يناقش بلاك كلايتون في مؤلفه حالة القلق والترقب للانهيارات في أسعار النفط العالمية، حيث يقدم رؤية تاريخية لطبيعة سوق النفط منذ الحرب العالمية الثانية حتي الآن، مستخلصا استنتاجات مهمة، يأتي في مقدمتها عدم صحة المخاوف بشأن أن مورد النفط عالميا في نضوب، وأن أسعاره محكومة بالارتفاع . ودلل علي ذلك بالتطورات التكنولوجية والتحولات الجيوسياسية التي دفعت مرارا إلي هبوط حاد في أسعار النفط، مثل الهبوط الذي نشهده حاليا. ويقدم الكتاب رؤية استشرافية لاتجاهات أسعار النفط عالميا.
قلق تاريخي من نضوب النفط
يتناول كلايتون، الباحث والمحلل في مجال الطاقة والمستشار في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، في مؤلفه ما سماه بـ “القلق غير المنطقي” حول نضوب النفط، حيث ركز علي أن ما شهدته أسواق النفط من ارتفاع مطرد في الأسعار لفترة طويلة أدي إلي إثارة مخاوف من حدوث نقص في المخزون النفطي، استنادا إلي الاعتقاد بأن النفط مورد مهدد بالنضوب، ويجب أن ترتفع الأسعار دائما لتحقيق التوازن بين العرض والطلب.
ويتحدث الكاتب عن أربع حالات من هذا القلق العالمي حول نضوب النفط، مشيرا إلي اختلاف المتغيرات التي تلعب دورا في إثارة المخاوف في الحالات الأربع التي يعرضها الكتاب، والتي تمتد عبر القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين، علي الرغم من توافر عوامل مشتركة بين موجات القلق والمخاوف تلك. فعلي سبيل المثال، زاد الطلب علي النفط بشكل سريع من عام 1909 إلي عام 1927 ليشكل الموجة الأولي من القلق العالمي، مع هيمنة محرك الاحتراق الداخلي في مجال النقل، وتطور صناعة البتروكيماويات. وقد عززت الحرب العالمية الأولي من زيادة الطلب العالمي علي مورد النفط.
وفي هذا الشأن، يشير الكاتب إلي خلاصة دراسة، أجرتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في عام 1909 لإجمالي احتياطيات النفط الخام في الولايات المتحدة مفادها أن هذه الاحتياطيات سوف تستنفد بحلول عام .1935 وقد أقرت الدراسة بإمكانية اكتشاف حقول نفطية جديدة، وأنها لن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يتم فيها تقدير الكمية المتغيرة اقتصاديا من النفط في الحقول المعروفة، ونطاق الاكتشافات الجديدة، والتطورات التكنولوجية بأقل من حجمها الإجمالي بكثير.
أوضح كلايتون الموجة الأولي للمخاوف والقلق من نضوب النفط، من خلال بعض البيانات التي تعود إلي عشرينيات القرن الماضي، مشيرا إلي أن ثورة امتلاك السيارات الخاصة أدت إلي إثارة التساؤل حول “استنفاد النفط”، و”مجاعة البنزين”. وهي مخاوف يري الكاتب أنه لم يكن لها وجاهتها. حيث إنه حيث في الفترة ما بين عامي 1921 و 1929، ارتفع عدد محطات البنزين في الولايات المتحدة من 12 ألف محطة إلي 143 ألفا. وفي عام 1919، كان متوسط المسافة التي تقطعها السيارة نحو4500 ميل سنويا، لتقفز بنحو الضعف بعد عقد واحد من الزمن. وساعد علي هذا الارتفاع في استخدام الوقود آنذاك اكتشافات نفطية في ولايتي “تكساس”، و”أوكلاهوما”، بالإضافة إلي تقدم عمليات التنقيب عن الخام، وتحسين علميات تكرير النفط.
تناول كلايتون الموجة الثانية من القلق العالمي لاحتمالات نضوب مورد النفط باستعراض التوقعات بارتفاع الأسعار إلي الأبد بسبب التحولات الهيكلية الفعلية، حيث ظهرت مخاوف بعد الحرب العالمية الثانية من احتمالية انتهاء الاحتياطيات النفطية التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما لم يحدث حتي الآن. حيث إنه كلما ارتفعت الأسعار، فإن فكرة “الندرة” تزدهر دائما. وخلال الموجة الثالثة، وهي عصر منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) في السبعينيات والثمانينيات، يشير المؤلف إلي أنه كان من المفترض علي نطاق واسع أن تؤدي القوة السوقية لأوبك إلي زيادة مستمرة في أسعار النفط، ولكن اختلفت هذه القوة السوقية علي مر الزمن مع دخول منتجين آخرين، وحدوث تحولات في الطلب العالمي علي النفط.
يرجع كلايتون الموجة الأخيرة من مخاوف نضوب النفط إلي الفترة ما بين عامي 1998 و2013، حيث شهدت سوق المشتقات النفطية توسعات سريعة، بالإضافة إلي أن 76٪ من الأمريكيين في عام 2008 اعتقدوا بأن مورد النفط بدأ في النفاد من السوق العالمية. كما أن الخوف من “ذروة النفط” كان أحد الأسباب التي دفعت المحللين – قبل الانهيار الأخير في الأسعار- للاعتقاد بأن سعر الخام قد يظل قرب مستوي 100 إلي 150 دولارا للبرميل. فيري المؤلف أن هناك علاقة بين القلق غير المنطقي حول نضوب مورد النفط، واتجاهات الأسعار التي تتحكم في إثارة هذه الموجات من المخاوف.
النفط مورد غير مهدد بالنضوب
يعتقد كلايتون أن مكمن الخطأ المتكرر يتمثل في أنه لا أحد لديه القدرة علي حسم مستقبل الاكتشافات الجديدة للنفط. بمعني آخر، فإنه يمكن اكتشاف مزيد من النفط في المستقبل القريب، استنادا إلي فرضية أنه “إذا لم يتم العثور عليه حتي الآن، أو لا يمكن استخراجه بالتكنولوجيا أو بالأسعار الحالية، فإن هذا لن يستمر للأبد، حيث إن التاريخ أثبت مرارا ذلك”. واستنادا إلي تلك الحقائق، يوضح الكتاب أن النفط لن يختفي بشكل سريع من السوق العالمي، وأن “ذروة النفط” لم تبلغ مداها، وأنه أمر بعيد المنال. ويري كلايتون في مؤلفه أن الذين كانوا يروجون للقلق إزاء النفط كانت لديهم أحيانا دوافع سياسية، حيث سعوا إلي التأثير في السياسات الحكومية التي تؤثر في أسواق النفط العالمية.
وختاما، يمكن القول إن أسعار النفط -ارتفاعا أو انخفاضا في المستقبل- ستبقي رهينة قدرة العالم علي تحفيز نمو الطلب العالمي عليه الذي يعد دافعا ومحركا نحو الاكتشافات الجديدة وعمليات التنقيب في مواقع لم تولها الأبحاث والدراسات التعدينية أهمية حتي الآن، وتطوير التكنولوجيا المستخدمة في التنقيب عن النفط بتكلفة تنافسية.