ورد في أحاديث عدة ثواب العين الباكية من خشية الله، ومن ذلك “عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله.
والعين الدامعة التي تحرم على النار المقصود منها الإنسان الذي يستقيم على طريق الله ، ويكون دائم الخشية من الله ، ولو ارتكب بعض الذنوب، لكنه دائم التوبة.
وقد وردت أحاديث كثيرة، تدل على فضيلة البكاء من خشية الله، ومن ذلك:
قول النبي ﷺ فيما أخرجه البيهقي: “سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: رجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل دعته امرأة ذات منصب فقال: إني أخاف الله، ورجلان تحابا في الله، ورجل غض عينه عن محارم الله، وعين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله.
وروى أحمد والنسائي والحاكم والترمذي عن أبي ريحانة يرفعه إلى النبي ﷺ: “حرمت النار على عين بكت من خشية الله”.
وفي حديث أبي يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:”لا يلج النار رجل بكى من خشية الله .
وروى الترمذي عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال :” “عَيْنَانِ لا تَمسّهُمَا النّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحرُسُ في سبيلِ الله.
والعين الباكية التي تكون سببا لنجاة صاحبها من النار، فالمقصود ليس البكاء وحده، ولكن البكاء دليل على ثبوت القلب على الإيمان بالله، وثبوت الجوارح على طاعة الله، ومن كان هذا شأنه من الاستقامة على أمر الله ، فإن المرجو من رحمة الله، ألا يعذبه الله .
قال الطيبي من أئمة الشافعية في تفسير قوله ﷺ (عين حرست في سبيل الله ، وعين بكت من خشية الله ): كناية عن العالم العابد المجاهد مع نفسه لقوله تعالى: {إنما يخشى اللّه من عباده العلماء} حيث وقع حصر الخشية فيهم غير متجاوزة عنهم فحصلت النسبة بين العينين: عين مجاهدة مع النفس والشيطان، وعين مجاهدة مع الكفار، والخوف والخشية متلازمان. قال في الإحياء: الخوف سوط اللّه يسوق به عباده إلى المواظبة إلى العلم والعمل.
وقال الإمام المناوي في شرح قوله ﷺ: (وعين بكت من خشية الله):
وليس المراد بالبكاء من خشية اللّه بكاء النساء ورقتهن فتبكي ساعة ثم تترك العمل وإنما المراد خوف يسكن القلب حتى تدمع منه العين قهراً ويمنع صاحبه عن مقارفة الذنوب وتحثه على ملازمة الطاعات فهذا هو البكاء المقصود وهذه هي الخشية المطلوبة لا خشية الحمقاء الذين إذا سمعوا ما يقتضي الخوف لم يزيدوا على أن يبكوا ويقولوا يا رب سلم نعوذ باللّه وهم مع ذلك مصرون على القبائح والشيطان يسخر بهم كما تسخر أنت بمن رأيته وقد قصده سبع ضاري وهو إلى جانب حصن منيع بابه مفتوح إليه فلم يفزع وإنما اقتصر على رب سلم حتى جاء السبع فأكله).انتهى
ولا يشترط في العين الباكية ألا تكون مقترفة لصغائر الذنوب، ولكن يكفيها التوبة الدائمة، مع الاستقامة، وذلك أن اقتراف صغائر الذنوب غير معصوم منه أحد، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾ [النجم: 32]، فدل على وقوعها من بني البشر ،ومغفرة الله تعالى لهذه الصغائر، وأنها ليست قادحة في دين العبد، بل شرعت التوبة لوقوع الناس في الصغائر والكبائر.
قال الإمام المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي في العين الباكية من خشية الله وعصمتها من النار :
وهي مرتبة المجاهدين مع النفس التائبين عن المعصية سواء كان عالماً أو غير عالم. انتهى
وليس في الإسلام عمل يقوم به المرء مرة واحدة ، فيكون سببا لنجاته من النار، وذلك أن الإسلام أمر أتباعه أن يكونوا على وجل دائم، وأن يأتوا الأعمال الصالحة خائفين ألا يتقبل منهم، فكيف يأمنون على أنفسهم من عذاب الله، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60].
وينقض أن يكون الإنسان مبشرا بالجنة وهو في الدنيا غير من بشرهم الرسول ﷺ من صاحبته، ولو كانت عينه دمعت أحايين تأثرا بما يقال، ما أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود من حديث ابن مسعود: فإن الرجل منكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة”.
على أنه من الإيمان الصادق أن يحسن العبد الظن بالله، ولكنه يكون دائما بين خوف ورجاء ، خوف من عقاب الله ،ورجاء في رحمة الله، فهما كجناحي الطائر بالنسبة للمسلم.
وعليه، فالمقصود بالنجاة من النار من العين الدامعة الباكية من خشية الله، استقامة الحال على الطاعة والإيمان.