الدكتور خلدون النقيب كاتب ومفكر كويتي يعتبر من أبرز المثقفين وعلماء الاجتماع العرب، له عدد كبير من الكتابات والبحوث والإصدارات الفكرية ذات البعد الاجتماعي، والتي من خلالها أسس فعليا لما يمكن تسميته بـ “سوسيولوجيا الخليج” أو “علم اجتماع الخليج”. كان على الدوام ذلك المفكر الحر الذي صرف حياته في العمل والإنتاج والبحث الدؤوب والتعليم الأكاديمي حتى يوم وفاته.
خلدون النقيب رائد عربي في علم الاجتماع، كانت له مواقفه الفكرية اللصيقة بأحوال المجتمع العربي وقضاياه. وتميز النقيب باستعراض أحوال المجتمع في العالم العربي، بالإضافة إلى تنبهه وتحليله الواعي عبر كتاباته العلمية .
كان عضوا في المجلس التنفيذي للجمعية الدولية لعلم الاجتماع (إسبانيا) منذ سنة 1988، وعضو الجمعية العربية لعلم الاجتماع منذ سنة 1985، وعضو أكاديمية نيويورك للعلوم، وشارك في لجنة التحكيم لجائزة سعاد الصباح في سنة 1991، ولجنة تحكيم جائزة السلطان عويس في العلوم والدراسات الاجتماعية في سنة 1992، كما شغل عضوية مجالس تحرير “المجلة الدولية لعلم النفس الاجتماعي التطبيقي” (جون وايلي) التي تصدر باللغة الإنجليزية. ونال في سنة 1992 جائزة “كونا” للإبداع الصحافي .
لم يمهله الموت ليشاهد ما يحدث اليوم في عالمنا العربي، وربما أخذه الموت لأنه رأى قبل الجميع تلك الأحداث وحذر منها وتنبأ بها، وحملت كتبه المحتوية على خلاصة فكره على الكثير من الأحداث المستقبلية.
حياته ونشأته التعليمية
ولد في مدينة البصرة بتاريخ 16 سبتمبر1941، وتوفي في 27 أبريل 2011 بعد إصابته بأزمة قلبية. أمضى مرحلتي الروضة والابتدائية في مدرسة الحداد الأهلية في البصرة لينتقل بعد ذلك الى بغداد لمواصلة تعليمه المتوسط والثانوي في مدرسة اليسوعية الكاثوليكية. وكان معروفا عنه الفطنة وخفة الظل، وتميز بين أقرانه في المدرسة بشخصيته الاجتماعية ومهاراته القيادية.
التحق بجامعة بغداد لدراسة علم الاجتماع، لكنه ترك الجامعة بعد سنة واحدة. عام 1963 التحق بجامعة القاهرة ليواصل دراسته، وحصل على الاجازة الجامعية بتخصص علم الاجتماع. وعاد الى الكويت ليعمل فيها مدة عام، ثم حصل على بعثة دراسية لاستكمال دراسته العليا، وحصل على الماجستير عام 1969 في علم النفس الاجتماعي من جامعة لويسفيل كنتاكي بالولايات المتحدة الأميركية. وفي عام 1976 حصل على الدكتوراه بتخصص علم الاجتماع من جامعة تكساس أوستن في الولايات المتحدة وكانت رسالته بعنوان “الأنماط المتغيرة للتدرج الاجتماعي في الشرق الأدنى:دراسة حالة لمجتمع الكويت”.
وظائفه ونشاطه الإداري
عمل النقيب رئيسا لقسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في جامعة الكويت بين عامي 1991 و1992، وشغل خلال الفترة ما بين 1986 و1988 منصب عميد كلية الآداب بالجامعة، وترأس بين عامي 1983 و1986 نشرة العلوم الاجتماعية. كما عمل أستاذا في جامعة الكويت، وكان أول كويتي يتولى منصب عمادة كلية الآداب في الجامعة مرتين في الفترات (1978 ــ 1981) و(1986 ــ 1992). كما شغل منصب رئيس مجلس إدارة “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في الدوحة بدولة قطر.
عام 1983 سعى لتأسيس مجلة العلوم الاجتماعية وأصبح رئيسا لتحريرها (1983 ــ 1986) (النشرة الإنجليزية). كما أسس مجلة “حوليات كلية الآداب” عندما تولى عمادة كلية الآداب.
أدخل خلال عمله الإداري برامج الإرشاد والتوجيه الطالبي إلى جامعة الكويت، وشارك في عدد من اللجان الأكاديمية، كاللجنة الاستشارية لمدير جامعة الكويت (1986)، ولجنة توحيد معاهد إعداد المعلمين (1987)، واللجنة التنفيذية لإنشاء كلية التربية (1980)، فضلا عن عضويته الدائمة في اللجنة التي تعد لإنشاء برامج للدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت.
مؤلفاته الأكاديمية وإسهاماته المعرفية
كتب النقيب العديد من المقالات في عدد من الصحف الخليجية والعربية، ونشر عشرات البحوث والدراسات في ابرز المجلات العربية المختصة، كما شارك في لجان تحكيم لجوائز ادبية وثقافية عربية ونال عددا من الجوائز والتكريم.وعام 1985 انضم إلى أسرة كُتّاب جريدة “القبس” حتى نهاية التسعينيات.
للنقيب عدد من البحوث والدراسات المنشورة في الدوريات العلمية، وله كتب عدة منشورة منها:
تساؤلات حول بعض الملامح الخاصة بالمجتمع العربي وتاريخه
في البدء كان الصراع: جدل الدين والأثنية، الأمّة والطبقة عند العرب
آراء في فقه التخلف: العرب والغرب في عصر العولمة .
التنبؤية لآراء ابن خلدون
دراسة عن “الثقافة العربية أمام تحديات القرن المقبل
اطار استراتيجي مقترح للتنمية العربية
الرعاية الاجتماعية في الميزان
رائد عربي في علم الاجتماع
توفي المفكر الكويتي الفذ خلدون النقيب في 27 أبريل 2011 عن عمر ناهز الـ 70 سنة، بعد إصابته بأزمة قلبية. وقد نعاه العديد من الكتاب والمفكرين العرب من بينهم المفكر العربي عزمي بشارة مدير “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” (مقره الدوحة)، وقال بشارة “لقد كان (النقيب) باحثا ومثقفا كبيرا وانتخب رئيسا لمجلس إدارة المركز (العربي) بالإجماع في أولى جلساته”، مشيدا بخصال وثقافة صاحب “مستقبل الفكر الاجتماعي العربي” واصفا إياه بأنه كان “باحثا وأستاذا رصينا مخلصا لمعايير البحث العلمي ولطلابه ومواطنا عربيا عروبيا ديمقراطيا ومتنورا، وأنتج من الأبحاث ما سوف يغني المكتبة العربية طويلا”.
من جهته قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر الدكتور ناصر جابي أن رحيل النقيب “خسارة فادحة للحياة الأكاديمية والعلمية العربية في هذا الظرف المتميز عربيا. فنحن في حاجة أكيدة إلى خبرة ومعرفة الدكتور النقيب رحمه الله، وأضاف الأكاديمي الجزائري إن النقيب كان من كبار علماء الاجتماع العرب ببحوثه ودراسته فقد اجتهد في ميادين عديدة وأنتج دراسات متميزة .
كما كتب عنه الدكتور وجيه كوثراني فقال “..كنت قد تعرّفت عليه في مناسبات عابرة، ومن خلال قراءات لبعض أعماله المتميّزة والرائعة ، لكن اللقاءات الأخيرة معه وفي إطار اجتماعات المركز العربي، والتي كان لك الفضل في إعدادها وتهيئتها، حفرت في قلبي وعقلي صورته الجميلة والحميمة.. كنت فعلا أشتاق للقائه في الدوحة، كنت مأخوذا بهدوئه الجاذب والدالّ أكثر من الكلام.. بل عندما كان يتكلم وباختصار شديد، كان كلامه ينزل حيث يجب. ربّما كنت أبحث عن قرِين أو مِثال، لذا أشعر أني فقدت شيئاً من نفسي.
كما كتب الدكتور كمال عبد اللطيف “..استحضرت في ذهني كلّ ما كان يتمتّع به من خصال جميلة، تضفي على حضوره سماتٍ متميّزة في لحظات تقديم الرأي، و لحظات اتّخاذ المواقف، وقد كان يحرص على أن يكون مؤدّبا ولبقا مع الجميع وهو يدير ،بابتسامة مشفوعة بالحكمة..”.