الخيال”، هذه النعمة التي منحها الله للإنسان تمييزًا له عن سائر المخلوقات، هذه الطاقة التي تقف وراء الكثير من القفزات التي غيّرت وجه الدنيا، وحياة الناس عبر التاريخ وفي وقتنا الحاضر. هذه النعمة الغالية تحولت لدينا لأسباب متعددة وفي ظل ملابسات كثيرة إلى نقمة!! واصبح الأمر خطيرا على أبنائنا، فخيال الطفل ثروة من الضرورري أن نتعلم كيفية استثمارها لا تدميرها.
رغم أهمية الخيال حيث إنه: لا تقدم دون خيال، ولا توجد نفس صحيحة دون خيال، ولا إيمان دون خيال، ولا حياة سليمة دون خيال، رغم هذه الأهمية القصوى لهذه النعمة الجليلة، والطاقة الهائلة فإنها تبدو في حالتنا عبئًا ثقيلا، وضيفًا غير مرغوب فيه، وخيلا جامحة نريد لها أن تسكن لتجر عربات الخضار، أو تدير السواقي!!
إن المؤامرة المنظمة والخطة المحكمة التي نعيشها ونمارسها في القضاء على الخيال تبدو مسئولة -بقدر كبير- عن تخلفنا؟! إننا نستلم الطفل -أي طفل- مؤهلا ليكون عبقريًّا في مجال من المجالات، ثم نجبره على القيام بالواجبات في البيت والمدرسة، والإعلام والمجتمع؛ لنقضي على ملكات الإبداع عنده الواحدة تلو الأخرى عبر مناهج تعليم عقيمة، وبرامج أطفال تسبب التخلف العقلي في أحسن الأحوال، وقمع منزلي يشبه عمليات “غسيل المخ” التي تقوم بها أعتى أجهزة المخابرات، ثم إننا في نهاية الأمر نسأل: لماذا نحن متخلفون؟!
حق الطفل في الخيال
إن النشاط الحركي وعدم التركيز قد يكونان طبيعيّين لأنهما من معالم هذه المرحلة العمرية أي الطفولة، وقد يكونان مرضيين يحتاجان إلى تدخل من طبيب متخصص؛ فكيف يمكن التمييز بين هذا وذاك؟!
أولا: ينبغي أن نبحث هل هناك إشباع لميول الطفل واهتماماته؟! وفي حالة ولدك: هل هناك من وقته في البيت والمدرسة أوقات أو حصص مخصصة للخيال والنشاط الذهني واستثماره؟!
لدينا في وطننا العربي جمعيات أهلية مهمتها الدفاع عن “حق الطفل في اللعب”، فهل نحتاج إلى جمعيات أخرى أو ربما أقسام من هذه الجمعيات للدفاع عن حق الطفل في الخيال؟!
ثانيًا: هل هناك محاولات لاستثمار هذا الخيال في تأليف مسرحية للأطفال أو كتابة قصة أو رسم لوحات؟! وهل هناك حد أدنى من التفهم والتعامل الرشيد مع هذه الملكة في المدرسة أو المنزل غير التعنيف والملاحقة والزجر؟!
ثالثًا: هناك أسباب عضوية لعدم التركيز أو تساهم فيه، على رأسها أنيميا فقر الدم، وسببها الغذاء غير المتوازن الذي يؤثر على الطفل بصورة أسرع من الكبير.. فهل نقوم مثلا بتحليل قياس نسبة الهيموجلوبين في الدم لاستبعاد هذا الاحتمال؟!
رابعًا: هناك مرض نفساني معروف في الأطفال، من ضمن أعراضه عدم التركيز.
وفي سبيل التعامل مع حالة عدم التركيز نبدأ بالخطوات التالية، مستخدمين الخبرة الميدانية، وبعض “الخيال” المفيد:
- ماذا لو جعلنا نشاط التخيل عند الطفل هو الأصل في البيت، شريطة أن ينجز واجباته المدرسية في الوقت المخصص لها، وأن تخصص الجزء الأكبر وليكن بنسبة 3-2 للخيال، وليكن الخيال موظفًا في نشاط يستثمره ويطوره: رسم، أو تأليف شعر، أو كتابة قصص للأطفال… ونقوم بتوثيق هذا الإنتاج بصور بسيطة: تسجيل، صف للنصوص على الحاسوب.
- ماذا لو حاولنا أن نجعل الخيال طريقًا للدرس، كما يجعل الطفل للدرس طريقًا ومنطلقًا للخيال كما تقول؟!
- ماذا لو بحثنا على الإنترنت عن المجموعات المهتمة بإبداع الفتية والأطفال، وهي متوافرة، ولكن تحتاج إلى بعض البحث، واتصال الطفل بمن لهم الاهتمام نفسه سيشبع بعض احتياجه، ويجعله يستطيع تفريغ وقت أكبر بتركيز أكبر للمذاكرة في أوقاتها.
- ماذا لو حاولنا الوصول إلى حل وسط فيما يخص سلوكه بالمدرسة، فلا نطمح ولا نسعى إلى أن يكون الطفل المعتاد المطيع الساكن في الفصل، كما لا نرضى بأن يكون بهلوان الفصل.
إن توجيهنا له بأن لكل نشاط وقته وأهميته، هذا التوجيه لا معنى له إن لم يتوافق معه تشجيع عملي وبرامج حقيقية لممارسة نشاط التخيل الذي قد نقول: إنه جميل ومهم، ولكننا لا نفعل حياله إلا القمع، على حين نسلك مسلكًا آخر تجاه نشاط التعلم مثلا فنلحقه بمدرسة نظامية عظيمة تقمع خياله.
وقد يجدر بنا أن نتعرف أكثر على المشكلات التعليمية التي من المتوقع أن يواجهها أي طفل، وأن ندخل طرفًا أصيلا متعاونًا في حلها دون أن نبدو دائمًا في صف المدرسة ضد الطفل، بل يكون للأسرة دور متفهم لاحتياجات ومواهب الطفل من ناحية، ومتطلبات المدرسة من ناحية أخرى، وتبحث الأسرة دائمًا عن حلول معقولة في إدارة العلاقة بين المدرسة والطفل.
وأخيرًا فإن الربط بين التعلم المدرسي وغير المدرسي، وتنمية الخيال وتطويره بعد احترامه والاعتراف به.. هو مهمة من المهام الغائبة عن أداء الآباء والأمهات في عالمنا العربي المسكين.. فهل نتعاون على سد هذه الثغرة؟!