“لم أعرف رجلا بمثل تواضعه وصفاء قلبه وجميل ابتسامته وسخاء يده مع أنه واسع النفوذ كثير الأتباع والمريدين في دياره وكثير العيال، ولم نطرق بابه لأمر إلا لبّاه عن حب ورضا”
بهذه الشهادة العالية دون الدكتور أسامة الأشقر عن صديقه وزميله في الدراسة الشيخ الدكتور يحيى عبد الله أحمد أحد أبرز علماء جمهورية تشاد، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس لجنة التخطيط والمراجعة في اتحاد علماء إفريقيا، ومؤسس جمعية (الرشاد للتنمية) وهي مؤسسة تعليمية دعوية إغاثية.
تلقى الشيخ يحيى تعليمه الأولي في المعاهد الشرعية في مدينته التي ولد بها سنة 1958، فضلًا عن تتلمذه على يد والده، وعلى مشايخ العلم في مدينته ودولته، حتى إنه أجيز من أكبر علماء أبشه، وعمره يناهز العشرين، ومحافظة أبشه في وقتها بلد العلم والعلماء في تشاد، وأجيز ببعض كتب السنة واللغة والفتوى بالفقه المالكي قبل أن يلتحق بالجامعة.
ثم نال شهادة دبلوم في الإمامة والدعوة من الجزائر، والتحق بعدها بكلية (القرآن الكريم) في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ويستطرد الأشقر بعضا من ذكرياته مع الشيخ يحيى أيام دراستهما في جامعة المدينة المنورة، فيقول:
“عرفته في المدينة المنورة أواخر الثمانينات حيث كان يدرس في كلية القرآن الكريم فتوثقت صلتنا نظرا لحبه الكبير لفلسطين وحرصه على العلاقة بكل من ينتمي للأقصى، وتشاركنا سويا في الدروس على شيخنا أحمدو ولد محمد حامد لالا الشنقيطي رحمه الله في النحو والصرف واللغة، وقد قرأ عليه الفقه المالكي أيضا أما أنا فقد كنت شافعيا أقرأ المذهب على أهله، وكنت أظنه في مثل عمري حتى علمت أنه أكبر مني باثني عشر عاما حيث إنه من مواليد ١٩٥٨”.
حصل الشيخ يحيى -رحمه الله- على درجة الماجستير في التفسير وعلومه من جامعة (القرآن الكريم) في السودان عن رسالته (النسخ وعلاقته بأساليب البيان في القرآن الكريم)، ثم حصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة نفسها عن بحثه (تفسير السلف مصادره ومنهجه وحجيته)، وكان يحفظ القرآن بقراءاته.
وقد كان الشيخ كتلة من النشاط والحيوية، فكان مندوبًا لمؤسسة مكة المكرمة الخيرية بتشاد، ورئيسًا لمجلس إدارة مركز (نون للدراسات والبحوث التنموية)، فضلًا عن جهوده في تقديم البرامج الدعوية والتربوية في قنوات تلفازية مختلفة في السودان إلى جانب أنشطة إعلامية أخرى.
وشارك في عدد من المؤتمرات المحلية والدولية وقدم عدد من الأوراق العلمية البحوث غير المنشورة، كما شارك -رحمه الله- في برنامج وآمنهم من خوف في رمضان الماضي في دولة قطر، والذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
عمل الفقيد إمامًا وخطيبًا في أحد مساجد العاصمة السودانية الخرطوم مدة تسعة أعوام، وتتلمذ على يديه عدد كبير من طلبة العلم ممن كانوا يحضرون دروسه في المسجد، وقد بذل من خلال ذلك وسعه في ميدان الدعوة فدخل الإسلام على يديه كثير من الناس.
ومن المواقف البارزة في حياة الشيخ مع أحد زملائه، أنه علم أن الشيخ معه أهله ومكافأة الطالب قد لا تكفيه، فقال له يوماً: يا شيخ يحيى إن كانت لك حاجة فنحن إخوة ويعين بعضنا بعضاً، فلا تتردد في عرض حاجتك علي، فقال نعم لي حاجة، فظن أخونا أنه يريد أن يطلب شيئاً من الأثاث أو نحوه، ففرح، وقال: ما حاجتك؟ فقال: أن تدعو الله أن يبارك لي في مكافأتي، فإن بارك الله فيها كفتني وزيادة، وإن لم يبارك فيها لم تكفني مكافأتي مع مكافأتك!
في يوم الجمعة الموافق 18 شوال كان الشيخ الدكتور يحيى عبد الله أحمد في طريقه إلى محافظة أبشه في تشاد لتخريج دفعة من حفاظ كتاب الله تعالى، فحصل له حادث، أصيب على إثره بشلل نصفي ثم نقل إلى مصر للعلاج، ولكن حصل له إغماء من يوم الجمعة ثم توفي قبل فجر يوم الاثنين 28 شوال، وتم نقله إلى تشاد ليصلى عليه ويدفن هناك.
وقد أسلم على يديه الآلاف، وعمل –كما يقوله زميله الأشقر- بهمة عالية على توثيق الدعوة وتنشيطها بين السودان وتشاد، وإبعادها عن الاستقطاب السياسي والأمني والتصنيف المذهبي بين سلفية وإخوانية وصوفية، إذ كان منفتحا على الجميع، وقد امتد أثره لدول عديدة جنوبي الصحراء الكبرى.
خرج في جنازته عشرات الآلاف من محبيه في موكب مهيب ثم دفن في مقبرة لاماجي، وقد تعاهدوا على دوام نهجه بإنشاء وقفية تحمل اسم طيبة التي سكنها وأحبها لاستكمال مشروعات الشيخ في نشر القرآن والعلم واللغة العربية.