يتفق الآباء والأبناء على أن فترة المراهقة فترة تغير واضح، ويختلف الجانبان على ماهية تلك التغيرات. وقد أجريت دراسات على المراهقين في العالم بمختلف ثقافاتهم وبيئتهم، لمعرفة تأثير التقلبات المزاجية والضغوط التي يمكن أن يتعرضوا لها خلال البلوغ وهو ما ينعكس لاحقا على شخصياتهم. هذه مساحة بسيطة لعرض بعض الحقائق والمعلومات التي توصل لها العلماء حول مرحلة المراهقة من خلال العديد من الأبحاث والدراسات.
آثار نوم المراهق
توصل الباحثون في أحدث الأبحاث التي أجريت حول النوم وتأثيره على المراهقين بجامعة ترينت بكندا إلى أن للنوم تأثيرا قويا ومباشرا على تعليم المراهق، وقدرته على التفاعل مع أصدقائه.
وأكدت نتائج البحث على كون النوم عاملا رئيسيا وفعالا لإتمام عملية التعليم عند المراهق؛ حيث تكتمل عملية التعليم داخل عقل المراهق في أثناء نومه؛ ولذلك وجه العلماء لآباء المراهقين نصيحة مهمة تكمن في تدريب أبنائهم على النوم بعد تلقي دروسهم بفترة قليلة، لإعطاء العقل الفرصة الكافية لاستيعاب المادة المتعلمة.
وتبين من البحث أنه على عكس عادة الأطفال حتى العاشرة في النوم مبكرا، والاستيقاظ بنشاط كامل، يظل المراهق مستيقظا لوقت متأخر من الليل، ولا يخلد للنوم إلا عند الشعور بحاجته الشديدة له، لتعود العادة القديمة إلى مجراها بعد انتهاء مرحلة المراهقة؛ وهو ما يتسبب في شعور المراهق بالإحباط، وعدم الرغبة في المشاركة في أي نشاط.
سر نجاح علاقة الأب بالابن المراهق
أثبت العلماء أن تغيرات مرحلة المراهقة على المراهق لا تقل صعوبة عن واجب الآباء تجاه أبنائهم المراهقين في هذه المرحلة، والتي تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الوجداني، والمسئولية الاجتماعية عند أبنائهم المراهقين.
وتتكون المعادلة الصعبة للعلاقة الخاصة بين المراهق ووالديه -حسب رأي العلماء- من ثلاثة أقسام رئيسية؛ يأتي في المقدمة الاتصال الجيد بين المراهقين وآبائهم، يتبعه المساعدة والتحكم غير المباشر من الآباء، ثم الاستقلال النفسي للمراهق.
ويمثل الاتصال بين الآباء والابن المراهق الخلفية المتسعة تجاه كل التفاعلات التي تحدث في حياة المراهق، كما يدل تقبل المساعدة والتحكم في المراهق من والديه على نجاحهما في بناء علاقة قوية مع ابنهما المراهق، وبعد ذلك يبرز دور تشجيع الآباء لأفكار أبنائهم وآرائهم، ومن ثم تنمية استقلالهم النفسي كجزء أخير لعلاقة ناجحة بين الآباء والابن المراهق.
ولم يغفل العلماء عن التأكيد على الاستماع الفعال، والمشاركة الجيدة في حياة المراهق (الأصدقاء– النشاطات التي يقوم بها– مشاعره…)، كأدوات مهمة يمكن للآباء اللجوء إليها للوصول لنجاح باهر لهذه العلاقة الخاصة.
هل أنت مستمع جيد لابنك؟
في آخر الأبحاث التي أجريت حول علاقة المراهق بوالديه بجامعة فلوريدا الأمريكية، أشار العلماء إلى دور “الاستماع الفعال” كوسيلة مهمة من وسائل تكوين الاتصال بين الابن المراهق والآباء؛ حيث إن إنصات الأب لحديث ابنه بانجذاب تام يساعده على فهم خصال وشخصية المراهق بصورة واضحة، وقدم البحث بعض النصائح المهمة في مجال إدارة الحوارات والنقاشات مع المراهق، والتي تفيد في نجاح عملية “الاستماع الفعال” من قِبَل المربين مثل:
– طرح الآباء لأسئلة مفيدة ولطيفة في الوقت نفسه على المراهق بأسلوب يستوعبه المراهق ويتقبله.
– الاستماع بدون إبداء الرأي أو التعليق على الكلام، إلا إذا طلب المراهق ذلك، على أن يتم التعليق بشكل ودي وأخوي بسيط.
– إعادة الكلام الذي طرحه المراهق بشكل مختلف؛ للتأكد من وصول الرسالة التي يحاول المراهق إيصالها للمستمع (المربين عادة) بشكل سليم.
– تجاهل وجهة نظرك في أثناء استماعك لابنك، وحاول أن تبدو متفقا كل الاتفاق مع رأيه وأفكاره، حتى لو كان هذا مخالفا تماما للحقيقة، فهذا يتيح فرصة أكبر لك لمعرفة المزيد عن ابنك بلا تزييف منه.
وأوضح العلماء بعض النتائج الحتمية لعملية “الاستماع الفعال” لحديث المراهق، والتي كان من أبرزها:
– يجب أن يكون الآباء على وعي تام بأبعاد هذه العملية، واحتياجها لوقت كافٍ وممارسة متكررة ليتم أداؤها بشكل فعال.
– بمرور الوقت والتدريب المتكرر، ستصبح العملية أكثر سهولة ومتعة، ليس فقط من جهة الآباء، لكن أيضا من جهة الأبناء المراهقين.
– على المدى البعيد لا بد أن تكون أنت قائد هذه العملية، وسيعي المراهق هذا جيدا، بل وسيتقبله بلا مشاكل.
جدول أعمال مراهق لتنمية ذاته
أجرى فريق من الباحثين بجامعة فلوريدا بالولايات المتحدة مؤخرا بحثا متميزا بخصوص مهام تنمية الذات -على حد تعبيرهم- التي يقع على المراهق عبء تغييرها خلال مرحلة المراهقة، وكان الهدف من التوصل لهذه المهام هو محاولة مساعدة الآباء لأبنائهم المراهقين في إنجاز تلك المهام؛ لعبور مرحلة المراهقة بلا مشاكل.
ووفقا لنتائج البحث، كانت المهام التالية هي الأكثر صعوبة على المراهق:
– القيام بعدد كبير وجديد من العلاقات السوية بين المراهق ومراهقين آخرين في نفس عمره من الجنسين.
– وعي المراهق التام لكونه ذكرا أو أنثى، والقيام بما يتماشى مع هذه الطبيعة من أفعال.
– تقبل المراهق للتغيرات الجسدية التي تطرأ على جسمه، والرغبة في الوصول للشكل المثالي.
– وصول المراهق للاستقلال العاطفي بعيدا عن الآباء أو الكبار.
– التأهب للزواج، وللحياة الأسرية التي يكون المراهق فيها عضوا أكثر فاعلية من كونه فقط ابنا في أسرة كبيرة.
– التفكير في وضعه الاقتصادي وفي مجال تخصصه الوظيفي في المستقبل القريب.
– محاولة وصول المراهق لأيديولوجية خاصة به، لها نظام ومعايير محددة.
– محاولة وضع تعريف محدد للمنظومة التي يتكون منها، والمتمثلة في المجتمع من حوله، ولدوره داخل هذه المنظومة.
تدني مؤقت في سمة التدقيق
أجريت دراسة على آلاف المراهقين الهولنديين كان أصغرهم في الثانية عشرة مع بدء الدراسة التي خضع خلالها المشاركون لاختبارات شخصية العام تلو الآخر، على مدار ستة إلى سبعة أعوام، بدءا من 2005.
وقد أظهرت الدراسة تدنيا مؤقتا في سمة التدقيق لدى الصبيان، من قبيل عدم الالتزام بالنظام وضبط النفس، خلال سنوات البلوغ الأولى، بينما كانت البنات أقل استقرار عاطفيا خلال تلك الفترة، وهو ما يتفق مع التصور السابق لدينا عن المراهقين باعتبار أنهم يتركون غرف نومهم متسخة وتتقلب أمزجتهم كثيرا. لكن الشخصية سرعان ما تعود لحالتها السابقة مع اقتراب المراهقة من الانتهاء بحيث تزداد الشخصية استقرارا، بحسب بيانات الدراسة الهولندية.
ويتفق الآباء والأبناء على أن فترة المراهقة فترة تغير واضح، ويختلف الجانبان على ماهية تلك التغيرات – بحسب دراسة عام 2017 شملت أكثر من 2700 من المراهقين الألمان. فقد طُلب من المراهقين تقييم شخصياتهم مرتين، مرة وهم في الحادية عشرة والمرة الأخرى في الرابعة عشرة، كما طلب من الآباء تقييم شخصيات أبنائهم في الفترتين وفق قياس محدد.
أظهرت الدراسة اختلافات ملحوظة، منها مثلا أن الآباء رأوا أن أبناءهم كانوا أكثر عنادا مما رآه المراهقون في أنفسهم من عناد، وبفارق واضح. كما رأى المراهقون أنفسهم أنهم أصبحوا أكثر انفتاحا على الآخرين بينما رأى الآباء أن أبناءهم أصبحوا أكثر انطواء!
الأبناء والآباء .. قياسات مختلفة
وكانت الخلاصة المؤسفة للدراسة أن “الآباء عموما رأوا أن أبناءهم صاروا أسوأ تصرفا”. وربما كانت بارقة الأمل الوحيدة أن الآباء رأوا أن أبناءهم ليسوا بهذا الكم من عدم الانضباط عن ذي قبل وكان تقييمهم من تلك الناحية أفضل من تقييم الأبناء لأنفسهم.
وربما بدت النتائج متناقضة لأول وهلة، ولكن بالتدقيق أكثر يمكن تفسيرها بالتغير الكبير الذي يطرأ على العلاقة بين الآباء وأبنائهم مع ازدياد النزعة الاستقلالية والرغبة في الخصوصية لدى الأبناء في سن المراهقة.
كما يشير الباحثون إلى أن الآباء والأبناء ربما يتبنون قياسات مختلفة – فالآباء ربما يقيسون أبناءهم باعتبار المُنتَظَر من شخص بالغ، بينما يقيس الأنجال أنفسهم مقارنة بأصحابهم المراهقين.
يتفق هذا ودراسات عديدة أخرى، أظهرت تدنيا مؤقتا في الصفات الحسنة (خاصة سهولة المراس والانضباط) خلال فترة البلوغ. ومن ثم تبدو الصورة العامة للمراهقة باعتبارها فترة خروج مؤقت عن المستقر، صحيحة.
تلك الدراسات امتدت على مدى طويل، وقاست متوسط التغير في شخصية المراهقين، وبالتالي تخفي تلك الدراسات الجماعية الفوارق الفردية بين مراهق وآخر، كما لا تتطرق كثيرا لفهم مجموعة العوامل الوراثية والبيئية المعقدة التي تسهم في أنماط التغير الشخصي.