كيف نرسخ القيم ونغرس المعارف؟ السر في ضرب الأمثال! وقفتنا التربوية في هذا المقال نتناول موضوع تعزيز القيم وغرس المعارف من خلال ضرب الأمثال ذلكم الأسلوب القرآني النبوي العظيم.

لطالما كان ضرب الأمثال أداة تعليمية فعالة، لكنه ليس مجرد أسلوب بلاغي، بل منهج قرآني ونبوي راسخ. فالله تعالى استخدم الأمثال في كتابه لتوضيح الحقائق وتقريب المعاني، كما في قوله: { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (الزمر : 27). وكذلك كان النبي يستعين بالأمثال في دعوته، ليجعل الموعظة أكثر تأثيرًا في النفوس وأرسخ في الأذهان.

ما الذي يجعل الأمثال بهذه القوة؟ ببساطة، لأنها تستند إلى صور مألوفة في حياتنا اليومية، فتجعل المفاهيم المجردة واضحة، مثل تشبيه المؤمن الذي يقرأ القرآن بـ”الأترجة” ذات الرائحة الزكية والطعم الطيب، أو المجتمع بالسفينة التي إن لم يتعاون ركابها هلكوا جميعًا.

فإذا كنت معلما، أو مربّيًا، فاجعل الأمثال أداة أساسية في توجيهك، لأنها تحفر المعاني في العقول والقلوب.

فالمتأمل في آيات الكتاب يجد الأمثال حاضرة في ثناياها، يقرأ في سورة البقرة فقط: { كمثل الذي استوقد ناراً } (البقرة: 17)، { أو كصيب من السماء } (البقرة: 19)، { إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ} (البقرة :26)، وقال تعالى : {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} (البقرة: 171)، وقال تعالى : { مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ } (البقرة : 261) ، وقال تعالى : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ } (البقرة : 264)، وقال تعالى : {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ } (البقرة : 265)، وقال تعالى : { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُۥ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍۢ وَأَعْنَابٍۢ…} (البقرة : 266)، وقال تعالى: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } (البقرة : 275).

هذا في سورة واحدة ناهيك عما في سور القرآن كله من الأمثال المضروبة وقد قال تعالى: { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (الزمر: 27).

وهكذا في سنة النبي تجد هذه الوسيلة التربوية حاضرة يستعين بها النبي على توضيح مواعظه فيضرب الأمثال بما يشهده الناس بأم أعينهم ، ويقع تحت حواسهم ، وفي متناول أيديهم ، ليكون وقع الموعظة في النفس أشد ، وفي الذهن أرسخ . ومن الأمثلة على ذلك ما روى أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال قال رسول الله – – : “مَثَلُ المُؤْمِنِ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ، مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ، رِيحُها طَيِّبٌ وطَعْمُها طَيِّبٌ، ومَثَلُ المُؤْمِنِ الذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ، لا رِيحَ لها وطَعْمُها حُلْوٌ، ومَثَلُ المُنافِقِ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ، مَثَلُ الرَّيْحانَةِ، رِيحُها طَيِّبٌ وطَعْمُها مُرٌّ، ومَثَلُ المُنافِقِ الذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ، كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ، ليسَ لها رِيحٌ وطَعْمُها مُرٌّ..” (متفق عليه).

ففي أي هذه الأقسام أنت ومع أيها تحب أن تكون هل تحب أن يكون طعمك طيب وريحك طيب لا شك ان الكل سيحرص على ان يكون كذلك

فما أبلغ الترغيب في هذا المثل الذي ضربه رسول الله ، وما أزجر هذا التحذير من النفاق والفجور !

وكذلك في قوله : “مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ, فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا, وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا, فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ, فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا, فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا, وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا” (رواه البخاري).

فتجد في هذا المثل البلغ العجيب أنه صنف الناس في المجتمع من خلال هذا الحديث الشريف إلى ثلاثة أصناف، أولهم: المستقيم على حدود الله تعالى الذي لم يتجاوزها، وهو الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، وثانيهم: التارك للمعروف المرتكب للمنكر، وثالثهم: المتباطئ عن دفع المنكر والنهي عنه.

وهذه الأصناف الثلاث حالها كحال ركاب سفينة أخذ كل منهم مكانه عليها بالقرعة.

وفيه تمثيل المجتمع بالسفينة العائمة في خِضَمٍّ واسع عميق عرضَة للأعاصير الهوجاء، والأمواج المتلاطمة المتدافعة. وما أدق التمثيل وأروعه!!

ضرب الأمثال لا يستغني عنه مرب حكيم ولا داعية مشفق ولا معلم أريب

فالمثل أوقع في النفس وأبلغ في الوعظ، وأقوى في الزجر، وأقوم في الإقناع.