تعتبر الإنترنت إحدى أهم الإكتشافات الحديثة، التى ساهمت في تطوير العمل وزيادة فاعليته، وشمل تأثير الإنترنت مختلف جوانب الحياة اليومية للإنسان في هذا العصر. في المجتمعات المسلمة تلعب الإنترنت دورا بارزا في مختلف مناحى الحياة من تعليم وتجارة وتواصل. رغم هذه الأهمية التى أحدثها هذا الاكتشاف فإن المجتمعات المسلمة تواجه تحديات كبيرة من أبرزها الجرائم الإلكترونية التى سببت مشاكل كبيرة للكثير من دول العالم.
رغم أن الجرائم الإلكترونية هي جزء من الجريمة التقليدية بشكل عام مثل: تجارة المخدرات وتبييض الأموال وغيرها إلا أنها تبدو أكثر تعقيدا من هذه الجرائم نتيجة صعوبة الحصول على الأدلة أو تعقب المتهمين. وقد تسببت هذه الوضعية في زيادة الوعي لدى الكثير من الدول بإصدار قوانين خاصة ضد المتهمين بالجرائم الإلكترونية وهكذا ظهرت قوانين مكافحة هذه الجرائم في عدة دول منها: (استراليا 1979)، بريطانيا(1981 _ 1990)، كندا (1985).
في المجتمعات المسلمة ومع تنامي الوعى بضرورة وجود حلول لمشاكل هذه المجتمعات انطلاقا من موروثها الإسلامي وضرورة الاستقلالية التامة عن الحلول المعلبة التى فرضتها حقبة الاستعمار السوداء، فإن هناك توجه لدى الكثير من نخب هذه المجتمعات إلى إنتاج قانون جديد ضد الجرائم الإلكترونية يستمد قبسه ونوره من مصادر القرآن والمنهاج النبوي، قانون يخفف من آثار الاندماج في المنظومة التكنولوجية العالمية.
التساؤل الذي يطرح نفسه في ضوء ما سبق هل يوجد قانون إسلامي خاص بالجرائم الإلكترونية؟ وفي حالة عدم وجود هذا القانون كيف يمكن خلقه في ضوء الشريعة الإسلامية؟
خصائص الجرائم الإلكترونية
تشير التقارير الحديثة إلى أن زيادة التطور التكنلوجي وتوسع إنتشار الإنترنت يرافقه في العادة زيادة في الجرائم الإلكترونية وتطور في أساليبها، وتؤكد هذه التقارير بأن نسبة انتشار هذه الجرائم سترتفع خلال السنوات العشر القادمة وسيضع هذا الأمر الحكومات أمام تحد كبير لحماية مجتمعاتها من الجرائم الإلكترونية. تمتاز الجرائم الإلكترونية بمجموعة من الخصائص تميزها عن الجرائم التقليدية، من هذه الخصائص:
– إخفاء الهوية الحقيقة للمجرم
– سرعة تنفيذ الجريمة
– إمكانية استغلال السلطة بواسطة المنظمات الإجرامية
– سرعة تغيير الأدلة
– غياب استخدام الوسائل المعروفة مثل بصمة اليد أو “دي أن أي”.
– وأخيرا التكلفة المادية الباهظة لهذا النوع من التحقيقات.
تشير هذه الخائص إلى الصعوبة والتحديات الكبيرة التى تواجه المحققين في هذا النوع من الجرائم، وإمكانية توسعها وانتشارها. ففي تقارير دولية عن تبييض الأموال وصلت قيمة هذه الأموال 500 مليار دولار خلال السنة الماضية. وصياغة حلول لهذه المعضلة يتطلب تضافر جهود الفرد والحكومة والمؤسسات والمجتمع بشكل عام.
نظرة الإسلام للجريمة الالكترونية
ركز الإسلام بشكل كبير على الأمن واعتبره ضمن أولى الأولويات وقدمه على الكثير من الأمور الحياتية الأخرى المتعلقة بحياة الفرد والمجتمع، وكان القانون الإسلامي رادعا وقويا ضد كافة أنواع الجرائم، بل ذهب الإسلام أبعد من ذلك في طرق مواجهة الجريمة حيث ركز على بناء الإنسان وزرع فيه قيم الصدق والوفاء ولهذا البناء والتكوين لذات الإنسان المسلم دور مهم في خلق مجتمع خال من أنواع الجرائم، وقد أثبتت تقارير دولية جديدة حول انتشار الجرائم أن الدول الإسلامية من أقل دول العالم نسبة في انتشار الجريمة.
المنظومة التى جاء بها الإسلام لمواجهة الجريمة منها ما هو مستنبط من المصدرين التشريعين الرئيسين القرآن والسنة ومنها ما تم استنباطه بناء على قواعد الاجتهاد والقياس وغيرها من القواعد الأصولية خاصة تلك الجرائم التى لم تكن معهودة في العصور الماضية.
تمتاز قوانين الشريعة بالمرونة في التعامل مع القضايا المستجدة في حياة المسلم ولذلك فتح الإسلام باب الاجتهاد ليكون مصدرا من مصادر التشريع ومنبعا من منابع التقنين رحمة ورأفة بالمسلم.
قدم الإسلام منهجيتين مختلفتين للتعامل مع الجرائم أولاهما: من خلال بناء الذات وزرع القيم الإسلامية في نفوس الأفراد وتوعيتهم بأهمية الصدق والوفاء والإستقامة، والمنهجية الثانية هي: سن العقوبات للمخالفين والضالعين في الجرائم وتطبيقها بعد توفر الأدلة اللازمة.
منهجية و نتائج الدراسة
من أجل تسليط الضوء على أهمية قانون الجريمة الإلكترونية في ضوء مصادر التشريع الإسلامي تم إطلاق أستطلاع رأي شمل أكثر من 100 طالب في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، ينتمي هؤلاء الطلاب إلى كليات: الشريعة، القانون، علوم الكمبيوتر، ومن ضمن الأسئلة التى شملتها (Pilot Study):
السؤال الأول: هل يجب على الحكومات مراقبة محتويات الإنترنت من أجل حماية المجتمع؟
أظهرت النتائج أن 80% من طلاب كلية القانون الذين شملهم الاستطلاع يدعمون تدخل الحكومة لمراقبة محتوى الانترنت بينما 20% يرفضون هذا التدخل، بينما 85% من طلاب كلية الشريعة يدعمون هذا التدخل و15% يرفضونه، بينما انخفضت نسبة الداعمين لتدخل الحكومة ومراقبتها على محتوى الإنترنت بين طلاب كلية علوم الكمبيوتمر إلى 65%.
السؤال الثاني: هل ستحد الرقابة الحكومية على محتويات الإنترنت من الحرية الفردية؟
كانت النتائج متقاربة بين مختلف طلاب الكليات الثلاث حيث كان 50% من طلاب كلية القانون الذين شملتهم الدراسة لا يعتقدون أن الرقابة الحكومية على محتويات الانترنت تحد من حرية الفرد، ثم 66% من طلاب كلية الشريعة يتبنون نفس الفكرة و كذالك 65% من طلاب كلية علوم الكمبيوتر مع نفس التوجه.
السؤال الثالث: قانون الجرائم الإلكترونية هل يجب أن يعتمد على مصادر التشريع الإسلامي أم القانون الوضعي؟ أظهرت النتائج أن 86% من طلاب كلية القانون يرون ضرورة وجود قانون مستوحى من التشريع الإسلامي ضد الجرائم الالكترونية، ووافقهم في ذلك 90% من طلاب كلية الشريعة الذين شملتهم الدراسة.
خلاصة البحث تشير إلى زيادة الوعي بين طلاب الجامعة الإسلامية بضرورة خلق خيارات وحلول لمشاكل المجتمع المسلم من خلال التشريع الإسلامي، كما أوضحت الدراسة أهمية أمن المجتمع وتقديم مصالحه على المصالح الفردية، هناك إمكانية كبيرة ووسائل متاحة لاستخدام مختلف مصادر التشريع الإسلامي لإيجاد قانون خاص بالجرائم الإلكترونية مستنبط من الشريعة الإسلامية.