلف بين الزوجين اختلاف اللغة الصينية عن الإنجليزية. ومن المهم لمن يرغب في توطيد علاقته الزوجية أن يتعلم لغة الحب الأساسية لشريكه في الحياة.
- إن أعمق حاجة للإنسان، يقول الفيلسوف الأمريكي وليام جيمس، هي حاجته للإحساس بالتقدير. وحين يأتي علينا زمن نشعر فيه بعدم الأمان فإن الإطراء والكلمات المشجعة تحفز قوتنا الكامنة. تلك الكلمات ينبغي أن تكون رقيقة، تُعبر عن الرغبات لا عن الأوامر، لأن الحب هو الطلب وليس الأمر.
- أما اللغة الثانية فهي تكريس الوقت، ومنح الشريك انتباها كاملا وتركيزا خلال المحادثات اليومية. وبفضل هذا المفتاح يتغير المناخ العاطفي داخل البيت حين يقضي الأزواج وقتهم معا، بدل أن يقضوه على مقربة من بعضهم البعض.
- وتأتي الهدايا في المقام الثالث باعتبارها رموزا مرئية للحب. وفي الحقيقة فهي أسهل لغات الحب تعلما، وبإمكانها أن تجعلك مانحا رائعا، سواء كانت قيمة الهدية دولارا واحدا، أو كانت حضورك إلى جانب الشريك في الأوقات الصعبة. تبعث كل هدية رسالة مفادها:” انظر، إنه يفكر فيّ”، لذا حين يقرر أحدهم وضع خاتم الزواج في جيب سترته، أو ترك ساعة يده معطلة، فتلك علامة بصرية على أن هناك مشكلة خطيرة تكتنف تلك العلاقة.
- للحب لغة رابعة هي الأعمال الخدمية اليومية التي يؤديها الشريك أو يسعد بتقديمها. ورغم أن الدورالنمطي للرجل والمرأة قد تأثر إلى حد كبير بالتغيرات الاجتماعية التي أفرزها مجتمع التصنيع، إلا أن بعض الأزواج يفضلون التمسك بتلك القوالب كتعبير عن الحب.
- وأما اللغة الخامسة التي تعد وسيلة فعالة لتوصيل الحب بين المتزوجين فهي العلاقة الحميمة، بمفرداتها وأساليبها وأشكالها المختلفة. وللزوجين حرية اختيار المناسب و غير المناسب من طرق اللمس والاتصال الجسدي، تبعا للقواعد والعادات التي تضبط المؤشر السلوكي.
لكل لغة وضعها تشابمان لهجات تختلف باختلاف المجتمعات البشرية، فما يبدو وسيلة للتعبير عن الحب في مجتمع ما قد يشكل إيذاء أو إساءة في مجتمع آخر. لكن ما يهم في المقام الأول هو اكتشاف لغة الحب الخاصة بالشريك، والحرص على تنميتها للحفاظ على الخزان العاطفي مملوءا.
أما الزيجات التي تمت على أساس التقاليد والمواضعات الاجتماعية، فمنوط بالحب فيها أن ينمي ما سبق أن أتمه الزواج، وهذا الأمر يتطلب أن نصبح واعين بأن الحب “فن” يمكن تعلمه مثل باقي الفنون، من موسيقى ورسم ونجارة وغيرها. وكأي مجتمع يتمثل القدوة في سلوك أفراده، ويبحث في النماذج عن صيغ التوافق المثلى مع الذات والآخر، فإن السيرة النبوية تُمد المسلم المعاصر بأنبل لغات الحب التي تؤلف بين شريكين.
لغات الحب في السيرة النبوية
كانت تصرفات النبي ﷺ مع أمهات المؤمنين تجسيدا لـ لغات الحب، وتساميا بهذا الشعور الإنساني الجميل ليصير “عقدة حبل” بين الزوجين.
ويتعزز صدق المشاعر بالفعل الذي يضاهي القول أو يتقدم عليه، حيث يفيض الحب على جوانب السلوك اليومي في أبسط مظاهره. تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الحديث الذي رواه مسلم:” كنت أتعرق العظم- آكل منه بأسناني- وأنا حائض، وأعطيه النبي ﷺ، فيضع فمه على الموضع الذي فيه وضعته. وأشرب الشراب فأناوله، فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه.”
تؤسس لغات الحب ذاك الاتحاد الجميل بين روحين في عالم المشاعر الإنسانية. بل إن المرء حين يحب فإنه يحدث فرقا في الوجود بأسره. يصف القرآن الكريم محبة المؤمنين لربهم بكونها جامعة لخيري الدنيا والآخرة، متى تحقق فيها شرط اتباع النبي ﷺ، مصداقا لقوله تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم } (آل عمران: 31).