بدايةً؛ لا بدّ أن نقرّ ونعترف للفرق العربية المسلمة المشاركة في كأس العالم بقطر أنهم ما قصّروا أبداً – ربما باستثناء فريق واحد- فلقد صدقوا ما عاهدوا عليه الجماهير، ولعبوا برجولة كأنهم في ساحة قتال ، وبذلوا قُصارى جهدهم (وهو جهد مشكور لن يُنسى أبداً بمشيئة الله)، ودون ذكر التفاصيل أو التخصيص، لولا الحظ (القدَر) ثم بعض الظروف الملازمة لبعض المباريات لحققت المنتخبات العربية نتائج أفضل بكثير .. وإنهُ لإنجاز تاريخي أن تصل إحداها إلى المربع الذهبي في هذا الجمع العالمي الضخم . لكن الناس -أسأل الله أن يهدي الجميع- استعجلت وظلت تتكلم وتَجزِم -وربما تُقسم- بأمر هو من الغيب ، وهو ( أن الكأس سيكون للفريق الفلاني ) حتى قبل أن يصعد للمباراة النهائية !
وفرق كبير بين التفاؤل، وبين الجزم بأمر غيبي ليس لنا به علم، وذلك جرّاء الثقة العمياء بما تحقق في اللقاءات السابقة !
﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ [مريم: 78]؟ فجازانا الله بمثل ما صنعنا !
﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: 165]
وأمرٌ آخر أتى به الناس لا بدّ من ذكره، وهو من أمر الجاهلية الأولى؛ انشغل الناس بالتشاؤم بأحد الجماهير، وبالطيور وربما بالأُخطبوط وبالبوم والسلاحف والبعوض !
ونسي (الكثيرون) أن يُرجعوا أمر الانتصار إلى علم الله تعالى وتوفيقه، وربما أصاب البعض العُجب والاستهانة بالخصم، فانشغلوا في غمرة الفرح أن يقولوا: إن شاء الله، أو نرجو الله أن يكون كذا وكذا، وربما نسي البعض أن الله تعالى هو الفعّال لما يريد! وأنه لا يتحرك ساكن إلا بأمر الله ولا يسكن متحرك إلا بمشيئته سبحانه، وأنه لا مانع لما أعطى الله -جلّ جلاله- ولا معطي لما منع، وأن ما أصابك لم يكن ليُخطئكَ، وما أخطأكَ لم يكن ليُصيبك .
﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص: 68]
خرجوا بالتظاهر والهتافات بكلمات من قبيل؛ (إلا رسول الله)، وأكثِروا من الصلاة والتسليم عليه -بنفسي هو وبأبي وأمي-، وهذا في الواقع أمرٌ رائع وجميل.
لكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هو مُعلّمُنا وأسوتنا، وهو الذي غرس عقيدة المسلم في نفوسنا، والتي علمنا الله تعالى إياها في كتابه ورسولُه -عليه صلوات ربي وسلامه- في سنته وسيرته المطهرة … فلا يكفي أن نصلي عليه وندّعي حبّه، ونحن لا نتّبع هديه ووحي كتابه !
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران: 31]
أقصد أن الكثيرين وقعوا فيما نهى الله عنه ورسولُه، فأشاعوا عن (أحد متابعي البطولة) أنه رجلٌ منحوس، فالرجل صدّق، وجارى الناس واستجاب لهم … وكان يتألم من وصفه بهذا، وإن أظهر خلاف ذلك !
وهذا من الغلط الفاحش ، وباب من أبواب الإثم ؟؟ قال عليه الصلاة والسلام؛ ( لا عدوى لا طيرة ولا هامة ولا صفر) والتشاؤم والتطيّر يجلبُ ما يُتشاءم به، والبلاء -كما تقول العرب- موكّل بالمنطق! أي بالكلمة التي ينطق بها الإنسان … وهو أمر خطير يقع فيه كثير من المسلمين .
وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي فليظنّ بي ما شاء )!
والتشاؤم من أعمال الشرك ومن بقايا الجاهلية، لكن بعض الناس هداهم الله أخذوها على ذلك الشخص بنوع من الجِدّ … والأمر الأدهى هو ما قامت به بعض القنوات الفضائية للأسف الشديد -التي لها انتشار كبير على مستوى العالم العربي، ولها تأثير عظيم في قلوب الملايين، بالأخص الناشئة والأطفال، والعامّة الذين يجهلون دين الله، ذلك مما ابتدعوه من التشاؤم أو التوقع بطير الصقر المسمّى (ليبرو).
وهو تقليد أعمى وانزلاق مشين لعادات ما أنزل الله بها من سلطان، أوّل من قام بها الغرب النصراني (بالتوقع بالأخطبوط في البطولات السابقة) فصدّقهم وقلدهم العرب !
وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لتَتَّبعُنّ سَننَ من كان قبلَكم ، شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لدخلتُموه ) قالوا : من يا رسول الله، اليهود والنصارى ؟ قال: (فمَن)؟ أي: فمَن غيرهم .
أرجو من كل صاحب كلمة وتأثير على الشاشات وفي المواقع تصحيح هذه المفاهيم المغلوطة، التي تدخل في النهي الوارد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في قوله: (ومن سنَّ سُنَةً سيئة فعليه وِزرُها ووِزر من عمل بها إلى يوم القيامة)، و(التائب من الذنب كمن لا ذنب له).