الإمام جمال الدين الزيلعي الحنفي، إمام وفقيه بارع ومحدِّث مفيد وحافظ متقن ومفسر وعالم بالحديث، كان شيخا فاضلا بارعا في الفقه والأصول والحديث والنحو والعربية وغير ذلك. ويعتبر الزيلعي من أشهر العلماء المسلمين، وهو غير فخر الدين الزيلعي (عثمان) شارح الكنز، الذي تتلمذ عنه.

اشتغل الإمام جمال الدين الزيلعي كثيرا، وجد واجتهد في الطلب، وسمع من أصحاب النجيب، وأخذ عن المزي ، والذهبي ، والفخر الزيلعي شارح الكنز، والقاضي علي بن عثمان التركماني المارديني، وابن عقيل النحوي، وغيرهم.

ولازم مطالعة كتب الحديث إلى أن خرج أحاديث كتاب الهداية للمرغيناني، وأحاديث كتاب الكشاف للزمخشري، واستوعب ذلك استيعابا بالغا.

من هو الزيلعي؟

هو الإمام جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد بن أيوب بن موسى الزيلعي الحنفي، ينسب إلى بلاد الزَّيْلَع (الصومال حاليا)، وهي بلاد الجَبَرْت بأراضي الحبشة، وهي بلاد معروفة تسكنها هذه الطائفة، وهم قوم ينسبون إلى أسلم بن عقيل ابن أبي طالب، ويغلب عليهم التقشف والصلاح، ويأتون من بلادهم بقصد الحج والمجاورة في طلب العلم، ويحجون مشاة، ولهم رواق بالمدينة المنورة، ورواق بمكة المكرمة، ورواق بالجامع الأزهر بمصر، وللمقريزي مؤلف في أخبار بلادهم وأحوالهم.

كثير من المؤرخين لم يذكر وا تاريخ مولد الزيلعي (…. – 762 هـ – …. – 1360 م) ، على عادة أهل زمانه من عدم الاهتمام بتاريخ الموالد غالباً. وأما وفاته فقد اتفقت المصادر على أنه توفي رحمه الله تعالى في المحرم، سنة 762هـ .   

نشأته العلمية

طلب العلم في بداية أمره، وتفقّه بمذهب أبي حنيفة النعمان رحمه الله، فبرع وأدام النظر والاشتغال في العلم. كما طلب الحديث واعتنى به، حتى تمكن من التصنيف فيه، وصارت تصانيفه مشهورة بين أهل العلم.

 تتلمذ لجماعة من أصحاب النجيب الحراني ومن بعدهم، كالشهاب أحمد بن محمد بن فتوح التُّجِيْبي مسند الاسكندرية، والشهاب أحمد بن محمد بن قيس الأنصاري فقيه القاهرة والإسكندرية، والشمس محمد بن أحمد بن عثمان بن عدلان شيخ الشافعية، وشهاب الدين أحمد بن محمد بن فتوح التجيبي، وأبو الفتوح علي بن عبد الوهاب بن حسن بن إسماعيل بن مظفر بن الفرات الجُريري، وتقي الدين بن عبد الرزاق ابن عبد العزيز بن موسى اللخمي الاسكندري، وتاج الدين محمد بن عثمان بن عمر بن كامل البلبيسي الإسكندري، وجمال الدين عبد الله ابن أحمد بن هبة الله بن البوري الإسكندري، والفخر أبو محمد عثمان ابن علي الزيلعي صاحب كتاب “البحر الرائق شرح كنز الدقائق”.

كان بينه وبين الحافظ زين الدين العراقي مذاكرة  وتعاون علمي، ولاسيما أنهما اعتنيا بتخريج أحاديث الكتب العلمية، فكان كل واحد منهما يعين الآخر.

مؤلفاته

للإمام جمال الدين الزيلعي مؤلفات عدة، إلا أنه لم يكن مكثراً، ومن أهم كتبه:

  1. “الكاف الشاف بتحرير أحاديث الكشاف” وغايته تخريج أحاديث الكشاف للإمام جار الله محمود الزمخشري (ت538هـ). وهو كتاب قال عنه الحافظ ابن حجر: “استوعب في هذا المؤلف جل الأحاديث المرفوعة، وبيّن طرقها، وأوضح عن أسماء مخرجيها، ولكنه أطنب في نقل الأحاديث المرفوعة”.
  2. “نصب الراية لأحاديث الهداية” وهو تخريج أحاديث الهداية في الفقه الحنفي الذي صنفه برهان الدين علي بن أبى بكر المرغياني الحنفي (ت593هـ). قال عنه الحافظ ابن حجر: «”ومن كتاب الزيلعي في تخريج الهداية استمد الزركشي في كثير مما كتبه من تخريج الرافعي. وقد لخصه الحافظ ابن حجر العسقلاني، وسماه: “الدراية في منتخب تخريج أحاديث الهداية”، وذكر فيه أن الزيلعي استوعب ما ذكره من الأحاديث والآثار، ثم ذكر أدلة المخالفين في كل باب، وأضاف أيضاً أنه: “كثير الإنصاف يحكي ما وجده من غير اعتراض فكثر الإقبال عليه”. كما صنف عليه الحافظ قاسم بن قطلوبغا الحنفي (ت879هـ) مستدرِكا، وسماه: “منية الألمعي فيما فات من تخريج أحاديث الهداية للزيلعي”.
  3. وذكر الجركسي أن للزيلعي اختصاراً لشرح معاني الآثار لأبي جعفر الطحاوي، وذكر أن منه نسخة بمكتبة رواق الأتراك بالأزهر، وأخرى بمكتبة الكوبرلي بتُركيا.

منهجه وطلبه للعلم

اشتغل الشيخ جمال الدين الزيلعي كثيرًا وسمع من أصحاب النجيب عبد اللطيف الحرّاني، وأخذ عن المزي، والذهبي، وابن عقيل النحوي، وأخذ عن الفخر الزيلعي شارح كنز الدقائق للنسفي، وعن القاضي علاء الدين ابن التركماني ، ولازم مطالعة كتب الحديث.

يقول الحافظ ابن حجر:”اعتمد في كل باب أن يذكر أدلة المخالفين، ثم هو في ذلك كثير الإنصاف؛ يحكي ما وجده من غير اعتراض ولا تعقّب غالبا.”

قالوا عن الزيلعي

قال الحافظ ابن حجر: ذكر لي شيخنا العراقي أنه كان يرافقه في مطالعة الكتب الحديثة لتخريج الكتب التي كانا قد اعتنيا بتخريجها، فالعراقي لتخريج أحاديث الإحياء، والأحاديث التي يشير إليها الترمذي في الأبواب، والزيلعي لتخريج أحاديث الهداية، وتخرج أحاديث الكشاف، فكان كل واحد منهما يُعين الآخر، ومن كتاب الزيلعي في تخريج الهداية استمد الزركشي في كثير مما كتبه من تخريج الرافعي.

وقد ذكر قاسم بن قطلوبغا في مُنية الألمعي طائفة ممن اعتنى بتخريج أدلة الحنفية، ولما ذكر الزيلعي قال: وهو أوسعهم اطلاعا، وأكثرهم جمعا، فقد شهد له كتابه بالأخذ من جمهور كتب السنة، غير أنه يقول لما لم يجده: حديث غريب، وهو اصطلاح غريب، فعله أيضا العلامة أبو حفص عمر ابن الملقن في تخريج أحاديث الرافعي، فالله أعلم هل تواردا أو أخذ أحدهما من الآخر اهـ.

وقال عبد الحي اللكنوي في الفوائد البهية: تخريجه شاهد على تبحره في فن الحديث وأسماء الرجال، وسعة نظره في فروع الحديث إلى الكمال. واسم كتابه الذي خرج فيه أحاديث الكشاف: الإتحاف بأحاديث الكشاف ، ونصب الراية، بحاجة إلى الاعتناء بهما وخدمتهما خدمة علمية متقنة، فلم أر إلى الآن لهذين الكتابين النفيسين طبعة علمية محررة، والله المستعان.

وقد كان الزيلعي من أهل الفضل والإنصاف. قال الحافظ ابن حجر: اعتمد في كل باب أن يذكر أدلة المخالفين، ثم هو في ذلك كثير الإنصاف، يحكي ما وجده من غير اعتراض ولا تعقب غالبا.

وفاته

بعد عمر أمضاه في خدمة السنة المطهرة مات الزيلعي في القاهرة في شهر محرم من سنة 762 ه، والظاهر أنه مات كهلا، ولم يُعمر طويلا، رحمه الله تعالى.