من لا يعرف حاتم الطائي لم يعرف شيئا عن الكرم، وإلا لما سمعنا عن المقولة الشهيرة “أكرم من حاتم الطائي”، فمن هذا الرجل الذي بلغت سمعته بلاد الهند وطالت بلاد الروم، حتى قيل أن النبي محمد ذكره في بعض الأحاديث؟ ومتى عاش حاتم وكيف عاش؟ وما قصة هذا المثل الذي أُطلق في وقت كان العرب فيه من أكرم الخلق، بل أن الجود والكرم كانت صفات متأصلة فيهم؟

حاتم الطائي شخصية عربية مشهورة في التراث والثقافة العربية، شاعر معروف بالكرم والجود ومساعدة الغير تحدت سمعته حدود الجزيرة العربية، هو من أشهر شعراء العرب في الجاهلية قبل الإسلام، فبجوار ضلوعه في الكرم والسخاء، كان ضليعا في الشعر، لكنه يُعد أشهر العرب بالكرم والشهامة، كما يُعد مضرب المثل في الجود والكرم. وقد كانت العرب تقول “السخاء حاتم، والشعر زهير”، بمعنى أن الكرم كرم حاتم الطائي والشعر شعر زهير بن أبي سلمى.

هو أمير قبيلة طيء العربية، وكان يُكنى بــ “أبا سفانة” أو “أبا عُدي”، شخصية معروفة في دول الشرق الأوسط وكذلك شبه القارة الهندية. ظهرت شخصيته في العديد من الكتب والأفلام والمسلسلات التلفزيونية باللغة العربية والفارسية والأردية والتركية والهندية ومختلف اللغات الأخرى (أفلام هندية مثل: حاتم الطائي (1956) وحاتم تاي (1990). ومسلسلات هندية مثل: حاتم ومغامرات حاتم). ويقال أنه عاش في القرن السادس الميلادي، كما عاشت معظم شخصيات قصص ألف ليلة وليلة. ويقدم الزركلي في تراجمه للأعلام البطاقة الشخصية لحاتم بالقول: “حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي القحطاني، أبو عَدِىّ: فارس، شاعر، جواد، جاهلي، يضرب المثل بجوده،.. وأرخوا وفاته في السنة الثامنة بعد مولد النبي صلّى الله عليه وسلم”.

من هو حاتم الطائي؟

هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن آل فاضل بن امرئ القيس بن عدي أبن أخزم بن أبي أخزم هزومه بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء الطائي. ينتمي إلى قبيلة طيء، أمه عتبة بنت عفيف بن عمرو بن أخزم، كانت ذات يسر وسخاء، حتى حجز عليها إخوتها ومنعوها مالها خوفا من التبذير، نشأ ابنها حاتم على غرارها بالجود والكرم.

عاش وقومه في بلاد الجبلين التي تسمى الآن منطقة حائل (شمال المملكة العربية السعودية)، حيث يوجد بها قبره وبقايا قصره بالإضافة إلى موقدته الشهيرة المتواجدة بمنطقة توران القابعة بمحافظة حائل.

تزوج حاتم الطائي بامرأتين الأولى هي نوّار وأنجب منها بسفّانة وعبد الله، والثانية ماوية بنت حجر الغسانية، وكانت من ملوك الحيرة وهذا كفيل بأن تقرر بمن يتزوجها، ويُحكى بأن ثلاثة من الشعراء تقدموا لخطبتها، وهم النابغة الذبياني، والنبيتي وحاتم الطائي، فاختارت من بينهم حاتم لما فيه نخوة وكرم، وأنجبت منه عدي، ويروى أيضًا أنها طلبت الطلاق منه لنفس السبب الذي تزوجت به من أجله، فكان حاتم يُنفق ويبذر جُلّ أمواله على المسافرين والمحتاجين وبإكرام الضيوف، حتى بالغ في الإسراف لدرجة أنه ينفق جميع أمواله حتى لو لم يتبق لأولاده شيئًا.

مفهوم آخر للكرم

يخطئ من يعتقد أن الكرم عند حاتم الطائي هو مجرد الإطعام وتقديم المال والمساعدة على تجاوز محن حياتية، مسألة الجود والكرم عن هذه الشخصية (الغريبة نوعا ما) تتجاوز هذا بكثير، الأمر أكبر من مجرد تقديم عون ما أو إكرام ضيف ما، فهو استعداد داخلي جارف من أجل بذل “أي شيء” لمساعدة الآخر والأمر قد لا يتعلق فقط بكل ما تملكه من مال، واستعدادك للتخلي عنه كله تحقيقا لمصلحة الآخرين، وإنما الأمر الذي يصِل بحاتم الطائي إلى النزعة نجحو التخلي عن الحياة، وفداء النفس من أجل نفس أخرى..وهذه أعلى درجات التضحية والكرم.

يُروى أن أن الطائي مر “في مسير له ببني عَنَزَةَ وفيهم أسير، فاستغاث به، فقال له حاتم: لقد أسأتَ إليَّ حيث نَوَّهْتَ باسمي، وليس معي ما يفديك، ولستُ ببلاد قومي، ولكن طِب نَفْسًا، وجاء إلى الذي أسره فاشتراه منه بمئة ناقة، وفكّ القيد من رجليه وجعله في رجل نفسه، وقال: اذهب إلى أهلي، وأعطاه أمارة إليهم بالتسليم، ومضى الرجل، وأقام حاتم في قيوده حتى عاد الرجل بالإبل، وأطلق حاتم”.

الصفات الشخصية لحاتم الطائي

يعتبر حاتم الطائي رجل صاحب فطرة سجية وفضائل محمودة، وقيل في حقه إذا سُئل أعطى وإذا نَزل بمنزلٍ عُرف، ولو ضَربَ بالقداح كسب، ولا يقتل بالأشهر الحُرم، نَحار للأبل فقيل إنه ينحر باليوم عشر إبل ليُطعم الناس وعابري السُبل، بالإضافة إلى كل هذه الصفات كان صاحب وفيّ، ومغيث للهفان ومُطلق للأسرى، موفي بالعهود والذمم، كما كان جارً حسن وصوان للعرض والحرمات، والكثير من الخِصال.

كان حاتم جواداً يشبه شعره جوده ويصدق قوله فعله وكان حيثما نزل عرف منزله مظفر وإذا قاتل غلب وإذا غنم أنهب وإذا سئل وهب وإذا ضرب بالقداح فاز وإذا سابق سبق وإذا أسر أطلق وكان يقسم بالله ألا يقتل أحدا في الشهر الأصم (رجب)، وكانت مصر تعظمه في الجاهلية، وكان ينحر في كل يوم عشرا من الإبل، ليطعم الناس.

لماذا “أكرم” من حاتم الطائي؟

هناك الكثير من القصص والروايات والأحاديث المتداولة حول هذه المسألة ولماذا قيل أكرم من حاتم الطائي. وهذه واحدة من القصص التي يُعتقد أن المثل مرتبط بها أيما ارتباط:

سُئل حاتم يومًا عمن هو أكرم منه؟، وهل هناك أكرم وأجود منك في بلاد العرب؟، فأجاب بنعم هناك هو من أكرم مني وسرد هذه القصة: “مررت يومًا بغلام يتيم فقام بذبح إحدى أغنامه لي وأكرمني، وكان لا يملك سوا عشر أغنام، فطابت لي رأسها وما تحوي، فقام الغلام بذبح جميع أغنامه واحدة تلو الأخرى ويطعمني الرأس، ولم أنتبه لذلك، حتى إذا شبعت وخرجت من الخيمة وجدته ذبح الغنم كلها، فسألته: لما فعلت هذا؟، فرد عليّ قائلًا: “أتستطيب شئيًا أملكه ولا أجود به -وهذا الأمر سُبه وعار عند العرب-“، فسأل السائل حاتم وهل عوضته عن هذا؟، فرد حاتم: نعم أعطيته ثلاثمائة بعير أحمر وخمسمائة رأس من الغنم، فقال له السائل: أنت أكرم منه، فجاوبه حاتم: “لا والله هو أكرم مني، فهو جاد بكل ما يملك وأنا وهبته قليلًا مما أملك”، ولهذه الحادثة صار يُضرب المثل أكرم من حاتم الطائي؛ لكرم الغلام الذي فاق حاتم وشهرته.

قالوا عن حاتم الطائي

كتب الشاعر الفارسي سعدي الشيرازي في عمله كلستان سعدي (1259 م): “حاتم الطائي لم يعد موجوداً لكن اسمه الجليل سيبقى مشهوراً بالفضيلة إلى الأبد. وزع عشور ثروته في الصدقات في كل مكان”. كما وُرد ذكره في كتاب بُستان (1257). وفقًا للأساطير في مختلف الكتب والقصص، فقد كان حاتم شخصية مشهورة في منطقة الطائي (حائل).

ذكر روزات الصوفا أنه “في السنة الثامنة بعد ولادة سماحة الرسول (محمد)، تُوفي أنوشيروان العادل، وحاتم الكريم، وكلاهما مشهور بفضائلهما”، حوالي عام 579. وفقًا للمستشرق الفرنسي بارتيلمي هربلو من القرن السابع عشر، كان قبر حاتم يقع في قرية صغيرة تسمى أنوارز في شبه الجزيرة العربية.

يقول ابن خلكان “وقال العلماء خرج من قبيلة طيء 3 كل واحد مجيد في بابه حاتم الطائي في جوده وداود بن نصير الطائي في زهده وأبو تمام حبيب بن أوس في شعره”، ويقول الحموي في “ثمرات الأوراق” أن “أجواد الجاهلية الذين انتهى إليهم الجود 3 نفر حاتم بن عدي الطائي وهرم بن سنان المازني وكعب بن مامة الإيادي ولكن المضروب به المثل حاتم وحده”.

كرم حاتم في قصور الروم

ذاع صيت حاتم الطائي وكرمه حتى وصل إلى قياصرة الروم بالإضافة إلى أنه يملك كِرام الخيل، فأوفد إليه القيصر بحجابه ليطلبوا ذاك الفرس، فلما وصل الحُجاب لم يتعرف إليهم حاتم ولكن أستقبلهم أفضل استقبال، وكانت جميع إبله وأغنامه بالمراعي، وسوف تتأخر عليه حتى تقدُم فقام فذبح فرسه وأشعل النار وسواه لضيفه، فلما فرغ الضيف من الطعام عرفه بأنه رسول قيصر، وجاء يستسمحه في فرسه، فقال حاتم: “هل أعلمتني قبل الآن، فأني نحرتها لك إذا لم أجد جزورًا غيرها”، فنظر إليه الحاجب بتعجب وقال: “والله لقد رأينا منك أكثر مما سمعنا”.

أحاديث نبوية عن حاتم الطائي

كانت وفاة حاتم الطائي قبل الإسلام، ويُرحج بأنه كان يدين بدين المسيحية، بينما دخل أولاده عُدي وسفانة الإسلام، وقد حرصوا على إيصال أعماله وحُسن أخلاقه إلى رسول الله .

وقد جاء في ذكره في بعض الأحاديث منها الضعيف ومنها الحسن ومنها الموضوع، نذكر منها ما يلي:

عن عدي بن حاتم قال: قلت: “يا رسول الله إن أبي كان يصل الرحم، وكان يفعل ويفعل، قال: إن أباك أراد أمراً فأدركه – يعني: الذِّكر”. رواه أحمد (30 / 200)، وحسَّنه الشيخ شعيب الأرناؤوط، وصححه ابن حبان (1 / 41).

وعن سهل بن سعد الساعدي “أن عدي بن حاتم أتى رسول الله فقال: يا رسول الله إن أبي كان يصل القرابة ويحمل الكلَّ ويطعم الطعام، قال: هل أدرك الإسلام ؟ قال: لا، قال: إن أباك كان يُحبُّ أن يُذكر”.

رواه الطبراني في «الكبير» (6 / 197)، وفيه: رشدين بن سعد، وهو ضعيف، لكن يشهد له ما قبله. ومعنى: (يحمل الكلّ) أي ينفق على الضعيف والفقير واليتيم والعيال وغير ذلك.

وبرزت قصة في التاريخ النبوي بين الرسول (ص) وسفانة ابنة الطائي. وقد قيل في الرواية، أنه بعد أن قُدّمت سفانة أسيرة، قالت بين يدي الرسول: “يامحمد إن رأيت أن تُخلي عني فلا تشمت بي أحياء العرب فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يفك العاني ويحمي الذمار ويقري الضيف ويشبع الجائع ويفرج عن المكروب، ويفشي السلام ويطعم الطعام، فارحموا عزيز قوم ذل”.

فأجابها الرسول (ص): “يافتاة هذه صفة المؤمن حقا، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه. خلوا سبيلها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق”.

في ربوع القصر والقبر والموقد

اشتهرت منطقة “توارن” باحتضانها قصر حاتم الطائي وقبره. تقع هذه القرية وسط وادٍ يعتبر ملتقى عدة أودية من أشهرها وادي عاجزة، كما يحيط بها جبال أجا من جميع الأطراف.كما تضم قصوراً بُنيت من الطين والحجر وقد بقي منها القليل بسبب الهدم الذي تعرضت له من قبل.

تضم توارن في وسطها قصر حاتم الطائي المصنوع من الطين، وبالقرب منه مقبرة صغيرة ‏تحتوي على قبرين يُعتقد حسب الروايات، أن أحدهما هو قبر ‏حاتم ‏الطائي.

حاتم الطائي .. كريم العرب
منازل حاتم الطائي وموقده في حائل بالسعودية

ما يلفت الإنتباه عند النظر إلى قبر حاتم الطائي هو طول القبر الذي يتجاوز الأمتار. اختلفت الروايات حول سبب طول القبر إلى هذه الدرجة، واتفقت جميعها على أن قبور ما قبل الإسلام كانت تُقاس بمكانة الشخص الإجتماعية وماقام به من إنجازات في حياته، خاصةً على صعيد الكرم والشهامة والأصالة. وقد تميّز قبر الطائي وعنترة بن شداد بطول مساحة القبر.

أما البيت فقد صُنع من الطين والحجر في منطقة واسعة محاطة بالجبال، تنتشر فيها الأشجار والنخيل والتوازن بين الجبال والتلال والطرق الجميلة والعناصر الطبيعية الأخرى. وتُعتبر منازل حاتم الطائي من أكثر المناطق المقصودة سياحياً من السعوديين والعرب والأجانب، إذ يُقام دائماً رحلات سياحية إلى منطقة حائل.

كما يقع موقد حاتم الطائي في أعلى قمة في جبل السمراء في مدينة حائل ويُعرف المكان بـ “موقدة حاتم الطائي”. تقول الروايات أن الطائي كان يشعل النار كل ليلة فوق الجبل ليهتدي إليه عابري السبيل في المنطقة.

شعر حاتم الطائي

لحاتم الطائي ديوان واحد في الشعر، لكن له شعر كثير وهو من البلاغة بمكان. هذه بعض الأبيات المقتطفة من بعض القصائد الشعرية الطويلة:

إذا ما صنعت الزاد فالتـمـس لـه   أكيلا فإني لست آكـلـه وحـدي
وإني لعبد الـضـيف مـادام ثـاويا  وما في إلا تلك من شيمة العـبـد

*********

وعاذلة قامت علي تلـومـنـي  كأني إذا أعطيت مالي أضيمها
أعاذل أن الجود ليس بمهلـكـي  ولا مخلد النفس الشحيحة لومها
وتذكر أخلاق الفتى وعظـامـه  مغيبة في اللحد بال رميمـهـا
ومن يبتدع ما ليس من خيم نفسه  يدعه ويغلبه على النفس خيمها

*********

أما والذي لا يعلم الـسـر غـيره  ويحيي العظام البيض وهي رميم
لقد كنت أختار القرى طاوي الحشا محافـظة مـن أن يقـال لـئيم
وإني لأستحيي يمينـي وبـينـهـا  وبين فمي داجي الظلام بـهـيم

********

وقائلة أهلكت بالـجـود مـالـنـا  ونفسك حتى ضربت نفسك جودها
فقلت دعيني إنما تـلـك عـادتـي  لكل كريم عـادة يسـتـعـيدهـا

********

إذا أنتَ أعطيت الغني، ثم تجد بفضل الغنى، ألفيتَ مالك حامدُ
وماذا يُعَدّي المالُ عَنكَ وجَمعُه إذا كانَ ميراثاً، وواراكَ لاحِدُ

وفاة حاتم الطائي

لم يتفق المؤرخون على تاريخ وفاة حاتم الطائي، فمنهم من قال إنه توفي بالعام 605 ميلادي، وقال البعض الآخر أنّ وفاته كانت بعد مولد الرسول الأعظم بثماني سنوات عام 578 ميلادية، ويقال بأنه قارب على الستين عام قبل وفاته، وتوفي سنة 605 ميلادي/46 ق.ه في منطقة عوارض، وهي عبارة عن جبل في بلاد طيء اليمانية، ودُفن في منطقة توارن (50 كلم من حائل شمال السعودية).