تعد منطقة الشرق الأوسط من أفضل المناطق حول العالم للإستفادة من موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. إذ وفقا لتقارير متخصصة فإن المنطقة ستحظى بإستثمارات في مشاريع الطاقة المتجددة ب 35مليار دولار مع حلول عام 2021م. لكن بعض الدراسات تحذر من أن تغيّر المناخ يهدد قدرة المنطقة على توليد مثل هذه الطاقة، وتؤكد أن طموح هذه البلدان لتسيّد العالم في هذا المجال قد يكون مهددا في حالة تجاهل تأثيرات تغير المناخ، التي من شأنها التأثير على قدرتها على توليد الطاقة الشمسية بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بالظروف الفريدة على استغلال الطاقة الشمسية والطاقة الريحية نظرا لطويل زمن سطوع الشمس على مدام العام في المنطقة لا سيما في الصحراء.
ولأن الطاقة النظيفة الاقليمية تهم الدول الأوروبية قليلة الموارد. وضعت أوروبا خطة “إنارة شمس شمال أفريقيا أوروبا”من قبل. وتشارك 24 شركة ألمانية في مشروع مركز الطاقة الشمسية تبلغ قيمته 40 مليار يورو في صحراء بشمال إفريقيا لتقديم الطاقة النظيفة إلى الدول الأوروبية. وسوف يسد هذا المشروع 15 % من إجمالي حاجة الطاقة لأوروبا بعد إتمام بناءه عام 2050.
الرطوبة والهباء الجوي والإشعاع الشمسي
في دراسة نشرت يوم 22 سبتمبر الماضي في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز”، حذر باحثون من أن ارتفاع درجات حرارة سطح الأرض، وزيادة كمية الرطوبة والهباء الجوي والجسيمات العالقة قد تؤدي إلى انخفاض إجمالي في الإشعاع الشمسي، وزيادة في عدد الأيام التي يقل فيها سطوع الشمس وتزداد السحب.
ويرى الفريق البحثي مُعد الدراسة أن المناطق الحارة والقاحلة مثل الشرق الأوسط وجنوب غرب أمريكا، التي تعتبر من أعلى منتجي الطاقة الشمسية المحتملين، كانت الأكثر عُرضة لتقلبات أكبر في كمية الإشعاع الشمسي.
الدراسة التي أعدها باحثون في جامعات “برنستون” الأمريكية، و”خليفة” الإماراتية و”نانجينج” الصينية، تلفت الانتباه إلى خطورة التغيرات المناخية، التي تتسبب في رفع درجة حرارة الأرض، مما يزيد من قدرات الكوكب على توليد الطاقة بفعل تسخين غلافه الجوي، وهو ما تدحضه هذه الدراسة. كما تمثل النتائج صيحة تحذير للدول التي تتجه نحو هذا النوع من الطاقة المتجددة.
سيكون لتغير المناخ تأثير مباشر على أداء المحطات الكهروضوئية، يتمثل في التباين أو التقطع في كمية الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى سطح الأرض، والذي هو ضروري للحفاظ على إنتاج الطاقة الشمسية. واعتمد الفريق على بيانات الأقمار الصناعية ومُخرَجات النماذج المناخية لوصف تقطُّع الإشعاع الشمسي وتقييم الثبات المستقبلي للطاقة الكهروضوئية في أجزاء مختلفة من العالم. أظهرت نتائج الدراسة أن انخفاضًا طفيفًا في الإشعاع الشمسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمكن أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في معدلات فقد الطاقة.
تقطٌع الطاقة كمتغير رئيسي
يشير الباحثون إلى تبايُن بين متوسط الإشعاع الشمسي الذي يحدد إجمالي الطاقة الشمسية المحتملة، وثبات تلك الطاقة التي لا تزال تهددها مشكلة التقطع، خاصة في غياب خيارات التخزين. هذا التناقض بين توافُر الطاقة الشمسية وعدم ثباتها يتطلب اهتمامًا خاصًّا في تقييم السيناريوهات المستقبلية للطاقة الشمسية.
وتوضح الدراسة أن مشكلة التقطع هي متغيِر رئيسي ومؤثر في إنتاج الخلايا الكهروضوئية في ظل تغيّر المناخ، في حين تعرَّضت الأبحاث السابقة إلى اتجاهات متوسط الإشعاع الشمسي، والتي هي -على الرغم من أهميتها- غير قادرة على تقديم صورة كاملة للمشكلة.
تربط الدراسة بين التصحّر والجفاف وزيادة الهباء الجوي ومن ثم تشتُّت الإشعاع أو حجبه، كما أن درجات الحرارة المرتفعة تسهم في تكوين مزيد من الرطوبة التي تحجب الإشعاع الشمسي أيضا من خلال تكوين السحب الملبدة بالغيوم، والإبقاء على الجسيمات العالقة في الغلاف الجوي لفترة أطول. ومع ازدياد الاضطرابات الجوية وارتفاع درجات الحرارة في المناطق الجافة مثل الشرق الأوسط، من المحتمل أن تسبب التربة الجافة كميات أكبر من الهباء الجوي والغبار لتزداد حدة المشكلة.
للهباء الجوي والغبار تأثيرا آخر أشارت إليه دراسة نُشرت في يونيو الماضي في دورية “نيتشر ساستينابيليتي”، وهو تلويث الألواح الكهروضوئية وتعطيل قدرتها على استقبال الإشعاع الشمسي. وأظهرت النتائج أنه في المناطق شديدة التلوُّث والمناطق الصحراوية مثل شمال إفريقيا والشرق الأوسط، تقلل المواد العالقة من الكفاءة الكهروضوئية للألواح بأكثر من 50٪. ويشدد باحثو الدراسة على أهمية تنظيف الألواح بشكل منتظم، حتى ولو كل بضعة أشهر.
هل تخزين الطاقة هو الحل؟
تقول الدراسة إن تقدير خسائر أي دولة في إنتاج الطاقة الشمسية يتطلب تحليلات إضافية أكثر دقة وتفصيلية، وهو ما يخطط الفريق البحثي للاضطلاع به مستقبلا، حيث تتوقع أن تخسر مصر مثلا بين 5 إلى 10٪ من حجم إنتاجها المحتمل من الطاقة الكهروضوئية خلال الأربعين عاما القادمة. وترى “أناليزا موليني”، أستاذ هندسة البيئة والبنية التحتية المدنية وأحد المشاركين في الدراسة أن الحل الذي يجب أن تتبناه بلدان الشرق الأوسط لمواجهة مخاطر تغيّر المناخ على الطاقة الشمسية يتمثل في تخزين الطاقة. لكن “بانايوتس كوزموبوليس” -خبير الطاقة المتجددة في المرصد الوطني في أثينا باليونان، الذي يتفق مع منهجية الدراسة ونتائجها- يشدد على أن الاتجاهات المستقبلية للسحب والهباء الجوي ستحدد مدى ثبات الطاقة الشمسية المنتجة، ويرفض ما تطرحه الدراسة بشأن تخزين الطاقة باعتباره الحل الوحيد للتخفيف من تأثير تغيُّر المناخ على ثبات إنتاج الطاقة الكهروضوئية في المناطق القاحلة مثل الشرق الأوسط.
وتؤيد دراسة جديدة نشرت في دورية “نيتشر” يوم 14 أكتوبر الحالي، ما ذهب إليه “كوزموبوليس” بشأن التوقعات بتغيُّر كبير في تقنيات نقل الكهرباء في العقود القادمة. وهو التغيُّر الذي تصفه الدراسة بأنه سيؤدي إلى تغيير كل شيء نعرفه عن الوصول إلى الطاقة واستخدامها، “مما يجعل الحلول الحالية لتخزين الطاقة -مثل البطاريات- مجرد تقنيات من الماضي”.
وعلى الرغم من كل هذا، يقول الباحثون إنه يتعين على الدول الأكثر تضرّرا من تغيّر المناخ أن تتجه إلى اقتصاد منخفض الكربون، وأن تبني أسلوب حياة قائما على الطاقة المتجددة. إذ تعَد المستويات المحتملة للطاقة الشمسية في الشرق الأوسط و هدية من الطبيعة يجب استغلالها لتوفير طاقة ميسورة التكلفة وحديثة ونظيفة”.
على صعيد آخر، نبه خبراء في قضايا الطاقة الشمسية، إلى أنه على الرغم من أن الطاقة الشمسية تعد مصدراً نظيفاً للطاقة المتجددة، فإن تطبيقها على نطاق واسع ينطوي على مخاطر يجب أن تؤخذ في الاعتبار، مشيرين إلى إخفاق الحكومات في منح حوافز تنجح عمليات تبني وتطبيق الأنظمة العاملة بالطاقة الشمسية، خصوصا في دول مجلس التعاون الخليجي.
وعبر الخبراء عن الأسف لغياب الوعي الاجتماعي في قضايا الطاقة الشمسية، لاعتبارات تتعلق بأسعار الوقود والكهرباء في الخليج، التي لا تشكل تحديا اقتصاديا لمواطني هذه الدول، لافتين إلى معوقات أخرى مثل عدم توافر الائتمان اللازم لشراء الطاقة المتجددة أو الاستثمار فيها، وغياب تسهيلات الإقراض المصغّر لتركيب أنظمة الطاقة المتجددة على مستوى المنازل، واحتكار مؤسسات تزويد الطاقة في دول عدة لعمليات إنتاج وتوزيع الكهرباء، فضلا عن كلفة المواد الأولية لأجهزة استخدام الطاقة الشمسية.