كلما قرأت سورة الكهف ، تذكرت حديث المصطفى ﷺ: ” من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من فتنة المسيح الدجال” ، ليثير تساؤلاً لا يتوقف عندي، بل ربما كثيرين غيري حول هذا المخلوق المعروف بالمسيح الدجال، وكيف هي فتنته أو كيف عظمتها وشرها إلى الدرجة التي يحذرنا منها نبينا الكريم، ﷺ.
ما جاء هذا التحذير النبوي منه ومن فتنته إلا لأنها أعظم فتنة تمر على البشرية إطلاقاً منذ خلق آدم عليه السلام حتى القيامة، كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة: ” ما من خَلق آدمَ إلى قيام الساعة فتنة أعظمُ من فتنة المسيح الدَّجَّال“، حتى ذهب طائفة من السلف والخلف، كما يقول ابن تيمية رحمه الله، إلى وجوب الدعاء الذي أمر به النبي – ﷺ – آخر الصلاة بقوله { إذا تشهد أحدكم، فليستعذ بالله من أربع : من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال } .
قبل التعمق بعض الشيء في موضوع المسيح الدجال، أجده مفيداً ذكر بعض قوته أو فتنته، التي تجعل الملايين تجري خلفه، حيث لن تكون في تلك الفترة عبرة أو قيمة للمستوى التعليمي أو الفكري والثقافي للذين سيتبعونه، إلا من عصمه الله يومئذ، وإن أكثر التابعين له سيكونون من النساء، كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي الكريم – ﷺ – قال: “ينزل الدجال في هذه السبخة بمرّ قناة – واد في المدينة – فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل يرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته، فيوثقها رباطاً، مخافة أن تخرج إليه.
يظهر المسيح الدجال أو مسيح الضلالة أولاً في صورة ملك من الملوك الجبابرة – كما يصفه الحافظ ابن كثير– ثم “يدعي النبوة، ثم يدعي الربوبية فيتبعه على ذلك الجهلة من بني آدم، والطغام من الرعاعٍ والعوام، ويخالفه ويَرُدُّ عليه مَن هَدَى الله من عباده الصالحين وحزب الله المتقين، يأخذ البلاد بلداً بلداً، وحصناً حصناً، وإقليماً إقليماً، ولا يبقى بلد من البلاد إلا وطئه بخيله ورجله غير مكة والمدينة، ومدة مقامه في الأرض أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيام الناس هذه، ومعدل ذلك سنة وشهران ونصف الشهر”.
دجال العصر
ما جاء في الأحاديث إذن عن المسيح الدجال، ليس بالشيء المستغرب أو غير القابل للتصديق، حتى لو لم تكن صاحب إيمان قوي وعقيدة صحيحة، فالمنطق السائد اليوم في عصرنا هذا فيما يتعلق بمسائل التبعية في كثير من المجالات، يدعوك إلى عدم التشكيك فيما جاء عن هذا الدجال، وما سيكون عليه في زمن قادم لا نعرف توقيته، لكنه في آخر الزمان، وليس بالمهم أن نعرف أي زمان، بقدر أنه زمان قادم لا شك فيه.
ما نجده اليوم في مجالات التواصل مثلاً أو مجالات السياسة والتحزب، أو ما شابه من مجالات، وكثرة الأتباع لرموز ومشاهير دون كثير وعي وتبصّر، يجعلك تؤمن إيماناً راسخاً بأن ما يحدث الآن كما لو أنه تهيئة الأرضية والأجواء لما سيكون عليه البشر في قادم الزمان.
حين تجد شاباً يتبعه ملايين من البشر، ليس لشيء سوى أنه اشتهر بالغناء فقط، أو مثله لاعب رياضي اشتهر بفنه في هذا المجال، أو ممثل، أو سياسي، أو غيرهم كُثُر في مجالات متنوعة، ثم تجد الأتباع بالملايين وقد تناسى كثير منهم عقائدهم وقيمهم وأخلاقياتهم في متابعتهم لأولئك البشر.. فإنه دون شك لن يكون غريباً بعد كل هذا خروج شخص من بني آدم مثل المسيح الدجال، يتمتع بنفوذ وقوة تأثير هائلة ليس في مجال واحد فحسب، بل مجالات عديدة لم يخضها ويقدر عليها أحد من بني البشر من ذي قبل، تجعل الملايين من البشر تنجذب إليه بشكل لافت للنظر، دون أن يلتفت أحد إلى وجهه القبيح.
إن الوسامة وجمال الوجه والأناقة وغيرها من مظاهر الجذب، لن تكون يومها من معايير وشروط يبحث عنها التابعون في الدجال، كما يحدث اليوم في وسائل التواصل، وإنما يحدث الانجذاب بسبب نفوذه وتأثيره على البشر حينها بصورة تجعلهم يندفعون صوبه، بلا كثير تفكير وكثير عناء .. حيث يتناسى البشر أيضاً يومها ما تبقى من عقائد وقيم وأخلاقيات، وهم في طريقهم نحوه.
هي فتنة عظيمة لن نستشعر خطرها الآن، لكن التحذير من خطرها واجب، وهو ما جعل النبي الكريم – ﷺ – يحذر أصحابه، كي يقوم الناس من بعدهم جيلاً بعد جيل، بالتحذير المستمر من هذه الفتنة المستقبلية المرتقبة.
أما من سيعيش تلك الأيام، التي لن تدوم سوى 469 يوماً من أيامنا التي نعيشها، وفق الحديث، فستكون بالنسبة لهم أياماً عاصفة، لن ينجو منها إلا القليل القليل، وهم الذين سيكونون من القابضين على دينهم كالجمر. الذين سيمنحهم الله قدرة في رؤية علامة الدجال المميزة، فيرونها رؤية بصيرة قبل رؤية بصر، وهي كلمة كافر أو ك ف ر مكتوبة بين عينيه. سيقرأها أي مؤمن متعلم أو غير متعلم. لكنها تغيب عن ملايين البشر يومها والعياذ بالله.
فاللهم قنا عذاب القبر وعذاب جهنم، ومن فتنة المسيح الدجال. وقبل ذلك يا رب، قنا فتنة التواصل الأعمى وفتنة فقاعات الشهرة والمشاهير، إنك سميع عليم مجيب الدعوات.