يعد اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، مناسبة لتعزيز الثقافة وإبراز أهمية تنوّعها كعامل فاعل لتحقيق ودمج التغيير الإيجابي في المجتمع العالمي. يمثل هذا اليوم فرصة للاحتفال بأشكال الثقافة المتعددة بما في ذلك التراث الثقافي المادي وغير المادي والصناعات الإبداعية ومختلف أشكال التعبير الثقافي، إضافة إلى التأمل بكيفية إشراك هذا التنوع الثري في تعزيز أواصر الحوار والتفاهم المتبادلين وسبل نقل التنمية الاجتماعية والبيئية والاقتصادية المستدامة.

ويحتفل العالم في 21 مايو من كل عام باليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية ليس فقط بالثراء الثقافي العالمي، بل أيضا بالدور الأساسي الذي يلعبه الحوار العابر للثقافات في تحقيق السلام والتنمية المستدامة. فقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي هذا في 2002 بعد أن اعتمدت اليونسكو في 2001 الإعلان العالمي للتنوع الثقافي وذلك اعترافا بـ “ضرورة تعزيز الإمكانية التي تمثلها الثقافة بوصفها وسيلة لتحقيق الازدهار والتنمية المستدامة والتعايش السلمي على الصعيد العالمي “.

مفهوم الثقافة ومعنى التنوع الثقافي؟

قبل الحديث عن اليوم العالمي للتنوع الثقافي يجدر بنا أن نعرف المكون الأساسي لهذا المصطلح أو المفهوم، وهو الثقافة.

فماهي الثقافة؟

يمكن تعريف الثقافة على أنّها المعارف والخصائص المتعلقة بجماعة معينة تشتمل على العادات الاجتماعية، والفنون، والموسيقى، واللغة، والطبخ، والدين وغيرها من المعارف والأنماط المشتركة من السلوكيات والتفاعلات والتراكيب المعرفية؛ لذا يمكن القول إنّ الثقافة تعبر عن هوية المجموعة، وبالبحث في أصول كلمة ثقافة (باللغة الإنجليزية  culture) نجد أن أصولها تعود للكلمة (باللاتينية colere) التي تعني الارتباط بالأرض والميول لها وما يرتبط بها؛ من زراعة، ورعاية، ونشاط.

أما مفهوم التنوع الثقافي أو التعددية الثقافية (بالإنجليزية Multiculturalism )‏ فهو عبارة عن وجود ثقافات مختلفة في العالم أو في مجتمع أو مؤسسة معينة. والتنوع الثقافي كمجموعة من الثقافات المتنوعة أو المختلفة هو نقيض الأحادية الثقافية. عبارة التنوع الثقافي يمكن أن تشير أيضا إلى وجود ثقافات مختلفة تتبادل الاحترام فيما بينها. تستخدم في بعض الأحيان عبارة “التعددية الثقافية” للدلالة على تنوع المجتمعات البشرية أو الثقافات في منطقة معينة نتيجة العولمة، كما من الممكن أيضا أن يكون للعولمة أثر سلبي على التنوع الثقافي في العالم.

وينشأ تعدد الثقافات في ظل الوجود أو القبول، أو تعزيز التقاليد الثقافية المتعددة ضمن نطاق واحد، وتعتبر عادة نتاج الثقافة المرتبطة بالجماعات العرقية. كما يمكن أن يحدث هذا التعدد الثقافي عندما يتم إنشاء سلطة قضائية أو توسيعها لتضم المناطق المدمجة بثقافتين أو أكثر مثل ما هو موجود في كندا (كندا الفرنسية وكندا الإنجليزية) أو عن طريق الهجرة من بلدان مختلفة من جميع أنحاء العالم (كما هو الحال في كندا، الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، والعديد من الدول الأخرى).

كما يمكن تعريف التعددية الثقافية بأنه الطريقة التي يتعامل بها مجتمع معين مع التنوع الثقافي. واستنادًا إلى الافتراض الأساسي القائل بأن أعضاء ثقافات مختلفة جدًا يمكن أن يتعايشوا بسلام في كثير من الأحيان، فإن التعددية الثقافية تُعبّر عن وجهة نظر مفادها أن المجتمع يُثرى من خلال الحفاظ على التنوع الثقافي واحترامه وحتى تشجيعه.  في مجال الفلسفة السياسية، تشير التعددية الثقافية إلى الطرق التي تختار بها المجتمعات صياغة وتنفيذ سياسات رسمية تتبنى المعاملة العادلة للثقافات المختلفة.

الأهداف الأربعة لاتفاقية التنوع الثقافي

يشكّل التنوع الثقافي قوة محركة للتنمية، ليس على مستوى النمو الاقتصادي فحسب بل أيضا كوسيلة لعيش حياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالاً، وهو ما تنصّ عليه الصكوك الدولية التي تنظم مجال التراث الثقافي، التي تتيح ركيزة صلبة لتعزيز التنوّع الثقافي. من هنا، يُعتبر التنوع الثقافي ميزة ضرورية للحدّ من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة. في الوقت عينه، يساهم القبول بالتنوّع الثقافي والاقرار به – عبر الاستعمال الابداعي للإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل خاص – في خلق الحوار بين الحضارات والثقافات وفي بلوغ تبادل الاحترام والتفاهم .

ويتيح هذا اليوم فرصة تعميق مفهومنا لقيم التنوع الثقافي دعم الأهداف الأربعة لاتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي التي اعتمدتها يونسكو في 20 أكتوبر 2005:

  1. دعم نظم مستدامة لحوكمة الثقافة
  2. تحقيق تبادل متوازن من السلع والخدمات الثقافية وانتقال الفنانين والعاملين الآخرين في مجال الثقافة
  3. دمج الثقافة في برامج وسياسات التنمية المستدامة
  4. تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية

أهمية التنوع الثقافي

يشتمل مفهوم الثقافة على اللغة، المبادئ والقيم، العادات والتقاليد، المعايير والسلوكيات، وجميع الأمور المادية المُشتركة والتي تنتقل عبر الأجيال، وتُعد ثقافة المجتمع الذي ننتمي إليه هي من تُشكلنا وتُحدد هويتنا وسلوكنا وأنماط حياتنا، كما أنَّ التنوع والاختلاف هو أساس الحياة في الكون، فنحن نختلف في الجنس، الدين، العرق، اللون، المبادئ والقيم، الجنسية، اللغة، نمط الحياة، العادات والتقاليد، الثقافة وغيرها الكثير، ولكننا في نهاية المطاف ننتمي جميعا إلى الجنس البشري.

وكنتيجة للتغييرات التي حدثت بسبب التطور والتكنولوجيا، أصبحنا نتفاعل ونتشارك يوميًا مع أشخاص من خلفيات وبيئات ثقافية وجغرافية مختلفة، وأصبح التنوع الثقافي معيارًا أساسيًا ومُهمًا للنجاح والإبداع والابتكار، وعنصرا أساسيا في التغلب على التحديات التي تواجه العالم اليوم، ومن أبرز فوائد التنوع الثقافي وأهمية التعرف على الثقافات الأخرى بالنسبة للفرد العائدة على الفرد ما يلي:

  • زيادة المعرفة على نحو مستمر
  • خلق علاقات اجتماعية متنوعة
  • بناء شخصية قوية وواثقة
  • زيادة الإبداع والابتكار
  • حلّ المشكلات بشكل إيجابي
  • رسم خطة أفضل للمستقبل

ويعود التنوع الثقافي على المجتمع ككل بفوائد كبيرة، ومن أبرز ما يلي:

رفع الكفاءات: حيث يُساهم التنوع الثقافي في المجتمع في رفع الكفاءات، عن طريق تبادل المعرفة والخبرات والمهارات.

زيادة الإنتاجية: حيث وجدت العديد من الدراسات والأبحاث أن التنوع الثقافي في بيئة العمل تحديدا وفي المجتمع بشكل عام، سببا ومقياسًا للإنتاجية وتحقيق المزيد من الأرباح.

تعزيز الاحترام بين أفراد المجتمع: فتعزيز فكرة التنوع الثقافي في المجتمع قادرة على تعزيز فكرة احترام الاختلاف والتنوع، وتوثيق روابط التعاون والتكافل والتسامح، وبناء جسور الثقة والاحترام بين أفراد المُجتمع الواحد.

خفض مستوى الجرائم والعنصرية: حيث يقلل التنوع الثقافي من التمييز والعنصرية في المجتمع، و تعزيز فكرة التنوع هي الخطوة الأولى للتسامح والقبول والابتعاد عن إصدار الأحكام السلبية والمُتسرعة على الآخرين.

أبرز تحديات التنوع الثقافي

في اليوم العالمي للتنوع الثقافي نذكر عدد من التحديات والعقبات التي يصعب التغلب عليها أحيانا، نذكر منها ما يلي:

  1. الصعوبات التي يواجهها المُدراء والمسؤولون عند إدارة أشخاص من خلفيات وبيئات ثقافية مُختلفة، تتمثل في وضع معايير وأُسس تناسب الجميع.
  2. الحواجز اللغوية التي تمنع التواصل بين الأشخاص بشكل فعال وسليم (اختلاف اللغة).
  3. الاهتمام غير العادل الذي قد تحظى به مجموعة الأغلبية على حساب الأقلية سواء كان ذلك داخل البلد الواحد أو داخل المؤسسة الواحدة.
  4. التفكك والانحياز بين أفراد المجموعات المتنوعة، مما يُسبب قلة الثقة والاحترام بينهم.
  5. النزاعات التي تتصاعد نتيجة الاختلاف في الآراء ووجهات النظر اتجاه مشكلة معينة.

الإسلام و فلسفة التنوع الثقافي

في مقال له بعنوان “مدخل حول فلسفة التعددية الثقافية وجذورها التاريخية”، يقول الدكتور لويس رودريغس، أستاذ الفلسفة والقانون في جامعة إيسكس “يوجد التنوع الثقافي في المجتمعات منذ زمن طويل، حيث كانت في اليونان القديمة مناطق صغيرة متنوعة في ازياءها، لهجاتها وهواياتها..” ويضيف “كان يشكل المسلمون في الإمبراطورية العثمانية الغالبية مع وجود أقليات مسيحية، يهودية، وثنية، عرب ومجموعات دينية أخرى”. ويؤكد لويس رودريغس أن المجتمعات ظلت متنوعة ثقافيا في القرن الواحد والعشرين حيث يوجد في معظم البلدان خليط بشري من اعراق وخلفيات لغوية وانتماءات دينية مختلفة الخ. ووصف المنظرون المعاصرون هذه الظاهرة المتمثلة في التعايش بين الثقافات المتنوعة في البقعة الجغرافية نفسها بفضاء التعددية الثقافية. أي أن أحد معاني التعددية الثقافية هو التعايش بين الثقافات المختلفة.

وفي هذا الشأن، يجب التأكيد أن الإسلام دين يعترف بالتنوع، ويضع له أهمية باعتباره قانونا عمرانيا، وبالتالي فالشريعة تكرسه في مختلف الاتجاهات التطبيقية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية .فالإسلام نزل موافقا للفطرة، لأن الله تعالى لن يرتضي لعباده عقيدة لا يقبلها العقل، أو شريعة لا يمكن تطبيقها بسبب تعارضها مع ممكنات الواقع، وقدرات الإنسان وطبيعته.

في هذا الإطار، عبر القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، في أكثر من موضع عن اعتراف واضح بأهمية التنوع الثقافي، وبأنه حقيقة واقعة في حياتنا. وعندما نتكلم عن الثقافة، فإننا نتكلم عن الهوية، وبالتالي نعني منظومة من الأشياء والأمور، مثل اللغة، ومثل القومية، التي تعني الشعوب، والأعراق المختلفة الألوان واللغات.

ومن القرآن الكريم، نختار فقط آيتَيْن، الأولى- في سُورة “الروم-22″، إذ يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ}، والثانية- في سُورة “الحُجُرات -13 “، ويقول فيها سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

ففي الآية الثانية نجد أن التنوع الذي يعترف به الإسلام، يبدأ من مستوى النوع، الذكر والأنثى، وصولاً إلى تنوع الشعوب، بثقافتها وألسنتها وألوانها، كما تقول الآية الأولى، في تكامل رائع يقول بأحادية مصدر القرآن الكريم، واتساقه.

أما في السنة، فنقف أمام “خطبة الوداع” التي تلا فيها الرسول الكريم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [سُورة المائدة– من الآية 3]، وفي ذلك دلالة على أن هذه الخطبة فيها جماع الدين، ومركزيتها في تحديد رؤية وبوصلة الأمة إلى يوم يُبعثون. ففيها قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (كلكم لآدم وآدم من تراب)، وفيها قال مخاطبًا الناس أجمعين، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يعلم أن الله تعالى شاء أن تبقى هذه الكلمات حية لتقيم الحُجَّة على بني آدم كلهم أجمعين: (يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى).

فهذه العبارات إذًا، تقول بأن الإسلام وضع نقطة التنوع الثقافي والاجتماعي قيد الاعتراف، بل جعله – كما يقول مفكرون عرب غربيون عن المفهوم الغربي للتنوع الثقافي والاجتماعي- قضيةً إنسانيةً وأخلاقية، حيث منع أي تفوق لأي عنصر لمجرد أنه ينتمي إلى هذا الشعب، العرقية، اللون أو اللسان، إلى آخر صور التنوع البشري، ووضع معيار التقوى لفضل الناس على بعضها البعض.

تأثير كورونا على قطاع الثقافة

كان لتفشي فيروس كورونا في العالم خلال سنتي 2020/2021 تأثير على العديد من القطاعات، من بينها قطاع الثقافة الذي تعرض لتأثير كبير تمثل في إلغاء الفعاليات الثقافية وإغلاق المؤسسات الثقافية وتعليق الممارسات الثقافية المجتمعية وإفراغ مواقع التراث العالمي لليونسكو وزيادة خطر نهب المواقع الثقافية والصيد غير المشروع في المواقع الطبيعية، وعجز الفنانين عن دفع أثمان ورسوم احتياجاتهم ونفقاتهم، وتأثر قطاع السياحة الثقافية بشكل كبير. وغدا تأثير جائحة كوفيد – 19 في القطاع الثقافي أمر محسوس وملموس في كل حول العالم. ولهذا التأثير جوانب اجتماعية واقتصادية وسياسية، فهو يؤثر على الحق الأساسي في الوصول إلى الثقافة، والحقوق الاجتماعية للفنانين والمهنيين المبدعين، فضلا عن تأثيره في حماية مجموعة متنوعة من أشكال التعبير الثقافي.

وتبرز هذه الأزمة المتواصلة بوضوح عمق التفاوتات القائمة بين شرائح المجتمعات وعرضة تلك المجتمعات برمتها للخطر. وبالإضافة إلى ذلك، تضيف الصناعات الإبداعية والثقافية بمبلغ يزيد عن بليوني دولار إلى الاقتصاد العالمي (أي نسبة 3% من إجمالي الناتج المحلي)، فضلا عن إتاحة ما يقرب من 29.5 مليون وظيفة في أرجاء العالم. وربما أصبحت التداعيات الاقتصادية لغياب معالجة حقيقية للقطاع الثقافي (وجميع الخدمات المتصلة به، لا سيما قطاع السياحة) تداعيات كارثية.

وكشفت جائحة كوفيد-19 عن التقلبات الموجودة مسبقًا في الصناعات الإبداعية، ونظرًا للطبيعة المعقدة لعملهم، ويتأثر المهنيون الثقافيون بشكل خاص في جميع أنحاء العالم، وتأثر إجراءات الإغلاق بشكل مباشر على سلسلة القيمة الإبداعية بأكملها.