هل تصاب كثيرا بالصداع من سوء تصرفات أبناءك؟.. ماذا تفعل عندها؟ عادة ما ننقسم في التعامل مع الصداع لفريقين، منا من يكتفي بابتلاع المسكنات، ومنا من يجري الفحوصات ليقف على السبب الحقيقي للصداع ليعالجه، ويشبه تعاملنا مع سلوكيات أبنائنا السلبية إلى حد كبير تعاملنا مع الصداع، فإما أن نتناول مسكنات بتعاملاتنا السطحية مع سلوك أبنائنا، أو أن نقف على السبب الحقيقي لسوء السلوك بتشخيص عميق..
وكل الأطفال يسيئون السلوك لبعض الوقت، وهذا جزء طبيعي من نموهم وتعلمهم، ويتأثر سلوك الأطفال تأثرا كبيرا بالأشخاص والبيئة المحيطة بهم. وإذا ما وقفنا على السبب الحقيقي، سيصبح من الأيسر علينا إيجاد حلول فعالة للمشكلة
وعادة ما تكون سلوكيات الأطفال واقعة في أحد هذه الأسباب الرئيسية:
1- محاولة الطفل الحصول على احتياج “شرعي“، فالأطفال لديهم العديد من الاحتياجات التي يفتقدون أحدها أحيانا، حتى في أفضل الأوضاع الوالدية، ومنها:
احتياجات جسمانية: كالجوع، والعطش، والتعب، والإرهاق، والرغبة في النوم، والقرب الطبيعي منه، والتواصل الجسدي معه كالتربيت عليه، والاحتضان،…
احتياج لخفض / رفع الاستثارة (الملل / الاستثارة العالية):
فالأطفال بحاجة للبيئة المحفزة والمثيرة بدرجة كافية، ويحتاجون لأنشطة ذات مغزى، وغالبا ما يبدأ سوء السلوك مع النشاط المفرط في السهولة، أو المفرط في الصعوبة.
احتياج للانتباه
يسيء الطفل السلوك عندما لا يحصل على التقدير أو الانتباه الذي يشعر أنه يستحقه، فالأطفال يرغبون في جذب الانتباه، ولا يمكنهم بالطبع طلب هذا بطريقة ناضجة، فنجدهم يعبرون عنه بصورة رفضهم لتسلية أنفسهم، أو بالتشبث بآبائهم، أو حتى بالانخراط في عراك مع أحد الأشقاء، وكثيرا ما نسمع حينما يسيء الطفل السلوك عبارة: “إنه يجلب الانتباه”.
وإذا لم ينتبه أحد للطفل أثناء سلوكه الإيجابي، فإنه يبحث عن سلوكيات غير مقبولة لجذب الانتباه إليه، فالأطفال يشعرون بالأهمية حين يتم الانتباه لهم ولذا: “تأكد أنك تحرص على الإمساك بهم متلبسين بفعل طيب”.
الاحتياج للقوة والتحكم .. الاحتياج للتعلم
من الجدير بالذكر أن كلمة تأديب “discipline ” مشتقة من الكلمة اللاتينية “to teach” و التي تعني “تعليم”. ولذا فالطفل بحاجة مستمرة إلى فهم وتعلم ملايين الأمور اليومية البسيطة مثل: من خصائص الزجاج أنه ينكسر، الأسِرّة ليست للقفز، الأكواب توضع في منتصف المائدة، الجري في الشوارع من الأمور الخطيرة..، وعلينا كآباء توفير مثل هذه المعرفة والخبرات للأطفال على مدار اليوم والليلة في السياقات الطبيعية لها، وقبل أن يحدث الخطأ المرتقب الذي لا بد من حدوثه.
ويمكننا أن نجمل ما يحتاجه الطفل من التعلم والتدريب والمعرفة في:
– معرفة المقبول وغير المقبول من السلوكيات.
– معرفة طريقة أداء الأشياء.
– معرفة خصائص الأشياء.
– الحدود و القواعد.
– بحاجة لمعرفة كيفية الاختيار / تبعات كل اختيار.
إذا عرف السبب
2- المشاعر السلبية:
تعد معاناة الطفل من شعور سلبي كالضغوط، والصدمات التي لم تشف بعد، والغيرة، والإيذاء، وفقدان الثقة، والحيرة، والخوف، والألم، والحزن، والفقد من أهم الأسباب شيوعا لسوء السلوك، وفي نفس الوقت تعد هذه المشاعر الأكثر إغفالا من قبل الآباء والمربين، وكثيرا ما يتعرض الأبناء لمثل هذه المشاعر، إلا أنهم ليسوا بالبلاغة التي تمكنهم من التعبير عن مشاعرهم السلبية لفظيا، فيعبرون عنها بالسلوكيات، التي يجب أن نتخذ منها إشارة وعلامة تخبرنا بمعلومات مهمة لحل المشكلة، ولحسن الحظ فإن لدى الأطفال طرقاً خاصة للتنفيس عن مشاعرهم هذه كالبكاء، واللعب، والضحك، والاهتياج والصراخ أحيانا، ودورنا هو مساندة هذه الميكانيزمات الطبيعية لإخراج توتراتهم بشكل صحي.
والأطفال الذين يبكون ويهتاجون من أحداث تبدو تافهة -من وجهة نظرنا- فإنهم في حقيقة الأمر غالبا ما يكونون في محاولة علاج وشفاء جرح قديم، فإذا ما أمكنا أن نكون مستمعين محبين، وعاكسين جيدين لما يشعر به الطفل فإنه سيتغلب على صدماته و جراحه و سيتنازل عما نعتبره نحن “سوء سلوك “، وعلينا أن نتذكر دائما أن بكاء و صراخ و اهتياج الأطفال لابد أن يكون له سبب ظاهر أو غير ظاهر، ويمكن أن يكون أيضا حاضراً أو ماضياً!
تذكر : وراء كل سوء سلوك احتياج غير ملبى
الوقاية من سوء السلوك
تعد البيئة قليلة التوترات، والمفعمة بالحب والمرح بيئة صديقة للطفل، تيسر إظهار أفضل ما في الطفل، ولذا فإن الإبداع في خلق هذه البيئة يعد مربط الفرس للحياة الأكثر إيجابية مع الأبناء.
وهذه بعض الأفكار التي تعين على الحول دون وقوع أبنائنا في الكثير من سوء السلوك:
1- كن قدوة في حسن السلوك:
لكي تكون قدوة لأبنائك لا بد من توافر بعض الشروط “لسريان مفعول القدوة”:
– أن تجسد فعلا ما تود أن يلتقطه أبناؤك باستمرار وثبات.
– أن تكون قدوة متكلمة: تعبر عما تفعل وتختار، وتوضح أسبابك في الفعل والاختيار، توضح مشاعرك تجاه المواقف، ومعتقداتك، وقيمك التي تحركك.
– أن يتاح لأبنائك وقت حقيقي في مواقف متنوعة، يتلمسوا فيه أفعالك التي تود أن يقتدوا بها.
– الأهم على الإطلاق أن تكون هناك علاقة حب وود و قناعة و احترام وإعجاب بينك و بين أبنائك.. هل يمكن أن يقتدي شخص بآخر لا يحبه، أو يعجب به ؟!!
2- أعطه الانتباه الإيجابي:
– التفت إليه وقت الصواب وليس وقت الخطأ.
– امسك ابنك دوما متلبسا بحسن السلوك، ولتعلق تعليقا فعالا يزيد من تكرار نفس الفعل:
• صف ما ترى: “ما شاء الله، أراك تعطي أختك قطعة حلوى مما تحب”.
• أعط السلوك اسما “هذا هو الكرم.. بل الإيثار.
• انعت ابنك ليتقمص الدور: “عمر كريم مؤثر”.
وتذكر: إذا ما لاحظت الإيجابي سيزيد حتما.
دعه يعرف أنك ترى محاولاته للوصول للسلوك الجيد.
علق على المحاولة وليس النتيجة فالخطوة الأولى تجيء بالثانية.
3- توقع الخير تجده :
– دعه يعرف أنك تتوقع منه خيرا: “المرء عند ظن الناس به”.
– أعلمه أنك تتوقع منه أن ينجح وأن يحسن السلوك في المرة القادمة.
– أعلمه أنك تثق به وتثق بنواياه وبخلقه الطيب.
– علمه أن “خير الخطائين التوابون”.
4- علم ودرب:
– دعه يعرف المقبول وغير المقبول من الأفعال والتعليق بالطبع وقت الإتيان بالفعل المقبول قبل أن يصدر غير المقبول.
– علم الطفل ما تريد منه عمله ككيفية أداء الأشياء، وكن مرحبا دوما بالصبر لتكرار التدريب.
5- استخدم الأسلوب الإيجابي:
– استخدم كلمات مشجعة.. أسمع ابنك كلمات طيبة “صادقة غير مبالغة” عن نفسه.
– استخدم الأسلوب المثبت، أخبر الأطفال بما تريد وليس بما لا تريد “من فضلك العب على الأرض”، “العب بالكرة في الممر” بدلا من “لا تلعب على السرير” لا تلعب في الحجرة، فالمثبت يفهم بيسر أكثر و يترك في ذهن الابن ما عليه عمله بدلا من أن يعلق بذهنه ما لا يجب عمله، ويترك للطفل إمكانية الوصول لما يريد بطرق شرعية مقبولة.
6- ضع حدودا و قواعد :
– الحدود تخبر الطفل المتوقع منه، و في هذا أمان له، ووضحوا معه
– ثبت القوانين التي تراها ذات صلة بالقيم التي تود تثبيتها: الجدية، الصدق، الدأب و الاجتهاد، بذل الجهد، المسئولية الفردية والجماعية…
– ضع القواعد على الأشياء المهمة فقط، فالقوانين والقواعد والطلبات الكثيرة تحير الطفل وتغمره وتعجزه
– ضع عددا محدودا من القواعد والقوانين المفعلة أفضل من القوانين المعطلة “حبرًا على ورق”، والقواعد الفعالة تكون:
• على قدر قدرة الطفل.
• يعبر عنها إيجابيا، مثبتا. “بذل الجهد لمدة ساعة متواصلة يعني قدرتك على اللعب مع أصدقائك مساء”.
• ذات صلة بالفعل: فالجزاء من جنس العمل وهو ما يعرف بالتبعات النمطية للعمل وهي تعتمد على منطق يفهمه الابن: الشجار يعني عدم القدرة على التفاهم، إذن علينا بالمكوث بمفردنا حتى نفكر في طريقة للتفاهم”، “اللعب بالعجلة في المكان المخصص لها يعني إمكانية اللعب بها اليوم التالي أيضا”.
• تعزز بتنفيذها دوما.
7- أعط خيارات وبدائل (تجنب صراعات القوة):
إعطاء الابن خيارات يعلمه اتخاذ القرارات بطريقة تدريجية و يمهد للقرارات الأهم والأصعب مستقبلا. و هو ما يمنحهم شعورا بالقوة والتحكم في سير حياتهم.
أعط بدائل أكثر من إعطاء أوامر؛ فالأوامر منفرة ولا يوجد من يحبها. “يمكنك اللعب بعد الغذاء” بدلا “لا تلعب الآن”. “يمكننا الخروج بعد الانتهاء من قراءة الجزء الثاني من درس” .. “بدلا من”، “لا خروج إلا بعد..”.
8- وفر البديل المناسب: إذا كان اللعب بالكرة في الحجرة ممنوعا، أخبر طفلك أنه يمكنه اللعب في….، اقبل احتياجه للعب واخبره بتفهمك لهذا الاحتياج “تريد أن تلعب الكرة.. تمام.. أين يمكنك أن تلعب بأمان دون أن تكسر الأشياء؟، حسنا: ماذا نفعل إذا ما كُسر شيء؟” هنا يكون ابنك شريكًا في القرار وبالتالي شريكًا في المسئولية، وأيضا يفكر في بدائل، تجنبنا الصراع و إلقاء الأوامر، الطفل يريد اللعب أنت تريد الحفاظ على الأثاث.. فكرا معا في الوصول للاحتياجين معا.
تذكر: التفاوض يعني:
– أخبر بما تريد “أود الحفاظ على الأثاث”.
– اعترف بما يريد “أعلم أنك بحاجة للعب الكرة”.
– دعه يعبر ما يريد “نعم، أحب لعب الكرة جدا، لا يمكنني الانتظار حتى آخر الأسبوع لأذهب إلى النادي”.
– فكرا في طرق للوصول للاحتياجين معا “إذن كيف يمكننا أن نحافظ على الأثاث، تلعب الكرة أيضا؟”.
9- استخدم الدعابة: الإنسان يستجيب للدعابة والأطفال ينطبق عليهم هذا المبدأ انطباقا أشد، الدعابة والمرح يقللان التوتر، ومن المعلوم أنه نادرا ما يسيء الطفل الذي يعيش في بيئة مرحة السلوك، بل على العكس فإنه يحاول جهده الإبقاء على جو المرح، ولذا يحاول محاولات جادة لتحسين سلوكه للمحافظة على هذا الجو اللطيف الذي يربطهم بآبائهم.
جرب:
“دعنا نتبادل الأدوار في غسل أسنان كل منا للآخر”
“ما رأيك أن نتسابق في حمل هذه الأطباق إلى المطبخ؟”..
“لم لا تحضر السكوتر لنحمل البضائع المتجهة للمطبخ؟”
10- احرص على تجنب المشكلة قبل حدوثها:
– خطط مسبقا: قضاء وقت طويل في السيارة أو في أماكن الانتظار أمر مثير جدا خاصة للأطفال الصغار، خطط لذلك.
– ارفع ما تخاف عليه.
11- مهد للانتقالات: بعض الأطفال لا يمكنهم التعامل (التأقلم) مع الانتقال المفاجئ من نشاط لآخر، و يحتاجون التمهيد
و لذا:
– أعلم الأطفال بالروتين اليومي ليضمن تخفيض التوترات اليومية بشأن نفس الأشياء المتكررة.
– وفر وقتا للانتقال: “موعد الأكل بعد ربع ساعة من فضلك أنهِ الجزء الذي بيدك من اللعب لتقف بعد ربع ساعة”. “سنذهب للمنزل بعد نصف ساعة، ما المتبقي حتى ينتهي هذا الشوط من المباراة التي تلعبها؟”.
12- ركز على المهم: ليس كل ما نمر به في الحياة اليومية على نفس الدرجة من الأهمية؛ فلا تعر كل الأمور نفس الانتباه ونفس الجدية في التعامل، احرص على الأولويات
و أخيرا : اقبل كونهم أطفالا .
نيفين عبدالله صلاح5>