ثمانية قرون تحتفظ بها ذاكرة التاريخ عن تلك البقعة الجغرافية، الأندلس، التي كانت يومًا ما مركزًا للإشعاع الفكري، ومعبرًا للاتصال الحضاري، وشاهدًا على عطاء الإسلام الفذ. وفي هذا الحوار مع الدكتور محمد علي دبور، أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية دار العلوم بالقاهرة، نتعرف على مفهوم الدراسات التاريخية الأندلسية، وعلى التراث الأندلسي وأهم ما يتصل بها من حيث النشأة والأعلام والقضايا.

كما سنتعرف على رحلة الدكتور دبور مع الدراسات الأندلسية والتراث الأندلسي ، وعلى الدروس التي يمكن استخلاصها من تجربة الوجود الإسلامي هناك.. وكيف كانت الأندلس شاهدة على الحوار والتفاعل بين الشرق والغرب.. فإلى الحوار:

  • الأندلس شاهدة على 800 سنة من تاريخنا وحضارتنا
  • الكتابات الغربية في الدراسات الأندلسية موسعة وموثقة ودقيقة
  • تجربة دولة الإسلام في الأندلس فريدة من نوعها، لم تتكرر
  • البيئة الأندلسية وتشكلت من أجناس وأعراق صهرها الإسلام
  • الأندلس كانت معبرًا مهمًّا من معابر حضارتنا إلى أوروبا

ما المقصود بـ”الدراسات التاريخية الأندلسية”؟

“الدراسات التاريخية الأندلسية” هي تلك الدراسات التي تهتم بتاريخ الأندلس وحضارته، رصدًا وتحليلاً وتفسيرًا؛ للوقوف على إيجابيات وسلبيات مدة زمنية تجاوزت ثمانمائة سنة من عمر التاريخ الإسلامي كله.

وهذه الدراسات التاريخية الأندلسية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعدوة المغربية، فيجمعهما مصطلح “المغرب الكبير” الذي يعني: المغرب والأندلس معًا، وهذان الإقليمان- على وجه الخصوص-كانا في أغلب تاريخهما متصلين ببعضهما اتصالاً وثيقًا على كل المستويات (سياسيًّا وعسكريًّا وإداريًّا)، وهذه العلاقة جعلت هذين الإقليمين يسميان بالعُدْوتين؛ عدوة المغرب، وعدوة الأندلس، وقد ارتبط الإقليمان في العصر الإسلامي بصلات تاريخية وحضارية وثيقة بسبب القرب الجغرافي والرحلات المتبادلة بينهما، وكذلك وحدة الدين واللغة؛ مما أدى إلى حدوث نوع من التمازج الحضاري متعدد الجوانب نتج عنه حضارة إسلامية زاهرة كان لها أثرها الفاعل والمهم في صحوة أوروبا ونهضتها.

ما أهمية هذه الدراسات التاريخية الأندلسية؟

تتجلى أهمية الدراسات التاريخية الأندلسية في عدة أمور، أبرزها:

– معرفة التاريخ الأندلسي بفتراته المتعاقبة معرفة دقيقة، من خلال عرض أحداث هذا التاريخ من مصادره الأصلية، والتمييز بين الصحيح منه وغير الصحيح.

– الوقوف على أهم المصادر التي تناولت هذا التاريخ وأنواعها المختلفة، سواء كانت مطبوعة أو مخطوطة أو مفقودة، والتعريف بها، وتحليلها، وتقييمها، وبيان أهميتها.

– التعرف على أهم إنجازات المسلمين السياسية والحضارية في الأندلس؛ تلكم البقعة النائية من جنوب غرب أوروبا، وأبرز ما أنتجه العقل العربي المسلم فيها في شتى أنواع العلوم والمعرفة والفنون وغيرها.

كيف تشكّلت هذه الدراسات وتطورت؟

تشكلت هذه الدراسات في “مرحلة النشوء” على أيدي المستعربين الإسبان الذين تركزت جهودهم أولاً حول دراسة اللغة العربية، باعتبارها الأداة والمدخل المهم للتعرف على تاريخ إسبانيا نفسها إبان عصرها الإسلامي؛ فظهرت مدرسة جديدة ترى أن التراث العربي الإسلامي تراث جدير بالعناية والاهتمام، بل يمثل الخطوة الأولى لنهضة إسبانيا الحديثة، فاتجه اهتمامها نحو هذا التراث العربي، وبخاصة التراث الأندلسي، حيث ظهرت الأندلس لأوائل المستعربين الإسبان اكتشافًا، فأقبلوا- جيلاً بعد جيل- على ما بين أيديهم من هذا التراث الأندلسي يدرسونه ويقومونه، مقدرين ما ينطوي عليه من الإبداع والمعارف والعلوم.

وقد بدأ هذا الاتجاه الاستعرابي الجديد في إسبانيا بترجمة أمهات الكتب العربية الأندلسية، أو المتصلة بتاريخ الأندلس، سواء ألفها مشارقة أو أندلسيون، وعمدوا إلى نشرها بالعربية، ثم ترجموها إلى الإسبانية؛ ليطلع عليها أبناؤهم ابتغاء التعرف على هذا التاريخ التليد والمجد المؤثل.

د. محمد علي دبور: المفقود من التراث الأندلسي أضعاف ما تم العثور عليه
د. محمد علي دبور: المفقود من التراث الأندلسي أضعاف ما تم العثور عليه

كل هذا لفت انتباه العرب والمسلمين إلى أهمية هذا الفرع من فروع الدراسات التاريخية، فعمدت البلدان العربية إلى إرسال مبتعثين إلى إسبانيا؛ بغية الاطلاع على جهود المستعربين الإسبان في هذا المجال، والتعرف على المادة الأولية للتاريخ الأندلسي، ومعرفة مناهج دراسته؛ وكانت مصر في مقدمة البلدان العربية التي أقدمت على هذا الإنجاز، فأوفدت عددًا من المبتعثين الذين حققوا طفرة كبيرة في مجال الدراسات التاريخية الأندلسية.

ومَن أبرز رواد الدراسات التاريخية الأندلسية؟

مِن أبرز رواد الدراسات التاريخية الأندلسية في مصر على وجه الخصوص: أحمد هيكل، لطفي عبد البديع، عبد العزيز الأهواني، أحمد مختار العبادي، السيد عبد العزيز سالم، جوده هلال، محمود علي مكي، الطاهر أحمد مكي، سيد مصطفى غازي، حسين مؤنس.. وقائمة طويلة من الرواد الكبار لا يتسع المقام لذكرهم جميعًا؛ وبجهود هؤلاء ظهر فرع الدراسات التاريخية الأندلسية في مصر وتطور تطورًا كبيرًا، وصار له تلامذة ومحبون وعاشقون.

هل الإسهام في هذه الدراسات يقتصر على العرب والمسلمين؟

لم يقتصر الاهتمام بالدراسات التاريخية الأندلسية على العرب والمسلمين وحدهم، بل كان اهتمام الأوروبيين بها لا يقل مكانة وقدرًا عن اهتمام العرب والمسلمين، وصار في كل جامعة أوروبية “كرسي خاص” بالدراسات الأندلسية؛ خاصة في إسبانيا التي تعتبر المكان الرئيس لنشأة الدراسات الأندلسية، وكان من روادها الأوائل: بسكوال دي جاينجوس، خوسيه أنطونيو كوندي، فرانثيسكو كوديرا، خوليان ريبيرا إى ترَّاجو، ميجيل آسين بلاثيوس، آنخل جونثالث بالنثيا، خايمى أوليفر آسين؛ وقائمة طويلة من هؤلاء المستعربين الإسبان.

ومن الغربيين أيضًا: المستشرق الهولندي رينهارت دوزي، والإنجليزي جورج كولان، وكذلك مونتجمري وات، وستانلي لين بول، والفرنسي ليفي بروفنسال، وغيرهم كثير.

ما الذي يميز الكتابات الغربية في هذا المجال؟

تتمير الكتابات الغربية في مجال الدراسات التاريخية الأندلسية بأنها كتابات جادة وموسعة وموثقة ودقيقة، وتعنى بالتفاصيل المهمة وقراءة ما بين السطور- كما يقولون-وتسفر أبحاثهم عن نتائج تاريخية مهمة ربما لم يصل إليها العرب والمسلمون أنفسهم في أحايين كثيرة.

ورغم ما يشوب بعض هذا الدراسات من التعصب ضد ما أنجزه العرب والمسلمون، فإن هذا لا يقلل من أهمية كتاباتهم في هذا المجال، وضرورة الاطلاع عليها، والوقوف على إيجابياتها وسلبياتها، ومحاولة الاستفادة منها قدر الإمكان.

لا شك أن الباحث في هذه الدراسات يواجه صعوبات.. فما أهمها؟

من أهم الصعوبات التي تواجه الباحث في هذه الدراسات ندرة المصادر العربية الأندلسية عند معالجة جوانب حضارية متعددة؛ فرغم الطفرة الكبرى في مجال تحقيق التراث الأندلسي وظهور العديد من المصادر الجديدة، فإن المخطوط والمفقود من هذا التراث أضعاف مضاعفة مما تم العثور عليه وتحقيقه؛ لذا يجب على الباحثين اقتحام هذا المجال والبحث عن المخطوطات الضائعة من هذا التراث، وكذلك يجب عليهم محاولة جمع نصوص المصادر التاريخية الأندلسية المفقودة، للتعريف بهذه المصادر ومؤلفيها، وإضافة مصدر جديد إلى المكتبة التاريخية الأندلسية يفيد منه الباحثون والمهتمون بتاريخ الأندلس وحضارتها.

ومن الصعوبات أيضًا عدم المعرفة باللغات الأجنبية التي صارت معرفتها، بل إتقانها، ضرورة علمية وبحثية تساعد الباحثين في قراءة تاريخ الأندلس وحضارتها بفكر جديد ومناهج جديدة ومتميزة أحيانًا.

ماذا عن الدروس التي يمكن استخلاصها من تجربة الوجود الإسلامي في الأندلس؟

إن تجربة دولة الإسلام في الأندلس تجربة إسلامية فريدة من نوعها، لم تتكرر، ولا يوجد نموذج مثيل لها في التاريخ، فلا يكاد المرء يصدق أنه كان في فترة من فترات التاريخ توجد في هذه البقعة النائية من جنوب غرب أوروبا دولةٌ إسلاميةٌ بلغت من العظمة والسؤدد والحضارة ما لم تبلغه دولة أخرى في التاريخ، دولةٌ احترمها وقدرها حق قدرها القاصي والداني، فدانت لها جميعُ ممالك أوروبا الغربية، وكثيرٌ من الممالك الإسلامية الأخرى، وتبارى الملوك في إرسال السفارات إليها، يخطبون وُدَّ ملوكها، ويلتمسون صداقاتهم، كما مثَّلت مركز إشعاع حضاري مهم، وكانت مَعْبرًا من أهم معابر نقل العلوم والمعارف الإسلامية إلى أوروبا في وقت كانت فيه هذه الأخيرة ترزح تحت أغلال الجهل والتخلف والهمجية.

ومازال الكثيرون يفخرون بأمجاد هذه الدولة العظيمة حتى يومنا هذا؛ فلا ينكر فضلها إلا مغرضٌ جاحدٌ، ولا يجهل عظمتها وعمق تأثيرها إلا كارهٌ معاندٌ، ولكن طبقًا لسنة الله جل وعلا في كونه من حيث إن لكل شيء نهاية كما كانت له بداية، فقد قُدِّر لهذه الدولة أن تزول وتنتهي ليصبح تاريخها ذكرى يتنسم عبقها المسلمون وغيرُهم في كل زمان ومكان.

ويمكننا أن نستخلص من هذه التجربة عدة دروس مهمة، منها:

– ضرورة الوحدة الإسلامية للحفاظ على المكتسبات: فالتفرق والتصارع من أهم أسباب الانهيار والضياع.

– تغليب المصلحة العامة على المصالح الفردية والشخصية: فالمصلحة العامة هي التي تبني الأوطان وتحفظ على الدولة قوتها وهيبتها، أما المصالح الشخصية الفردية فلا تولِّد إلا الأنانية والأثرة والأفق الضيق.

– بناء الشخصية الإسلامية على حياة الجد والاجتهاد والقوة: والبعد عن الإغراق في الترف والركون إلى الدنيا بملذاتها وشهواتها.

– إعداد القوة اللازمة للجهاد في سبيل الله والدفاع عن حوزة الإسلام وحدود دولته ضد كل خطر يهددها: فالجهاد سنة ماضية إلى يوم القيامة، وقد شرعه الله ليعيش المسلمون في عزة، ويموتون في عزة.. وتركُ الجهاد والتخلي عنه، سبب الانكسار والخنوع والذلة والمسكنة.

د. محمد علي دبور: المفقود من التراث الأندلسي أضعاف ما تم العثور عليه
د. محمد علي دبور: المفقود من التراث الأندلسي أضعاف ما تم العثور عليه

– اختيار الأكفاء المؤهلين المخلصين لتولي المناصب المهمة في الدولة: فعلى أكتاف هؤلاء تنهض الدول وترقى، أما المحاباة والمجاملة وتوسيد الأمر لغير أهله فمن أمارات الضعف والانحلال والسقوط.

– إحياء الأمل في النفوس والثقة في موعود الله بالنصر والتمكين: فالأمل يؤدي إلى العمل، والثقة في موعود الله تدفع إلى تحمل المسئولية واقتحام المخاطر وتذليل الصعاب وبلوغ النصر والنجاح؛ أما اليأس والقنوط من رحمة الله فلا يؤدي إلا إلى الضعف والتراخي واللامبالاة.

– الالتزام بالنظم والقوانين التي وضعها الإسلام للتعامل مع النصارى في السلم والحرب: فقد كان من أهم أسباب سقوط دولة الإسلام في الأندلس التحالف معهم، والخضوع لهم، ومجاملتهم، والركون إليهم.

– قيام العلماء بواجبهم في البلاغ والنصح: والوقوف وراء العلماء العاملين المخلصين، والاقتداء بهم قولاً وعملاً، والأخذ بآرائهم وفتاواهم التي تحض على الوحدة الإسلامية؛ فمن أهم أسباب الضياع والضعف والهزيمة تخلي فئة من العلماء عن دورهم، والقيام بما يجب عليهم، وانشغالهم بخلافاتهم عن هموم أمتهم.

الأندلس كانت شاهدة على الحوار والتفاعل بين الشرق والغرب.. كيف ترون هذا الدرس؟

نعم، كانت الأندلس أرض التعايش والتسامح والحريات، وكانت نموذجًا لإقرار الاختلاف؛ فقد اتبع المسلمون مبدأ حرية المعتقد الذي دعا إليه الإسلام، فاتسمت البيئة الأندلسية بالتنوع والتعدد؛ حيث تشكّلت من أجناس وأعراق صهرها الإسلام في بوتقته غير مفرِّق بين سكانها الأصليين المسيحيين من أصل قوطي أو روماني والوافدين عليها من عرب وبربر والمتساكنين معهم من اليهود.

كما كانت الأندلس معبرًا مهمًّا من معابر الحضارة الإسلامية إلى أوروبا، ومنها تعلمت أوروبا حتى خرجت من نفقها المظلم؛ ومنذ هذا الوقت صار هناك نوع من الحوار والتفاعل بين الشرق والغرب، وكان من أهم أسباب هذا الحوار وذاك التفاعل ما أبداه المسلمون من تسامح مع المخالفين لهم في العقيدة؛ لذا رأينا العديد من الحوارات والمناظرات في الأندلس على وجه الخصوص أسفرت عن عدد من المعارف المهمة والعلوم الجديدة.

ورغم ذلك فلم يلبث أن تراجع التبادل الفكري بين الشرق والغرب بشكل كبير منذ عصر النهضة في القرن الثامن عشر؛ حيث بدأت تنحسر أهمية الدين في المجتمعات الأوروبية لتحل مكانه العلوم الطبيعية، ثم عاد هذا التبادل الفكري والثقافي إلى الانتعاش مجددًا في القرن العشرين بين أوروبا والعالم العربي، وبدأت حركة الترجمة تنشط من اللغة العربية إلى اللغات الأوروبية وبالعكس.

إذا عدنا إلى تجربتكم الشخصية.. كيف بدأت رحلتكم مع الدراسات التاريخية الأندلسية؟

بدأت رحلتي مع الدراسات التاريخية الأندلسية منذ مرحلة الماجستير، حيث سجلت رسالة الماجستير سنة 1995م بعنوان: الدور السياسي والاجتماعي للعلماء في الأندلس في عصري المرابطين والموحدين (484- 646هـ/ 1091- 1248م)، ومنذ هذه اللحظة بدأ عشقي للأندلس وكل ما يتعلق بها، وفي هذه المرحلة- وقبل ترشيحي لبعثة الدكتوراه إلى إسبانيا- أقدمت على تعلم اللغة الإسبانية في المركز الثقافي الإسباني بالدقي، وبعد عدة مستويات في تعلم اللغة الإسبانية حاولت ترجمة بعض النصوص الإسبانية للاستفادة منها في رسالتي للماجستير، ونجحت في ذلك إلى حد كبير، وكان هذا مثار إعجاب أساتذتي عند المناقشة.

د. محمد علي دبور: المفقود من التراث الأندلسي أضعاف ما تم العثور عليه
د. محمد علي دبور: المفقود من التراث الأندلسي أضعاف ما تم العثور عليه

ثم كان ترشيحي للبعثة العلمية إلى إسبانيا للحصول على درجة الدكتوراه، فسافرت سنة 2000م إلى مدريد، ودرست بجامعة كومبلوتنسي (جامعة مدريد المركزية سابقًا)، وأكملت تعلم اللغة الإسبانية في مدرسة اللغات الرسمية بمدريد، ونجحت في كتابة رسالتي للدكتوراه باللغة الإسبانية وكانت بعنوان:

Los precios en el Magreb y al-Andalus (Siglos VII/XIII-IX/XV), Análisis de referencias textuales.

والعنوان باللغة العربية: (الأسعار في المغرب والأندلس (ق 7- 9هـ/ 13- 15م) دراسة تحليلية للمصادر).

ثم عدت من البعثة سنة 2004م، ومن يومها صارت كل اهتماماتي وكتاباتي عن تاريخ الأندلس وحضارتها.

وما أهم ثمار هذه الرحلة العلمية؟

ومن أهم ثمار هذه الرحلة العلمية ما يلي:

– تعلم اللغة الإسبانية والكتابة بها والترجمة منها وإليها.

– التعرف على مناهج جديدة لكتابة التاريخ الأندلسي وتحليله وتفسيره.

– التعرف على رؤى ومدارس متعددة- ومتناقضة أحيانًا- لدراسة التراث الأندلسي وبيان قيمته وأهميته.

وكان لكل هذا تأثيره الواضح على إخراج رسالة الدكتوراه التي أتمنى أن يتاح لي الوقت لترجمتها إلى اللغة العربية لأهمية موضوعها ودقته وحاجة الباحثين إلى قراءته والاطلاع عليه.

بجانب ذلك، أصدرتُ عدة كتب تتصل بالتاريخ الأندلسي والتراث الأندلسي وغيره؛ منها تأليفًا: (ابن عَذَارى المرّاكشي- ذاكرة الفكر التاريخي بالغرب الإسلامي). (أندلسيات- من تاريخ الفردوس المفقود وحضارته). (السجون والسجناء في الأندلس).. ومنها تحقيقًا: (الدوحة المشتبكة في ضوابط دار السكة) لأبي الحسن علي بن يوسف الحكيم الفاسي. (الأنوار الجلية في أخبار الدولة المرابطية) لأبي بكر يحيى بن محمد بن يوسف الأنصاري، المعروف بابن الصيرفي الغرناطي. (أحسن المسالك لأخبار البرامك) لأبي الحجاج يوسف بن محمد الملوي المصري، المعروف بابن الوكيل.

هل هناك مشاريع بحثية قادمة لكم عن الأندلس؟

الحقيقة أن مشاريعي البحثية عن الأندلس والتراث الأندلسي وتاريخ المنطقة لا تتوقف منذ عدت من البعثة؛ فدائمًا- ولله الحمد والفضل- عندي خطط فكرية للعديد من الأعمال البحثية الأندلسية.. وأَحْدثها ترجمة كتاب بعنوان: (تاريخ المجتمعات الإسلامية في العصور الوسطى) للمستعرب الإسباني إدواردو منثانو مورينو؛ وهو أول ترجمة لي عن اللغة الإسبانية، فقبلها كنت مشغولاً بأبحاث الترقية التي تشغل جزءًا كبيرًا من وقت وحياة الأكاديميين في مصر، وأتمنى أن أنتهي من ترجمته قريبًا، وهناك مشروعات ترجمة أخرى سأعلن عنها في حينها بمشيئة الله تعالى.

ومن المشروعات المهمة التي بدأت فيها وأتمنى أن ترى النور قريبًا: مشروع جمع وتحقيق ونشر ما تبقى من نصوص كتاب المقباس في أخبار المغرب والأندلس وفاس لابن عبد الملك الوراق، وهو كتاب مفقود، لكن توجد منه نصوص كثيرة في المصادر اللاحقة، مغربية وأندلسية ومشرقية، مطبوعة ومخطوطة، وقد انتهيت تقريبًا من جمع نصوصه، وشرعت في مرحلة ترتيب النصوص وصياغتها وضبطها وترتيبها؛ وأسأل الله العون لإتمام هذا العمل التاريخي المهم. وهناك مشروعات أخرى عديدة، لكنها ما زالت مجرد أفكار أتمنى أن تتبلور قريبًا- إن شاء الله- في خطط عمل حقيقية.