جاء الأمر بالاستجابة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم في خطاب موجه للمؤمنين الصادقين، وذلك في قوله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون﴾ [الأنفال: 24]، والمراد بالاستجابة في الآية الكريمة أجيبوا، وذلك أن الكلمة حين تطلق فإن المتبادر إلى الذهن أن ثمة أحدا ينادي سواء كان نداء طلب أو استغاثة، ويرجو الإجابة، “وقد غلب استعمال الاستجابة في إجابة طلب معين أو في الأعم”.  

ومن ذلك قول الشاعر:

وداع دعا يا من يجيب إلى النّدا ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب

وقال القشيري: «حقّ الاستجابة أن تجيب بالكلية من غير أن تذر من المستطاع بقية» [«لطائف الإشارات = تفسير القشيري» (1/ 614)].

وقد بين ابن عاشور وجه الاستجابة لله ورسوله حين ذكر فائدة تكرار حرف الجر “لام” في قوله (وللرسول)، مع كونه يمكن الاكتفاء باللام الأول والعطف عليه، فقال:

  • إن إعادة حرف (لام) بعد واو العطف في قوله: (وللرسول) للإشارة إلى استقلال المجرور بالتعلق بفعل الاستجابة، تنبيها على أن استجابة الرسول صلى الله عليه وسلم أعم من استجابة الله.
  • الاستجابة لله لا تكون إلا بمعنى المجاز وهو الطاعة بخلاف الاستجابة للرسول عليه الصلاة والسلام فإنها بالمعنى الأعم الشامل للحقيقة وهو استجابة ندائه، وللمجاز وهو الطاعة فأريد أمرهم بالاستجابة للرسول بالمعنيين كلما صدرت منه دعوة تقتضي أحدهما.
  • ويشهد لهذا المعنى أن القرآن الكريم حين يريد بالاستجابة معنى الطاعة فإنه لا يعيد حرف (اللام)، قال ابن عاشور: “ألا ترى أنه لم يعد ذكر اللام في الموقع الذي كانت فيه الاستجابة لله والرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى واحد، وهو الطاعة، وذلك قوله تعالى: (الذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم القرح) [آل عمران: ١٧٢] فإنها الطاعة للأمر باللحاق بجيش قريش في حمراء الأسد بعد الانصراف من أُحُد، فهي استجابة لدعوة معينة”. [ «التحرير والتنوير» (9/ 312)].
  • وقوله (إذا دعاكم): فيه إفراد ضمير دعاكم لأن الدعاء من فعل الرسول مباشرة، وليس قوله: إذا دعاكم لما يحييكم قيدا للأمر باستجابة، ولكنه تنبيه على أن دعاءه إياهم لا يكون إلا إلى ما فيه خير لهم وإحياء لأنفسهم. «التحرير والتنوير» (9/ 312)

أثر الاستجابة لنداء الرسول صلى الله عليه وسلم؟

حيث إن الخطاب بالاستجابة لله وللرسول موجه للمؤمنين الصادقين كان المتوقع بيان القرآن الكريم حقيقة المطلوب منهم الذي يجب امتثاله، وهو الفعل المدعو إليه، وهذا ما نجده في قوله تعالى ﴿.. إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾. فقد بحث المفسرون معنى الإحياء في هذه الآية الكريمة، وننقل أقوالهم كما يأتي:

1 – تفسير ابن عاشور: والإحياء تكوين الحياة في الجسد، والحياة قوة بها يكون الإدراك والتحرك بالاختيار، ويستعار الإحياء تبعا لاستعارة الحياة للصفة أو القوة التي بها كمال موصوفها فيما يراد منه، مثل: حياة الأرض بالإنبات، وحياة العقل بالعلم وسداد الرأي، وضدها الموت في المعاني الحقيقية والمجازية..

والإحياء هذا مستعار لما يشبه إحياء الميت، وهو إعطاء الإنسان ما به كمال الإنسان، فيعم كل ما به ذلك الكمال من إنارة العقول بالاعتقاد الصحيح والخلق الكريم، والدلالة على الأعمال الصالحة وإصلاح الفرد والمجتمع، وما يتقوم به ذلك من الخلال الشريفة العظيمة، فالشجاعة حياة للنفس، والاستقلال حياة، والحرية حياة، واستقامة أحوال العيش حياة.

2-  تفسير ابن عطية: قال مجاهد والجمهور: المعنى للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواه، وهذا إحياء مستعار لأنه من موت الكفر والجهل.

وقيل: الإسلام وهذا نحو الأول، ويضعف من جهة أن من آمن لا يقال له ادخل في الإسلام.

وقيل: (لِما يُحْيِيكُمْ) معناه للحرب وجهاد العدو وهو يحيي بالعزة والغلبة والظفر، فسمي ذلك حياة كما تقول: حييت حال فلان إذا ارتفعت، ويحيي أيضا كما يحيي الإسلام والطاعة وغير ذلك بأنه يؤدي إلى الحياة الدائمة في الآخرة، وقال النقاش: المراد إذا دعاكم للشهادة.. فهذه صلة حياة الدنيا بحياة الآخرة. [«تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» (2/ 514)].

ولم يختلف المفسرون عن الأقوال السابقة التي ذكرها ابن عطية، بل بنوا تفسير الإحياء في هذه الآية على هذه الأقوال بالإضافة إلى بعض التفاصيل، منهم الإمام الطبري والرازي، وابن الجوزي وغيرهم.

3-  ابن القيم في الفوائد: ذكر بعض المعاني الدقيقة لقوله (لما يحييكم)، فقد اعتبر “الْحَيَاة النافعة إِنَّمَا تحصل بالاستجابة لله وَرَسُوله فَمن لم تحصل لَهُ هَذِه الاستجابة فَلَا حَيَاة لَهُ”.

كما رأى أن الحياة الحقيقية الطيبة «حياة من استجاب لله والرسول ظاهرا وباطنا فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسو» [«الفوائد لابن القيم» (ص88)].

ووصف هذه الحياة التي يدعوهم إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها “قوة التميز بين النافع والضار في العلوم والإرادات والأعمال وتفيده قوة الإيمان والإرادة والحب للحق وقوة البغض والكراهة للباطل فشعوره وتمييزه وحبه ونفرته بحسب نصيبه من هذه الحياة”.