هل تعرف قصة القائد الذي غيّر وجه الشام، وخلد اسمه في سجلات الفتوحات الإسلامية ؟ شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه، أحد أعمدة الإسلام الذين حملوا رسالة التوحيد. شهدت حياته محطات بطولية جعلته رمزاً للقيادة، وبفضل حكمته وشجاعته تحولت مناطق إلى حواضر نابضة بالإيمان والحضارة.

أبو عبد الله شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه، من أبرز القادة المسلمين في عصر الفتوحات الأولى، وأحد الصحابة الذين حازوا شرف الصحبة. عاش شرحبيل حياة ملؤها الإنجاز، منذ أن كان كاتبا للوحي في عهد النبي ، إلى أن غدا قائداً لجيوش المسلمين في فتوح الشام.

في هذا المقال، نستعرض سيرة هذا القائد الفذ والصحابي الجليل.

البدايات

شرحبيل بن حسنة وهو شرحبيل بن عبد الله بن المطاع بن عمرو، من كندة، حليف لبني زهرة، يكنى أبا عبد الله. نسب إلى أمه حسنة، وكانت مولاة لمعمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح.

أبصر شرحبيلٌ النورَ في مكة المكرمة، فنشأ في بيتٍ جمع أنساباً شريفة. فأبوه عبد الله بن المطاع بن عمرو بن كندة، وأمه حسنة التي نُسب إليها. قيل: إنه كندي، وقيل: تميمي، وقيل غير ذلك. وهو أخو عبد الرحمن بن حسنة، وسفيان بن معمر بن حبيب أخوه لأمه حسنة. حملته الأقدار بين بيوت قريش والأنصار، إذ تزوجت أمه بعد وفاة أبيه برجلٍ من بني زريق.

قال ابن هشام : هو شرحبيل بن عبد الله أحد بني الغوث بن مر أخي تميم بن مر. (1)

وقال ابن إسحاق: أمه حسنة؛ امرأة عدولية، ولاؤها لمعمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، تزوجها سفيان رجل من الأنصار، أحد بني زريق بن عامر، ويقال له: سفيان بن معمر؛ لأن معمر بن حبيب الجمحي حالفه وتبناه وزوجه من حسنة، وقد كان لها من غيره شرحبيل، فولدت له جابرا وجنادة ابني سفيان، فلما قدموا من الحبشة نزلوا على قومهم من بني زريق في ربعهم، ونزل شرحبيل مع أخويه لأمه، ثم هلك سفيان وابناه في خلافة عمر بن الخطاب، ولم يتركوا عقبا، فتحول شرحبيل بن حسنة إلى بني زهرة، فحالفهم، وذكر باقي خبره. (2)

صحبة شرحبيل بن حسنة للنبي

كان شرحبيل من المائة السابقين إلى الإسلام، ومن المهاجرين، ممن شدّوا الرحال إلى الحبشة في الهجرة الثانية. كان كاتباً للوحي عند النبي ، وغزا معه عليه السلام غزوات عديدة.

كان ممن يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. فعن الشفاء بنت عبد الله قالت: دخل عليّ النبي فسألته وشكوته إليه، فجعل يعتذر إلي، وجعلت ألومه.

قالت: ثم إنه حانت صلاة الأولى، فدخلت بيت ابنتي وهي عند شرحبيل بن حسنة، فوجدت زوجها في البيت فوقعت به ألومه: حضرت الصلاة وأنت هاهنا؟ فقال: يا عمة لا تلوميني، كان لي ثوبان استعار أحدهما رسول الله ، فوجدت في نفسي من ذلك، فقلت: ومن يلومه وهذا شأنه؟ قال شرحبيل: إنما كان أحدهما ثوب درع فرقعنا جيبه.

كان شرحبيل هو الذي أتى بأم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان من الحبشة بعد أن تزوجها رسول الله . وقد زوّجها إياه عثمان بن عفان، وهي بنت عمته، أمها ابنة أبي العاص. زوجها النجاشي وجهزها إلى رسول الله ، وأصدقها أربعمائة دينار، وأولم عليها عثمان رضي الله عنه، وبعث إليها رسول الله شرحبيل بن حسنة، فجاء بها.

دوره في الفتوحات

جاءت الفتوحات فكشفت عن قائدٍ فذ نبيه. كان شرحبيل أحد الأمراء الذين عقد لهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى الشام. لمّا ولّاه أبو بكر وعمر على جيوش الشام، كان دوره محورياً في عدة معارك فاصلة. فساهم في اندحار الروم ونشر الإسلام في الربوع المباركة.

شهد شرحبيل اليرموك، وفتح بيت المقدس، وقاتل في اليمامة. فتحَ الأردن كلها عنوة ما خلا طبرية التي صالح أهلها، وذلك بأمر أبي عبيدة بن الجراح.

تحولت الأردن على يدي شرحبيل من معقل روماني إلى حاضرة إسلامية. ومهّد فتحه لها طريق تحرير فلسطين، وأرسى من خلالها قواعد حكمٍ إسلامي امتد أثره عبر القرون.

وفاته

عندما نزل بالشام طاعون عمواس، خطب عمرو بن العاص رضي الله عنه بالناس فقال: إن هذا الطاعون رجس فتفرقوا عنه في هذه الشعاب وفي هذه الأودية. فبلغ ذلك شرحبيل بن حسنة، فغضبَ فجاء وهو يجر ثوبه معلق نعله بيده وقال: صحبت رسول الله وعمرو أضل من حمار أهله. ولكنه رحمة ربكم ودعوة نبيكم ووفاة الصالحين قبلكم. ثم قضى نحبه بالطاعون في غور الأردن، في ذات اليوم الذي استشهد فيه أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، سنة ثماني عشرة للهجرة، وكان عمره سبعاً وستين سنة.

خاتمة

بقيت سيرته درساً في التضحية والإخلاص، ونموذجاً للجيل الفريد الذي صنع التحول الكبير في تاريخ المنطقة. عاش للإسلام، وجاهد في سبيله، وختم حياته شهيداً في أرضٍ حررها بسيفه وحكمته.