ظهر في وسائل التواصل الاجتماعي بعض الفتيات في مقاطع فيديو يعرضن أنفسهن للزواج، ممن يرغب من الزواج بهن، وهو أمر غير مألوف في المجتمعات الإسلامية، ولم يعرف بهذه الطريقة، إلا بعد ظهور سهولة التصوير والنشر عبر وسائل الاتصال.

حكم عرض المرأة نفسها للزواج

عرض المرأة نفسها للزواج له صورتان:

الصورة الأولى: أن تعرض المرأة نفسها على رجل بعينه:

والحكم فيها أنه يجوز للمرأة أن تعرض نفسها للزواج من الرجل الصالح، وبناء هذا الحكم على ما يلي:

قول الله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50]

ومن السنة ما ورد عن ثابت البناني – رحمه الله – قال: كنت عند أنس وعنده بنت له، فقال أنس: «جاءت امرأة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- تعرض عليه نفسها، فقالت: يا رسول الله، ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها، واسوأتاه، واسوأتاه، فقال أنس: هي خير منك، رغبت في النبي – صلى الله عليه وسلم- فعرضت نفسها عليه» أخرجه البخاري والنسائي

وقد عنون البخاري لهذا الحديث بقوله: (باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح).

وفي شرح صحيح البخارى لابن بطال (7/ 227): ” قال المهلب: فيه جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح وتعريفه برغبتها فيه لصلاحه وفضله، ولعلمه وشرفه، أو لخصلة من خصال الدين، وأنه لا عار عليها فى ذلك ولا غضاضة، بل ذلك زائد فى فضلها، لقول أنس لابنته: هى خير منك. وفيه: أن للرجل الذى تعرض المرأة نفسها عليه ألا ينكحها إلا إذا وجد فى نفسه رغبة فيها، ولذلك صوب النبى (صلى الله عليه وسلم) النظر فيها وصعده، فلما لم يجد فى نفسه رغبة فيها سكت عن إجابتها”.ا.هـ

وقال بدر الدين العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (20/ 113):

قوله: (هي خير منك) فيه دليل على جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح وتعرف رغبتها فيه لصلاحه وفضله، أو لعلمه وشرفه، أو لخصلة من خصال الدين، وأنه لا عار عليها في ذلك، بل ذلك يدل على فضلها، وبنت أنس، رضي الله تعالى عنهما، نظرت إلى ظاهر الصورة ولم تدرك هذا المعنى حتى قال أنس: هي خير منك، وأما التي تعرض نفسها على الرجل لأجل غرض من الأغراض الدنياوية فأقبح ما يكون من الأمر وأفضحه.

بل نص بعض الفقهاء على استحباب الأمر، قال الكوراني: ” دل على استحباب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح” . الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (8/ 459).

ولكن هذا العرض مع جوازه لكنه خلاف الأولى، فيمكن أن يحصل هذا من غيرها، كوالدها ونحوه.

قال ابن حجر في فتح الباري لابن حجر (9/ 178) ” وفيه عرض الإنسان بنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه وأنه لا استحياء في ذلك وفيه أنه لا بأس بعرضها عليه ولو كان متزوجا لأن أبا بكر كان حينئذ متزوجا”.ا.هـ

كما يشهد له عرض الرجل الصاحب ابنته على موسى – عليه السلام-، كما قال تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص: 27].

وكذلك، فإن أمنا خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها- لما رغبت في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأت من خلقه وأدبه،  فإنها قد أرسلت صديقتها نفيسة بنت منية تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم الأمر ، فوافق صلى الله عليه وسلم على ذلك ، وتولى أمر زواج خديجة رضي الله عنها أبوها خويلد ، في أصح الروايات كما ذكر أصحاب السير .

كما يشهد لذلك عرض عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- ابنته حفصة لما مات زوجها على عثمان ثم على أبي بكر.

فعن عمر، من رواية عبد الله بن عمر: أن عمر حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي – وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد شهد بدرا وتوفي بالمدينة – قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة ابنة عمر، فقال: سأنظر في أمري. فلبثت ليالي، ثم لقيني فقال: قد بدا لي ألا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة ابنة عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، فكنت منه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ فقلت: نعم.

قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني قد كنت علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر النبي صلى الله عليه وسلم، ولو تركها النبي صلى الله عليه وسلم لقبلتها.

الحالة الثانية: عرض المرأة نفسها للزواج على وسائل التواصل الاجتماعي:

أما عرض المرأة نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه مما ينهى شرعا، ففرق بين أن تجد المرأة رجلا صالحا فترغب في الزواج منه، وبين أن تعرض نفسها لكل الناس، فإن مثل هذا ينافي حياء المرأة وطبيعتها، كما أنها تكون مطمعا لكل طامع، وذلك أن عرضها نفسها للناس جميعا يعني دخول الشباب والرجال إليها، والحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولا شك أن فيهم من لا دين له، وهي تعرض نفسها للمخاطر.

فمثل هذه الصورة تمنع شرعا بناء على القواعد الشرعية، ومن أهمها:

أولا- قاعدة سد الذرائع: فإن مثل هذه الطريقة لا تأمن المرأة على نفسها مما قد يوقعها في المصائب والمتاعب.

ثانيا- قاعدة: ( الضرر يزال)، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم:” لا ضرر ولا ضرار“.

ثالثا- قاعدة المآلات:

فإن عرض المرأة نفسها يترتب عليه من المفاسد مما هو معلوم عند الكافة، فيترتب على ذلك كثرة لقاءات الفتاة بالشباب الذين يتواصلون معها بدعوى الزواج، وما قد تتعرض له من مضايقات أو إحراجات أو مشاكل تحصل لها.

فعرض المرأة نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي بهذه الصورة يمنع شرعا.