قالت الأكاديمية الجزائرية الدكتورة سهيلة مازة، أستاذة الفلسفة والفكر الإسلامي بجامعة قسنطينة، إن الإسلام قد خاطب المرأة كإنسان في أكثر من 95 موضعًا، بينما خاطبها كامرأة في 85 مرة؛ مما يبين أن الله خاطبها كإنسان أكثر من كونها جنسًا له خصوصياته المتميزة، وذلك باعتبار أن الرجل والمرأة سيان في التكليف والمسؤولية والجزاء.
وأوضحت الأكاديمية الجزائرية أن المساواة بين الرجل والمرأة أصل أصيل في الشريعة الإسلامية.. مشيرةً إلى أن المكتسبات التي تحققت للمرأة بالإسلام، غابت تدريجيًّا لتُحبس في البيت طيلة أربعة قرون من عصور الانحطاط، ثم لتُفتن في عهد الاستعمار، ثم لتواجه تحديات حالت دون تأدية وظيفتها الحضارية بفعالية.
والدكتورة سهيلة مازة مهتمة بالفكر الإسلامي، ولها بحوث ومقالات؛ منها في الخطاب الصوفي وفلسفة البناء الروحي، والمنهج التربوي، وكتاب “التزكية الأخلاقية في فكر محمد الغزالي” (في طور التصحيح)، وشاركت بالعديد من المؤتمرات الدولية.. فإلى الحوار:
كيف ترون دور المرأة المسلمة في مجتمعاتنا المعاصرة؟
المرأة المسلمة في القرن الحادي والعشرين تعيش تحديات جديدة أفرزتها الحضارة الحديثة. وبالرغم من المكتسبات الإيجابية التي حققتها بفعل الإمكانات والفرص نتيجة التطور العلمي والتكنولوجي، فإنها في الوقت ذاته لا زالت تواجه تحديات جديدة، فالمرأة اليوم مناطة بوظيفة تفعيل صياغة أحد شروط الحضارة وهو الإنسان، كما عرف مالك بن نبي عناصر الحضارة (الإنسان، والمكان، والزمان).
وقد خاطب الإسلام المرأة كإنسان في أكثر من 95 موضعًا، وخاطبها كامرأة في 85 مرة؛ فتبين بذلك أن الله خاطبها كإنسان أكثر من كونها جنسًا له خصوصياته المتميزة، باعتبار أن الرجل والمرأة سيان في التكليف والمسؤولية والجزاء.
– المرأة عليها أن تكون ملمة بمفاهيم عصرها ومستجدات مجتمعها
وهذه المساواة في التصور الإسلامي أصل أصيل في الشريعة الإسلامية لقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (النحل: 97)، وأكده قول الرسول ﷺ: «النِّساءُ شقائقُ الرِّجال»، فبارزت المرأة بهذه المكانة بمشاركتها في عهد النبي ﷺ وخلال خير القرون من بعده في كل المجالات، إلا أن هذه المكتسبات التي تحققت للمرأة بالإسلام غابت تدريجيًّا لتُحبس في البيت طيلة أربعة قرون من عصور الانحطاط، ثم لتُفتن في عهد الاستعمار، ثم لتواجه تحديات حالت دون تأدية وظيفتها الحضارية بفعالية، وتقديم رموز متميزة تعكس بنيتها المتزايدة في المجتمع.
وماذا عن أهم التحديات المعاصرة التي تواجهها المرأة؟
فيما يتصل بأهم التحديات المعاصرة التي تواجهها المرأة، يمكن حصرها في عشرة أمور:
– التحديات الذاتية: لن تتحرر المرأة من المطامع إلا إذا وعت خطط أعدائها وحملت مشروع إصلاح أمرها بيدها، وأدركت أن عليها كإنسان إعادة صياغة أنساق شخصيتها في ذاتها، وهي: النسق التصوري، والنفسي، والسلوكي. ولما كان السلوك نتاجًا لا يمكن إصلاحه بمعزل عن إصلاح النسق النفسي والنسق التصوري؛ وجب أن يتوجه التصويب إليه. فصيانته تمكن المرأة من أداء دورها الحضاري وتحقيق توازن شخصيتها. ولعلّ أكبر التحديات التي تعيشها المرأة بشكل عام والمسلمة بشكل خاص هي العوائق الذاتية؛ إذ لا سبيل لإصلاح واقعها إلا بالوعي بذاتها.
– أزمات المعيشة: بسبب الحروب والأزمات الاقتصادية المؤثرة سلبيًّا على المجتمعات والدول، وهي تحديات واقعية فرضت نفسها ولا تزال من خلال سيرورة الواقع التاريخية والثقافية، فلقد عانت المرأة من مختلف أنواع الظلم بدءًا من الاستبداد السياسي مرورا بالتدهور الاقتصادي وسوء توزيع الثروات المحلية ونهاية بالتمزق الاجتماعي والانهيار الأخلاقي، وانتشار الأمراض النفسية. ولقد أدى هذا الواقع إلى استنزاف أسر كثيرة في دائرة المتطلبات المادية، حتى باتت غير قادرة على الحضور في الساحة الثقافية والأحداث السياسية، وأصبحت بعيدة عن الإبداع الفكري أو استشراف المستقبل باستثناء بعض النخب القليلة منها، كما أن الفقر والأزمات شجعت على انتشار أسواق الدعارة وتجارة بيع النساء.
– المواثيق الدولية: التي فُرضت في الأصل لحماية المرأة، لكنها أثرت سلبًا عليها وتضمنت أمورًا خطيرة؛ مثل حرية الإجهاض، وتأخر سن الزواج، والتشجيع على المساكنة.
– انتشار الأمية بين النساء: التي كان سببها إعطاء الأولوية في التعليم للرجال في الأسر المسلمة طيلة أربعة قرون، وهُمّش تدريس النساء وحصرت وظيفتهن في خدمة الرجل، وبالتالي ضاعت من المرأة قرون من عمرها، لم يسجل التاريخ إنجازاتها وأعمالها وبصمات دورها، ولكن المرأة حاولت في القرون المتأخرة أن تتحرر من أميتها، فارتفعت نسبة المتعلمات والمثقفات بشهادات عليا، إلا أنها ما زالت تحمل موروثات قديمة في بعض المجتمعات، حجبت عنها الانتقال إلى مستوى أرقى من العلم والمعرفة، وبقيت تشكو من أمية من نوع آخر، وهو العجز عن التفكير العلمي وتعلم الجديد، رغم أن هناك نماذج لنساء أثبتن وجودهن ومستواهن في ديار الغربة في مجالات عديدة.
– عندما تتحرر المرأة من النظرة الدونية تكون فاعلة في العمل التطوعي
– تحديات المرأة في سوق العمل: خاصة مع الالتزامات الأسرية وعدم قدرتها على إيجاد توازن بين متطلبات الحياة المادية والجانب النفسي لها.
– غياب وسائل الرعاية الأسرية: فلا يوجد احتواء للمرأة كأنثى، وهذا من آثار خروجها إلى سوق العمل، واستبدال الحاضنات والمطاعم بالبيت والمطبخ.
– نظرة المجتمعات للمرأة نظرة دونية: واتهامها بالتقصير فيما تعانيه الأسرة والجيل، من انحلال وانحراف وأزمات نفسية واجتماعية!
– تداخل الأدوار بين الرجل والمرأة وعدم فرزها: مع تحمل المرأة المسؤولية أكثر من طاقتها في البيت، مما أرهقها واستنزف قوتها.
– غياب الثقافة الإنجابية الصحيحة: مما جعل قدرة المرأة على الإنجاب تتراجع، وسبّب لها كثيرًا من الأمراض.
– الواقع المعاصر وما فيه من تناقضات ومفارقات: بفعل العولمة والتكنولوجيا وتفكك الأسر والمجتمعات.. فهذا أثر سلبًا على الصحة النفسية والعقلية للمرأة.
إذن، كيف تتعامل المرأة مع هذه التحديات؟
تستطيع المرأة مواجهة هذه التحديات بعدة أمور، منها:
– فهم الدين وضرورة تعزيز اليقين لأصول الإسلام وقواعده، والعودة إلى الفهم الصحيح للخطاب القرآني الذي بيّن معالم شخصية المرأة وحقوقها وواجباتها.
– الوعي الثقافي وتحسين قدرتها في التعليم.
– التأسي بالقدوة الحسنة من السيرة النبوية والتاريخ والواقع.
– التربية الصالحة للمرأة .
– إعادة النظر في النظم والقوانين التي تحكم المرأة والعمل على إعادة صياغتها، بحيث تكفل لها حياة كريمة وتعينها على مواجهات التحديات الجديدة.
– أهمية ترسيخ المفهوم الصحيح للنجاح والفضل، وكسر عقدة الكمال، وتقبل حقيقة النقص البشري.
– أن يكون للمرأة مشروع رسالي بأهداف مستقبلية تشغل الفكر والروح.
– على المرأة المسلمة المعاصرة أن تكون ملمة بمفاهيم عصرها ومستجدات مجتمعها، وتمتلك الوعي الكافي لكل القضايا التي تهمها وتهم مجتمعها؛ إذ كلما كانت المرأة المسلمة أكثر وعيًا ورشدًا، امتلكت القدرة على تجاوز التحديات والصعوبات وأثبتت ذاتها وفعّلت دورها الحضاري.
كيف تحقق المرأة التوازن بين دورها الأسري والاجتماعي؟
تستطيع المرأة أن تحقق التوازن بين دورها الأسري والاجتماعي، من خلال تطبيق عدة استراتيجيات وممارسات؛ منها:
– تحديد الأولويات والوعي بها، حيث تحتاج المرأة إلى التفكير في الأهداف الشخصية والمهنية والعائلية، وتحديد ما ترغب في تحقيقه.
– التخطيط والتنظيم بناءً على تحديد الأولويات وحسن إدارة الوقت.
– الاستفادة من الخبرات، وتعديل الاستراتيجيات حسب الظروف المحيطة بها.
– الحفاظ على التواصل المفتوح، سواء مع الشريك أو أفراد الأسرة أو أعضاء المحيط، أو زملاء العمل تحقيقا للاحتياجات والتحديات.
– تقبل عدم الكمال، حيث قد لا يتحقق التوازن المثالي في كل الأوقات.. ومحاولة التعامل بمرونة دون ضغط.
لو جئنا للعمل التطوعي، والذي له دور مهم في المجتمع، وتستطيع المرأة أن تكون فيه صاحبة دور فاعل.. كيف يمكن تحقيق هذا الدور؟
يمكن للمرأة أن تكون ذات دور فاعل إيجابي في العمل التطوعي:
– حينما يكون ملائمًا لطبيعتها كأنثى، وخصوصيتها كنصف مجتمع.
-وحينما تمارس العمل التطوعي على أنه قيمة اجتماعية تسعى لتحقيق التعاون والتكافل.. وهو يتناسب مع طبيعة المرأة وفطرتها، ويكون محفزًا لها.
– وعندما تستطيع المرأة في هذا العمل أن تحقق التوازن داخل المجتمع، وتثبت ذاتها.
– وعندما تتحرر المرأة من النظرة الدونية لها.. حتى تكون فاعلة أو مبدعة في هذا العمل التطوعي.
الشيخ محمد الغزالي، كنموذج دعوي بارز، له جهود كبيرة في تدعيم مكانة المرأة وتصحيح المفاهيم المغلوطة عنها.. كيف ترون إسهامه في هذا الصدد؟
كان الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، امتدادًا للمدرسة الإصلاحية، كأمثال الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وابن باديس وحسن البنا وعبد الكريم الخطابي وغيرهم.. فهؤلاء الأعلام قد ناضلوا ليُبينوا مكانة المرأة الحقيقية التي بوأها إياها الإسلام، بعيدًا عن الإكراهات والتقاليد البالية، والأعراف الجاهلية التي أساءت للإسلام وأعطت الفرصة لأعدائه للتطاول على القرآن والسنة، وتراث الأمة؛ وذلك من خلال مفاهيم خاطئة لأقوال قيلت في سياقات معينة، أملتها الضرورات الاجتماعية والأعراف السائدة آنذاك، ونتج عنها الجمود الفقهي والتقليد والتصعب، الذي حرم المرأة من أداء دورها الرسالي والإنساني على الوجه الاكمل.
– الشيخ الغزالي لا يحمّل غيره المسؤولية بقدر ما يحملها للمسلمين
إضافة إلى إملاءات الفكر الغربي الدخيل على الأمة، الذي سعى في تخريب كيان المجتمعات الإسلامية وإفساده، وساعده في خطته وأسلوبه الممنهج الاستعماري بعض المستغربين من أبناء الأمة الإسلامية، لتصبح الحصون مهددة من الداخل والخارج..
وهذا ما تفطن إليه الشيخ محمد الغزالي وغيره من المصلحين المجددين.. وراح يدافع عن قضايا المرأة متمسكًا بالآيات البيّنات التي لا تحتمل التأويل؛ فالمرأة في فكره شأنها شأن الرجل في التعبد والتكليف والجزاء والعقاب، لقوله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (التوبة :71)، وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (النحل: 97)، ومدعمًا رأيه بسنة النبي ﷺ، الذي جعل النساء شقائق الرجال، وأوصى بهن خيرا، بعد أن كان قدوة في التعامل مع المرأة في سيرته العطرة.
وجسَّد الشيخ الغزالي موقفه من المرأة في كتابه (قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والثقافة الوافدة)، حيث كان عصارة فكره ونظرته إلى مكانة المرأة، عرض فيه الواقع التي تعيشه المرأة آنذاك في شتى مجالات الحياة، باسم الدين، وهو براء منه، خاصة في المجال السياسي والثقافي.. إلا أن الشيخ الغزالي بنظرته الثاقبة وواقعية فكره في علاج القضايا، لا يحمل غيره المسؤولية بقدر ما يحملها للمسلمين على سيادة الصورة النمطية للمرأة في بلاد الغرب، كما يُحمل العلماء مسؤولية تصحيح الوضع الراهن، ورفض المرويات المغلوطة والإسرائيليات المكذوبة، وما لا يتفق مع ما جاء به الشرع من حقائق قطعية.
كما أنه يرى أن تخلف المرأة وتراجعها عن الفاعلية في الحياة العامة، ونظرة المجتمعات الإسلامية إليها في عصور الانحطاط، نظرة ازدراء؛ كان سببًا من أسباب التخلف الحضاري، وعاملاً من عوامل الضعف والانهيار القيمي للأمة والغزو الثقافي الذي تسلل في فراغ المنظومة.
وما أبرز القضايا التي اهتم بها الغزالي فيما يتصل بالمرأة؟
يمكننا الإشارة إلى أهم هذه القضايا، من خلال ما تناوله الشيخ الغزالي في كتابه (قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والثقافة الوافدة)، على النحو الآتي:
يصف الشيخ الغزالي “القوامة” بأنها خدمة للمرأة وليست تسلطًا عليها، غير أن المسلمين أساءوا عرض دينهم من خلال المرأة بهذا الفهم، فنجده قد أورد مثالاً في كتابه (قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والثقافة الوافدة”، كنت في ملتقى الفكر الإسلامي عندما تحدث السفير الألماني عن الإسلام وقال للحاضرين: «يجب أن تُصحح أوضاع المرأة عندكم، فإنّ صورة المرأة تنفر الأوروبيين من الدخول في الإسلام»، والحقيقة أن هذا الكلام لا يعني أن نفعل بالمرأة ما يرضي الغرب، بل هو دعوة لتحسين صورة الإسلام من خلال المرأة، حتى نعيش الشهادة، بغية تحقيق الاستخلاف والتعمير بحسن تسويق الفكر الإسلامي، ولعلّ سؤاله “لماذا نسوِّق الأفكار الخاطئة عن الإسلام من خلال المرأة؟” هي دعوة لإعادة قراءة سطور الكون، لترى المرأة دورها فيه ومكامن السنن التي لها فيها بصمة، ومنه قراءة الكتاب المسطور الذي جاء ليعيد الفطرة إلى أصلها كلما انتكست.
– “القوامة”.. خدمة للمرأة وليست تسلطًا عليها
وفيما يتصل بسوء تقديم صورة المرأة في المجتمع، وحقوق المرأة.. بيّن أن حقوقها لا تنفصل عن واجباتها في التصور الإسلامي، فالإسلام خاطب المرأة على أنها كائن كامل الأهلية، بل جعلها مركز الحياة كلها، بأن كانت السكن والمودة واللباس للرجل، كما أنّ الله خاطبها في جدالها مع النبي ﷺ، من خلال خولة بنت ثعلبة، وهي التي واساها ربها حين جاءها المخاض من خلال مريم عليها السلام.. فهذا التكريم لا يحتاج من المرأة أن تطالب بحقوقها، ومن أراد أن يعرف حقوق المرأة فليرجع إلى سيرة النبي ﷺ.. إذ لم تكن سيرته- من قبيل الصدفة- مكشوفة ومعروفة بتفاصيلها؛ فهي تشريع وتوجيه.. حيث يقول الشيخ الغزالي في هذا: «إن لها حق الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتدريس هدايات الإسلام، ومجادلة الملحدين فيها». والمتأمل لهذه المهام التي صنفها الشيخ محمد الغزالي يرى بأنها وظائف حكومية وفكرية ودعوية.
كما عالج الغزالي قضية المرأة والأسرة وجدلية المساواة فيما بين الرجل والمرأة، وتحدث عن المرأة وسؤال الهوية، حيث إن سؤال الهوية يحتاج إلى التفكير بعمق إلى ما آلت إليه الأمة من هوان في شتى الأصعدة، والمرأة محور ومقياس الهوية الإسلامية، لأنّ المرأة هي الأكثر ممارسة لمفردات الهوية في التجمعات الاجتماعية، والراقي التفاعلي في الوسط الذي تعيش فيه، فلقد خطت خديجة ونساء النبي أولى خيوط الهوية بحسن مشاركتهن في الحياة العامة والخاصة.
وبناءً على ذلك يُحذر الشيخ الغزالي من الخطر المحدق بالهوية، بسبب هذا التقهقر في القيم التي تمثلها المرأة، خاصة حين أصبح اسمها كجسدها عورة وانقلبت القيم، في حين كانت في بداية الرسالة المحمدية سباقة إلى الإسلام والإصلاح، كما سبقت خديجة رجال الأمة وسبقت سمية شهداء الأمة.. فأين نحن من هذا التوازن النفسي والانسجام العاطفي والتوافق الوظيفي في المجتمع المسلم.
– ضرورة التفاعل مع المنتج الغربي الوافد بعقل المستلهم الأصيل
وعالج الغزالي موضوع المرأة بين الموروث الثقافي والثقافة الواردة على المجتمع، وخلص إلى أنه- حتى تستعيد المرأة المسلمة مكانتها في المجتمع الإسلامي، وتخليصها من حالة التوهان والبحث عن هويتها، بين أن تعيش في جلباب جدتها، وأن تتقمص لباس المرأة الغربية، حتى لا ينظر لها نظرة دونية- وَجب الإحسان إليها وإعدادها إعداد بمهمتها الحيوية في الاستخلاف والتعمير، ودورها الحضاري؛ إذ لا يتم ذلك إلا بتصحيح المفاهيم الخاطئة حول المرأة وتفعيل البعد المقاصدي الإيجابي للزواج.
كما علينا مسؤولية تنقية التراث بما يُناسب العقل والنص القرآني فيما يخص المرأة.. وهي دعوة إلى تكثيف البحوث ونشرها وتفعيلها في ظل المنهج النبوي لصناعة الفرد السوي.. مع ضرورة التفاعل مع المنتج الغربي الوافد بعقل المستلهم الأصيل؛ فلا انسلاخ من الهوية، ولا ذوبان في الغرب.