حظي الجيل الحاضر منذ 1996 بالخدمات الإعلامية التي تقدمها شبكة شبكة الجزيرة بقنواتها المتعددة؛ فشعر وعاش وأدرك خصوصية الإمتلاك و، الرؤية ، والأولوية .
ويشهد المهتمون بالشأن الثقافي في قطر والعالم العربي إصدارا شهريا لمجلة ( الدوحة ) التي تحمل اسم عاصمة الدولة ، دلالة على الربط بين المكان والرسالة الثقافية التي تحملها إلى رواد الفضاء الثقافي العربي .
ومؤكد أن بعض هؤلاء الذين تاخذهم بالإعجاب فخامة الإصدار، وحيوية المضمون ، وسخاء الإهداء ، يعرفون عودها إثر إنقطاع عن الصدور زمنا يسيرا بعمر الزمن ، مديدا بعمر الثقافة .
وإلى جانب كلَ أولئك من قليل وكثير ، قد تكون فلتت من ذاكراتهم الثقافية والفكرية ، ذكرى صرح ثقافي إعلامي كانت فيه قطر تطير بجناحي الهوية ( العروبة و الإسلام ) إلى أرجاء العالم العربي .
الجناح العربي ترفع لواءه مجلة ( الدوحة ) ، والجناح ( الإسلامي ) ترسل أنواره مجلة ( الأمة ) – تأسست في غرة محرم 1401 هـ الموافق نوفمبر 1980 م – وتوقف طال المجلتين جميعا سنة 1986 م . وكم تركت المفاجأة من دهشة وأسى بالغين في نفوس المثقفين ، وعامة القراء المهتمين أنئذ .
وقد كانت كل منهما تحمل غذاء ثقافيا وفكريا وروحيا باذخا ، كل شهر إلى ربوع العالم العربي ، يتهافت على التغذي منه بنهم جمهور واسع ، في زمن ثقافي اتسم بعديد من المميزات :
في مقدمتها الإقبال الواسع على القراءة والمطالعة ؛ نتيجة لعوامل عدة منها : انحصار وسائل الترفيه والانشغال الإعلامي في التلفاز ، والسينما في الدول العربية التي عرفت هذا النشاط الإعلامي والفني الثقافي، إلى جانب المذياع والصحافة المكتوبة، وكذا إتساع التعليم في البلاد العربية بوتيرة جيدة ، بعد حرمان إستعماري، أو الفقر في الموارد والثروات الطبيعية.
ومن العوامل أيضا استقطاب المنابر الإعلامية والثقافية الخليجية كوكبة من أعلام الثقافة والفكر والأدب العرب ، لتتوشح بهم أغلفة المجلات ـ خصوصا ـ جاذبة إلى صفحاتها أعين وقلوب وفكر ذوي النهامة من القراء لعطاء أولئك الأعلام وإبداعهم.
ومن العوامل النوعية البالغة الأهمية أيضا ، الدور الكبير الذي لعبته ( الصحوة الإسلامية ) ، في هذا المضمار ؛ فقد أثمرت جحافل من الشباب ، تنافس في كينونته التدين بروحانيته وعباداته وأبعاده الاجتماعية ، والسلوكية والأخلاقية ، ونزوعه السياسي ، نافس التزود المعرفي والعلمي ، والثقافي ، والتكويني العقدي . فأصبحت المكتبة والكتاب والمجلة والشريط السمعي ، من أبرز عناصر المشهد التديني الصحوي الإسلامي .
وبعد ُ، فقد رفرف الطائر القطري بجناحه العروبي ، يهفو لجناحه الإسلامي ، استواء للطيران ، وسراحا للجناحين وانبساطهما في سماء الثقافة العربية الإسلامية، فتخفق الروح بمزيجي أنفاسهما العربية والإسلامية في إحدى أهم عواصم المجموع العربي ، التي تتطلع لأداء دور ورسالة حضارية نحو مستقبل الأمة .
ولا ريب أن كثيرا من المثقفين والمهتمين ، قد هشوا لأوبة الروح العربية ( الدوحة) كرصيفاتها الخليجية العريقة ( العربي ) ، والحديثة ( دبي الثقافية ) وحتى ( الكويت ) ، يستحضرون من التاريخ الثقافي ( للدوحة ) تلك الإطلالات الثقافية والفنية والأدبية والفكرية لكتابها الكبار ، فيزهزن بالفخر والاعتداد والحنين للزمن الجميل .
لكن ميزان الاعتدال يهفو لاستواء كفتيه ، بإشراقة جديدة ( للأمة ) تستأنف ما انقطع من رسالة تنويرية إرشادية توجيهية ، في إبان أحوج ما تكون الأجيال الشابة الناهضة إليه .
فبعيدا عن نزوع شوق ، وجموح عاطفة حب ، نرصد ضرورات تبدت لنا ، لعود إشراقي للأمة:
– التحدي الثقافي الذي تمثله العولمة ، بتمددها الوسيلي عبر أرقى وسائطها تكنولوجياً ، ووسائل التواصل الاجتماعي ، وغيرها .
– التغيرات الجوهرية الكثيرة التي طالت الثقافة، ومظاهرها عالميا، ومايرشح منها على ثقافتنا : كما ونوعا وزمنا . وما تحدثه من آثار فكرية، وسلوكية، وشعورية غير مسبوقة تاريخيا .
– ذر قرن الطائفية المذهبية في أثوابها القاتمة ، المنذرة بأبشع العواقب لمستقبل الأمة.
– ومن المفيد ها هنا ملاحظة خصائص التغيرات الثقافية الجارية ، وطبيعة تأثيراتها على الجيل المتعرض لها طلبا ، أو اقتحاما وفرضا ، فكيف هي إذن؟
نوجزها بعضها فيما يأتي ذكره : ( مجهرية العمق ـ سرعة وكثافة التدفق ـ دقة المسالك ـ غرائزية الدافع والهدف والأداة ـ ذرائعية القيمة ـ وأد العواطف ـ بصرية التلقى والهم والمجال ـ قداسة العنف) . ولكل منها آثاره الخاصة أو المشتركة المتداخلة مع غيرها ، مما يسمح النطاق بالاستطراد في مقاربتها .
– التطورات الهائلة والخطيرة التى نالت الأمة الإسلامية حضاريا ، فأدركت المستوى الذي أصبح فيه ( رُهاب الإسلام \ الإسلامو فوبيا ) و( الإرهاب ) الصورة النموذجية التي يُقدم بها الإسلام للآخرين عالميا . و ( التكفير ) و ( التبديع) و(النزعة المظهرية الشكلية ) النمط النموذجي للتدين ، الأهجم على الضمير ، والخطاب الإسلامي داخليا ومحليا .
وتحظى ( الدوحة ) بقيادة ثقافية إعلامية واعية ، مدركة للمشهد الثقافي والفكري والفني ، وما طاله من تغيرات ، في مستوى لا يقل كفاءة عن قيادات إشراف جيل الرواد ( إبراهيم أبو ناب، الدكتور محمد إبراهيم الشوش،رجاء النقاش ) .
وتختص ( الأمة ) بالشهود الكفء، المميز للقيادة المشرفة المؤسسة ، بجهود فضيلة الشيخ الأستاذ المفكر عمر عبيد حسنة الركن الثاني للقيادة (مع الأستاذ عبد الرحمن المظفر ) ، فلا تزال قامة الأستاذ عمر حسنة الفكرية تُطاول العمر والزمن وأحكامهما بفضل الله ورحمته ، فزادته عراكة الأيام ، ونوائب الأمة ، ومنهكاتاه ، وجراحاتها ، ثباتا ويقينا ، ورسوخ رؤية ، واستيفاء كمال بنيان، فاستوت له مدرسة فكرية إسلامية، لها قسماتها المميزة ، ومنجمها الذي يعد المنقبين فيه بكنوز ثمينة فريدة .
ولا ريب أن أي انبثاق وبعث جديد لـ (لأمة) سيمتاح من معين الأستاذ الجليل، ما يعطى الأفق الارتيادي الاستشرافي مداه .
وعلى كل حال فـ ( الأمة ) ستكون محظوظة ـ إن شاء الله تعالى ـ بشهود المشرف الأبرز ، وكذا بامتداد الأثر يمثله ( كتاب الأمة ) المتواصل الصدور .
وقد تبدر في الأذهان مسألة المنافسة التي يشكلها عصر الاستحواذ الالكتروني، فمن المناسب التذكير بأنه يمثل أيضا فضاء أرحب لبسط المجال ، ونشر رسالة الأمة .
ولا نود إغفال ملاحظة هامة مفادها أن كثيرا من محبي الثقافة في العالمين العربي والإسلامي ، لا تزال تكافح للحصول على وسيلة ثقافية أو إعلامية ورقية ، تروي بها ضمأها للثقافة والإعلام .
أخيرا أحسب التوازي بين الأقران حافزا مهما للاستجابة : ( الوعي الإسلامي ــ الكويت ) ــ ( منار الإسلام ــ الإمارات ) ــ ( التسامح ــ سلطنة عمان ) ـــ( الأمة ــ قطر ) .