عندما يتأمل الإنسان ما حوله: في مجتمعه أو في العالم ويشاهد ما يحصل من خلال وسائل الإعلام المتنوعة يتبين له حقيقة الحياة، فقسوة الحياة هو تحدٍ يواجهنا جميعاً. ولها اشكال وأحوال متعددة ومتنوعة ويختلف وقوعها من شخص لآخر، وتتمثل قسوة الحياة في الحروب والكوارث الطبيعية، والمشاكل العائلية، والـعلاقات العـاطفية المضطربة، والأمراض المزمنة، وفقد الأحبة.

وتتمثل قسوة الحياة أيضاً في الضغوط اليومية: مثل ضغوط العمل، والدراسة، المسؤوليات اليومية، والمشاكل المالية. مما ينتج عنها ظهور الآثار السلبية: مثل التفكير المفرط في المشاكل، وتوقع حصول السوء دوماً  والعزلة الاجتماعية، واعراض الاكتئاب والقلق.

وعلاج قسوة الحياة يكمن أولاً في القرآن الكريم وتدبره، فهو شفاء ورحمة للعالمين. فيه نجد الكثير من الآيات التي تمنحنا الأمل والطمأنينة. قال تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ  وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} (البقرة:155-،156َ) وقوله تعالى {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} (يوسف:87).

فهذه الآيات تجعلنا نستحضر أن الابتلاء سُنة من سنن الله في الخلق، وليكون على بصيرة من أمره، وأن لا ييأس ولا يقنط من رحمة الله ، ونستشعر أيضاً ما في أجر الصبر على البلاء ما جاء عن النبي (عجبا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له)، وقوله عليه أفضل الصلاة والتسليم (لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده أو في ماله أو في ولده حتى يلقى الله سبحانه وما عليه خطيئة ).

رجل يمشي في طريق مغطاة بالثلوج خلال عاصفة ثلجية، مع أشجار مغطاة بالثلج على الجانبين. الأجواء تبدو هادئة وباردة، مع رؤية محدودة بسبب تساقط الثلوج.
قسوة الحياة

قال ابن القيم رحمه الله: “لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء”  ، وكذلك يتوجب علينا الصبر على المصائب والرضا بقضاء الله وقدره فالصبر يزيد من إيماننا ويقربنا من الله، قال الشاعر:

علَّمتني الحياةُ أن أتلقّى
كلَّ ألوانها رضاً وقبولاً
 ورأيتُ الرِّضا يخفِّف أثقا
لي ويُلقي على الماسي سُدولاً
 والذي أُلهم الرِّضا لا تراهُ
أبدَ الدهر حاسداً أو عَذولاً
 أنا راضٍ بكل ما كتب الله
ومُزْجٍ إليه حَمْداً جَزيلاً

وأن نتوكل على الله في كل أمورنا قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (المائدة: 22) ، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }  جاء في تفسير الآية: كَفَاهُ مَا أَهَمَّهُ . فالتوكل على الله من أهم أسباب الراحة النفسية والاطمئنان، جاء عن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًاف” .

وأن على الإنسان قبول الواقع والظروف التي يعيشها الإنسان كما هي وهذا أمر ضروري للتغلب على ما فيها من معاناة، قال أحد علماء النفس البارزين ألفريد ادلر “السعادة الحقيقية لا تأتي من الظروف المثالية، بل من القدرة على التكيف مع الظروف غير المثالية”، ويسلك منهجاً في التفكير الإيجابي يحوله من المعاناة إلى السعادة في التركيز على الجوانب الجميلة والأحداث السعيدة مهما كانت صغيرة، والاندماج مع المجتمع بالتحدث مع الأصدقاء والعائلة وممارسة الرياضة والسفر، بالإضافة إلى ان مساعدة الآخرين كالمشاركة في الأعمال التطوعية يمكن أن تخرجك من دائرة التفكير في مشاكلك الخاصة والإحساس بالمعاناة وتجعلك تشعر بالسعادة والإنجاز.

قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً  وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (النحل: ٩٧)، قال ابن كثير: “والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت”، يقول ابن القيم “وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى رب العالمين وطلب مرضاته، والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأن أضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر ” .

اسأل الله أن يجنب كل المسلمين السيئات والشرور انه سميع مجيب.