الإلحاد إحدى الظواهر الغريبة عن المجتمع المسلم، وهي ظاهرة لها أسباب متعددة من أهمها: الانفتاح الثقافي والإعلامي على المجتمعات الملحدة، مع ضعف الوازع الديني لدى طوائف من المجتمع المسلم، والغربة التي يعيشها المسلمون عن دينهم، فتلاقي هذه الشبهات ضعفا في بعض النفوس، فتصاب بعض العقول في المجتمعات المسلمة بأفكار الملحدين.
والإلحاد في اللغة يعني الميل والعدول عن الشيء، وهو في الشريعة يقصد به الطعن في الدين أو الخروج عنه.
ومن الإلحاد أن يطعن أحد في دين الله تعالى وأن يشكك فيه مع أنه قد ينتمي اسما إلى الإسلام، أو التأويل في ضرورات الدين، كأن يقول: الصلاة ليست واجبة، أو أنها لا يشترط أن تصلى كما يصلي المسلمون، أو أن الحجاب ليس فريضة، أو أن الربا ليس محرما ونحو هذا.
المصطلحات المتشابهة:
ومن المصطلحات التي تتشابه مع الإلحاد ما يلي:
أولا- الردَّة: هي أن يكفر المسلم البالغ العاقل باختياره دون إكراه من أحد بعد ثبوت إسلامه، حتى وإن لم ينطق بالشهادتين، مع علمه بأركان الإسلام، بأن يصرح بكلمة الكفر كأن يقول: كفرت بدين الإسلام، أو يأتي فعلا لا يحتمل غير إرادة الخروج عن الإسلام.
ثانيا – النِّفَاقُ: هو أن يظهر الإنسان الإيمان بلسانه، فينطق بالشهادتين، وربما يأتي بعض أفعال الإسلام الظاهرة كالصلاة والحج والزكاة ونحو ذلك، لكنه يكتم كفره بدين الله بقلبه، وهذا النفاق يختص بالعقيدة وحدها دون غيرها، فمن أخفى شيئا وأظهر خلافه في غير العقيدة لا يسمى منافقا.
من الإلحاد أن يطعن أحد في دين الله تعالى وأن يشكك فيه مع أنه قد ينتمي اسما إلى الإسلام، أو التأويل في ضرورات الدين
ثالثا – الزَّنْدَقَةُ: هي أن يبطن الإنسان الكفر مع اعترافه بنبوة محمد ﷺ، ومن ذلك مذهب الإباحية الذي يرى أن المحرمات مباحة، فالزنى والربا وشرب الخمر وغيرها من المحرمات قطعا في الإسلام عندهم حلال، وهو الوجه الفكري للشيوعية .
رابعا – الدَّهْرِيَّةُ: هي فرقة تؤمن بقدم الدهر، ولا يؤمنون بالبعث، وينكرون حشر الأجساد، ويقولون: { مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ } [الجاثية: 24]، ولا يعترفون بإسناد الحوادث إلى الخالق سبحانه وتعالى.
والعلاقة بين الملحد وبين الزنديق والمنافق والدهري أن الملحد أوسع فرق الكفر حدا، وهو أعمهم جميعا، فهو الكافر مطلقا، سواء تقدمه إسلامه أم لا، أظهر كفره أم أخفاه، فالملحد يشمل كل أوصاف السابقين.
حكم الملحد
قد يأخذ الملحد حكم المشرك إن كان مشركا في أصله، وقد يكون ذميا فيطعن في دينه من اليهودية أو النصرانية فينتقض بذلك عهده الذي كان عليه في بلاد المسلمين، ولم يعد بعد إلحاده من أهل الذمة ولا يأخذ أحكامهم، وقد يكون في الأصل مسلما فيلحد، فيأخذ حكم الردة أو الزندقة.
ومن كان مسلما فألحد فيجلس معه بعض أهل العلم، ويناقشونه في الشبهات التي جعلته يعتنق أفكار الإلحاد، ويبين له وجه الصواب والخطأ، ويتلطف معه في الحديث حتى يرده إلى عقله ورشده، ويرجع إلى دين الله تعالى، ويبين له حكمة الشريعة فيما يعترض عليه من أحكام في الدين، فإن تاب إلى الله تعالى ورجع إلى دين الإسلام، وذلك بأن ينطق بالشهادتين مرة أخرى، وأن ينكر ما عدا الإسلام من الأديان، وأن يشهد أن دين الإسلام هو الحق، وما سواه من الأديان والمعتقدات باطل.
الأحكام التي تتعلق بالإلحاد
قضاء العبادات: اختلف العلماء فيمن ارتد، هل يجب عليه قضاء العبادات من الصلاة وغيرها، فذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يجب عليه قضاء العبادات من الصلاة ونحوها، لأن الكافر لا يجب عليه شيء من العبادات حال كفره، والملحد كافر، وذهب آخرون إلى أنه يجب عليه قضاء ما فاته من العبادات وقت ردته.
كما اختلفوا إن فاته صلاته أو بعض العبادات قبل ردته هل يجب أن يقضيها أم لا؟ محل خلاف بين الفقهاء.
واختلفوا: هل يجب عليه إعادة الحج الذي حجه قبل ردته، والذي يترجح أنه لا يجب عليه إعادة الحج مرة أخرى.
زواج الملحد: إن ألحد الرجل المتزوج بعد إسلامه، فقد اختلف الفقهاء في حكم الزواج، فذهب الحنفية وبعض المالكية إلى أنه إن ألحد فقد انفسخ النكاح ولا يحتاج إلى طلاق، ولها نصف المهر إن طلقها بعد العقد وقبل الدخول، ولها المهر كاملا إن ألحد بعد الدخول بزوجته.
ورأى فريق من المالكية إلى أنه إن ألحد فقد طلقت زوجته منه طلقة بائنة، فإن تاب إلى الله تعالى جاز له أن يتقدم للزواج من زوجته بعقد ومهر جديدين.
العلاقة بين الملحد وبين الزنديق والمنافق والدهري أن الملحد أوسع فرق الكفر حدا، وهو أعمهم جميعا، فهو الكافر مطلقا، سواء تقدمه إسلامه أم لا
وذهب فريق ثالث، وهم الشافعية وبعض الحنابلة إلى أن الزوجية باقية بين الملحد وزوجته فترة العدة، فإن تاب وعاد إلى الإسلام فهي زوجته، لم يحصل طلاق ولا فسخ بينهما، فإن انتهت العدة ولم يرجع إلى الإسلام، فقد وقعت الفرقة بينهما فسخا لا طلاقا.
وذهب فريق رابع وهم بعض الحنابلة إلى أن الفرقة تقع بمجرد إلحاده فورا، فإن كان ذلك بعد العقد وقبل الدخول، فللزوجة نصف المهر إن ألحد زوجها، أما إن كانت هي التي ألحدت، فليس لها شيء من المهر. وأما إن كان بعد الدخول، فقد وقع الفرقة بمجرد إلحاده.
زواج المرتد من المسلمة: اتفق الفقهاء على أن المسلم إذا ألحد ثم تزوج فلا يصح زواجه ؛ لأنه لا ملة له ، فليس له أن يتزوج مسلمة ، ولا كافرة ، ولا مرتدة.
ومن هنا، كان واجبا على المسلمين أن ينتبهوا من أن يزوجوا ابنتهم من ملحد، فهذا حرام شرعا باتفاق العلماء، وإن حصل وعقد الملحد على المسلمة فلا اعتبار للعقد، وليست بزوجته، وتقع الفرقة بينهما دون حاجة إلى الطلاق.
أولاد الملحد: إذا أنجب من ألحد ولدا قبل ردته فهو مسلم باتفاق، وكذلك إن ارتد الزوج وحده، أو ارتدت الزوجة وحدها، وكانت حاملا فوضعت، فالمولود مسلم، تبعا لقاعدة: يتبع المولود خير الأبوين دينا، أما إن ارتد الزوجان ثم أنجبت، فقد اختلف الفقهاء في حكمه، فمنهم من حمل المولود على الكفر، ومنهم من ألحقه بالإسلام إن كان في أصوله مسلمون.
ميراث الملحد: اتفق فقهاء المسلمين على أن المرتد فإنه لا يرث أحدا من أقاربه المسلمين، لأن الصلة بينه وبينهم انقطعت بالردة، وفي ذات الوقت لا يجوز له أن يرث قريبه الكافر، لأنه لا يقر على الدين الذي صار إليه . ولا يرث ملحدا مثله أيضا . كما أن وصية الملحد لا اعتبار لها، لأن الوصية من القربات وهي لا اعتبار لها مع الإلحاد والردة عن الإسلام.
لكن هل يجوز لأقارب الملحد أن يرثوه إن مات على إلحاده، وكان قد ترك مالا؟
اختلف الفقهاء على ثلاثة آراء:
الأول: أن مال الملحد بعد وفاة لبيت مال المسلمين، فلا يختص به أقاربه من الورثة.
الثاني: أن أقاربه من الورثة أحق بماله.
الثالث: أن ما كسبه من المال أثناء إسلامه ليكون لورثته من الأقارب، وما كسبه أثناء إلحاده يكون لبيت مال المسلمين.
كان واجبا على المسلمين أن ينتبهوا من أن يزوجوا ابنتهم من ملحد، فهذا حرام شرعا باتفاق العلماء، وإن حصل وعقد الملحد على المسلمة فلا اعتبار للعقد
دفن الملحد:
ومن مات ملحدا، فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين؛ لأنه ما على غير ملة الإسلام، ويحرم على أهله وأقاربه وأصدقائه القيام بدفنه أو الصلاة عليه، وذلك لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85]، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].
على أن الحكم على أحد بالإلحاد أو الكفر ليس لآحاد المسلمين، بل هو للقضاء في بلاد الإسلام ولجماعة العلماء الثقات.
كما أنه لا يتسرع في الحكم على من عنده بعض الشبهات بأنه ملحد أو خارج عن الملة، بل يتمهل معه، وكل أمر احتمل أن يكون كفرا، واحتمل أن يكون إيمانا؛ حمل على الإيمان؛ لأن الإيمان هو الأصل، ولأنه لا يكفر أحد بشبهة، ثم ليكن المسلم حريصا على رد من ألحد إلى الإسلام، ولا يكن قصده الحكم عليه بالكفر فحسب.
ويحذر على العوام الانشغال بالحكم على الناس بالكفر والإلحاد، فليس هذا من وظيفتهم، فضلا عن الجهل بأحكام الدين التي قد تؤدي إلى الحكم على البعض بالإلحاد وقد لا يكون ملحدا، أو تؤدي إلى قتل من يحكم عليه بالإلحاد دون تثبت.