نظمت كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر الصالون الثقافي للجلسة العلمية الأولى من نوعها ضمن سلسلة جلساتها المقرر تنظيمها في الجمعة الأخيرة من كل شهر، وقد انعقدت هذه الجلسة في ربوع الحي الثقافي كتارا تحت عنوان: ”رحلة علمية مع التفاسير المعاصرة”، قدمها الأستاذ الدكتور أحمد شكري، صاحب البصمة الواضحة في التفسير وعلوم القرآن الكريم تدريسا وتصنيفا. افتتحت الجلسة بكلمة عميد الكلية الدكتور إبراهيم الأنصاري، عرف فيها برؤية هذه المبادرة وذلك في أوساط حضور أساتذة ومنتسبي الجامعة والمهتمين الأكاديميين.

تناولت هذه الحلقة العلمية عددًا من المواضيع المهمة الخاصة بالتفاسير المعاصرة  تحليلا وتقويما. بدأ الدكتور أحمد شكري بالتعريف العام بعلم التفسير من جهة كونه بيانا لمراد الله تعالى من كلامه بقدر الطاقة البشرية، واعتبر هذا التعريف أحسن ما وقف عليه اجتهاده لأن التفسير في النهاية مسألة نسبية من جانب حيث يختلف باختلاف الأشخاص وباختلاف الخلفيات العلمية الثقافية، ولوجازة هذا التعريف من جانب آخر.

وتوصل شكري في تقسيم درجات المفسرين بين الماضي والحاضر من حيث الاتقان والرصانة إلى أربع: درجة الإمام في التفسير أمثال الطبري والقرطبي وغيرهما ممن شكلوا مفاصل في حركة التفسير، ثم درجة الناقل الذي يكتفي بنقل كلام من سبقه مع تعديلات خفيفة، والدرجة الثالثة هي المفسر المحاول، الذي يجهد نفسه على التفسير وقد يحالفه التوفيق فيصل إلى مرامه، وقد لا يصل. أما الدرجة الرابعة وهي المفسر المدعي، فهو الذي دخل في تفسير الكتاب العزيز دون أهلية ولا موهبة.

ثم حدد الدكتور شكري مراده من “المعاصر” في هذه الدراسة، فاعتمد على كل كتاب في التفسير لم يمر على وفاة مؤلفه مئة سنة. كما اعتبر سبب اختيار هذا الموضوع بالدراسة هو كثرة المؤلفات المعاصرة في التفسير حيث يبلغ عدد تفسير القرآن كاملا أو قريبا منه مئةً وسبعين (170) مصنفًا، وهذا العدد يقارب رقم  التفاسير المطبوعة مجموعة من القرون الأولى إلى آخر تفسير قبل الفترة الزمنية المحددة لهذه الدراسة.

تناول الدكتور أحمد شكري تبعا لهذا السبب جملة من الظواهر التي تختص بالتفاسير المعاصرة، وبنى محاور الدراسة عليها وهي أولا – التفاسير المعاصرة بين التجديد والتقليد، ثانيا – التفاسير المعاصرة بين النهوض والغموض، ثالثا – اقتحام المرأة ميدان التفسير، رابعا- التفسير الإعلامي وتجديد الخطاب الديني.

حاول الدكتور شكري في المحور الأول أن يبرز أسباب كثرة كتب التفاسير المعاصرة حين تساءل قائلا: هل التفاسير المعاصرة نسخ مكررة؟ وأتى جوابه أن هذه الكتب قد تظهر بينها نسبة من التداخل غير أنه لا يصل إلى درجة التطابق والتكرار، وحين يمعن النظر يتبين أن لكل مفسر ميزته وبصمته في كتابه، بل إن تعدد كتب التفاسير في هذا العصر يبرهن على ثروة معاني القرآن الكريم وثراء مدلولات ألفاظه، حيث يتسع للتعدد في الفهم والاستيعاب، ويفتح آفاقا علمية واسعة.

وبالنسبة إلى المحور الثاني وهو التفاسير المعاصرة بين الوضوح والغموض، فإن الدكتور شكري بين مراده بالغموض وذلك حين يتقلد تفسير معاني القرآن الكريم بعض المفسدين والمتطفلين على علم التفسير دون معرفة، ودخل في هذا الميدان من أجل الإفساد والتضليل في القرآن الكريم، ولكن اكتشفوا بمحاولة خفيفة.

أما ظواهر النهوض والارتقاء، والإيجابية للتفاسير المعاصرة فإنها كثيرة وجلية، وفتح مجالات لإثراء العلم والمعرفة، ثم ضرب أمثلة بكتاب التحرير والتنوير لابن عاشور، وتفسير في ظلال القرآن للسيد قطب، وتفسير تيسير الكريم الرحمان للشيخ السعدي، حيث أنتجت حول كل واحد من هذه النماذج رسائل علمية إثرائية بالعشرات.

والمحور الثالث هو اقتحام المرأة في ميدان التفاسير ، فقد شهدت الحركة العلمية للتفاسير المعاصرة بشكل خاص دخول عدد مقبول من المؤلفات في تفسير القرآن الكريم كاملا، ويعد هذا ميزة فريدة في هذا العصر، حيث لم يقف الباحث على كتاب تفسير كامل من هذا النوع في العصور قبل هذه الدراسة، ويدل هذا على النهضة العلمية في هذا العصر. ومن أمثلته:

نظرات في كتاب الله لزينب الغزالي، بدأت هذا التفسير 1995، واكتمل في 2010، وتعد هذه المحاولة هي الأولى في نوعها في تفسر المرأة للقرآن الكريم كاملا، ويقع الكتاب في ثلاثة مجلدات.

يليه كتاب المبصر لنور القرآن لنائلة هاشم صبري زوج عكرمة صبري إمام مسجد الأقصى، ألفته في 11 مجلدا واستغرق تأليفه 20 سنة.

وتناول الدكتور أحمد شكري في النهاية أبعاد التجديد والإيجابية في التفاسير المعاصرة، واقتصر على أهمها فيما يأتي:

– التفسير الموضوعي وهو مما امتاز به هذا العصر حيث يبحث عن موضوع السورة، ومحوره العام، وعموده الفقري، مخالفا التفاسير القديمة التي كانت تسير على نمط التفسير الموضعي أو التحليلي، تبدأ من أول القرآن إلى آخره. ومن رواده الفراهي وأحمد الكومي، ووضعوا إطاره وعليه وضع كتاب في ظلال القرآن.

– التفسير الجماعي، حين تقوم مجموعة من المفسرين بكتابة تفسير واحد وفق منهج واحد، وهذا من الظواهر الإيجابية للتفاسير المعاصرة، ويتميز هذا النوع من التفسير بصحة الترجيحات والنضج، والبعد عن الخطأ، وسرعة الإنجاز، وهو مدعاة للقبول عند الناس. ومن أمثلته: التفسير الوسيط  وضعه لجنة من علماء الأزهر من أبرزهم محمد أبو زهرة، ومحمد حسين الذهبي.

– تخصيص فئات من المجتمع بتفسير يخاطب به فئات مخصصة  من المجتمع دون غيرها. مثل تفسير القرآن للناشئين للأستاذ عبد الحليم عويس، وتفسير البراعم المسلمة لمحمد موفق سليمة.

– تخصيص جوانب من التفسير بالاعتناء من أمثلة ذلك: التفسير التربوي لصاحبه أنور الباز، والتفسير الاقتصادي للأستاذ رفيق يونس المصري.

– التفسير عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وهذا يعد نافذة هائلة في انتشار التفسير في هذا العصر، ويدخل في هذا التفاسير التي تبث على الإذاعة والتلفزيون، ومن أبرز هذا النوع تفسير الشعراوي.