وصف تقرير صادر عن الأمم المتحدة القوانين البيئية بالعجز عن ترجمة الطفرة الهائلة في سنها إلى تحسن في جهود الحفاظ على البيئة.
قدم التقرير أول تقييم للقوانين الوطنية واللوائح والسياسات في شتى بقاع العالم، وجاء كاشفا عن غياب الإرادة السياسية، وفقر تمويل الهيئات المختصة، والأنظمة القضائية غير العادلة، بالإضافة إلى سوء التطبيق.
وعُدت هذه الأمور عوامل تسببت في عرقلة الجهود الرامية لمواجهة بعض أكبر تحديات هذا العصر، مثل التغيُّر المناخي وفقدان التنوع البيولوجي.
وللتصدي لتلك العراقيل، يؤكد التقرير ضرورة تعزيز سيادة القوانين البيئية من خلال تقييم عالمي دوري لتتبع التقدُّم المحرز أو أي انتكاس محتمل.
يقول كارل بروخ، وهو باحث قانوني بمعهد القانون البيئي بواشنطن العاصمة ومؤلف مشارك في إعداد التقرير: ”ما شهدناه خلال العقود الماضية كان نموًّا في القوانين والمؤسسات، لكن الجزء الأكبر من هذا التقدم لا يزال معطلًا“.
لقد عانى حقل القانون البيئي ثغرةً أو انقطاعًا من نوعٍ ما على مدار السنوات الست والعشرين الماضية، وفق بروخ.
ووفقًا للتقرير، شهدت مئات من الدول طفرةً في القوانين البيئية في أعقاب مؤتمر قمة الأرض الذي انعقد بمدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل عام 1992، حيث أُدرجت أحكام الحماية البيئية في الدساتير وأُنشئت وزارات للبيئية.
وبحلول عام 2017، أصبح لدى نحو تسعين بالمئة من الدول الأعضاء قوانين أساسية على الأقل مكرسة لحماية البيئة إلى حدٍّ ما.
لكن التطبيق العقيم والعشوائي للقوانين أدى إلى تقويض هذا الواقع. فأغلب البلاد لا تشعر بالحاجة إلى تطبيق هذه القوانين، ولا يقتصر الأمر على دول العالم النامي فحسب.
يوضح بروخ ذلك قائلًا: ”ثمة قوانين لا مفر من إنفاذها، وقوانين يمكن اتباعها إذا رغبت في ذلك –وتندرج القوانين البيئية ضمن الفئة الأخيرة في العديد من الدول“.
ومع ذلك فقد تم تحقيق بعض النجاح. وربما لا نجد مثالًا أوضح على ذلك من حالة كوستاريكا التي تعتمد بشدة على الموارد الطبيعية في إقليم طالما عانى من الصراعات السياسية. فبعد سنوات من إزالة الغابات بدأت الحكومة في تطبيق ضوابط رقابية قوية عام 1998، واستثمرت ملايين الدولارات لحماية التنوع البيولوجي. والآن نجحت كوستاريكا في مضاعفة غطائها من الغابات منذ منتصف الثمانينيات، وتقترب سريعًا من الوصول إلى الحياد الكربوني (الوصول إلى صافي انبعاثات كربون صفر) بحلول عام 2021.
ووفقًا لدراسة نقلها التقرير، يأتي ’التقدم المثير‘ في كوستاريكا بمنزلة مثال على كيف يمكن لسنوات من التطبيق الحازم للضوابط الرقابية البيئية أن تؤدي إلى توافق سياسي، يؤدي –بالتوازي مع الاحترام العميق للقضاء والمؤسسات المعنية بالبيئة– إلى ظهور وصيانة سيادة القانون البيئي.
إضافة إلى ذلك، فإن التقرير -الذي تم إعداده بتنسيق من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ونُشر في 24 يناير الماضي- يسلط الضوء على ردود فعل عكسية مثيرة للقلق، لوحظت تحديدًا في مقتل النشطاء المدافعين عن القوانين البيئية عند مواجهة الحكومات التي تعمل على وضع قواعد جديدة لمراقبة المجتمع المدني والسيطرة عليه.
ووفق التقرير، فقد ارتفع عدد حوادث قتل النشطاء البيئيين أربعة أضعاف منذ عام 2002 إلى 2017. إذ قُتل العديد منهم في غابات نائية ببلدان نامية –في أمريكا اللاتينية والفلبين بالأساس- إثر احتجاجهم على أنشطة الصناعات الاستخراجية، أو السدود الكهرومائية، أو الأنشطة التجارية الزراعية.
تشير وفاتهم –التي لم يخضع معظمها لأي ملاحقات قضائية– إلى سوء وضع سيادة القانون البيئي. يعلق بروخ: ”إن كنت تواجه صعوبةً في حماية حياة الناس، فمن المستبعد، على سبيل المثال، أن تطبق القانون فيما يتعلق بالتراخيص المائية“.
وتتفق مع ذلك فيكتوريا تاولي-كوربوز، المُقرر الخاص المعني بحقوق الشعوب الأصلية لدى الأمم المتحدة. فمنذ أن شغلت منصبها عام 2014، لم تجد إلى الآن مثالًا جيدًا على قوانين مصممة خصيصًا لحماية المدافعين عن حقوق البيئة. ”لم أجد أي دولة تنفذ ذلك بالصورة الصحيحة إلى الآن“، وتصف تاولي-كوربوز –التي لم تشارك في التقرير الأخير- هذا الوضع بأنه: ”مؤسف للغاية“.
دفعت نتائج التقرير ببروخ وزملائه إلى مطالبة دول العالم بتطبيق تقييم ذاتي لحالة سيادة القانون البيئي، للمساعدة في إبقاء التدابير البيئية تحت المراقبة. ومثل هذا التقييم سيستند إلى مؤشرات مختلفة، تتضمن ما إذا كانت الدولة تعترف صراحةً بالحق في بيئة سليمة بدساتيرها، أو مستوى مشاركة الشعب في وضع القوانين واللوائح البيئية، أو عدد الانتهاكات مثل الاتجار في الحيوانات البرية أو التلويث غير المشروع.
وهذا من شأنه أن يدفع باتجاه بعض التقدم، ولكن من الأساسي أن تتحلى هذه التقييمات بالشفافية لكي تعطي نتائج دقيقة، وفق إيديث براون، المحامية وخبيرة القانون البيئي بجامعة جورج تاون بواشنطن العاصمة، التي لم تشارك هي أيضًا في التقرير، والتي تابعت إفادتها قائلةً: ”ما زال أمامنا الكثير لفعله لنضمن بيئة سليمة وقادرة على الصمود للأجيال الحالية والقادمة، وليس من الواضح إن كنا على قدر هذه المهمة“.