إن الإبداع ليس بداية الطريق، ولكنه نتيجة نصل لها بعد تعمق الفهم والتفكر والتجربة. ولكن ما نخشاه في الجيل الجديد بعض مظاهر الاستعجال والاستسهال. فكيف نستطيع غرس الإبداع لدى الأبناء وبناء الإرادة والإبداع في هذا الجيل.. أطفالاً ومراهقين؟
المثابرة الإبداع وجهان لعملة واحدة.. وقد انتشرت على غير وعي منا ثقافة المتعة واللذة في تربيتنا لهذا الجيل مما صعب تمكينه من خير كثير للأسف.. فالصغار بحاجة حقيقية للتميز بين الاحتياج والرغبة.. لماذا نقول ذلك وما علاقته بالإبداع لدى الأبناء وبالإبداع أيضا؟ حتى نجد الرباط الذي نتحدث عنه فكريا في جيل أبعد قليلا، حيث لم يكن هناك هذا الكم من المشاهدة للتليفزيون، واستعمال الهاتف، وهذا الكم من الألعاب الإلكترونية “جاهزة الإمتاع” وعالية الإثارة.
ماذا كان يفعل الأطفال؟
ماذا كان يفعل الأطفال من قبل في هذا الجيل؟كنا نجدهم دائبين على عمل لعبة مما لديهم في البيتن ولنا أن نتخيل يوما كاملاً لينتجوا طائرة ورقية أو أدوات للعروسة أو بيتا من كرتون الثلاجة القديم.. مئات بل آلاف من الأفكار المبدعة الممتعة التي يجلس عليها كل الأطفال لعملها معا.. كان هذا الزمن زمن الاحتياج.. إنما الآن نريد ونريد ونريد.. هل نحتاج؟ لا بل نرغب ونرغب فقط.
في السيناريو الذي نعرضه الآن.. أطفال يلعبون ألعابًا تسمى الآن “بيئية” كانت تنمو مثابرتهم لأعلى حد، لأن المتعة تأتيهم من داخل ما يفعلون.. من الصحبة.. من التجريب.. من اكتشاف طريقة جديدة.. من ناتج نهائي يلعبون به عددًا من الألعاب وليس لعبة واحدة.. أهناك إبداع أكثر من ذلك؟
أصل الإبداع التنوع وتوليف الأشتات “توليف أشياء تبدو بعيدة عن بعضها البعض في علاقة”.. وهذا ما يتم في اللعب الحر وبالطبع كل خطوة من خطوات الأطفال في هذه الألعاب تسلم لما بعدها.. ويصبرون خطوة خطوة ليصلوا للنهاية.. وهنا تكون المثابرة.. المثابرة حتى انتهاء الخطوة، ومثابرة حتى انتهاء الخطوة التالية، مثابرة حتى الوصول للنهاية.
وبالطبع الاحتياج هنا يمثل الدافع الأساسي، فهم يحتاجون لعبة فيبدعوا ليصلوا إليها.. هل نشعر كيف أن الإبداع والمثابرة وجهان لعملة واحدة.. وكيف أن ثقافة اللذة السريعة تطيح بالطبع بقدرات أبنائنا الإبداعية.
طرق مختلفة لبناء الإبداع لدى الأبناء
ويبقى لنا طرق مختلفة لنعلم أبناءنا المثابرة التي تفيد كقيمة في حد ذاتها وكموصل للإبداع بالطبع.
- لندع أبنائنا يقومون بحاجاتهم، فمما يؤثر سلبيا على مثابرة أبنائنا السرعة والعجلة التي تعوق تحميل أبنائنا المسئولية.. فالأسرة دائما متعجلة فتقوم للطفل بالأشياء التي يمكنه القيام بها.. فكيف له أن يتعلم المثابرة؟ أين ميدان المثابرة هنا؟ ليس له مكان أصلا.. فهو لا يقوم بشيء أساسًا نعلمه المثابرة من خلاله!
- إذا رغبنا في بناء الإبداع لدى الأبناءوتنشئة ابن مثابر فلندعه يقوم بنفسه لنفسه وللآخرين بما يمكنه، فالمثابرة لدى الأبناء لا تنمو في فراغ وإنما تنمو من خلال عمل.. وإن أمعنا النظر نجد الطفل بمجرد أن يقف أو يجلس يريد أن يقوم ببعض الأشياء لنفسه وهذه علامة على أنه قادر الآن على القيام بها.. وإذا لم يسمح له بذلك نجده رافضًا تمامًا القيام بها مستقبلاً وعندها تشتكي الأم أنه “غير قادر”.. ترى كيف نزرع العجز في أولادنا؟
- تنمية القدرة على تحليل المهام والاهتمام بالخطوات وليس الناتج النهائي.
- لنوجد الحلم، نحن نثابر عندما نجد ما نريد أن نصل له؛ ولذا خطوتنا الأولى هي البحث عما يريد وعما يحب القيام به، فهذه هي فرصة المثابرة العظيمة، فمن أفضل ما ينمي الإبداع لدى الأبناء الارتباط بهدف يريدون تحقيقه.
- التفكير الإيجابي وكلماتنا الإيجابية، بحيث يدرك أبناؤنا قولا وفعلا أن الجهد يوصلنا لما نريد. تنتشر أحيانا نغمة سلبية بين الآباء تقضي على الإبداع لدى الأبناء قبل أن تولد، فيكررون على مسامع أبنائهم أفكارهم المتشائمة.. سلبيات بلادهم وسلبيات العمل، حتى أنه أحيانا يعلق على تربيتهم لأولادهم أنفسهم كأن يقول: “مهما فعلت لا ينفع.. لا يتغير.. لا يتحسن..”.. ترى ما فعل مثل هذه الكلمات؟
ما يتكرر على مسامعنا يشكل معتقداتنا.. فهل نريد لأبنائنا أن يفكروا بهذا التشاؤم؟ إذن لماذا يحاولون؟.. المثابرة تحتاج بناء خطوة خطوة وتنمية شعور غامر لدى الشخص فحواه “أنا أستطيع”.. فالحقيقة المنطقية أنه “لا يثابر العاجزون”.
- مما يساعد أيضًا على تنمية المثابرة لدى أبنائنا تنمية القيم والمبادئ مثل: الأمانة، الإتقان، العلم، الصبر.. الإنسان كل متكامل وما يحركنا هو مبادئنا التي تسير معنا في مواقف الحياة المختلفة.
- تنمية اليقين بالله لدى أولادنا، كي يعلموا أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.. وهذا ما يحتاج منا تأديبا وتزكية لأنفسنا أولا؛ مع تكرار التعليق وبلورة المعنى حيا نابضا في مواقف الحياة المختلفة في وجود الأبناء.
- تعزيز معنى “افعل ما يمكنك فعله” بدلا من “لا بد أن تكون الأول”، التركيز على الجهد هو الأمر المهم الذي يعين على المثابرة، قل كلمات من نوع: “هل فعلت ما عليك؟.. ما الذي يمكن أن تفعله ليكون الأداء أفضل.. ما الذي تعلمته اليوم من هذه التجربة.. إذا كررت ما الشيء الذي تريد أن تؤديه بطريقة مختلفة.. هل هناك أي شيء كنت تتمنى أن تؤديه مختلفا؟”.. ما أود التأكيد عليه الثناء على الجهد بدلا من التركيز على النتائج.
- بناء مفردات جديدة تدعم المثابرة، كثير منا لا يدرك القيمة الحقيقية للكلمة، وأنها تؤثر تأثيرًا بالغًا على تشكيل معتقداتنا ومشاعرنا وسلوكنا بالتبعية، وإلا لما استخدم القرآن مفردة محددة في سياق محدد ولم يستخدم غيرها؛ لأنها المفردة المنوط بها توصيل المعنى المحدد الذي يريده رب العالمين. إدراج مفردات مثل: “يمكنك، تقدر، حاولت من قبل وتمكنت، أنت قوي الإرادة، أنت تستطيع، اعلم أنك يمكنك المحاولة، تمسك بها، اقتربنا من الخطوة الأولى، الصعوبة تكون في البداية، بداية قوية، أعد التجربة، ستصل، كلما تدربت كلما سهلت”..
أمور لطيفة تدعم الإبداع لدى الأبناء
- العمل الجماعي.
- سماع الأغنيات الحماسية.
- تعليق الرسوم المحفزة.
- تكرار الجمل الملهمة.
- الاستماع للناجحين.
- الاستماع لقصص النجاح.
- التعرض للأشخاص الإيجابيين.
- القدرة على استحضار النجاحات السابقة للتحفيز عند نفاد الطاقة.
- الوقوف على طريقة الأداء ليلجأ لها حين الحاجة.
- تنمية القدرات المختلفة، فكلما أمكننا السيطرة على مجريات حياتنا وتمكنا من الأداء زادت ثقتنا وبالتبعية زادت مثابرتنا.
- القدرة على تخيل النجاح.. وهو ما يسمى القدرة على التصور.
- تنمية الإرادة في حد ذاتها، فمثلا حين يصوم الطفل نربط هذا الصيام بالقدرة على ضبط النفس وقوة الإرادة، وكذلك لعب الرياضات المختلفة يساعدنا في ذلك.
- التعليق المستمر على الخطوات القصيرة، وعلى الالتزام بالمهمة كأن نقول: “عمر ما شاء الله برغم صعوبة فتح الزجاجة إلا أنك استمررت في المحاولة.. هذه قوة إرادة، الآن انتهيت من هذه الخطوة بنجاح.. رائع يمكنك أن تستمر للخطوة التالية”.
- النقطة الأخيرة التي أود الإشارة إليها هي الكف عن معاملة أولادنا معاملة “القرود”، فنعطيهم الحلوى والمال كلما أحسنوا، هذه الطريقة تقتل الحافز الداخلي الذي نحتاج إليه لننجح ونستمر ونثابر ونتحدى، فليس معقولا أننا كلما تقدمنا نريد الحلوى والتصفيق وغيره، عفوا إن نعت هذا السلوك بتدريب القردة.. ترى هل أولادنا قردة؟!
هذا “بعض” ما يمكننا عمله لنكسب أنفسنا وأولادنا، بعضا من المثابرة.