قضاء حوائج الناس عبادة عظيمة في الإسلام، حيث يعد السعي في تيسير أمور الآخرين من الأعمال الجالبة لرضى الله وسعادته. فقد قال رسول الله : “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”. يتناول هذا الموضوع فضل قضاء حوائج الناس في الإسلام، مدعومًا بالأحاديث الشريفة وأمثلة من حياة الصحابة الأجلاء كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، الذين كانوا نموذجًا للإيثار والتضحية.

قضاء الحوائج عبادة جليلة يحبها الله ورسوله، وهي من أسمى وأجلّ الأعمال التي تنفع الإنسان في أخراه ويجد بها البركة في دنياه. وفي الحديث عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله قال: “صنائع ‌المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تُطفئ غضبَ الربِّ، وصِلَةُ الرَّحِم تزيد في العمر”.

وهي من العبادات التي حث الإسلام عليها لما فيها من تعميق لأواصر الأخوّة وتيسيرٍ لأمور المسلمين، كما أنها من أعظم أعمال البر والقربات التي هي سبب لمحبة الله تعالى لعبده، يقول تعالى: { وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } (البقرة: 195)، كما قال سبحانه: { إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } (الأعراف:56).

فينبغي للمسلم أن يدرك فضل هذه العبادة وأن يسعى في تيسير أمور إخوانه المسلمين وأن يجتهد في قضاء حاجاتهم مستشعرا في تلك الحال أن الله عز وجل يكون في حاجته ما دام في حاجة أخيه.

فضل السعي في قضاء الحوائج

رغّب الشارع الحكيم في قضاء حوائج الناس وعظم من أجر هذا العمل حتى فاق الاعتكاف شهرا في مسجد رسول الله  ففي الحديث عنه : “لأن أمشي مع أخٍ لي في حاجة، أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا” (رواه الطبراني).

 وورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي قال: “أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم؛ تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعًا.”

رسول الله وقضاء الحوائج

وأما خير من قضى الحوائج، فهو رسول الله ، ففي قصّته عندما عاد إلى زوجه خديجة بعد حادثة نزول الوحي أنه قال:لقد خشيتُ على نفسي!، فقالت له خديجة رضي الله عنها: كلّا! والله ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.

ماذا قال الرسول عن قضاء حوائج الناس ؟

يحكي أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول: ( كانت الأمَة من إماء أهل المدينة لَتأخذ بيد رسول الله فتنطَلِق به حيث شاءت ) رواه البخاري، وفي حديث آخر عنه رضِي الله عنه : ( أنَّ امرأةً كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله، إنِّي لي إليك حاجة، فقال: يا أمَّ فلان، انظُرِي أي السكك شئتِ حتى أقضي لك حاجتك، فخلاَ معها في بعض الطُّرُق حتى فرغت من حاجتها ) رواه مسلم.

وكان رسول الله يقضي الحوائج ويحضّ الناس على قضاءها فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: “من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” (رواه مسلم).

 صحابة رسول الله وقضاء الحوائج 

كان صحابة رسول الله رضوان الله عليهم مضربَ المثل في التواضع والإيثار فقد روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما استُخلِف أصبح غاديًا إلى السُّوقِ، وكان يحلب للحيِّ أغنامَهم قبل الخلافةِ، فلمَّا بويعَ قالت جاريةٌ من الحيِّ: الآن لا يحلُبُ لنا. فقال: بلى لأحلُبَنَّها لكم، وإني لأرجو ألَّا يُغَيِّرَني ما دخلتُ فيه.

ويقول أبو صالح الغفاري إن عمر رضي الله عنه كان يتعهَّد امرأةً عمياء في المدينة بالليل، فيقوم بأمرها، فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها، ففعل ما أرادت، فرصده عمر، فإذا هو أبو بكر، كان يأتيها ويقضي أشغالها سرًّا وهو خليفة.

وكان للأنصار رضي الله عنهم وافر النصيب من قضاء حاجات إخوانهم المهاجرين فقد روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: لما قدم النبي المدينة أتاه المهاجرون، فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا قومًا أبذل من كثير ولا أحسن مواساةً من قليل  (أي من مال قليل)  من قوم  (أي الأنصار) نزلنا بين أظهرهم (أي عندهم) لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنأ  (أي: أحسنوا إلينا؛ سواء كانوا كثيري المال، أو فقيري الحال)  حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله، فقال النبي : “لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم”؛ (حديث صحيح).

السعادة في قضاء الحوائج 

للسعي في حوائج الناس سعادة ولذة يعرفها من جربها، وشاهِد ذلك قول الشاعر:

 وَلَمْ أَرَ كَالْمَعْرُوفِ أَمَّا مَذَاقُهُ
فَحُلْوٌ وَأَمَّا وَجْهُـهُ فَجَمِيــــــــــلُ

وقول الآخر:

 وأكرم الناس ما بين الورى رجلٌ
تُقضى على يده للناس حاجــاتُ

وكان حكيم بن حزام رضي الله عنه إذا أصبح وليس ببابه صاحب حاجة عد هذا الأمر من المصائب التي يسأل الله الأجر عليها.

يقول محمد بن المنكدر رحمه الله: لم يبق من لذة الدنيا إلا قضاء حوائج الإخوان.

وقال طاوس بن كيسان رحمه الله: إذا أنعم الله على عبد نعمةً، ثم جعل إليه حوائج الناس؛ فإن احتمل وصبَر، وإلا عرض تلك النعمة للزوال.

الخاتمة 

ختامًا، فإن قضاء حوائج الناس عمل عظيم من أجلّ أعمال البر، يدفع به الله عز وجل عن الإنسان كثيرا من الأذى والكربات ويجد بركته في الدنيا والآخرة، فهنيئا لمن يسّرهم الله تعالى لليسرى، وجعلهم ممن يحبهم ويحبونه وقضى حوائج خلقه على أيديهم.