بناء الكعبة كان قبل خلق السماوات والأرض بأربعين سنة، كما يروي الإمام الأزرقي في أخبار مكة بسند صحيح عن سعيد بن المسيب، قال: قال كعب الأحبار: كانت الكعبة غثاء على الماء قبل أن يخلق الله تعالى السماوات والأرض بأربعين سنة، ومنها دحيت الأرض. والدحو البسط، دحا الله الأرض: أي بسطها ومدها ووسعها.
روايات بناء الكعبة عند مجاهد وعثمان بن ساج
وجاء بسند حسن عن مجاهد، قال: لقد خلق الله عز وجل موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفي سنة، وإن قواعده لفي الأرض السابعة السفلى. وعن عثمان بن ساج، قال: أخبرني عثمان بن يسار، قال: بلغني أن الله تعالى إذا أراد أن يبعث ملكا من الملائكة عليهم السلام لبعض أموره في الأرض استأذنه ذلك الملك في الطواف ببيته، فيهبط الملك مهلا.
وبإسناد حسن عن عثمان بن ساج، قال: أخبرني محمد بن إسحاق، قال: بلغني أن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض حزن على ما فاته مما كان يرى ويسمع في الجنة من عبادة الله عزوجل، فبوأ الله عز وجل له البيت الحرام وأمره بالمسير إليه، فسار إليه لا ينزل منزلا إلا فجر الله له به ماء معينا حتى انتهى إلى مكة، فأقام بها يعبد الله سبحانه عند ذلك البيت ويطوف به، فلم تزل داره حتى قبضه الله تعالى بها.
وبإسناد حسن عن عثمان بن ساج، قال: حدثت أن آدم عليه السلام خرج حتى قدم مكة فبنى البيت، فلما فرغ من بنائه قال: أي رب! إن لكل أجير أجرا، وإن لي أجرا؟ قال: نعم فسلني. قال: أي رب تردني من حيث أخرجتني، قال: نعم ذلك لك. قال: يا رب ومن خرج إلى هذا البيت من ذريتي يقر على نفسه بمثل الذي أقررت به من ذنوبي أن تغفر له. قال: نعم ذلك لك.
قصة بناء الكعبة مع آدم عليه السلام
وبسند حسن عن عبد الله بن أبي سليمان مولى بني مخزوم، أنه قال: طاف آدم سبعا بالبيت حين نزل، ثم صلى وِجاه باب الكعبة ركعتين، ثم أتى الملتزم فقال: اللهم إنك تعلم سريرتي وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم ما في نفسي وما عندي فاغفر لي ذنوبي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي، والرضا بما قضيت علي.
بناء الكعبة وحج آدم ولقاء الملائكة
وورد بإسناد صحيح عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي لبيد المدني، قال: حج آدم عليه السلام فلقيته الملائكة عليهم السلام فقالوا: بِرَّ حجك يا آدم، قد حججنا قبلك بألفي عام.
وبإسناد حسن عن عثمان بن ساج، قال: أخبرني سعيد أن آدم عليه السلام حج على رجليه سبعين حجة ماشيا، وأن الملائكة عليهم السلام لقيته بالمأزمين، فقالوا: بر حجك يا آدم، قد حججنا قبلك بألفي عام.
“بناء الكعبة في السماء” الضراح
وفي الحديث الحسن عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ((البيت الذي في السماء يقال له: الضراح، وهو مثل بناء هذا البيت الحرام، لو سقط لسقط عليه، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا)).
الكعبة قبل الفيض العظيم وزمن الغرق
وقد ثبت بأسانيد حسنة عن مجاهد، قال: بلغني أنه لما خلق الله تعالى السماوات والأرض كان أول شيء وضعه فيها البيت الحرام، وهو يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء، لها بابان: أحدهما شرقي والآخر غربي، فجعله مستقبل البيت المعمور. فلما كان زمن الغرق رفع في ديباجتين، فهو فيهما إلى يوم القيامة، واستودع الله تعالى الركن أبا قبيس. قال: وقال ابن عباس رضي الله عنه: كان ذهبا فرفع زمن الغرق.
إعادة بناء الكعبة مع إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام
وبإسناد صحيح عن ابن جريج، عن مجاهد: أنه كان موضع الكعبة قد خفي ودرس زمن الغرق فيما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام. قال: وكان موضعه أكمة حمراء مدرة لا تعلوها السيول، غير أن الناس يعلمون أن موضع البيت فيما هنالك ولا يثبت موضعه. وكان يأتيه المظلوم والمتعوذ من أقطار الأرض، ويدعو عنده المكروب، فقل من دعا هنالك إلا استجيب له. وكان الناس يحجون إلى مكة إلى موضع البيت، حتى بوأ الله تعالى مكانه لإبراهيم عليه السلام لما أراد من عمارة بيته وإظهار دينه وشعائره، فلم يزل منذ أهبط الله تعالى آدم عليه السلام إلى الأرض معظما محرما بيته، تتناسخه الأمم والملل أمة بعد أمة، وملة بعد ملة. قال: وقد كانت الملائكة عليهم السلام تحجه قبل آدم عليه السلام.
وبسند حسن عن عثمان بن ساج، قال: بلغنا -والله أعلم- أن إبراهيم عليه السلام عرج به إلى السماء، فنظر إلى الأرض مشارقها ومغاربها فاختار موضع الكعبة. فقالت له الملائكة عليهم السلام: يا خليل الله اخترت حرم الله سبحانه في الأرض. قال: فبناه من حجارة سبعة أجبل، قال: ويقولون: خمسة.
وكانت الملائكة عليهم السلام تأتي بالحجارة إلى إبراهيم -صلوات الله عليهم أجمعين- من تلك الجبال.
وثبت بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير، قال: حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنه: أنه حين كان بين أم إسماعيل بن إبراهيم وبين سارة امرأة إبراهيم عليه السلام ما كان، أقبل إبراهيم بأم إسماعيل وإسماعيل عليه السلام وهو صغير ترضعه، حتى قدم بهما مكة، ومع أم إسماعيل شنة فيها ماء تشرب منها وتدر على ابنها، وليس معها زاد.
يقول سعيد بن جبير: قال ابن عباس رضي الله عنهما: فعمد بهما إلى دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد -يشير لنا بين البئر وبين الصفة- يقول: فوضعهما تحتها، ثم توجه إبراهيم عليه السلام خارجا على دابته، واتبعت أم إسماعيل أثره حتى أوفى إبراهيم _ بكداء. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: فقالت له أم إسماعيل: إلى من تتركها وابنها؟ … فقال: إلى الله عز وجل، قالت: رضيت بالله تعالى. فرجعت أم إسماعيل تحمل ابنها حتى قعدت تحت الدوحة، فوضعت ابنها إلى جنبها، وعلقت شئتها تشرب منها وتدر على ابنها حتى فني ماء شنتها، فانقطع درها فجاع ابنها. واشتد جوعه، حتى نظرت إليه أمه يتشحط، قال: فخشيت أم إسماعيل أنه يموت فأحزنها.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما قالت أم إسماعيل: لو تغيبت عنه حتى لا أرى موته. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: فعمدت أم إسماعيل إلى الصفا حين رأته مشرفا تستوضح عليه أي: ترى أحدا بالوادي، ثم نظرت إلى المروة، ثم قالت: لو مشيت بين هذين الجبلين تعللت حتى يموت الصبي ولا أراه. قال ابن عباسرضي الله عنهما: فمشت بينهما أم إسماعيل ثلاث مرات أو أربع، ولا تجيز بطن الوادي في ذلك إلا رملا. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: ثم رجعت أم إسماعيل إلى ابنها فوجدته ينشغ كما تركته، فأحزنها، فعادت إلى الصفا تعلل حتى يموت ولا تراه، فمشت بين الصفا والمروة كما مشت أول مرة. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: حتى كان مشيها بينهما سبع مرات. قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال أبو القاسم ﷺ: ((ولذلك طاف الناس بين الصفا والمروة)).
قال: فرجعت أم إسماعيل تطالع ابنها فوجدته كما تركته ينشغ، فسمعت صوتا فراث عليها ولم يكن معها أحد غيرها، فقالت: قد أسمع صوتك فأغثني إن كان عندك خير، قال: فخرج لها جبريل عليه السلام فاتبعته حتى ضرب برجله مكان البئر – يعني زمزم – فظهر ماء فوق الأرض حيث فحص جبريل عليه السلام برجله.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: قال أبو القاسم ﷺ: ((فحاضته أم إسماعيل بتراب ترده خشية أن يفوتها قبل أن تأتي بشنتها، فاستقت وشربت ودرت على ابنها)).
وبسند حسن عن عثمان بن ساج، قال: أخبرني محمد بن إسحاق، قال: بلغني أن ملكا أتى هاجر أم إسماعيل حين أنزلها إبراهيم عليه السلام بمكة قبل أن يرفع إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام القواعد من البيت، فأشار لها إلى البيت، وهو ربوة حمراء مدرة، فقال: هذا أول بيت وضع للناس في الأرض، وهو بيت الله العتيق، واعلمي أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام يرفعانه للناس. قال ابن جريج وبلغني أن جبريل عليه السلام حين هزم بعقبه في موضع زمزم قال لأم إسماعيل -وأشار لها إلى موضع البيت-: هذا أول بيت وضع للناس، وهو بيت الله العتيق، واعلمي أن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه للناس ويعمرانه، فلا يزال معمورا محرما مكرما إلى يوم القيامة.
بناء الكعبة في الجاهلية وإسهام قريش
وأخرج الإمام أحمد بسند قوي صحيح عَن أبي الطُّفَيلِ وذكرَ بناءَ الكَعبةِ في الجاهليَّةِ قال فهَدمَتها قُرَيشٌ وجعَلوا يَبنونَها بحِجارَةِ الوادي تحمِلُها قُرَيشٌ على رِقابِها فرَفعوها في السَّماءِ عِشرينَ ذراعًا فبَينا النَّبيُّ ﷺ يحملُ حجارةً مِن أجيادٍ وعلَيهِ نَمِرةٌ فضاقَت علَيهِ النَّمرةُ فذهبَ يضعُ النَّمرةَ على عاتقِهِ فَيُرى عَورتُهُ مِن صِغَرِ النَّمرةِ فنوديَ يا محمَّدُ خَمِّر وفي روايةٍ لا تكشِفْ عَورتَكَ، فما رُؤِيَ عُريانًا بعدَ ذلِكَ.