على هامش المؤتمر الدولي حول “الإرهاب ،وسبل معالجته ” الذي نظمته كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر ،التقينا بالشيخ عبد الفتاح مورو النائب الأول لرئيس مجلس النواب التونسي والسياسي البارز في التيار الإسلامي في تونس وأحد القادة التاريخيين لحركة النهضة. فكان لنا معه هذه الدردشة حول ظاهرة الإرهاب وكيفية محاربتها وحول الأوضاع السياسية الحالية في تونس.
في الكلمة التي تفضلتم بها في المؤتمر ركزتم على الجانب الفكري للقضاء على الإرهاب ولخصتم الإرهاب في أنه “تعطيل فكر وقفز على الواقع” ،كيف يمكن القضاء على الإرهاب في نظركم؟
لا نستطيع أن نقضي على الإرهاب ولكن نستطيع أن نحاصره ،أن نقلص سنده في مجتمعنا ،ألا نجعل الشباب يعتبرون الإرهابيين قدوة تحتذى ،لأن هؤلاء الذين يمارسون الإرهاب حاليا يقدمون أنفسهم ويقدمهم غيرهم على أنهم أبطال المجتمع ،ولذلك الكثير من شبابنا يلتحقون بهم وبتنظيماتهم من أجل تحقيق البطولة. هناك سوء فهم وقصر نظر ..بعض الشباب يقولون أن هذا التنظيم الإرهابي أو ذاك قهر أمريكا و 57 دولة متحالفة معها. هذه البطولة يجب تمييعها ،يجب أن نبرز للشباب أن هؤلاء ليسوا أبطالا ،بل هؤلاء هاربون من الواقع. البطل هو الذي يستطيع تغيير الواقع وليس الذي يهرب منه.
– هناك اختلافات في محاربة الارهاب وكل دولة لها خططها واستراتيجياتها ،ومنطقتنا عرفت تجارب أخرى غير العراق وسوريا وتونس وليبيا كالذي حدث في السودان مثلا وفي الجزائر ..حيث تم القضاء على هذه الظاهرة في حدود معينة.
هذا صحيح ،لكن بثمن. فعشرية الجزائر كان ثمنها غاليا على المجتمع ،صحيح قضي على الإرهاب لكن الأمر لم يكن سهلا أبدا. وأنا أتصور أن في القضاء على الإرهاب لنا مثال له في أوروبا التي عرفت إرهابا في الستينات ،بل أن الحرب العالمية أصلا قامت على أساس الإرهاب ،لأن فكر موسوليني وفكر هتلر كان فكرا إرهابيا ،فكر إقصائي إستئصالي.
– من أين تبدأ عملية القضاء على الإرهاب ،هل تبدأ من السطح أو من العمق؟
استراتيجية القضاء على ظاهرة الإرهاب عمل مؤسسات وليس عمل أفراد ،هو عمل مشترك بين جميع فئات المجتمع الفاعلة ،كل قطاع أو كل مؤسسة تربوية وإعلامية واقتصادية وسياسية تقوم بدورها في إبعاد شبابنا على الفكر الإرهابي ومن ثم قطع الطريق أمامهم للالتحاق بالجماعات الإرهابية.
– بالنسبة للوضع في تونس التي عانت أيضا من الإرهاب هناك بعض الآراء تقول ان انتخاب الغنوشي داخل حزب النهضة انقلب على كتابات الغنوشي نفسه بشأن أفكاره عن الحرية والديمقراطية ،كيف ترى ذلك؟
أنا معك أن التداول هو أهم مظاهر الديمقراطية ،وكان برغبتي أن يدرك الجميع أن التداول حري أن يتم اليوم ،لكن ما داموا قد تعلقوا بالشيخ فهذا لا يمنع من أن يهيئوا أسباب قيادة جديدة تأخذ المشعل في المؤتمر القادم. و أنا أرغب في أن يتم ذلك بكل حرية وشفافية وبكامل الهدوء ،ولا أتصور أن الاستاذ راشد يمانع في ذلك ،ما داموا قد انتخبوه فلن يقول لا. كنت أتمنى أن يقول لا ولكنه لم يقلها ،لأنه نسيها ،ربما في المستقبل سيتذكرها ويقول “لا..لو..لي”.
– الحديث كان عن نية الترشح منذ البداية ،لماذا يأخذ هذه الخطوة ويترشح؟
نحن في حركتنا ليس هناك نية للترشح ،هناك ترشيح،وهذا مطب ،ولذلك أنا أطالب بتغيير أو تعديل هذه النقطة حتى يصبح هناك ترشح.
ما أريد أن أقوله بعيدا عن مسألة الترشيح والترشح ،أن الاسلاميين في تونس لم ينزلوا بعد الى الواقع. اليوم سينزلون الى الواقع ويدركون العقبات .سيدركون أن الناس ينتظرون منهم حلولا مادية لواقع متداول ولا يرغبون في خطب رنانة ونظريات جوفاء.
– كيف سيكون دور حزب النهضة في انتخابات 2019؟
قضية الانتخابات قضية جزئية ،الذي يهمنا كحزب أن يكون لنا اطلاع على الواقع ،معرفة بأسباب التدهور الذي نعيشه ،وأن تكون البدائل قائمة عندنا ،وهذا يفرض علينا أن نعد ملفات خدمية للواقع المتدهور خدميا :النقل ،الصحة ،التعليم ..إلى غير ذلك من الملفات. هذه ليست قضايا إيديولوجية ،هذه قضايا خدمية. هل تستطيع الحركة تقديم حلول عملية لهذه المطبات والمشاكل؟ أنا نصحت الشباب بأن يأخذوا أربع سنوات ،ويقومون بتهيئة حكومة ظل تشتغل بهذه القضايا وتقدم حلولا.
لا يهمنا قضية الانتخاب .هل ينتخبونني على أساس شعار أرفعه أم ينتخبونني على أساس واقع أريد أن أغيره ،ينتخبونني على أساس برنامج. إلى اليوم ليست لنا برامج ،نحن وبقية الأحزاب ،لأن هذه الأحزاب تكونت بعد الثورة ،عمرها خمس سنوات ،وبالتالي لا تستطيع أن تقدم تصورا شاملا لواقع البلد.
الأمر الثاني أنا لا أؤمن اليوم بأن هناك حكم شمولي ،إذا أخذت الحكم ستأخذ مع التجارة والصناعة والدفاع والعدل والمالية والثقافة والعلاقات الدولية ،هذا لم يعد ممكنا في العالم. اليوم القرار السياسي أو قرار الحكم تتخذه دوائر مختلفة.
– هل تقصد تكنوقراطي؟
لا ،أكثر من تكنوقراطي. قرار يؤثر فيه الجميع ،يؤثر فيه المجتمع المدني وتمثل فيه الأحزاب وتمثل فيه البرلمانات ورئيس الدولة ورجال الأعمال ،ويؤثر فيه رجال الفن والثقافة والجامعة والعلاقات الدولية.. كل هذه القطاعات تؤثر في القرار. لم يعد هناك ما يسمى بالقرار المستقل.
أنا أنصح الإسلاميين بالذهاب إلى الوزارات الخدمية ،حلوا مشاكل الناس ،لكن بكفاءات وليس بخطب. الآن لدينا في تونس لدينا أوضاع متدهورة في الصحة،ولا يوجد بلد إسلامي لا يعاني من هذا الوضع ،هل الإسلاميون قادرون على تغيير هذا الوضع أم لا؟ هذا الوضع طبعا هو وضع موضوعي له أسباب موضوعية ،تعرفوا على الأسباب ،قدموا حلولا لها بعد أربع سنوات أو أكثر..لأن في النهاية هذا ما ينتظره الشعب منكم.