يعتبر العالم والمفكر والأكاديمي السعودي الكبير عبدالحميد أبو سليمان رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي، أحد علماء وقادة العلم في هذه الأمة، ويعد بحق شخصية نادرة من كبار الشخصيات والعقول في المجتمع الإسلامي، ومن مؤسسي العديد من الجامعات والإتحادات والمعاهد، ورجل من طينة نادرة، غادرنا قبل أيام تاركا وراءه إرث علمي وثقافي إسلامي ضخم، عبارة عن عدد كبير من المؤلفات القيمة في الفكر والتاريخ والحضارة و الاقتصاد الإسلامي.
رحل المفكر الدكتور عبدالحميد أبو سليمان يوم 18 أغسطس 2021، عن عمر ناهز 85 عاما. وبرحيله – كما قال المفكر التونسي محمد بن نصر تكون الأمة قد فقدت “رجلا كان ينظر بعيون الأمة الطموحة في زمن الاستتباع القُطري، رجلا أراد أن يفعّل عقلا عقلته الوجدانيات الجماعية الجامحة والأماني العريضة والأسباب الغائبة”.
معروف عن عبدالحميد أبو سليمان أنه رجل قيادي كبير كان رئيسا للمعهد العالمي للفكر الإسلامي لعدة سنوات، كما كان مؤسسا ومديرا للجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وأمينا عاما ومؤسسا للندوة العالمية للشباب الاسلامي، والرئيس الأول والمؤسس للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، وأيضا من مؤسسي اتحاد الطلبة المسلمين في أمريكا وكندا والاتحاد الاسلامي للمنظمات الطلابية.
من هو العالم عبد الحميد أبو سليمان؟
ولد عبد الحميد بن أحمد أبو سليمان بمكة المكرمة عام 1355هـ / 1936م، وتوفي في 18 أغسطس 2021، ينتمي إلى عائلة مكية عريقة. حصل على تعليمه الابتدائي والثانوي منها، حيث تخرج في مدرسة تحضير البعثات سنة 1374هـ/1955م.
ثم غادر إلى القاهرة والتحق بكلية التجارة في جامعة القاهرة وحصل منها على شهادة بكالوريوس التجارة في قسم العلوم السياسية عام 1959م، كما حصل على ماجستير من ذات الكلية عام 1963م ليغادر بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ويلتحق بجامعة بنسلفانيا بفيلادلفيا، حيث حصل منها على شهادة الدكتوراه في تخصص العلاقات الدولية عام 1973م.
أثناء دراسته وإقامته في الولايات المتحدة ساهم في تأسيس اتحاد الطلبة المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية وكندا، والاتحاد الإسلامي للمنظمات الطلابية.
عمل الدكتور عبد الحميد بن أحمد أبو سليمان أميناً لاجتماعات المجلس الأعلى للتخطيط بالمملكة العربية السعودية، ثم عضواً في هيئة التدريس بكلية العلوم الإدارية (كلية التجارة سابقاً) في جامعة الملك سعود بالرياض (جامعة الرياض سابقاً)، ورئيساً لقسم العلوم السياسية فيها.
وهو من مؤسسي اتحاد الطلبة المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية وكندا، والاتحاد الإسلامي للمنظمات الطلابية، ورئيس مجلس الإدارة الأسبق لمدارس منارات الرياض. وهو الأمين العام المؤسس للأمانة العامة للندوة العالمية للشباب الإسلامي بالرياض بالمملكة العربية السعودية، والرئيس الأول ومؤسس المعهد العالمي للفكر الإسلامي، والمدير العام الأسبق للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، والرئيس المؤسس لمؤسسة تنمية الطفل، والمؤسس والرئيس الأسبق لجمعية علماء الاجتماعيات المسلمين بالولايات المتحدة الأميركية وكندا، ومؤسس ورئيس تحرير سابق للمجلة الأميركية للعلوم الاجتماعية الإسلامية.
والدكتور عبد الحميد أبو سليمان هو مؤسس ومدير الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا 1988م -1999م. ورئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1999م/1419هـ. وصاحب ومدير عام مكتب دار منار الرائد للاستشارات التربوية والتعليمية (الرياض) 1424هـ/2003م.
عبد الحميد أبو سليمان العالم المفكر
إلى جانب نشاطه الدعوي والفكري، ورئاسته لعديد من المؤسسات الإسلامية الأكاديمية والعلمية والفكرية والتربوية على مستوى العالم، فإن أبا سليمان عليه رحمة الله كان مفكرا مهتما بقضايا أمته والإنسانية، ومربيا حريضا على إخراج جيل يحقق نهضة حضارية لأمته، وكان رحمه الله يقود مشروع إسلامية المعرفة، والإصلاح الفكري، والتربوي، والاقتصادي، والسياسي للأمة الإسلامية. وأثرى المكتبة الإسلامية بمؤلفات نوعية من الكتب والأبحاث والأوراق العلمية والفكرية التي تتناول التغيير والجوانب الإبداعية الإصلاحية للأمة في العقيدة والرؤية الحضارية الإسلامية، وفي مجال المنهجية الإسلامية وتكامل العلوم وإسلامية المعرفة وفي الفكر والمنهج والثقافة، وفي التربية والوجدان المسلم.
كثيرا من جوانب حياة عبد الحميد أبو سليمان لا يمكن ان يدركها من لم يعايشه ويعرفه عن قرب. فهو ليس ممن يعملون ليسجل العالم إنجازاتهم ويحصلون بها على السمعة والمناصب، فما ينجزه في الخفاء أكبر بكثير مما ينجزونه في العلن.
أبو سليمان المربي
ولعل مما يبين حرصه على تربية جيل في الأمة يشعر بالانتماء للإمة، وينظر إلى قضياها نظرة حضارية قرآنية، حرصه لما كان مدير للجامعة الإسلامية العالمية على فتح الجامعة لطلبة العلم من كل بلدان العالم، وبخاصة الدول الإسلامية الفقيرة، فكان بالجامعة الإسلامية العالمية أثناء رئاسته لها، أكثر من 90 جنسية، يدرسون على حساب الجامعة، حيث كان يوفر لهم منحا، ولو في حدودها الدنيا، ليضمن لهم الاستقرار والدراسة والاعتناء بالدرس العلمي الاكاديمي، وبناء مناهج تفكيرهم بما يتجاوز “ازمة العقل المسلم” في عصور انحطاطه، ويفتح لهم آفاقا للتفكير في قضايا الامة معرفيا، وعلى أسس علمية.
ومما يدل على كونه مربيا كبيرا يهتم بتربية جيل جديد يخرج الأمة من تفككها وتخلفها، حرصه الدائم على تطوير مناهج التعليم بالجامعة، وجلب الأساتذة المتميزين، وتأسيس المقر الجديد للجامعة، بما يتوفر عليه من معمار إسلامي جميل، وبيئة صحية، وتوفير كافة المرافق التي تحقق التكامل التربوي معرفيا ووجدانيا وروحيا وسلوكيا ورياضيا ومهاريا لكل خريجيها، وسعيه أن تكون المناهج التي تقوم عليها الجامعة مبنية على أسس علمية تبني العقل النقدي، وتزود الطالب بالمهارات الكافية لينخرط الخريج بإيجابية في صناعة مستقبل وطنه وأمته.
ومما لا يعرفه كثير من الناس أن أبا سليمان قضى فترة رئاسته للجامعة الإسلامية العالمية مدة عشر سنوات أو أكثر، لم يكن يأخذ فيها راتبه، بل كان يتبرع به لصندوق دعم الطلبة المحتاجين. ليس هذا فحسب، بل كان يحرص على ربط الجامعة بمحيطها توصيل رسالتها لصناع القرار ولأهل المال والاعمال ليفهموا رسالتها، ويدعموا طلبتها، من أجل صالح الأمة ونهضتها الحضارية.
وبعد تقاعده من رئاسة الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، اتجه إلى تأسيس مدارس ورياض أطفال وفق فلسفة تربوية جديدة تحقق رؤيته التربوية الحضارية القرآنية، كما أسس مؤسسات ترعى الطفل والاسرة، واهتم بقصص الأطفال كثيرا، كما اهتم في الوقت نفسه بضرورة إصلاح التعليم ومناهجه، حيث يرى ان هذه الأمة لا يمكن ان تصلح ما دام التعليم فيها لم يتم إصلاحه.
بحوثه ومؤلفاته
للأستاذ عبد الحميد أبو سليمان عدد من الكتب والأبحاث والأوراق العلمية والفكرية التي تهتم – من المنظور الإسلامي – بالتغيير وبالجوانب الإبداعية الإصلاحية للأمة في العقيدة والرؤية الحضارية الإسلامية، وفي الفكر والمنهج والثقافة، وفي التربية والوجدان المسلم.
وهذه بعض مؤلفاته:
- “نظرية الإسلام الاقتصادية: الفلسفة والوسائل المعاصرة” (1960م).
- “أزمة العقل المسلم” (1986)م.
- “إسلامية المعرفة: الخطة والإنجازات” (1986م)
- “قضية ضرب المرأة وسيلة لحل الخلافات الزوجية!” (2003م).
- أزمة الإرادة والوجدان المسلم” (2004م).
- “الإنسان بين شريعتين 2005″ جزيرة البنائين: قصة عقدية تربوية (للصغار والكبار”).
- جزيرة البنائين: قصة عقدية تربوية (للصغار والكبار).
- “كنوز جزيرة البنائين: قصة عقدية تربوية” (للشباب والكبار”).
- ” الرؤية الكونية الحضارية القرآنية 2009 م”.
- انهيار الحضارة الإسلامية وإعادة بنائها: الجذور الثقافية والتربوية.
كما لـه إسهامات هامة في إقامة عدد كبير من المؤتمرات والندوات الفكرية والثقافية العالمية، والمحاضرة فيها، وتقديم الأوراق الفكرية وكتابة أوراق عملها، واقتراح الكثير من توصياتها.
الرؤية الكونية الحضارية القرآنية
يحاول المؤلف البروفيسور عبد الحميد أبو سليمانفي كتابه “الرؤية الكونية الحضارية القرآنية”، أن يُسهم في إعادة بناء العقل المسلم وتشكيله، من خلال الاهتمام بقضيّة تجديد منهجية الفكر الإسلامي والبحث فيه في مجال الدراسات الاجتماعية، الذي يعتريه بعض الانفصال بل والانفصام مع الدراسات الإسلامية، لتحقيق “فِكْر إسلاميّ واقعيّ فَعَّال في مختلف المجالات.
ويمثل هذا الكتاب مراجعة فكرية عميقة شاملة لقضية “رؤية الأمة الإسلامية الكونية”، وتتبع مسارها في التاريخ بما يفسر سبباً من أهم أسباب سالف رقي الأمة الإسلامية، كما يكشف عن وجوده التشوه التي أصابت رؤيتها الكونية الحضارية، والمخاطر التي تواجهها اليوم بسببها، وهو بذلك كتاب يسهم في تجليه وجه “الرؤية الكونية الحضارية القرآنية”، وكيفية إدراكها واستعادتها في عالم اليوم بما يمكن الإنسان المسلم، والأمة المسلمة، من استعادة سالف دافعيتها الإيجابية، وسالف قدراتها الحضارية الإعمارية الخيرة، استنقاذاً للأمة الإسلامية، واستنقاذاً لمستقبل الحضارة والإنسانية.
الإصلاح الإسلامي المعاصر
أما كتاب الإصلاح الإسلامي فيتناول عددا من القضايا المهمة التي تؤسس للإصلاح الإسلامي الإنساني، تستعيد بها الأمة مكانة العقل والتفكير المنهجي في تحقيق مقاصد الشريعة، وتعيد بناء مناهج التربية التعليم لتحقيق الأصالة الإسلامية المعاصرة.
كما يقدم إعادة نموذجية لقراءة الأنظمة الإسلامية قراءة منهجية، تزيل ما أصابها من تشوه، وتجسد بذلك نموذجا جيدا للأصالة المعاصرة. ويعرض كذلك قواعد الحوار والتواصل بما يحقق الغايات الإنسانية الراشدة لعالم تسوده روح الإخاء والعدل والسلام.
كما يضع الكتاب بين يدي القارئ الكريم تجربة الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وما قدمت من إصلاحات منهجية غير مسبوقة في الفكر التربوي والتعليمي والبحث العلمي وتأهيل الكوادر الفكرية والمهنية، مما أهل هذه الجامعة العالمية لمكانة عالمية مرموقة، ويقدم أيضا مزيدا من الاصطلاحات والتطوير للتعليم عامة،والجامعي على وجه الخصوص.
العلاقة بين المنهجية والأداء التربوي في الفكر الإسلامي
ويقول الدكتور عبد الحميد أبو سليمان أنهمن خلال فهم العلاقة بين الرؤية الكونية ومناهج المعرفة ومناهج التربية نستطيع اعادة النظر واعادة صيغة هذه الرؤية والمناهج لتعكس واقعنا وتستجيب لحاجات الأمة وظروفها وامكاناتها والتحديات التي تواجهها، حتى يمكننا اعادة بناء عقلية ابنائنا وبنائهم النفسي اللذين يقوم عليهما بناء المجتمع واداء افراده ومؤسساته، ويرسم طريق عطائه العمراني والحضاري.
ويؤكد أن أي اصلاح لا يقوم على فهم كلي شمولي لهذه العلاقات يكون اصلاحا عشوائيا، لا يكتب له النجاح .
كما يقو أنه ليس موضع جدل أنّ الأمة الإسلامية في كليتها تعاني اليوم من أزمة وجود حضاري وتقبع في هوة يتزايد مداها مع أمم العالم التي تملك زمام التقدم العلمي والتكنولوجي ليبلغ قيمة إنتاج الأمة أقل من قيمة ربع إنتاج اليابان. فإذا كانت اليابان ليست إلا مجموعة جزر بركانية صغيرة، ضئيلة الموارد الطبيعية، تغطي جل سطحها الجبال وتعصف بها الزلازل والبراكين، ويقطنها حوالي 130 مليون نسمة، أدركنا مدى الهوة التي بلغها ضعف أداء الأمة وأبنائها في مجال العلوم والعمران.
إنّ تخلف أداء الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها لم يفقدها فقط موقع الصدارة وعز القدرة وريادة الطريق ولكنه هدد كيانها السياسي والاقتصادي والثقافي وأثخنها سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعسكرياً بحيث لم يعد لها في الكثير من مقومات الأمم إلا الرسوم والشعارات المموهة الزائفة التي لا تخفى إلا على أبناء شعوبها الغارقة في الجهل والغفلة.
ويؤكد عبد الحميد أبو سليمان أنه لا بد للأمة من استعادة رؤيتها الكونية القرآنية وإصلاح مناهج تفكيرها وتربيتها للتخلص من قصور الأداء، والتخلص من أمراض الفردية والتمزق والصراع، وأمراض السلبية والاتكالية لتنتهي إلى نور الهداية، وعز العطاء، وقوة الوحدة والعلم والإبداع.
لا بد لنا من تنقية ثقافتنا ومكوناتها من الضلالات والخرافات والشعوذة والخزعبلات، وهذا لا يكون إلا بإصلاح المنهج الفكري أولاً بحيث يعتمد الوحي والعقل والكون مصادر معرفته، كما يعتمد الأساليب المنهجية الشمولية التحليلية المنضبطة وما يتبعها من أدوات تناسب كل مجال معرفي أداة لتوليد معرفته ونتخلص بذلك من العجز والقصور المعرفي الذي أورثتنا إياه العزلة المعرفية التي تنكرت لمعارف العقل في جوانبها الإنسانية والكونية التطبيقية. وبهذه المنهجية نستطيع أن ننقب تراثنا الفكري لانتقاء نفائسه وإسهاماته، ونتخلص من أخطاء توهماته وانحرافاته.
عبء التغيير على عاتق المفكرين والتربويين
يقول البروفيسور عبد الحميد أبو سليمان إنّ جوهر عبء التغيير يقع على عاتق المفكرين والتربويين من خلال الآباء والمدرسين بالدرجة الأولى، وعليهم المبادرة بحمل مسؤولياتهم دون انتظار للأدوار الرسمية التي تأتي ثمرة واستجابة لجهودهم وتأثيرهم في قاعدة بناء فكر ناشئة الأمة وتوجهات وجدانهم.
إنّ الطفل وتنميته الفكرية والنفسية، كانت وما تزال تمثل البعد الغائب في أداء مفكري الأمة ودعاة الإصلاح فيها، وكان خطابهم ـ وما يزال ـ يعنى بالبالغين، ولا بد لنا لإحداث التغيير في وجدان الأمة وبنائها النفسي أن نسد هذه الثغرة ونستعيد هذا البعد، ونهيئ الأسس لنجاح مشروع الإصلاح الإسلامي في النفس والمجتمع.
وعلينا أن نذكر أنه ليس القصد من هذه النظرة الناقدة إلقاء اللوم على أحد أو جيل، أو تهويناً من شأن عطاء الأجيال على أزمانها، وما حققته بما نهلت به من روح الإسلام من إنجازات جعلت الأمة لأمد طويل بكل المقاييس هي منارة العلم والحضارة.
ولكن القصد الاتصال مجددا بروح الإسلام ودفعه الإيماني العمراني لمواجهة تحديات زماننا وبوسائل إمكاناتنا، وبروح الإقدام والإبداع التي نحن أهل لها، مستفيدين من إيجابيات تراث الأجيال الذين أسهموا في خدمة الأمة والحضارة، ونتخطى عثراتهم التي أملتها ظروفهم التاريخية، ونتواصل معهم في دفع الحياة باتجاه الحق والهدى وقصد الخير وعمارة الكون.