تربية الأبناء على حب الله تعالى : يملك الإنسان قلبا يمكن أن يودعه عواطف شريفة تُحسِن من حياته وتقربه من الله تعالى، كما يمكن أن يمتلأ بالهوى الذي يعمي ويصم، وخير ما يملء به المسلم قلبه حب الله تعالى، ولذلك قَال رسول الله صلَّى اللَّه علَيه وسلم: كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ يَقُولُ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي، وَمِنَ الْمَاءِ البَارِدِ ” [1]
إن نبي الله داود ﷺ يسأل الله تعالى أن يرزقه حبه، فحب الله تعالى أكبر دافع للطاعة والإحسان وتعمير الأرض ، وحب من يحب الله تعالى يزيد في حبنا لربنا عز وجل؛ ذلك أنه دائم التذكير بالله تعالى ونعمه علينا وما يجب له من جلال وكمال، يصنع ذلك إذا تكلم أو سكت وإذا تحرك أو سكن، وهذه الأمور تحببنا في الله تعالى وتقربنا منه، وكلما اقتربنا منه سبحانه كلما ازددنا شوقا إليه عز وجل وحرصا على لقائه تباركت أسماؤه؛ في الصلاة حيث هي مناجاة لله عز وجل وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وبتلاوة القرآن، وتلاوة كتاب الله تنير القلب من الظلمات وتجعله أهلا لنزول الرحمات وتزيد العبد معرفة بربه ومن ثم تزداد المحبة.
الطريق إلى حب الله
ومن الأمور المهمة التي ينبغي أن نلتفت إليها في التربية هو غرس محبة الله تعالى في قلب الطفل حتى ينشأ نشأة سليمة، ويدرك أن الله تعالى معه وإن غاب عنه من يحبه من البشر فيسخر الله تعالى له من يعينه ويساعده، وهذه المسألة في غاية الأهمية نحصد ثمارها شخصية متزنة تستطيع أن تتغلب على حالة فقدان الوالدين أو أحدهما.
من مظاهر حب الله تعالى للصغار والكبار
نغرس فيه أن الله تعالى يحبه ولذلك يقول الناس:” الأطفال أحباب الله” فقد:
- هيأ له الكون قبل أن يخلقه ،وقدر في الأرض أقواتها وجعله المخلوق المكرم فرفع شأنه فوق كثير من المخلوقات الأخرى ،وهذه الرفعة منحة من الله تعالى وليست هبة من أحد، والإنسان الذي يحترم نفسه هو الذي يصون هذا التكريم فلا يقع في النقائص ولا يهبط بنفسه عن المكانة التي وضعه الله تعالى فيها، بارتكاب الذنوب بل يخشى دائما أن يكون مع المجرمين الذين يتلقون صنوف الإهانة جزاء وفاقا على ذنوبهم وتكبرهم على عباد الله..
- أودع سبحانه في الإنسان فطرة سليمة نقية، إذا تخلص الإنسان من الهوى والعبودية للدنيا استطاع أن يستدل على الله، ولم يتركنا الله تعالى هملا بل أرسل لنا رسلا يعلموننا كيف نطيع الله ونرضيه، وكيف نحصل على السعادة في الدنيا والآخرة.
من ثمرات حب الله تعالى
- في حب الله تعالى أنس من الوحدة ونجاة من مشاعرها السلبية التي تدمر الإنسان وتفسد عليه حياته، وليس معنى ذلك أن يتخلص المسلم من كونه إنسانا من طبيعته أن يأنس بغيره من البشر ،ولكن يأنس بالصحبة الصالحة فإن لم يجدها أنس بالله تعالى في أوقات الخلوات.
- إن حب الله تعالى يوفر علينا الكثير من الجهد والشد والجذب في التربية ؛فإذا عرف الطفل أن الله تعالى جميل يحب الجمال سعى إلى جمال الظاهر والباطن واجتهد أن يكسوا تصرفاته بمسحة من الجمال حين يتعامل معه والديه بالكلام أو بالأخذ والعطاء أو بالحوار الذي تقدم فيه النصيحة الثقيلة فيتلقاها بأدب.
- إذا علم أن الله يحب التوابين سارع إلى تصحيح أخطائه التي وقع فيها بسبب الجهل أو النسيان أو ضعف العزيمة، دون جدال بالباطل يبرر به خطأه وهو متأكد من مخالفته للحق، بل أكثر من ذلك يبادر إلى الاعتراف بخطأه ولو لم يلحظ أحد هذا الخطأ.
- حب الله تعالى يجعل الصغير والكبير يستشعر معية الله تعالى هذه المعية جالبة للطمأنينة والسكينة ،هذه الطمأنينة تكسب الإنسان ثباتا انفعاليا أمام الأزمات التي تعصف بالبشر فمن كان الله معه فمن يكون عليه بل ما قيمة البشر جميعا إن وقفوا ضده.
خطوات لتعميق حب الله تعالى في نفوس الأبناء
- الأولى: دعاء الوالدين مع استشعار الضعف والعجز وطلب المدد من الله تعالى لكي يعينهما على هذه المهمة الجليلة وأن يلين قلب أبنائهما لسماع الخير.
- الثانية: تكوين علاقة صحيحة بين الوالدين والأبناء مبنية على الحب الصادق والصبر الجميل وتبادل الود بالكلمات والأفعال والمواقف واللمسة الحانية والمشاركة في الآمال والآلام، هذه العلاقة الصحيحة هي الجسر الذي تعبر عليه كل القيم الجميلة والمعاني الراقية والسلوكيات الحميدة.
- الثالثة: الجهد الذي يبذله الوالدان مع مولودهما الأول يستفيد منه من يأتي بعده من الأبناء والبنات لأنه أقرب إليهم من ناحية العمر والفكر وهو من جملة من يقلدهم الصغار.
- الرابعة:اختيار الوقت المناسب والأسلوب الأنسب لتمرير هذه المعاني والسلوكيات.
- الخامسة: سرد قصص الصالحين الذين أحبوا الله تعالى من كل قلوبهم وقدموا محبته على محبة غيره فالنفوس تحب القصص وتقتدي بالسابقين.
- السادسة: هذه المسألة تتم بالمشاركة بين الزوجين وبالتنسيق بينهما ومتابعة يقظة منهما وتصويب مستمر مع الصبر وإدراك أن بناء الإنسان يتم خطوة بخطوة ،كما يجب على المؤسسات التي تشارك الأسرة في تكوين الوعي كالمسجد والمدرسة أن ينسقوا فيما بينهم من ناحية مناهج الدراسة وما يقوم به المدرس من غرس القيم إلى جوار عرض الحقائق العلمية، وقد يرى البعض أن الوقت لا يسع لشرح المنهج فضلا عن بث القيم والواقع أن بث القيم لا يحتاج لكلام كثير، فسلوك جيد وموقف مؤثر وتوجيه خلال كلمات قلائل كفيل بإيقاظ الفطرة ولفت النظر إلى أهم المهمات، ثم تكمل الأسرة والمسجد والشارع والنادي خطوات الطريق وهذا يتطلب إدراك لأهمية التعاون في صناعة جيل راشد يحب ربه فيبر والديه ويقدر معلميه ويحافظ على الأخلاق الحميدة ويبني ويعمر ويصون الأرض والعرض.
- السابعة: لفت نظر الطفل إلى بديع صنع الله تعالى في الكون وما فيه من جمال وزينة، كما نلفت نظره إلى تسخير الله تعالى ما في الكون للإنسان لكي يستفيد من هذه الخيرات {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ } [الجاثية: 13].
- الثامنة:إظهار مدى فضل الله تعالى وإحسانه ولطفه بالخلق عندما ينزل البلاء بالعبد، وكيف أن هذا البلاء من الممكن أن يكون أكثر وأشد ألما مما وقع، وكيف يعين الله سبحانه وتعالى خلقه على التعامل مع البلاء ويرزقهم الصبر إن استقبلوا قضاء الله تعالى الذي يؤلمهم بالرضا، بل يعلِّمهم الله تعالى كيف يستفيدون من هذا البلاء في إيقاظ الغافل ورفعة درجة الصالح وأخذ العبر والدروس من البلاء الذي يأتي نتيجة للتقصير واكتساب الخبرات وتناقلها في التعامل مع مثل هذه الصدمات.
- التاسعة:إرشاد الأبناء إلىالبحث عن من يحبهم في الله، أولئك الذين يذكرونه إذا نسي وينبهونه إذا غفل ويعينونه إذا ذكر هؤلاء هم الصحبة الطيبة الذين تحلو بهم الحياة (كَانَ ﷺ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ)[2]
أهل محبة الله
- {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 148]
- { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [المائدة: 54]
إذا أحب الله عبدا
ينعم الله تعالى على من يحبهم بنعم كثيرة منها:
- ما جاء عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،في قوله: ” إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ “[3]
- قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا ابْتَلَاهُ لِيَسْمَعَ صَوْتَهُ “[4]