الإنسان كائن حالم يتمنى أن يكون أكثر الناس صحة وقوة وجاها ومالا، ينال ذلك بالأمنيات الحالمة فقط أو بسعيه ليل نهار، ورؤية الهدف واضحا أمامه، ينطلق واثقا بنفسه، وآخرون ينطلقون بكل طاقتهم آخذين بالأسباب يملؤهم حسن الظن بالله يثبت أقدامهم ويدفعهم دوما إلى الأمام.
ومما يعزز ثقتهم بالله أنه سبحانه غني كريم له ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء، فعّال لما يريد، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: 82] وهذا ما يجعلهم يحسنون الظن بربهم. يقرأ المؤمن قول الله تعالى {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، ومن معاني إحسان الظن بالله وهو أمر يصاحب المسلم منذ أن يبدأ حياته العملية إلى ساعة الاحتضار بل قبل أن يبدأها، وذلك حين تغرس الأسرة في الأبناء والبنات قضية حسن الظن بالله تعالى بالقصص والمواقف الصادقة والمعبرة، وذكر النصوص الشرعية التي تحث على حسن الظن بالله تعالى.
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: “أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي”[1] نحن نوقن أن ربنا سبحانه رحيم كريم وسعت رحمته كل شيء أرحم من الأم بوليدها، وهذا المعنى كثيرا ما كان النبي ﷺ يؤكده لأصحابه قُدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ وَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ يَتَحَلَّبُ ثَدْيَاهَا، كُلَّمَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذْتُهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟» قَالُوا: لَا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ، لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِوَلَدِهَا»[2] رحمة الله بخلقه أكبر وأعظم من رحمة الأم بوليدها.
إحسان الظن بالله تعالى أمر يصاحب المسلم في كل مراحل حياته من البداية إلى النهاية. وساعة النهاية شديدة يستحضر الإنسان فيها ذنوبه ويقلقه الخوف من الموت وشدته.
لكن المؤمن الذي اعتاد على حسن ظنه بربه في حياته، لايتركه عند مفارقة الحياة امتثالا لتوجيه النبي الكريم ﷺ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَقُولُ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ»[3] في حالة الشعور بانتهاء الأجل ينتظر المسلم من ربه العفو والصفح وقبل ذلك، والدنيا مقبلة على الإنسان يدفعه حسن ظنه بربه إلى اليقين بأن الله تعالى سيغفر له إذا استغفر، وسيقبل توبته إذا تاب، وسيعطيه إذا دعاه، سيعطيه ما يطلب إن كان خيرا أو يعطيه ما هو خير من طلبه في الدنيا والآخرة .
مواطن حسن الظن بالله
1- حسن الظن بالله في تقسيم الأرزاق وأنه جل جلاله يقسمها وفق الحكمة فعندما ننظر إلى ما في أيدينا من رزق وما في أيدي الآخرين، فنظن أننا نستحق أكثر من ذلك، مع ملاحظة أن العطاء والمنع لا يدل على قرب أو بعد من الله، حسن ظننا بالله تعالى يجعلنا نرضى بقسمته تباركت أسماؤه.
2- حسن الظن بالله تعالى عندما ننفق في سبيل الله فنوقن بقوله عز وجل {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]
3- حسن الظن بالله في النجاة من الكربات مهما اشتدت وعظمت {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } [الأنعام: 63]
4- حسن الظن بالله تعالى في نصرة أوليائه وعباده الصالحين فهذا وعد الله في كتابه {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56]
وإن من سوء الظن بالله، الظن بأن الله تعالى لن ينصر دينه وكتابه وسنة نبيه وعباده الصالحين، ولهؤلاء يقول الله تعالى: { مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج: 15] من ظن أن الله تعالى لن ينصر نبيه فليخنق نفسه فإن نصر الله تعالى للحق قائم دائم طالما صبر أهل الحق وصابروا وكانوا مع الله.
سوء فهم لحسن الظن بالله
بعض الناس يظن أنه يحسن الظن بالله فيقع في المنكرات والكبائر، ويرى أن رحمة الله تعالى واسعة وعفوه عظيم لذلك يقول مع القائل:
وكثر ما استطعت من الخطايا إذا كان القدوم على كريم
وما علموا أن كثرة الخطايا دون التوبة منها تحرم الإنسان من الإحسان، والفارق بين حسن الظن والاغترار أن حسن الظن يدفعنا إلى تصحيح الأخطاء والانطلاق بقوة فيما يرضي الله، والاغترار بالعفو يطمّع الإنسان في ارتكاب ذنوب أكثر، دون أن يعود إلى الله بالتوبة بل لا يسعى للتوقف عن المعاصي.
متى يكون حسن الظن بالله؟
حسن الظن بالله الموافق للشرع
حتى يعبر حسن الظن بالله تعالى عن إيمان حقيقي لا بد أن يجمع المسلم بين حسن الظن بالله تعالى والخوف منه جل جلاله عَنْ أَنَسٍ: ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ: «كَيْفَ تَجِدُكَ؟» قَالَ: أَرْجُو اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ»[5]
ولابد أن يكون مع حسن الظن عمل قال الحسن البصري: إن قوما ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا وما لهم حسنة، ويقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي. وكذب، ولو أحسن الظن لأحسن العمل[6].
تعلم المسلمون من توجيهات القرآن الكريم أن يجمعوا بين حسن الظن بالله وحسن العمل؛ لما كان المسلمون في جهاد، والجهاد ذروة سنام الإسلام قال لهم الله تعالى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } [النساء: 102]إنهم يجاهدون في سبيل الله يعلون كلمة الله ومع ذلك فليأخذوا حذرهم وأسلحتهم.
لابد أن يجمع المسلم بين حسن الظن بالله تعالى واليقين في عظيم عفوه سبحانه بالمبادرة بالتوبة: قال ﷺ «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»[7].
ما هي ثمرات حسن الظن بالله ؟
وإذا حسن ظن العبد بربه توكل عليه فانطلق يمشي في الأرض باسم الله على هدى من الله ينتظر تأييد الله له طالما كان مخلصا لربه ساعيا لمرضاته.
وإذا حسن ظن العبد بربه استطاع أن يتعامل مع ما يواجهه من عقبات، وسيبتلى لكنه يعيش في نور قوله تعالى { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } [الشرح: 5، 6]إذا ابتلاه الله تعالى بالخير شكر فكان خيرا له في الدنيا والآخرة وإذا ابتلاه بالضراء صبر فكان خيرا له. وكلما قوي إيمان العبد كلما حسن ظنه بالله فنال الخير في الدنيا والآخرة.
[1] الصحيحين
[2] مسند أحمد وقال محققوه: إسناده صحيح
[3] صحيح مسلم
[4] صحيح البخاري
[5] سنن ابن ماجه
[6] تفسير القرطبي
[7] صحيح مسلم