المعضلة التي تتكرر كل سنة؛ هل يُرى الهلال أم لا يُرى، وكأن النظر إلى الهلال عبادة في حد ذاته. وفي هذه السنة سيتكرر الأمر وسيكون الخلاف شديدا حيث إن مدة مكث الهلال في غالب الدول الإسلامية لا تكفي لرؤيته.
ولكن السؤال: إذا علمنا بالحواس وليس بالحساب -وأضع تحت عبارة (بالحواس وليس بالحساب) ألف خط- أن الهلال تولد فهل يجب علينا الانتظار إلى أن يبلغ الهلال حجمًا يمكن لشخصين أيًّا كانا أن يريا قوس الضوء المتكون بعد ابتعاد القمر مقدارًا يكفي لذلك.
وإذا شاهد الملايين بأعينهم حسًّا لا حسابًا انفصال القمر عن الشمس عيانًا، ودخول الشهر يقينًا؛ فهل عليهم أن يُنكروا ما رأوا وينتظروا إلى أن يرى شخصٌ ما الهلال، ثم نختلف هل هو صادق أم كاذب؟
إن الخلط والخبط هنا ليس مقتصرًا على أهل الفقه الذين يتكلمون دون تصور واضح للوضع الفلكي. بل هو كذلك بالنسبة لأهل الفلك والحساب الذين يتكلمون في الفقه بلا تصور واضح.
فمن الذي جعل الرؤية لقوس الضوء في الهلال بهذا المعنى هي مناط الحكم؟
إن الحديث الذي يقول: نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نحسب. الشهر هكذا وهكذا وهكذا، فإذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا بكل صِيَغه :
- (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) (رواه مسلم (2379))
- (لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه) (رواه البخاري (1906)، ومسلم (1080)).
كلها جاءت في معرض الرخصة لأمة أمية لا تجد وسيلة للتأكد من دخول الشهر إلا برؤية الهلال واضحًا مشيرًا إلى أن الشهر قد دخل قبل ذلك بمدَّة، وهو رخصة لأنه قد يدخل الشهر قبل ذلك بليلةٍ ولا يصوم الناس لأنهم لم يروا الهلال، أو يصوم الناس العيد لأنهم لم يروا الهلال، فعُفِي لهم عن ذلك وسُومِحوا فيه ولم يُكَلَّفوا -لأميتهم- بأكثر مما يستطيعون.
وفي شهرنا هذا شوال ١٤٤٦ للهجرة سيرى الكوكبُ كلُّه ظاهرةً فلكيةً مشاهدةً هي كسوف الشمس في تمام الحادية عشرة وخمسين دقيقة بتوقيت مكة المكرمة، الثامنة وثمانٍ وخمسين دقيقة بتوقيت غرينتش، وانجلاء ذلك الكسوف بعد ذلك بثلاث ساعات وثلاث وخمسين دقيقة أي في تمام الثالثة وثلاثٍ وأربعين دقيقة مساء بتوقيت مكة المكرمة، الثانية وثلاثٍ وأربعين دقيقة بتوقيت غرينتش، وذلك ينبئ يقينًا عن دخول الشهر قبل غروب الشمس.
ففيم انتظار تكون قوس الضوء على سطح القمر؟
أمشكلة في الفقهاء الواقفين مع الرؤية تعبُّدًا بها ولو خالفت ما يُفهم من ظواهر الأدلة؟
أم في الفلكيين الذين خرجوا من تخصصهم وأخذوا يتكلمون في قدرة العين البشرية على رصد قوس الضوء وشروط تحققه وهي ظنون غير قاطعة؟
أم في العقل الذي يأبى الوقوف على القواطع ويستمرئ الجدل في المظنونات وإقامة المعارك بين ترجيحات الظنون؟
هدى الله الأمة لفهم الدين وترك التعصب، وإلى أن يرشدوا أقول للناس كل ما يفعل بكم الفقهاء والفلكيون فله وجه في الشرع ولو على سبيل الرخصة، فما أدى إليه اجتهاد جهات الفتوى الشرعية في بلدكم فصواب أو قريب من الصواب ولكم فيه سعة.
فلا داعي للجدل والمفاضلة بين صحة عيد هؤلاء وخطأ فطر أولئك.
والله جلَّ وعزَّ المقصد، وهو سبحانه المستعان.