الإسلام والحب بين الرجل والمرأة.. الموقف والنظرية
هناك مفهوم شائع – لا يخلو من غرض عند مروجيه – يربط بين الدين والجهامة، وبين الطاعة لله والحرمان من متطلبات النوازع الإنسانية. وكانت قضية العلاقة بين الرجل والمرأة من المحاور التي تمت على مسرحها معالجة وبناء هذه الصورة القاتمة عن الدين الإسلامي السمح وتعاليمه.
وبغير تفريط أو إفراط، وفي مواجهة هذه الصورة القاتمة نقدم هدف هذه الدراسة لنكشف من خلالها عن موقف الإسلام من قضية الحب بين الرجل والمرأة، بل النظريات الفلسفية لأئمة المسلمين في تفسير دوافع الحب.
وهدف هذه الدراسة هو بيان حدود قضية استعصت على محاولات ضبط الضابطين، ووعظ الدعاة، ونصح الأبوين. هذه القضية هي قضية حقيقة موقف الإسلام من الحب العذري العفيف. فهل هذه القضية من المحرمات؟ وهل الإسلام – كدين يراعي الفطرة – قد قام بمصادرة المشاعر المنزهة عن الأغراض الحسية المادية الدنيئة غير المقيدة بضوابط الشرع الحنيف؟ وهل حقًا أنه أهملها ولم يولها اهتمامه، أم أنه اعتبرها ورعاها وهذبها، حتى تصير دافعًا للإنسان قُدُمًا، لا مؤخرة إياه إذا ما استعصت في استفحالها على الضبط، وتمادت في تجليها لحد الفجور؟
طالع معنا بقية محاور الدراسة:
لماذا هذه الورقة؟ وما موضوعها؟
كيف أدرك أئمة المسلمين ظاهرة الحب؟
نظرية الفقهاء المسلمين في الحب
الحب فى القرآن والسنة
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال: “يا رسول الله في حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر ورجل معدم، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم، فقال رسول الله ﷺ: لم نر للمتحابين غير النكاح” (قال الألباني: الحديث أخرجه ابن ماجه والحاكم والبيهقي والطبراني وغيرهم، وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، صحيح السلسلة الصحيحة، 624، صحيح ابن ماجه 1497).
وقال عمرو بن العاص: “بعثني رسول الله ﷺ على جيش وفيهم أبو بكر وعمر، فلما رجعت قلت: يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قلت إنما أعني من الرجال، قال: أبوها” (رواه البخاري ومسلم).
قالت عائشة رضي الله عنها: “أرسل أزواج النبي ﷺ فاطمة بنت النبي ﷺ، فدخلت وهو مضطجع معي في مرطي، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة (تقصد السيدة عائشة)، وأنا ساكتة، فقال رسول الله ﷺ: ألست تحبين ما أحب؟! قالت: بلى، قال: فأحبي هذه” (رواه مسلم والنسائي).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول ﷺ يقسم بين نسائه فيعدل، ويقول: اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك” (رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “قال لي رسول الله ﷺ: أُريتك في المنام يجيء بك الملك في سرقة من حرير، فقال لي: هذه امرأتك. فكشفت عن وجهك الثوب فإذا أنت هي، فقلت: إن يكن هذا من عند الله يمضه” (رواه البخاري).
قال الزهري: “أول حب كان في الإسلام حب النبي ﷺ عائشة رضي الله عنها، وكان مسروق يسميها حبيبة رسول الله ﷺ” (روى ذلك الإمام ابن القيم).
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: “كنت مع النبي ﷺ فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال رسول الله ﷺ: أنظرت إليها؟ قال: لا. قال: فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئًا” (رواه مسلم والنسائي والطبراني).
وعنه ﷺ أنه قال: “إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل” (رواه أبو داود والطحاوي وأحمد وابن ماجه).
وعن سهل بن أبي حثمة أنه قال: “رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحال فوق أجران لها ببصره طردًا شديدًا، فقلت: أتفعل هذا وأنت من أصحاب رسول الله ﷺ؟! فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا أُلقيَ في قلب امرئٍ خطبة المرأة فلا بأس أن ينظر إليها” (الحديث رواه أحمد وابن ماجه والطحاوي).
وفي الصحيح كان مغيث يمضي خلف زوجته بريرة بعد فراقها له، وقد صارت أجنبية عنه، ودموعه تسيل على خديه، فقال النبي ﷺ: “يا ابن عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا، ثم قال لها لو راجعته، فقالت: أتأمرني؟ فقال: إنما أنا شافع، قالت: لا حاجة لي فيه” (رواه البخاري).
وقد قال الإمام ابن حجر العسقلاني شارح البخاري تعليقًا على هذا الحديث: “فيه إن فرط الحب يُذهِب الحياء لما ذكر من حال مغيث وغلبة الوجد حتى لم يستطع كتمان حبها، وفي ترك النكير عليه بيان جواز قبول عذر من كان في مثل حاله ممن يقع ما لا يليق بمنصبه إذا وقع بغير اختياره” (فتح الباري، ج 9، ص 325).
وقال الإمام الصنعاني في تعليقه عليه أيضًا: “ومما ذكر في قصة بريرة أن زوجها كان يتبعها في سكة المدينة؛ ينحدر دمعه لفرط محبته لها. قالوا: يقصد العلماء فيُؤخذ منه أن الحب يُذهِب الحياء، وأنه يعذر من كان كذلك إذا كان بغير اختيار منه” (سبل السلام، ج: 3، ص: 278).
وفي الحديث الشهير جدًّا الذي روى فيه الرسول ﷺ قصة الثلاثة الذي آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم؛ فدعا الأول بما يعني تفانيه في خدمة والديه ابتغاء وجه الله فانفرجت الصخرة شيئا لا يستطيعون الخروج منه. ودعا الثالث بما يعني أنه استثمر أمانة عنده فربحت أموالاً هائلة وعلى الرغم من ذلك رد الأمانة وما ربحت من الأموال الهائلة لصاحبها ابتغاء وجه الله. والذي يهمنا من هذه القصة الشهيرة التي رواها الرسول نفسه ﷺ ما يتعلق بالرجل الثاني. فبماذا دعا الله تعالى بصالح أعماله؟ قال الرسول ﷺ: وقال الآخر اللهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إليّ، وفي رواية كنت أحبها لما يحب الرجال النساء، فأردتها على نفسها (أي أراد مواقعتها) فامتنعت مني، حتى ألمّت بها سنة من السنين (أي ضاقت بها الظروف لمصيبة أصابتها)؛ فجاءتني، فاشترطت لمساعدتها أن أعطيها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها (أي تسلم له نفسها)، ففعلت حتى إذا قدرت عليها، وفي رواية فلما قعدت بين رجليها (وأنا لا أتحرج هنا أن أقول للقارئ أن ينتبه للغاية لمعنى هذا الذي يرويه الرسول ﷺ لأهميته الشديدة[a1] ) قالت: اتق الله، ولا تفضّ الخاتم إلا بحقه (أي لا تزل غشاء البكارة إلا بعقد الزواج)، فانصرفت عنها؛ وهي أحب الناس إليّ، وتركت الذهب الذي أعرتها. اللهم إن كنت فعلت ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة (متفق عليه).
وقال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: “يا أمير المؤمنين إني رأيت امرأة فعشقتها، فقال عمر: ذاك مما لا يملك” (رواه ابن حزم بسنده في طوق الحمامة).
وقال عمر بن الخطاب أيضًا: “لو أدركت عفراء وعروة لجمعت بينهما” (رواه ابن الجوزي بسنده). وعروة عاشق عذري وعده عمه بالزواج من ابنته عفراء بعد عودته من سفر للتجارة، ثم زوجها لرجل من الأثرياء.
وقال هشام بن عروة عن أبيه: مات عاشق، فصلى عليه زيد بن ثابت، وأحد كتاب الوحي، وجامع القرآن الكريم، فقيل له في ذلك، فقال: إني رحمته” (رواه ابن القيم في روضة المحبين ونزهة العاشقين).
ويروي ابن حزم في طوق الحمامة أنه قد جاء من فتيا ابن عباس في العشق ما لا يُحتاج معه إلى غيره حين يقول: هذا قتيل الهوى لا عقل ولا قود.
الأحكام العامة المأخوذة من النصوص:
إن الحب شيء لا يُملك، وإنما هو أمر بيد الله، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يحاسبنا الله على أمر يملكه هو ولا نملكه نحن؟!
وورد لفظ الحب كثيرًا على لسان الرسول ﷺ في مناسبات مختلفة: أي إنه لم يكن شيئًا يعاب الحديث عنه.
إن الرسول ﷺ أحب السيدة عائشة حبًا مختلفًا عن باقي أزواجه من أمهات المؤمنين وأخبر عن ذلك أنه شيء يملكه الله ولا يملكه هو ﷺ. إذن فالحب في ذاته ليس حرامًا ولا عيبًا ولا مرضًا ولا ضعفًا من وجهة نظر الإسلام؛ لأنه لا يجوز أي شيء من ذلك على الرسول ﷺ.
إن الرسول ﷺ وجه أصحابه عند انتوائهم خطبة إحدى النساء أن ينظروا إليها، وأن المقصود بذلك النظر المتتابع؛ حتى ولو كانت لا تعلم ذلك، فكان من الصحابة من يطاردها (أي من ينوي خطبتها) طردًا شديدًا، وكان هناك من يختبئ لها وراء شجرة.
ومما لا شك فيه أن ذلك النظر المتتابع قد يؤدي إلى الحب من الطرف الناظر، وقد لا تتم الخطبة لظروف ما غالبًا ما تكون رفض أهل الطرف الآخر. وربما تتم الخطبة فتدعم الحب لدى الطرف الناظر. وهناك فروض أخرى لا داعي للاستطراد فيها تؤدي إلى ألا يتم الزواج وينقض الموضوع كله. فهل في هذه الحالة يكون شعور الطرف الأول بالحب، وهو أمر لا يملكه، حرامًا مهما كان مصير الطرف الآخر؟ لا يمكن أن يجيب عاقل عن ذلك إلا بالنفي؛ لأن الله لا يحاسبنا على ما لا نملك.
حديث مغيث وبريرة يحسم أمورًا كثيرة:
أولاً: الرسول ﷺ تعاطف مع المحب ولم ينهه عن حبه.
ثانيًا: الرسول ﷺ بلغ تعاطفه مع المحب أن تشفع له بنفسه عند من يحب، وهذا أمر تثقل دونه الجبال.
ثالثًا: الرسول ﷺ لم ينه مغيثًا عن حبه لبريرة حتى بعد أن رفضت بريرة الزواج منه. أي إنه لم يُحرِّم حبه لها. وكيف يُحرِّم هذا الأمر وهو يقول عنه إنه لا يملك؟!
رابعًا: إن مغيثًا كان يمشي وراءها ويبكي، وليس من المعقول أنه كان يمشي وراءها مغمض العينين. إذن هو كان ينظر إليها، ويراها، ولم ينهه الرسول ﷺ عن ذلك، وهو أمر لم يتركه ﷺ إلا مع هذا المحب، وهو أمر يرتبط بالمحب ارتباطًا لاإراديًا؛ فلا يستطيع المحب أن يمر من يحبه أمامه ولا ينظر إليه.
خامسًا: إن قول الرسول ﷺ لابن عباس: “ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا؟!” قول لا يكاد يكون له مثيل. أفلا يكون ذلك مستندًا لنا في أن الحب أمر عجيب وسر من أسرار الله؟! وسنعود إلى هذا الحديث في أمور أخرى إن شاء الله.
ولأن الرسول ﷺ يرى أنه ليس للمتحابين مثل الزواج؛ فإنه ليس فقط يفضل للفتاة المسلمة خطبة المعدم الذي تحبه على الموسر الذي يريده أهلها، على نحو ما رأينا في أحد الأحاديث النبوية الشريفة، ولكنه في حديث آخر يهدر نكاح الأب الذي زوج ابنته لشخص هي كارهة له. وإهدار الرسول لهذا الزواج يعني أنه جعله كأن لم يكن، وزوّجها ممن تحب. ولو قلنا نحن هذا الكلام بعد أربعة عشر قرنًا مما فعله الرسول ﷺ لو قلناه فقط باللسان ولم نفعل ما فعل –مع أننا مأمورون باتباعهم والاقتداء بهم أساسًا في مواقفهم من هذه القضايا الكبرى التي تصنع مصائر البشر، وليس مجرد الاقتداء بهم في الأمور الشكلية فقط- لاتهمنا اتهامات نحن منها براء.
قول الرسول ﷺ: “الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف” (رواه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم) يقرر حقيقة قامت عليها النظرية الإسلامية في الحب في التراث الإسلامي كله، وهي حقيقة أن الحب يقوم على المشابهة الروحية بين المحب والمحبوب على قدر من الخلاف بين أئمة المسلمين في تفسير هذه النظرية.
تفسير بعض السلف قوله تعالى إخبارًا عن المؤمنين: “ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به” (البقرة: 286) بالعشق، كما أخبر بذلك ابن القيم في كتابه “روضة المحبين ونزهة المشتاقين”؛ لأن العشق مما لا طاقة للعبد به –كلام فيه نظر؛ لأننا لو دققنا في الأمر لوجدنا أن المقصود ليس الحب في ذاته، ولكن وجود الحب مع الحرمان من المحبوب؛ لأن الأحاديث -كما ذكرنا في البند الثاني- أثبتت أن الرسول ﷺ كان يحب فكيف يتفق ذلك مع دعوة المؤمنين لله بألا يحملهم ما لا طاقة لهم به، ولم يكن الله ليحمل الرسول ﷺ ما لا طاقة له به؟!
إذن المقصود هو ألا يحملهم الله الحب مع الحرمان من الحبيب؛ فذلك هو ما لا طاقة للإنسان به. فليس هناك من يدعو الله بألا يحمله الحب مع وجود المحبوب، ولكن ألا يحمله الحب مع الحرمان من المحبوب. ولم تكن هناك مشكلة لدى مغيث في حب بريرة وهو زوجها، ولكن المشكلة أتت مغيثًا من استمرار حبه لها، وهو أمر لا يملكه، في الوقت الذي كان قد فقدها فيه.
حديث عائشة “أريتك في المنام” يعني أن الرسول ﷺ أحب عائشة قبل أن يتزوجها.
ذكرت الأحاديث عن المرأة أنها تحب وتريد أن تتزوج ممن تحب، ولا عيب في ذلك. وكلنا نذكر تقدم السيدة خديجة لخطبة الرسول ﷺ.
الحب والعبودية وأحكام أخرى متعلقة بالحب:
الحكم فيمن قال لمحبوبه: “أعبدك” فقد كفر. أما من قال له: أنا عبدك فهو على نيته فإن كان يقصد من ذلك أنه بمثابة المملوك له لم يكفر، وإن كان ذلك لا يتفق وعزة النفس في الإسلام. أما إن كان يقصد من قوله ذلك أن محبوبه إله وأنه عبد لهذا الإله فقد كفر.
وإن أطاع محبوبه فيما يخالف شرع الله مع اعتقاده ببطلان ذلك فقد عصى، وإذا أطاع محبوبه فيما يخالف شرع الله وهو يعتقد بصحة ذلك، أي أنه مقتنع بصحة تقديم ما يريده محبوبه على ما يريده الله فقد كفر. وعلى القارئ أن يراجع العلاقة بين تقديم طاعة الغير على طاعة الله بالشرك والكفر في رسالة العبودية للإمام ابن تيمية على وجه الخصوص وكذلك كتب العقيدة الأخرى، مثل:
* معارج القبول: لحافظ بن أحمد حكمي.
* شرح العقيد الطحاوية: للعز الحنفي.
* فتح المجيد: لآل الشيخ.
وللحب أنواع مختلفة. ولا تعارض بين هذه الأنواع؛ بحيث تؤدي شدة هذا النوع من الحب إلى ضعف ذاك. فلا تعارض بين حب الله وأنواع الحب الأخرى مثل حب ذوي القربى، وحب الإخوة، وحب العلم، وحب الحبيبة، بحيث يقال إن شدة حب الحبيبة تؤدي إلى ضعف حب الله أو حب العلم مثلاً، بل إن كل هذه الأنواع من الحب باستثناء حب الله فروع من شجرة الروحانية. أما حب الله فيعتبر بمثابة الساق التي تغذي كل أنواع الحب الأخرى.
نظريات العلماء في الحب
نستعرض أهم النظريات التي جاءت في موضوع الحب فى الاسلام :
أ – نظرية الإمام محمد بن داود في الحب:
يقول الإمام محمد بن داود في كتابه الزهرة: قد ذكرنا من أقاويل الشعراء في الهوى أنه يقع ابتداؤه من النظر والسماع، ثم نحن إن شاء الله ذاكرون ما في ذلك الأمر الذي أوقعه السماع والنظر؟ ولماذا وقع؟ وكيف إذ قد صح كونه عند العامة وخفي سببه عند الخاصة “عن النبي ﷺ أنه قال: الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف”؟
ويقول شعرًا:
حملت جـبال الحـب فيـك وإنني
لأعجز عن حمل القميص وأضعف
وما الحب من حسن ولا من سماحة
ولكـنه شـيء به النـفس تكـلف
وهو يرى أن الحب الحقيقي هو الذي “لا يرى أن يتعطف إلى سواه، ولا يطلب الراحة إلا عند من ابتلاه”.
ويقول: لو لم يصبر المحب على امتحان إلفه [محبوبه] (يشير إلى ما ذكره من معاناة المحبوب لما يعانيه محبه) لكان ذلك حظًا جزيلاً ودركًا جليلاً؛ فكيف وحال الصفاء إذا ابتدأت بين المتحابين بالمشاكلة الطبيعية (يقصد المشابهة الروحية)، ثم اتصلت بالحراسة عن الأخلاق الدينية (يقصد عفة العاشقين عما يدنس حبهما)، ثم عذبت بالرعايات الاختبارية، ثم بلغت بهما الحال إلى حيث انقطعت بهما دونه الآمال؟
ب – نظرية الحب عند الإمام ابن حزم:
يقول الإمام ابن حزم في كتابه طوق الحمامة: “الحب أعزك الله أوله هزل وآخره جد. دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة [لاحظ النظرية الفلسفية في ذلك القول فهو لا يفترض إدراك حقيقة الحب عند من لم يعانِه، ومن ثم لا يجوز له الحكم عليه].
وقد اختلف الناس في ماهيته وقالوا وأطالوا، والذي أذهب إليه أنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع. وقد علمنا أن سر التمازج والتباين في المخلوقات إنما هو الاتصال والانفصال. والشكل دأبًا يستدعي شكله، والمثل إلى مثله ساكن (أي كل شيء يسكن إلى نظيره)، وللمجانسة عمل محسوس وتأثير مشاهد، والتنافر في الأضداد، والموافقة في الأنداد [أي إن الوفاق يكون بين الأنداد، وهو يقصد بذلك أن الشبيه يتجاذب إلى شبيهه].
ثم يوضح أنه لا يقصد بذلك المشابهة في الشكل أو الأخلاق ولكن في ذات النفس، فيقول مشيرًا إلى كلامه السابق: “كل ذلك معلوم بالفطرة في أحوال تصرف الإنسان وزوجه؛ فيسكن إليها. والله عز وجل يقول: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (الأعراف: 189)، فجعل علة السكن أنها من خلقه [لاحظ جيدًا مدى ما يستحقه هذا النص القرآني من تأمل]. ولو كان علة الحب حسن الصورة الجسدية لوجب ألا يستحب الأنقص من الصورة [أي لا يحب الإنسان الأقل منه جمالاً]. ونحن نجد كثيرًا ممن يؤثر الأدنى [يفضل الأقل جمالاً]، ويعلم فضل غيره، ولا نجد متحيدًا لقلبه عنه. ولو كان للموافقة في الأخلاق لما أحب المرء من لا يساعده ولا يوافقه [أي من لا يتوافق معه في الأخلاق والطبع]، فعلمنا أنه شيء في ذات النفس [أي المشابهة في الجوهر الداخلي لنفس الإنسان].
وربما كانت المحبة لسبب من الأسباب وتلك تفنى بفناء سببها [أي تنتهي بانتهاء سببها]؛ فمن وده لأمر ولى مع انقضائه” أ هـ.
ويعدد ابن حزم بعض ضروب المحبة وعلاقتها بأسبابها: محبة القرابة، ومحبة الألفة، ومحبة الاشتراك في المطالب، ومحبة التصاحب والمعرفة، ومحبة البر يضعه المرء عند أخيه، ومحبة الطمع في جاه المحبوب، ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره، ومحبة بلوغ اللذة وقضاء الوطر، ومحبة العشق التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس. فكل هذه الأجناس منقضية مع انقضاء عللها وزائدة بزيادتها وناقصة بنقصانها، متأكدة بدنوها، فاترة ببعدها [أي أن كل هذه الأنواع من الحب تنقضي بانقضاء السبب المتعلقة به، وتزيد مع زيادته وتنقص مع نقصانه]، حاشى محبة العشق الصحيح المتمكن من النفس؛ فهي التي لا فناء لها إلا بالموت [أي أنه يستثني من ذلك العشق الصحيح المتمكن من النفس، وهو يرى -وانتبه لهذا القول– أنه لا يفنى إلا بالموت].
ثم يقول الإمام ابن حزم: “فصحب ذلك أنه استحسان روحاني وامتزاج نفساني. فإن قال قائل: لو كان هذا كذلك لكانت المحبة بينهما مستوية؛ إذ الجزءان مشتركان في الاتصال وحظهما واحد [أي أن هناك اعتراضًا يقول بأن بعض المحبين لا تتساوى محبتهم مع محبة من يحبونهم]. وللجواب عن ذلك نقول: هذا لعمري معارضة صحيحة، ولكن نفس الذي لا يحب من يحبه مكتنفة الجهات ببعض الأعراض الساترة والحجب المحيطة بها من الطبائع الأرضية [أي معزولة عن حقيقة جزئها الآخر بما يحيط بها من تعلقات أرضية]، فلم تحس بالجزء الذي كانت تتصل به قبل حلولها؛ حيث هي لو تخلصت لاستويا في الاتصال والمحبة، ونفس المحب متخلصة [أي غير محاطة بالمتعلقات الأرضية التي تحجبها عمن تحب] عاملة بمكان ما كان يشركها في المجاورة [يقصد ما كان يشركها في العالم العلوي]، طالبة له، قاصدة إليه، باحثة عنه، مشتهية لملاقاته، جاذبة له لو أمكنها كالمغنطيس والحديد.
ومن الدليل على هذا أيضًا أنك لا تجد اثنين يتحابان إلا وبينهما مشاكلة واتفاق في الصفات الطبيعية [أي الصفات الداخلة في تكوينهما النفسي]؛ لا بد من هذا وإن قل. وكلما كثرت الأشباه زادت المجانسة، وتأكدت المودة [أي كلما زادت المشابهة بين صفاتهما النفسية زاد التقارب وتأكدت المودة بينهما]. فانظر هذا تراه عيانًا، وهناك قول رسول الله -ﷺ-: “الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف” (سبق تخريجه).
ولو توقف الإمام ابن حزم في نظريته عند حدود تفسير تعلق أرواح المحبين بسبب المشابهة في ذوات نفوسهم؛ لاستطاع أن يكسب الكثير من الاطمئنان إلى نظريته، ولكان بذلك شديد القرب من النصوص التي يُستدل بها. أما حكاية أن الجزء كان متصلا بالآخر قبل حلوله في عالم الأرض؛ فهو أمر لم يقدم أدلة عليه سواء كان بالنقل (وهذا أمر عقائدي يجب الاستدلال عليه بالنصوص)، أو بالعقل.
ثم يقول الإمام ابن حزم: “أما العلة التي توقع الحب أبدًا في أكثر الأمر على الصورة الحسنة [أي أما حكاية أن الحب يقع دائمًا على الصورة الجميلة]. فالظاهر أن النفس الحسنة تُولع بكل شيء حسن، وتميل إلى التصاوير المتقنة؛ فهي إذا رأت بعضها تثبتت فيه [أي إذا رأت الجمال تعلقت به]، فإن ميزت وراءها شيئًا من أشكالها [أي إذا رأت وراء هذا الجمال شيئًا يتشابه مع صفاتها النفسية] اتصلت به، وصحت المحبة الحقيقية. وإن لم تميز وراءها شيئًا من أشكالها لم يتجاوز حبها الصورة، وذلك هو الشهوة [أي إذا لم تجد وراء الجمال شيئًا يتفق مع صفاتها لم تتجاوز حبها الجمال الخارجي إلى ما بداخل النفس من صفات روحية؛ ولذلك يكون تعلقها اشتهاءً جنسيًّا وليس حبًا].
جـ – نظرية الإمام ابن الجوزي في الحب:
يرى الإمام ابن الجوزي في كتابه “ذم الهوى” أن العشق شدة ميل النفس إلى صورة تلائم طبعها؛ فإذ قوي فكرها فيها تصورت حصولها، وتمنت ذلك؛ فيتجدد من شدة الفكر مرض.
وهو يذهب إلى ما ذهب إليه سابقوه بالنسبة لنظرية المشاكلة؛ فيقول: ذكر بعض الحكماء أنه لا يقع العشق إلا لمجانس، وأنه يضعف ويقوى على قدر التشاكل، واستدل بقول النبي -ﷺ-: “الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف”.
فإن قيل: إذا كان سبب العشق نوع موافقة بين الشخصين في الطباع؛ فكيف يحب أحدهما صاحبه والآخر لا يحبه؟! فالجواب: أنه يتفق في طبع المعشوق ما يوافق طبع العاشق، ولا يتفق في طبع العاشق ما يلائم طبع المعشوق.
وإذا كان سبب العشق اتفاقًا في الطباع بطل قول من قال: إن العشق لا يكون إلا للأشياء المستحسنة، وإنما يكون العشق لنوع مناسبة وملائمة. ثم قد يكون الشيء حسنًا عند شخص، وغير حسن عند آخر.
ويتأكد العشق بإدمان النظر وكثرة اللقاء وطول الحديث، فإن انضم إلى ذلك معانقة أو تقبيل فقد تم استحكامه.
د – نظرية الحب عند الإمام ابن القيم:
يقول الإمام ابن القيم في كتابه “نزهة المشتاقين”: الداعي إلى الحب قد يراد به الشعور الذي تتعبه الإرادة والميل؛ فذلك قائم بالمحب. وقد يُراد به السبب الذي لأجله وُجدت المحبة وتعلقت به، وذلك قائم بالمحبوب. ونحن نريد بالداعي مجموع الأمرين وهو ما قام بالمحبوب من الصفات التي تدعو إلى محبته، وما قام بالمحب من الشعور بها، والموافقة التي بين المحب والمحبوب وهي الرابطة بينهما.
فهاهنا أمور: وصف المحبوب وجماله، وشعور المحب به، والمناسبة: وهي العلاقة والملاءمة التي بين المحب والمحبوب؛ فمتى قويت الثلاثة وكملت قويت المحبة واستحكمت. ويكون نقصان المحبة وضعفها بحسب ضعف هذه الثلاثة أو نقصها.. فمتى كان المحبوب في غاية الجمال وشعور المحب بجماله أتم شعور والمناسبة التي بين الزوجين قوية؛ فذلك الحب اللازم الدائم. وقد يكون الجمال في نفسه ناقصًا لكنه في عين المحب كامل؛ فتكون قوة محبته بحسب ذلك الجمال عنده، فإن حبك للشيء يُعمي ويصم، فلا يرى المحب أحدًا أحسن من محبوبه.
وقد يكون الجمال موفورًا، لكنه ناقص الشعور به فتضعف محبته له [أي قد يكون أحدهما ناقص الشعور بجمال الآخر فتقل محبته له]. وإذا وُجد ذلك كله وانتفت المناسبة والعلاقة التي بينهما لم تستحكم المحبة، وربما لم تقع ألبتة. فإن التناسب الذي بين الأرواح من أقوى أسباب المحبة فكل امرئ يصبو إلى ما يناسبه. وهذه المناسبة [أي الشيء الذي يقارب بينهما] إما أصلية: من أصل الخلقة [أي أصيلة متعلقة بنفسه] أو عارضة بسبب المجاورة أو الاشتراك في أمر من الأمور [أي غير متعلقة بالنفس وإنما هي أمر خارجي اشترك بينهما]. فأما التناسب الأصلي فهو اتفاق أخلاق، وتشاكل أرواح، وشوق كل نفس إلى مشاكلها. فإن شبيه الشيء ينجذب إليه بالطبع؛ فتكون الروحان متشاكلتين في أصل الخلق؛ فتنجذب كل منهما إلى الأخرى بالطبع.
وقد يقع الانجذاب والميل بالخاصية [بخصوصية معينة] وهذا لا يُعلَّل ولا يُعرف سببه كانجذاب الحديد إلى الحجر المغناطيس. ولا ريب أن وقوع هذا القدر بين الأرواح أعظم من وقوعه بين الجمادات. وهذا الذي حمل بعض الناس على أن قال: “إن العشق لا يقف على الحسن والجمال، ولا يلزم من عدمه [أي لا يلزم من يفقد الجمال ألا يُحب]، إنما هو تشاكل النفوس وتمازجها في الطباع المخلوقة [أي تشابه النفوس في طباعها، وهذا أهم تحديد في سبب الحب عند الإمام ابن القيم]. وقد قال بعضهم لمحبوبه: صادفت فيك جوهر نفسي، وشاكلتها في كل أحوالها؛ فانبعثت نفسي إليك، وكأنما هويت نفسي.
فإذا كانت المحبة بالمشاكلة والمناسبة ثبتت وتمكنت ولم يزلها إلا مانع أقوى من السبب، وإذا لم تكن بالمشاكلة [التشابه بينها في الصفات الداخلية] فإنما هي محبة لغرض من الأغراض تزول عند انقضائه وتضمحل. فمن أحبك لأمر ولى عنك عند انقضائه فداعي المحبة وباعثها إن كان غرضًا للمحب لم يكن لمحبته بقاء، وإن كان أمرا قائما بالمحبوب سريع الزوال والانتقال زالت محبته بزواله، والمقصود أن المحبة تستدعي مشاكلة ومناسبة.
وقد ذكر الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها أن امرأة كانت تدخل على قريش فتضحكهم، فقدمت المدينة فنزلت على امرأة تضحك الناس، فقال النبي ﷺ: على من نزلت فلانة، فقالت: على فلانة المضحكة، فقال: “الأرواح جنود مجندة.. ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف”، وأصل الحديث في الصحيح. وأنت إذا تأملت الوجود لا تكاد تجد اثنين يتحابان إلا بينهما مشاكلة أو اتفاق في فعل أو حال أو مقصد. فإذا اختلفت المقاصد والأوصاف والأفعال والطرائق لم يكن هناك إلا النُفرة والبعد بين القلوب.
وأما عن مصدر المشاكلة والاتفاق بين الزوجين فهذا لا يكون إلا من الجانبين ولا بد. فلو فتش المحب -المحبة الصادقة- قلب المحبوب لوجد عنده من محبته نظير ما عنده أو دونه أو فوقه (لاحظ مدى إصرار الإمام ابن القيم ومن قبله الإمام ابن حزم على مسألة حتمية حب المحبوب لمحبه).
ودواعي المحبة تجتمع معًا فمتى كان جميل الصورة جميل الأخلاق والشيم والأوصاف كان الداعي منه أقوى. وداعي الحب من المحب أربعة أشياء:
أولها النظر. والنظر إما بالعين، وإما بالقلب إذا وُصف له. فكثير من الناس يحب غيره، وفني فيه محبة وما رآه، لكن وُصف له. ولهذا نهى الرسول ﷺ المرأة أن تنعت لزوجها المرأة حتى كأنه ينظر إليها، والحديث في الصحيح.
وثانيها: الاستحسان. فإن لم يورث نظره استحسانا لم تقع المحبة.
وثالثها: الفكر في المنظور وحديث النفس به، فإن شغل عنه بغيره مما هو أهم عنده منه لم يعلق حبه بقلبه، وإن كان لا يعدم خطرات وسوائح [أيتبقى له من حبه خطرات وسوائح].
ورابعها: الطمع في وصل هذا المحبوب.
فإذا وجد النظر والاستحسان والفكر والطمع؛ هاجت بلابله وأمكن من معشوقه مقاتله واستحكم داؤه، وعجز عن الأطباء دواؤه.
وفي سياق شرح الإمام ابن القيم لنظريته في الحب يورد مسألة أثر الجماع [والمقصود به هنا العملية الجنسية على وجه التحديد] في الحب هل يطفئه؟ أم يزيد من قوته؟
وبعد أن يورد الرأيين المتعارضين في ذلك يقول: “الخطاب بين الفريقين أن الجماع الحرام يفسد الحب، ولا بد أن تنتهي المحبة بينهما إلى المعاداة والتباغض والقلى، كما هو مشاهد بالعيان. فكل محبة لغير الله آخرها قلى وبغض؛ فكيف إذا قارنها ما هو من أكبر الكبائر، وهذه عداوة بين يدي العداوة الكبرى التي قال الله تعالى فيها: {الأخلاَّء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} (الزخرف:67).
وأما الجماع المباح فإنه يزيد الحب إذا صادف مراد المحب فإنه إذا ذاق لذته وطعمه أوجب له ذلك رغبة أخرى لم تكن حاصلة قبل الذوق”.
هـ – ما نذهب إليه في نظرية الحب:
نعم، المشابهة هي علة الحب، ولكن المشابهة في أي شيء.. هذا هو السؤال؟ فالذي نذهب إليه أن هناك عدة مشابهات قد تكون هي علة الحب بين نفسي العاشقين. ولكن أهم هذه المشابهات هي المشابهة في قوة نفس المحبوبين لا من حيث نظر المجتمع ولكن من نظر المحبوب، وكذلك من حيث نظر محبوبه إلى نفسه وإليه، سواء اتفقت هذه الرؤية مع رؤية الواقع الاجتماعي لها أو لم تتفق. أي إن الفيصل في تقرير هذه الحالة هما العاشقان فقط لا بدافع من بيئة تحيط بهما.
والقاعدة الأساسية أن النفس الأولى تجذب حولها النفس المماثلة لها في القوة، والنفوس الأقل منها قوة. وهذا هو تفسير أن النفس الواحدة قد تحبها عدة نفوس كما يحدث في الواقع، ولكن الطبيعي ألا تحب هي من بينها إلا نفسًا واحدة.
هذه المشاهدة الواقعية هي التي تجعلنا ندفع تلك النظرية التي تقول إن المحبوب لا بد أن يكون محبًا لمن يحبه. وفي الحقيقة فإن هذه النظرية ليست نظرية ابن حزم فقط ومن وافقه على ذلك من الإسلاميين، ولكنها نظرية لها مؤداها في الفكر الإنساني بوجه عام. فدوستويفسكي وهو واحد من أهم الروائيين في تاريخ الإنسانية، وكازانوفا وهو واحد من أكثر الناس خبرة بالنساء يذهبان إلى أنه لا توجد امرأة في الوجود تستطيع أن تقاوم رجلاً يديم النظر إليها. فالناتج عن كون أن النفس الواحدة قد تكون محبوبة من أكثر من نفس بينما هي تحب من بينها إلا نفسًا واحدة أن هناك من يحب ولا يُحب في نفس الوقت.
والمحبوب بدوره يحب إما نفسًا تماثله في القوة، وإما نفسًا أقوى منها. فإذا وقع التماثل تحقق السكن، وإلا فإن النفس الأقل قوة تسعى لتحقيق التماثل مع النفس الأولى، وإن كانت هي نفسها ترى أنها تماثلها في القوة. ومن هنا يأتي المعنى الذي قاله البعض بأن العاشق يحقق صورة نفسه؛ لأنه يسعى لتحقيق قوة ذاته كما يمكن أن تكون، وهو يرى أن هذه الصورة هي التي تماثل المعشوق في القوة، فيكون سعيه إلى التماثل مع قوة محبوبه هو في نفس الوقت سعيه إلى تحقيق صورة ذاته التي يرى إمكانية تحقيقها، وكلما اقترب التماثل تحقق السكن، فإذا تحقق التآلف والسكن تقاربت صفات المحبوبين، ويثور بينهما التساؤل: هل صفاته هي صفاته هو نفسه أم صفات محبوبه؛ لأن المزج جعل من ذاتيهما كينونة واحدة، وداخل هذه الكينونة الواحدة لا يعود أحدهما يدري الفرق بين صفاته وصفات محبوبه.
من الذي وضع هذا في طريق ذاك؟ ومن الذي وضع ذاك في طريق هذا؟ ومن الذي جعلهما يعتقدان أنهما متماثلان في قوة ذات كل منهما هذا التماثل مع أن ذلك أمر ذاتي وليس موضوعيًا؟ الإجابة عن ذلك مستحيلة؛ لأن هذه الأمور أمور قدرية لا يعلمها إلا الله.
وعملية اكتمال التماثل في الصفات الأخرى حتى يتحقق المزج بين نفسي العاشقين أمر عجيب، لأنه بعد حدوث التآلف بين المحبوبين فإن كل محب يكون منجذبًا إلى أن تشابه صفاته صفات محبوبه؛ حتى يقتربا في كل صفة إلى نقاط التماس، ثم إلى المطابقة الجزئية، ثم إلى التطابق التام في كل الصفات.
فإن كان أحدهما شرسًا والآخر موادعًا وجدتهما يلتقيان عند نقطة ما بين الشراسة والوداعة.
وإذا ثبت أحدهما على صفة من الصفات نتيجة اقتناع ما وجدت الآخر ينتقل إليها ولو بعد عنتٍ، خصوصا إذا كانت أقرب إلى الروحية. بل الذي يحدث أن صدق الحب بينهما وتعمقه يؤديان بهما إلى أن حدوث طفرة روحية لهما معا فتطهرهما وتسمو بهما إلى مدارج عليا من الإيمان. فإذا كان أحدهما متكبرًا والآخر متواضعًا؛ وجدت المتكبر يغدو متواضعًا والمتواضع يغدو أكثر ترفعًا، أو جدت المتكبر غدا متواضعًا إذا ثبت الثاني على حاله، وربما انتقل الاثنان إلى درجات أكبر من التواضع.
والحكاية أظهر بالنسبة للانهماك على ماديات الدنيا. فإذا كان أحدهما متكالبًا على ماديات الدنيا وبهرجها والآخر زاهدًا وجدت الأول اقترب من الثاني وصار أكثر زهدًا، ووجدت الثاني اقترب من الأول وصار أكثر تنعمًا. فإذا ثبت الثاني على موقفه وجدت الأول انتقل إلى موقف الثاني، بل قد يرقيان معا إلى درجات أكبر من الزهد والروحانية.
هذا التآلف بين المحبوبين يصنع هذه الدرجة الرائعة من التماثل في الصفات الروحية؛ حتى يحدث المزج التام بينهما؛ فلا تعلم ما هي الصفات الخاصة بهذا أو بذاك وبماذا يتشابه أحدهما بالآخر.
بل الأغرب من ذلك أن التشابه بينهما يكون أيضًا في حركة الأعضاء وعاداتها فتجدهما يتشابهان في طريقة السير والأكل والكلام والضحك بل في كل التصرفات والأفعال.
ولكن العجب العجاب هو تشابههما في الشكل أيضًا، وتفسير ذلك أن صفات النفس الداخلية للإنسان تنعكس على ملامحه إلى الدرجة التي يبلغ معها الأمر أن تترك آثارها المادية عليها؛ ولذلك فإنه عند حدوث العشق والتآلف والتماثل الداخلي بين روحي العاشقين، فإن هذا التماثل النفسي ينعكس على ملامحهما ويترك آثاره عليهما.
كيف أدرك أئمة المسلمين ظاهرة الحب؟
أ – نظرة الإمام محمد بن داود الظاهري:
ذكر أحد أتباع الإمام الظاهري أن الإمام محمد بن داود الظاهري كان يدخل الجامع دومًا من باب الوراقين، فعدل عن ذلك، وجعل دخوله من غيره، وكنت مجترئًا عليه فسألته عن ذلك، فقال: يا بني، السبب فيه أني في الجمعة الماضية أردت الدخول منه فصادفت عند الباب عاشقين يتحدثان فلما رأياني قالا: “أبو بكر قد جاء” فتفرقا فجعلت في نفسي ألا أدخل من باب فرقت فيه بين عاشقين.
وقال ابن القيم عنه في كتابه الداء والدواء: “وهذا أبو بكر محمد بن داود الظاهري العالم المشهور في فنون العلم من الفقه والحديث والتفسير والأدب، وله قوله في الفقه وهو من أكابر العلماء وعشقه مشهور”.
وقال نفطويه: “دخلت عليه في مرضه الذي مات فيه فقلت: كيف تجدك؟ فقال: حب من تعلم أورثني ما ترى، فقلت: وما يمنعك من الاستمتاع به مع القدرة عليه؟ فقال: الاستمتاع على وجهين: أحدهما النظر المباح، وآخر اللذة المحظورة. فأما النظر المباح فهو الذي أورثني ما ترى، وأما اللذة المحظورة فقد منعي منها ما حدثني أبي حدثنا أبو سويد بن سعيد حدثنا مسهر عن أبي يحيى القتاب عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه: “من عشق وكتم وعف وصبر غفر الله له وأدخله الجنة”.
وجاءته يوما فتيا مضمونها ما يلي:
يا بن داود، يا فقيه العراق
أفتنا في قواتل الأحداق
هل عليها بما أتت من جناح
أم حلال لها دم العشاق؟
فكتب الجواب بخطه تحت البيتين:
عندي جواب مسائل العشاق
فاسمعه من قرح الحشا مشتاق
لما سألت عن الهوى هيجْتني
وأرقت دمعًا لم يكن بمراق
إن كان معشوقًا يعذب عاشقًا
كان المعــذب أنعم العشاق
ب – موقف الإمام ابن حزم:
يقول الإمام ابن حزم في طوق الحمامة: “الحب -أعزك الله- أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالها عن أن تُوصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وهو ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة؛ إذ القلوب بيد الله عز وجل. وقد أحب من الخلفاء المهديون والأئمة الراشدون وكثير من الصالحين والفقهاء في الدهور الماضية والأزمان القديمة من قد أستغني بأشعارهم عن ذكرهم. وقد ورد من خبر عبد الله ابن عتبة بن مسعود، ومن شعره ما فيه الكفاية، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة وقد جاء من فتيا يقصد إفتاء ابن عباس رضي الله عنه ما لا يحتاج معه إلى غيره حين يقول: “هذا قتيل الهوى لا عقل ولا قود”.
ويستدل الإمام ابن حزم على موقفه من الحب بما رواه بسنده في موضع آخر من كتابه طوق الحمامة من أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: “يا أمير المؤمنين، إني رأيت امرأة فعشقتها، فقال عمر: ذاك مما لا يملك”.
ومن الواضح أن الأمام ابن حزم تعامل مع موضوع الحب كبديهة لا تحتاج إلى جدل كبير، ولذلك لم يهتم بحشد أكبر قدر من النصوص للدفاع عنه والاستدلال عليه وإباحته.
ونحن لا نتفق مع الذين ذهبوا إلى اتهام الإمام ابن حزم بانتهاك أحكام الدين بسبب ما أورده عن أفعال العشاق في كتابه طوق الحمامة؛ لأنه كما نعلم من قواعد الدين أن ناقل الكفر ليس بكافر. والإمام ابن حزم كتب هذا الكتاب بروح المفكر والأديب، كما كتبه بروح الفقه. والصفتان الأوليان تقتضيان عليه استقصاء الأمور في كل ما يتعلق بالعشق، أو ما يشتبه به من أمور أخرى، سواء كان هذا عفافًا أم فجورًا أم ضلالاً، وهذا ما فعله الإمام ابن حزم دون أن يعني ذلك موافقته على الأمور الخارجة عن أحكام الدين فيما ذكره، وإن كنا نذهب إلى أن روح التسامح بوجه عام كانت غالبة على الإمام ابن حزم في نظرته إلى الأحكام المتعلقة بالعشق، ونستشف ذلك بوجه خاص في موقفه المتشدد من الوشاة. ولكن على التوازي مع ذلك التسامح فقد شدد الإمام ابن حزم على إظهار فضل العفاف والتشنيع من جريمة الزنى، فوازن بذلك بين التسامح مع العشق كحالة خاصة ترتبط أساسًا بالعاطفة القلبية، وبين التشدد على ابتغاء الشهوات والسقوط في الفجور.
جـ – موقف الإمام ابن الجوزي من الحب:
يقول الإمام ابن الجوزي في كتابه “ذم الهوى”: “اختلف الناس في العشق هل هو ممدوح أو مذموم؟ فقال قوم هو ممدوح؛ لأنه لا يكون إلا من لطافة الطبع، ورِقَّة عند جامد الطبع حبيسة، ومن لم يجد منه شيئا فذلك من غلظ طبعه. فهو يجلو العقول ويصفي الأذهان ما لم يفرط فإذا أفرط عاد سُمًّا قاتلاً. وقال آخرون بل هو مذموم لأنه يستأثر العاشق ويجعله في مقام المستعبد.
قلت وفصل الحكم في هذا الفصل أن نقول: أما المحبة والود والميل إلى الأشياء المستحسنة والملائمة فلا ينعم ولا يدعم ذلك إلا الحبيس من الأشخاص.
فأما العشق الذي يزيد على حد الميل والمحبة؛ فيملك العقل، ويصرف صاحبه على غير مقتضى الحكمة فذلك مذموم ويتحاشى من مثله الحكماء. وأما القسم الأول فقد وقع فيه خلق كثير من الأكابر ولم يكن عيبًا في حقهم.
إذ أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى
فأنت وعيرٌ بالفلاة سواء
وقد روى أبو عبد الله المرزباني أن أبا نوفل سُئل عن خلوِّ أحد من العشق؛ فقال: نعم، الجلف الجافي الذي ليس فيه فضل، وليس عنده فهم. وأما من في طبعه أدنى ظرف، أو معه دماثة أهل الحجاز، ورقة أهل العراق فهيهات.
قال اليمان بن عمرو مولى ذي الرياستين: كان ذو الرياستين يبعثني، وبعث أحداث أهله إلى شيخ بخراسان له أدب وحسن معرفة بالأمور، وكان يقول لنا تعلموا منه الحكمة فإنه حكيم. فكنا نأتيه. فإذا انصرفنا من عنده سألنا ذا الرياستين، واعترض ما حفظناه فيخبرونه. فقصدنا ذات يوم إلى الشيخ فقال: أنتم أدباء، وقد سمعتم، ولكم جدات ونعم، فهل فيكم عاشق؟ فقلنا: لا. فقال: اعشقوا؛ فإن العشق يطلق اللسان العي، ويفتح حيلة البليد والمختل، ويبعث على التنظيف وتحسين اللباس وتطبيب المطعم، ويدعو إلى الحركة والذكاء وتشرف الهمة، وإياكم والحرام. فانصرفنا من عنده إلى ذي الرياستين فسألنا عما أخذنا في يومنا ذلك؛ فهبناه أن نخبره؛ فعزم علينا؛ فقلنا إنه أمرنا بكذا وكذا، قال صدق الله أخذ هذه؟ فقلنا لا.
وأما القسم الثاني من العشق فمذموم لا شك فيه. وبيان ذلك أن الشيء إنما يُعرف ممدوحا أو مذموما بتأمل ذاته وفائدته في العشق للنفس الناطقة، وإنما هو أثر غلبة النفس الشهوانية؛ لأنها لما قويت أحبت ما يليق بها.
د – موقف الإمام ابن القيم من الحب:
يقول الإمام ابن القيم في كتابه “روضة المحبين ونزهة المشتاقين”: “اختلف الناس في العشق: هل هو اختياري أو اضطراري خارج عن مقدور البشر؟ وفصل النزاع بين الفريقين أن مبادئ العشق وأسبابه اختيارية داخلة تحت التكليف (أي أن الأسباب الأولى للعشق اختيارية). فإن النظر والتفكر والتعرض للمحبة أمر اختياري فإذا أُتي بالأسباب كان ترتب المسبب عليها بغير اختياره (أي أن النتيجة المترتبة على هذه الأسباب من وقوع المحبة غير اختيارية). ولهذا؛ إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلَم عليه صاحبه (أي أنه لو كانت الأسباب الأولى للعشق مباحة فإن وقع العشق بعد ذلك لا يُلام عليه صاحبه) كمن كان يعشق امرأته أو جاريته. ويُقاس على نفس الأمر من خطب امرأة أو أراد خطبتها ونظر منها ما يشجعه على خطبتها كما قال الرسول -ﷺ- ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له فهذا لا يُلام على ذلك كما في قصة بريرة ومغيث. وكذلك إذا نظر نظرة فاجأته (أي النظرة الأولى) ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره. ومن الواضح أن عليه مدافعته وصرفه عن قلبه بضده، فإذا جاء أمر يغلبه فهناك لا يلام بعد بذل الجهد في دفعه”.
ويقول في موضع آخر: “العشق لا يُحمد مطلقًا ولا يُذم مطلقًا، وإنما يحمد ويذم باعتبار متعلقه؛ فإن الإرادة تابعة لمرادها، والحب تابع للمحبوب. فمتى كان المحبوب مما يُحبُّ لذاته، أو وسيلة توصله إلى ما يُحبُّ لذاته، لم تذم المبالغة في محبته، بل وتُحمد. وصلاح حال المحب كذلك بحسب قوة محبته.
والعشق إذا تعلق بما يحبه الله ورسوله كان عشقًا ممدوحًا مثابًا عليه. وذلك أنواع أحدها محبة القرآن، وكذلك محبة ذكره سبحانه وتعالى، وكذلك عشق العلم النافع، وعشق أوصاف الكمال من الكرم والجود والعفة والشجاعة والصبر وسائر مكارم الأخلاق.
بقيت هاهنا أوصاف قسم آخر وهو عشق محمود يترتب عليه مفارقة المعشوق؛ كمن يعشق امرأته أو أمته فيفارقها بموت أو غيره، فيذهب المعشوق ويبقى العشق كما هو، فهذا نوع من الابتلاء؛ إن صبر صاحبه واحتسب نال ثواب الصابرين، وإن سخط وجزع فاته معشوقه كما فاته ثوابه. وإن قابل هذا البلوى بالرضا والتسليم فدرجته فوق درجة الصبر.
تعليق على موقف الإمام ابن القيم من الحب :
من يتابع الإمام ابن القيم في كتبه يجد أنه قد اهتم بالحب اهتمامًا عظيمًا حتى إنك لا تكاد تجد له كتابًا من كتبه الشهيرة إلا وقد تناول فيه هذا الموضوع، ومنها: “زاد المعاد“، و”إغاثة اللهفان”، و”الداء والدواء”، و”أخبار النساء”، حتى توج ذلك بأن أفرد لهذا الموضوع مجلدًا كبيرًا هو كتابه: “نزهة المشتاقين وروضة المحبين”. ومع أن ابن القيم يدافع عن الحب دفاعًا عظيمًا، إلا أن البعض يجدون في كتبه أيضًا مادة عظيمة يستندون عليها في اتهاماتهم للعشاق بأشنع التهم التي قد تصل إلى حد الكفر.
ومرد ذلك هو تعميمهم ما خص به الإمام ابن القيم أنواعًا معينة من العشق بهذا الهجوم الشديد. فالعشق كما يقول الإمام ابن القيم لا يُمدح مطلقًا ولا يُذم مطلقًا، وإنما هو بحسب متعلقه من حيث الحل والحرمة. فإذا هاجم ابن القيم الأقسام المذمومة في العشق أخذوا هجومه الضاري هذا وهاجموا به الحب بوجه عام.
وإذا تحدثنا عما جاء في كتبه من آراء في هذا الموضوع قلنا إنه في كتابه “زاد المعاد” أدرج الموضوع في باب الأمراض، ومن ثم فقد تناوله من ذلك الجانب من حيث التحذير من المخاطر التي تنجم عنه، وكذلك من حيث محاولة علاجه أو التخفيف من آثاره.
أما في كتابه “إغاثة اللهفان” فقد شن هجومه الضاري على العشق، ولكن مع ذلك فقد كان الواضح لمن يبحث عن الحقائق في تناول الأمور أن هجومه هذا انصب على مدى شناعة الأمور التي عناها بهذا الهجوم، وهي كما أوردها:
أ – شيوع ذلك الفعل الشنيع من عشق المردان (الصبيان)، ومحاولة البعض التحايل على الشريعة؛ وادعاء إباحته. وقد أكد الإمام ابن القيم على أن الفعل نفسه من أكبر الفواحش، أما ادعاء إباحته فهو كفر صريح.
ب – أن يكون متعلق العاشق من المعشوق هو فعل الفاحشة فيه. وفي الحقيقة فإن هذا النوع من العشق لا علاقة له بالموضوع الذي نتناوله في هذا الكتاب؛ لأن به هذا التعلق الحسي والجرأة على فعل الفاحشة لا يحتاج إلى أن يُفرَد له كتاب.
جـ – أن يتحول الأمر إلى عبودية إلى الدرجة التي يصرخ فيها العاشق لمن يعشقه أني أعبدك، وهذا أمر تالله عظيم، ويخرج بالإنسان من دائرة الإيمان والتوحيد إلى دائرة الكفر والشرك.
محمد إبراهيم مبروك ( 14/09/2002 )
[1] الأهمية الشديدة التي يقصدها الكاتب هنا تتمثل في أن النبي ﷺ روى هذه الرواية بتفاصيلها دون أن يهاجم حالة الحب نفسها، بل كان التركيز فقط على رفض الفاحشة.