زينب بنت جحش بن رئاب المخزومية، كانت زينة فتيات مكة تتباهي بأصالة أرومتها وطيب عنصرها فقد جمعت المجد من طرفيه قمة في فصاحة اللسان، وذروة في الفضائل والأخلاق. وهي إحدى زوجات النبي – -، وابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب، وإحدى أمهات المؤمنين.

أسلمت زينب بنت جحش أم المؤمنين  – رضي الله عنها – وآمنت وبايعت وظلت عزباء، إذ ردت كثيرا من الأيدي التي تقدمت لها، لأنها لا تجد فيمن رغب بالزواج منها تكافؤا اجتماعيا.

من هي زينب بنت جحش؟

هي زينب بنت جحش بن رياب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة. وأمها هي عمة النبي محمد أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي.

اسمها “زينب”، وتكنى “أم الحكم”، وقيل كان اسمها “برة”، فلما دخل عليها النبي سماها زينب، وقيل بأنها ولدت في مكة قبل الهجرة النبوية ب 33 سنة.

ولدت زينب بنت جحش في مكة سنة 32 قبل الهجرة – وتوفيت في المدينة سنة 20 هــ أو 21 هــ) ولدت في مكة قبل الهجرة ب 33 سنة ونشأت بها. أسلمت قديما، وكانت من أوائل المهاجرات إلى المدينة المنورة، وكانت متزوجة من زيد بن حارثة.

شهدت غزوة الطائف وغزوة خيبر، وشاركت في حجة الوداع، ولم تحج بعد وفاة النبي، ولزمت بيتها حتى توفيت. وكانت وفاتها في المدينة المنورة سنة 20 هــ، وقيل 21 هــ، وكانت أول زوجات النبي لحاقا به، وصلى عليها عمر بن الخطاب، ودفنت بالبقيع.

عرف عن زينب حبها للخير وكثرة تصدقها، حتى عرفت ب «أم المساكين»، وكانت زاهدة في الدنيا. وقد روت عن النبي طائفة من الأحاديث، وروى عنها ابن أخيها محمد بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وكلثوم بن المصطلق الخزاعي، وأم حبيبة، وزينب بنت أبي سلمة.

إسلامها وهجرتها

أسلمت زينب بنت جحش قديما وبايعت، ولم تذكر كتب التراجم قصة إسلامها، قيل بأنها هاجرت إلى الحبشة، ثم عادت إلى مكة، حيث ورد في كتاب «شهداء الإسلام في عهد النبوة» ما نصه: «وكان على رأس بني جحش عبد الله بن جحش سيد الحي، دعا رسول الله دعوته فآمن به قبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم ثم أمرهم رسول الله بالهجرة إلى الحبشة فهاجر هو وأخوه أبو أحمد وأخواتهما زينب وحمنة وأم حبيبة ثم حين عادوا إلى مكة أمرهم الرسول، ، بالهجرة إلى يثرب فهاجر الحي بأكلمه، من ذهب منهم إلى الحبشة ومن لم يذهب».

بينما استبعد البعض أن تكون زينب بنت جحش قد هاجرت إلى الحبشة، بسبب عدم وجود أي دليل أو رواية تثبت صحة ذلك، كما لم يرد اسمها ضمن أسماء المهاجرين، وقيل بأنها بقيت في مكة وقت هجرة المسلمين إلى الحبشة. وقد هاجرت إلى يثرب بعد هجرة النبي إليها، وكانت من المهاجرات الأول.

زواجها من النبي

يروى أن زينب تقدم لخطبتها رجال من قريش، فأرسلت زينب إلى النبي تستشيره، فاختار لها النبي زيد بن حارثة زوجا، فقالت: «أنا ابنة عمتك يا رسول الله، فلا أرضاه لنفسي»، فأنزل الله: ﴿وَمَا ‌كَانَ ‌لِمُؤْمِنٍ ‌وَلَا ‌مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: 36]، فأرسلت زينب إلى النبي، ورضيت بذلك، وجعلت أمرها للنبي، فزوجها من زيد بن حارثة، وساق لها رسول الله عشرة دنانير، وستين درهما، وخمارا، ودرعا، وإزارا، وملحفة، وخمسين مدا من طعام، وثلاثين صاعا من تمر.

وكان هذا الزواج مثالا لتحطيم الفوارق الطبقية الموروثة قبل الإسلام، إذ إن زيدا -وهو أحد الموالي- تزوج زينب التي كانت من طبقة السادة الأحرار.

مكثت زينب عند زيد قريبا من سنة أو فوقها، ثم وقع بينهما الخلاف، فهم زيد بتطليقها، فرده النبي قائلا: “أمسك عليك زوجك واتق الله”، ثم طلقها زيد. قال أبو بكر بن العربي: “إنما قال عليه الصلاة والسلام لزيد أمسك عليك زوجك، اختبارا لما عنده من الرغبة فيها أو عنها، فلما أطلعه زيد على ما عنده منها من النفرة التي نشأت من تعاظمها عليه أذن له في طلاقها”.

بعد طلاق زينب من زيد بن حارثة، وانقضاء عدتها، نزلت الآية التي تزوج فيها النبي من زينب، قال تعالى:﴿‌وَ إِذْ ‌تَقُولُ ‌لِلَّذِي ‌أَنْعَمَ ‌اللَّهُ ‌عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ [الأحزاب: 37].

وجاء أن النبي كان جالسا يتحدث مع عائشة، فأخذته غشية، فسري عنه، وهو يبتسم، ويقول: «من يذهب إلى زينب، ويبشرها أن الله قد زوجنيها من السماء». وروي أن النبي أرسل زيد بن حارثة لزينب، وقال له: «ما أجد أحدا أوثق في نفسي منك، اذهب، فاذكرني لها»، يقول زيد: «فلما قال ذلك عظمت في نفسي، فذهبت إليها، فجعلت ظهري إلى الباب، فقلت: يا زينب أبشري، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطبك»، ففرحت بذلك، وقالت: «ما أنا بصانعة شيئا، أو ما كنت لأحدث شيئا، حتى أؤامر ربي عز وجل». فقامت إلى مسجد لها فصلت ركعتين، وناجت ربها، فقالت: اللهم إن رسولك يخطبني، فإن كنت أهلا له، فزوجني منه.

وكان زواجها من رسول الله لهلال ذي القعدة سنة 5 هــ، وهي يومئذ بنت خمس وثلاثين سنة. وروى ابن سعد أن عائشة سئلت: «متى تزوج رسول الله زينب بنت جحش؟»، قالت: «مرجعنا من غزوة المريسيع أو بعده بيسير». وقيل إن النبي تزوجها سنة 3 هــ، ويقال تزوجها سنة 4 هــ، وقال ابن إسحاق: تزوجها رسول الله بعد أم سلمة.

وبعد زواج النبي من زينب بنت جحش، تكلم المنافقون، فقالوا: حرم محمد نساء الولد، وقد تزوج امرأة ابنه. فنزل الوحي بقوله تعالى: ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: 40] وبقوله تعالى: ﴿ ‌ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 5]

روايتها للحديث النبوي

تعد زينب بنت جحش من رواة الحديث النبوي، فقد روت عن النبي .وروى عنها: القاسم بن محمد بن أبي بكر مرسلا، وكلثوم بن المصطلق الخزاعي، وابن أخيها محمد بن عبد الله بن جحش، ومولاها مذكور، وزينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي، وأم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي. كما روى لها الجماعة، ولزينب أحد عشر حديثا، اتفق البخاري ومسلم على حديثين روتهما.

زينب بنت جحش المتصدقة بالأموال

كانت شهرة زينب بنت جحش – رضي الله عنها – بشأن الصدقة أكثر منهن جميعا فما كانت لترضى أن تبيت درهما في دارها قبل أن تتصدق به على من هو بحاجة إليه، تنفق كل ما يصل إلى يدها من عطاء تقربا إلى الله – تعالى – واقتداء بسيدنا رسول الله – -.

يروى أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أرسل إلى أم المؤمنين زينب بالذي لها من الصلة والرزق فلما أدخل عليها قالت: غفر الله لعمر غيري من إخواني كان أقوى على قسم هذا مني، فقالوا: هذا كله لك قالت: سبحان الله، ثم استترت بثوب وقالت صبوه واطرحوا عليه ثوبا وقالت لبرة بنت نافع: أدخلي يدك فاقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان من أهل رحمها وأيتامها حتى بقيت بقية تحت الثوب فقالت لها برة: يا أم المؤمنين غفر الله لك والله لقد كان لنا في هذا حق، فقالت: لكم ما تحت الثوب، قالت برة: فوجدنا تحته خمسة وثمانين درهما ثم رفعت زينب يدها إلى السماء فقالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا.

ويروى أن عطاءها بلغ اثني عشر ألف درهم، لم تأخذ إلا في عامها هذا وفرقته على اليتامي والمساكين والمحتاجين، لقد كانت جميع زوجاته – – حريصات على البر بالمساكين والمحتاجين ولا يدخرن وسعا في الإنفاق والبذل راجيات من الرب الكريم أن يتقبل صدقاتهن أحسن القبول.

زينب بنت جحش المتصدقة بالأكفان

ولما حضرتها الوفاة في العام العشرين من الهجرة وكانت قد بلغت الثالثة والخمسين من عمرها أرسل لها عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بخمسة أثواب من الخزائن يتخيرها ثوبا ثوبا، فكفنت فيها وتصدقت أختها (حمنة) عنها كما أوصيت بكفنها الذي أعدته لتكفن فيه.

وبهذا التصرف تعطي زينب أم المؤمنين – رضي الله عنها – للمؤمنين والمؤمنات من بعدها خير المثل وأعظمه في احتساب ماديات الدنيا كلها عرضا زائلا تبتغي به الدار الآخرة التي هي أخلد وأبقى.

وفاتها

توفيت زينب بنت جحش سنة 20 هــ، حسب المشهور، وقيل: بل توفيت سنة 21 هــ، وفيها افتتحت الإسكندرية، وكان لها من العمر 53 سنة، وهي أول نساء النبي لحاقا به. وروى مسلم في صحيحه عن عائشة بنت أبي بكر أنها قالت: «قال رسول الله : «أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا» قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا، قالت: فكانت أطولنا يدا زينب، لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق.