في ظل ما فرضته العولمة من أنماط استهلاكية جديدة والمنافسة الشرسة بين مختلف الشركات لجمع أكبر عدد من المستهلكين لبضائعهم ومنتجاتهم، يجد المستهلك نفسه وسط تحديات جسيمة فيما يتعلق بأنماط الاستهلاك الجديدة التي فرضت نفسها بقوة في حياة الناس.
يقول البروفسير جيرالد زالتمان في كتابه “اللا وعي لدى المستهلك” إن 95 بالمئة من قرارات الشراء لدى المستهلكين تتخذ دون وعي منهم، و ذلك بسبب استخدام وسائل خداع ووسائط التأثير التي استطاعت الشركات إيصالها إلى مركز اتخاذ القرار عند الإنسان، وهو ما يسمى بـ”العقل الباطن”.
في العديد من المجتمعات الواعية تتخد هيئات المجتمع المدني ومنظماته عبء مواجهة هذه الظاهرة، ومحاولة صناعة الوعي لدى المستهلكين الذي أصبحوا عرضة لجشع الشركات، التي أغرقت الأسواق بملايين المنتجات بمختلف الخصائص والمواصفات.
تختلف طرق صناعة الوعي الاستهلاكي من مجتمع إلى مجتمع، حيث إن للعادات والتقاليد ومستويات التعليم دور بارز في صياغة هذا الوعي، الذي يعتبر بمثابة صمام أمان للمجتمع من الانجراف نحو الأنماط الاستهلاكية غير العقلانية، التي تتسب في تشوه في المجتمع، تتطرق هذه المقالة إلى أهمية صناعة الوعي الاستهلاكي ودورها في خلق مجتمع متوازن.
تأثير السياسات التسويقية
تقوم الشركات العالمية بتصميم سياسات تسويقية بمعايير ذات كفاءة عالية، والهدف من هذه السياسات هو إحداث التأثير في خيارات المستهلك، وجعله أسيرا لهذه المنتجات، تقوم هذه الشركات بإرسال فرق تسويق متخصصة، تجوب هذه الفرق دول العالم التى تندمج في هذه المجتمعات، وتحاول دراسة طبيعتها ونمط استهلاكها من خلال استخدام نظريات علمية متطورة في علم النفس، ومن خلال نتائج هذا المسح التى تقوم بهذه الفرق ترسم الشركات سياساتها الإنتاجية التي تستهدف هذه الأسواق واضعة في الاعتبار مجموعة العوامل المميزة لكل مجتمع، والتى من ضمنها مستويات الدخل، ومستويات الوعي، وأنماط الاستهلاك.
تؤثر هذه السياسات التسويقية المتطورة في التلاعب بعقول المستهلكين، بحيث تقدم لهم منتجات تم تصميمها من خلال مراعاة مجموعة من المؤثرات النفسية الخاصة بالمستهلك، وهكذا يجد المستهلك نفسه أمام خيارات مفروضة عليه، تتسبب له في استهلاك عشوائي يستنفد جيبه ويثقل كاهله.
هذه القيم الاستهلاكية التى فرضتها الشركات العالمية على المستهلك صنفها العديد من الخبراء الاقتصاديين على أنها قيم استهلاكية سيئة، تتسب في العديد من المشاكل في المجتمعات، منها: ضعف الادخار و توسيع الهوة بين طبقات المجتمع، وتنامي ظاهرة التبذير التى لها آثار سلبية كبيرة على الفرد والمجتمع.
نشر الوعي الاستهلاكي
من أجل مواجهة موجة أنماط الاستهلاك الجديدة قامت العديد من المنظمات والهيآت المدنية بحملة توعية شاملة تستهدف المستهلكين، هذه الحملات تدخل في إطار خلق وعي عند المستهلكين حول أهمية تقنين الاستهلاك وترتيب الأولويات بخصوص ما يتعلق بالنفقات، كما تقوم هذه المنظمات بإطلاق برامج توعية من خلال وسائل الإعلام، وعن طريق زيارات مباشرة للسكان في الأسواق والأماكن العامة لشرح مدى أهمية عقلنة الاستهلاك وضرورة تجنب الوقوع في فخ الاستهلاك السلبي وما يخلفه من آثار.
كما تشمل سياسات التوعية تزويد المستهلك بمعلومات وإرشادات تساعده على ضبط نفقاته، من خلال هذه السياسات استطاعت بعض المجتمعات التخفيف من آثار أنماط الاستهلاك السلبية، وجعلت من المستهلك مشتريا واعيا يمتلك السلوكيات السليمة في الإنفاق والاستهلاك.
تطورت أساليب نشر الوعي الاستهلاكي إلي أن وصلت مرحلة ظهور هيآت خاصة بحماية المستهلك، هذه الهيآت المدنية تعمل على نشر الوعي بين المستهلكين حول أهمية مراقبة المنتجات سواء من حيث السعر أو من حيث الجودة، ولهذه الهيآت دور رقابي مهم، ساهم في تخفيف آثار السياسات الاحتكارية، وخلق وعي لدى المستهلكين بضرورة مراقبة المنتجات.
الإعلام و محاربة الاستهلاك السلبي
تعتبر وسائل الإعلام بمختلف أنواعها من الآليات الفعالة في محاربة العادات الاستهلاكية السلبية، ذلك لما يمتاز به الإعلام من قوة وتأثير في صفوف الناس، حيث تسهم البرامج التلفزيوينة والإذاعية ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر الوعي بين المستهلكين حول العادات الاستهلاكية السلبية، والعمل على تفاديها من أجل مجتمع قوي وسليم.
ورغم أن وسائل الإعلام هي منصات لعمليات الإعلانات التجارية التى تؤثر في سلوك المستهلك، فهي أيضا منصة للبرامج التثقيفة حول نمط الاستهلاك السليم وتوعية المجتمع بخطورة العادات الاستهلاكية السلبية، التي تجتاح المجتمعات اليوم.
في العديد من دول العالم يتم منح مساحات إعلامية خاصة؛ تشمل برامج حوارية وأخرى تثقيفية على وسائل الإعلام الرسمية، وفي الصحف وتهدف هذه البرامج إلى خلق وعي لدى المستهلك حول المسلكيات الاستهلاكية السلبية ونتائجها، وقد أثمرت هذه البرامج في التقليل من آثار الأنماط الاستهلاكية غير العقلانية، التي فرضت نفسها اليوم في عصر العولمة. وفي حالات أخرى تمنح مؤسسات الإعلام الخاص كذالك فرص للجمعيات والمنظمات المدنية العاملة في مجال حماية المستهلك للتعريف بدور هذه المنظمات وتأثيرها في المستهلكين، وعن النتائج التى حققت في هذا الإطار. هكذا يعتبر الإعلام من الركائز الأساسية في نشر الوعي الإستهلاكي ومحاربة العادات الاستهلاكية السلبية.
تواجه المجتمعات أنماطا استهلاكية جديدة ذات بعد سلبي، وقد ساهم في انتشار هذه الأنماط جشع الشركات وتنافسها المحموم على الأسواق، وقد أثرت هذه الأنماط على سلوك الناس وطرق معيشتها، بحيث أصبح المستهلك مجرد آلة تحركها هذه الشركات، من خلال سياسات تسويق مؤثرة، هذه الظاهرة تحتم خلق وعي استهلاكي بين أفراد المجتمع لتفادي العادات الاستهلاكية السلبية، وتقليص حجم تأثير أنماط الاستهلاك الجديدة على الفرد والمجتمع.