لا يدرك الكثير من مستخدمي شبكة الانترنت ضخامة وقوة شركة “غوغل”، فيمنحونها من المعلومات والمعرفة ما يقوي هيمنتها وربحيتها، رصانة وبساطة صفحة محركها في البحث يبعث برسائل طمأنة لمستخدميه فيبوحون له بأفكارهم واهتماماتهم وبياناتهم بسخاء وبلا تحفظ، أما “غوغل” فهي عملاق كتوم يحول المعلومة إلى بضاعة يحتكرها، ليمارس الكثير من السيطرة والاحتكار في تكنولوجيا المعلومات، ورغم ذلك تصر “غوغل” أن تبدو أضعف وأقل من حجمها الحقيقي، لأن ذلك يدعم قوتها وهيمنتها ويبقى سيطرتها، إذ تحتل “”غوغل”” المرتبة الثانية عالميا في ترتيب الشركات متقدمة على شركات البترول وصناعة السيارات والأسلحة.
وفي كتاب “ملف غوغل” لمؤلفيه “تورتسن فريكة” و”أولوريش نوفاك” الصادر عن سلسلة عالم المعرفة في يوليو 2017، في (290) صفحة اقتراب من “غوغل” قصة الشركة الناجحة، ومن “غوغل” المخيفة والمؤثرة في اهتمامات الناس، والقادرة على رسم صورة تقترب من الحقيقية لنسبة كبيرة من الأشخاص على كوكب الأرض، بعدما أصبح الكثير غير قادر عن الاستغناء عن “غوغل” وخدماتها في المجالات المختلفة، خاصة بعد سيطرة “”غوغل”” على كثير من أنظمة تشغيل الهواتف الذكية، وهو ما جعل غالبية البشر أمام حالة من “التعري الرقمي.
لا تكن شريرا
بدأت “غوغل” طريقها بشعار نبيل، هو:” لا تكن شريرا” ومع تعاظم الأرباح ابتعدت عن شعارها، فـ”غوغل” ذلك العملاق الكتوم يحول المعلومة البسيطة إلى بضاعة، فأي شخص يبحث في الانترنت يتحول دون أن يدري إلى مورد للبيانات والمعلومات، التي أصبحت “قاعدة الذهب” في عالمنا المعاصر.
وترجع سبب تسمية “غوغل” بذلك الاسم إلى مصطلح رياضي ابتكره الطفل الأمريكي “ملتون سيروتا” عام (1938) ويشير إلى رقم يليه مائة صفر، ومن ثم فـ””غوغل”” ترمز إلى ذلك الكم الهائل من المعلومات التي تملكها الشركة التي كانت بدايتها في مرآب للسيارات في ولاية كاليفرونيا الأمريكية، وُسجلت رسميا عام 1998م، أما “”غوغل”” محرك البحث فسجل رسميا في سبتمبر 1994م، وفي بداية الشركة كان محرك البحث يعالج حوالي (100) ألف استفسار يوميا.
ومنذ بدايتها أخذت “غوغل” تنمو بلا انقطاع، ومنذ العام 1999م أخذت تفكر بمنطق المشروع التجاري، وتخطط لتصل إلى كل مستخدمي الانترنت في العالم، وهنا نلاحظ أنها فكرت بطريقة ابتكارية، فاتخذت شعارا هو: “إن شيدتها فسوف يأتون إليك” بمعني ألا تغرق الشركة في إغواء الإنفاق على الدعاية ولكن تصرف جهدها إلى بناء شركة قوية وبعدها سيبحث المعلنون عنها، لذا اهتمت بتقديم خدمات قوية وبسرعة فائقة وجودة عالية، رافعا نهج “المنفعة قبل الربح” فلم ترهق أعصاب مستخدمي “”غوغل”” بضغط الإعلانات المستفزة،، ولكن وضعتها بطريقة لا يستطيع المستخدم أن يفرق بين نتائج محرك البحث وبين الإعلانات، واختارت صفحتها بيضاء وبذلك أصبحت الإعلانات أقرب إلى المنفعة منها إلى الاستفزاز، ولم تزد الكلمات على الصفحة عن (28) كلمة، تلك البساطة أشعرت المستخدم بجدية “غوغل” وسربت إلى وعيه أنه محرك بحث محايد لا يتغيا الربح، ومبكرا أصبح محرك “غوغل” بحوالي (15) لغة، وأصبح نمو “غوغل” انفجاريا، وتحولت الشركة إلى الوجهة التجارية وحصلت على أكبر حصة في الإعلانات على الانترنت منذ العام 2000م، بعدما بلغت الصفحات التي تبحث فيها تزيد على ثمانية مليارات صفحة ، فأصبح محركا لكسب المال.
الشفافية المقلقة
على موقعها الرسمي تعلن “غوغل” أن هدفها، هو:” تنسيق المعلومات المتداولة في العالم وإعدادها لتكون متاحة ونافعة للجميع وفي كل الأزمنة” هذا الهدف يوحي أن “غوغل” ليست مهتمة ولا معنية بالتجارة في قواعد البيانات والمعلومات، غير أن الحقيقة غير ذلك نظرا لأنها أصبحت تلامس مجالات الحياة العامة والشخصية وهو ما أقنع الكثير من البشر بإزاحة الستار عن أفكارهم وتفضيلاتهم ومعلوماتهم الشخصية وأسرارهم، وهي معلومات استخدمتها “غوغل” لمزيد من الربح والهيمنة والاحتكار المعلوماتي والتكتم المطبق على ما تمتلك من معرفة وتصور واضح عن كثير من سكان الأرض.
ثم جاء برنامج “غوغل إيرث” Google Earth عام 2005 ليزيد من نفوذها المعلوماتي، غير أن الأهم في ذلك العام هو استحواذها على أهم صفقة في تاريخها وهي شراء شركة “أندريود” Android مقابل خمسين مليون دولار، فرغم زهادة المبلغ إلا أنه فتح أمامها أفقا جديدا يتعلق بتكنولوجيا المعلومات للهواتف الذكية، ولم تمض إلا سنوات حول تفوقت أجهزة التشغيل بنظام Android على مبيعات الشركة المنافسة العملاقة “آي فون” حتى زاد عدد الأجهزة العامل بنظام Android على المليار جهاز عام 2013.
ثم جاء العام 2006 ليزيد من هيمنة “غوغل” على فضاء الصورة المتحركة على الانترنت بعد استحواذها على موقع “يوتيوب” ، وهو ما جعلها تغلق الباب في وجه أي منافس لها في المستقبل ويصبح “يوتيوب” في المرتبة الثانية في البحث على شبكة الانترنت.
وقد اتجهت “غوغل” إلى عمليات استحواذ إستراتيجية على أهم الشركات والعقول في مجال المعلومات، فأصبحت وجهة المبدعين من المبرمجين، واستحوذت على أكثر من (170) شركة كبرى في مجال تكنولوجيا المعلومات في الفترة من 2002 حتى 2014، ومنها شركة موتورولا لصناعة الهواتف النقالة بقيمة (12.5) مليار دولار، لكن المكسب الأكبر لـ”غوغل” من الصفقة كان حصولها على حقوق أكثر من (17) ألف براءة اختراع كانت تملكها موتورولا، وأدركت “غوغل” أن سوق الهواتف المحمولة غاية في الأهمية لمستقبلها فراهنت عليه، وأفشى أكثر من مليار جهاز هاتف نقال يعمل بنظام تشغيل Android أسراره لـ”غوغل” فزادها قوة على قوتها.
وفي العام 2014 عندما اشترت “غوغل” شركة نست Nest العاملة في مجال الأجهزة الرقمية لأجهزة الأمان من الدخان في المنازل، بمبلغ تجاوز الثلاث مليارات دولار، وهو مبلغ ضئيل بالنسبة لاحتياطيها النقدي في ذلك الوقت، والذي تجاوز (56) مليار دولار، استطاعت “غوغل” أن تنفذ إلى المنازل، وتنصت إلى أسرارها وتفضيلاتها، وتحول تلك المعلومات الهائلة إلى أرباح عظيمة، فحولت حياة الإنسان إلى بيانات تدر أرباحا احتكارية .
تكريس الهيمنة
تبدو “غوغل” عملاقا مخيفا، فمحركها في البحث يستحوذ على أكثر من 97% من نشاطات البحث على الانترنت، ورغم ذلك تصر أن تبدو أقل من حقيقتها، وأن تبدو في صورة مطمأنة للآخرين، إذ تعلن أنها تستقبل حوالي (150) مليون بحث يوميا، وتمتلك عشرة آلاف Server ، وتدير ثلاثة مليارات صفحة ويب، وتفهرس أربعة مليارات وثيقة، إلا أن هذه الأرقام التي تعلنها “غوغل” أقل بكثير من حقيقتها، إذ أكد متخصصون أن “غوغل” تمتلك حوالي مائة ألف Server ، قادرة على معالجة (200) مليار عملية في الثانية الواحدة، لذا تسعى “غوغل” للتمويه على قدراتها الحقيقية لتكريس هيمنتها، ولكي تبقى على مساحة مظلمة من قوتها وقدراتها تفاجأ بها المنافسين إذا فكروا في إزاحتها عن عرش المعلوماتية.
لكن الأخطر في “غوغل” هو الحديث عن علاقتها بوكالة الأمن القومي الأمريكية، إذا أن هناك تسريبات تؤكد أن كنزها المعلوماتي يصب في وكالة الأمن القومي الأمريكية، وتلك تسريبات كشفها عميل المخابرات الأمريكية إدوارد سنودن عام 2013، مفادها أن “غوغل” أتاحت لوكالة الأمن القومي الأمريكية التجسس على البشر جميعا، رغم أنها تبدو لمستخدمي خدماتها ساذجة كالأطفال.
ولكن كيف نتقي “غوغل”؟
“إننا نعلم أين أنت الآن، إننا نعلم أين كنت، ونحن نعلم إلى حد ما بماذا تفكر حاليا” مقولة مخيفة لـ “إيريك شميث” أحد مؤسسي “غوغل”، لذا أعطى الكتاب مجموعة نصائح لاتقاء هذا التغول المخيف، ومنها: ضرورة أن يتخلي المستخدم لـ”غوغل” عن نظرته المتساهلة لخدماتها، وأن يبقى المستخدم شيئا من الستر على شخصيته وتفضيلاته من خلال تنويع محركات البحث التي يستخدمها، كما يجب ألا يفضي بكل خصوصياته على الانترنت، وأن يكون هناك بخل في البوح بالمعلومات لـ”غوغل” حتى تحرمها من بناء صورة متكاملة عن شخصيته وحياته.